المعارضة السورية بين الواقع والوهم / إسماعيل القاسمي الحسني

 

 

إسماعيل القاسمي الحسني ( الفلاح الجزائري ) الثلاثاء 27/1/2015 م …

 

كان لي في زيارة سورية الصيف الماضي، الحظ بلقاء وجوه عديدة من المعارضة الداخلية مدنية وعسكرية، ولعل من أبرزها بالشق المدني في تصوري السيد فاتح جاموس، الذي أمضيت معه ساعات طويلة في مناقشة الأزمة السورية ودور المعارضة وأفاقها ورؤيتها للحلول، وهنا أسجل للرجل ثقافته الواسعة وتبحره في الفكر والتنظير اليساري، كما احترمت فيه تواضعه ودماثة خلقه وحيويته التي تتجاوز سنه، وسعة صدره التي طوت ما تعرض له من “غبن” كما وصف ذلك الجنرال بهجت سليمان في أحد لقاءاتي به.

وإن كنت اتفق مع السيد فاتح جاموس حول كثير من مواطن الخلل في نظام الحكم بسورية،       والتي تقر بأغلبها القيادة نفسها، كما لم نختلف بخصوص تشخيص الأزمة سواء من ناحية الأسباب أومن جانب التدخل الخارجي، والسهم الخطير لمن تسمت بالمعارضة الخارجية في صناعة الكارثة عن قصد، فيها من المتاجرة بالوطن ما لا يتسع المقال لتفصيله؛ غير أنني اختلفت معه في نقطة مفصلية، وهي رؤية الحل، وكان من بين ما قلته للسيد فاتح جاموس أنهم يقدمون العربة على الحصان، فمع إقراره بأن سورية الآن في مواجهة إرهاب بالغ الخطر، يتغذى من ناحية بانفصال المعارضة عن الواقع، ومن ناحية أخرى بكل أدوات التنمية من أطراف عربية   وغربية تعمل بشكل علني على إضعاف سورية لصالح العدوالإسرائيلي، ما يعني بالضرورة أن سورية في حرب حقيقية، غير أن السيد فاتح جاموس لا يرى حلا لهذا الوضع المعقد            والخطير إلا بمساهمة سياسية للمعارضة؛ وهنا تحديدا نقطة الخلاف، فإن كان تقدير الموقف ملخصه قناعة بأن سورية في حالة حرب مع عدومعظم أدواته خارجية، فلا محالة أن مواجهة هذه الحرب تكون بمثل أدواتها على الأرض، أي أدوات عسكرية وقتالية، ولا مقام هنا للمعارضة السياسية وترف التنظير وطرح المناكفات اللغوية، ثم أي خبرة لدى المعارضة السياسية السلمية في الميدان العسكري لتسهم بها في مواجهة هذا الواقع الذي تقر به؟ وإن كان السيد فاتح جاموس وغيره ممن التقيت بهم مدنيين وعسكريين يسلمون بصحة هذا الطرح، على الأقل من الناحية الموضوعية، فإنهم يصرون على ضرورة وجود مساحة للحركة السياسية، التي يرون من حق المعارضة “الوطنية” السورية التعبير من خلالها عن موقفها، والمشاركة الفعلية والعملية بما تملك لحل الأزمة؛ كنا في الشهر الثامن من العام الماضي، حين حدثني السيد فاتح جاموس عن تواصله المباشر مع السيد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، من أجل خلق فضاء يتجاوز جنيف، يجمع بين القيادة السورية والمعارضة الوطنية على طاولة حوار سورية سورية، وعلى ما يبدوأن هذا الذي يُصاغ له في موسكوفي الأيام القليلة القادمة؛ ولا أنكر هنا أنني في حينها لم أجد جدوى من هذه الخطوة، سوى سحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها، وإن كان لهذا دلالة رمزية وإعلامية فقط، غير أنه لن يغير من طبيعة الصراع على الأرض، ولن يغير بحال من الأحوال في موازين القوى؛ ذلك أن القيادة السورية في جانبها الدبلوماسي، تتحرك وفق التطورات العسكرية الميدانية، وليس العكس.

تذكرت هذا حين وصلتني نسخة من بيان المعارضة السورية التي اجتمعت في القاهرة، وتابعت جزءا من ندوتها الصحفية، وهنا لا أتحدث عن ما يسمى بالائتلاف السوري، فقد كفتنا شخصياته توصيف واقعه ومُحرّكاته الأصيلة وأهدافه الحقيقية، والتي لا تمت بصلة لما يسوقه عبر الفضائيات، وكذلك لا أتكلم عن السيد احمد معاذ الخطيب، الذي أشرقت شمسه من موسكو،       وحينها كتبت: أن الشمس لن تشرق إلا من دمشق، وسرعان ما أصدر بيانا في 2015/01/01 أعلن فيه غروب الشمس بموسكو، و تراجع ثانية تماما كما فعل وهورئيس هذه الهيئة المصنعة عن نقطة رحيل الرئيس بشار الأسد، ليجعل منها صدر بيانه لما يراه حلا واقعيا للأزمة السورية.

إن من أبجديات العلوم السياسية، هي توظيف ما تملك لتحقيق ما يمكن وفقه وعلى قدره، وفي هذه الحال يطرح السؤال نفسه بقوة: ماذا تملك هذه المعارضة على أرض الواقع؟ هذا السؤال الموضوعي تتهرب من الإجابة عليه بوضوح ما يسمى بالمعارضة السورية. الواقع الذي يبدوأن الإخوة منفصلين عنه بشكل يدعوللدهشة والعجب، ملخصه هوالآتي: على الأرض السورية هناك طرفان اثنان ولا ثالث لهما، الأول وهوالقيادة السورية الى جانبها جيش نظامي متماسك بل ويزداد تماسكا وصلابة، وجزء مهم من الشعب السوري، اتفقنا اواختلفنا حول مساحته، غير أنها مساحة فرضت صمود الدولة وعدم انهيارها، أمام حرب يعترف بها العالم يشارف عمرها الأربع سنوات، ما يعني أنها مساحة مهمة من الشعب السوري، والطرف الثاني هوالمجموعات المسلحة، وإن كانت تحت عشرات العناوين والمسميات، غير أنها ذات نهج وهدف واحد؛ وما وصفت المعارضة بالمعارضة السياسية إلا لأنها لا تملك من سلطة الحكم ما تدعي قدرة التغيير فيه أوعليه، إذن : هل تملك لدى الطرف الآخر أي شيء يمكّنها من توظيفه؟.

هذه المعارضة هي ذاتها باتت تعتبر الجماعات المسلحة عدوا، طبعا بعد فوات الأوان، وبعد أن أعطتها في بداية صناعة الأزمة شرعية وتغطية سياسية، وكلنا يذكر كيف انتفض غضبا احمد معاذ الخطيب في مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” بالمغرب، حين صنفت الولايات المتحدة “جبهة النصرة” كمنظمة إرهابية، واليوم تعلن المعارضة السياسية من القاهرة واسطنبول الحرب على الطرفين كليهما، ولا ندري في موقف كهذا أي قدرة تملكها هذه المعارضة، وقد خسرت من قبل في مواجهتها للقيادة السورية، الجرأة على توهم امتلاك القدرة على هزيمة الطرفين؟ أولنقل انصياعهما لما تمليه من شروط معا وفي آن واحد؟

وختاما، لابد من تذكير بعض رموز المعارضة السورية، التي ترى بأن غياب دور مصر فاقم في الأزمة السورية، بأنه طرح مجانب للصواب تماما، ذلك أن الواقع الذي يدركه كل متابع للشأن السياسي العربي، أن نظام الحكم في مصر ومنذ معاهدة السلام مع العدوالإسرائيلي، فقد دوره بشكل كلي في القضايا العربية، بل أحيانا وفي مفاصل خطيرة كهذا المفصل، كان دوره سلبيا مدمرا، ويصب بشكل كلي في مصلحة الولايات المتحدة وربيبتها. ولعل هذا الطرح يعزز من اعتبارنا أن المعارضة السورية منفصلة عن الواقع، وتتخبط في مواقفها تخبط الأوهام.

إذا كانت المعارضة السورية مقتنعة فعليا بأن الجماعات المسلحة التكفيرية تشكل خطرا وجوديا على وطنهم ووحدته الجغرافية، وخطرا وجوديا على النسيج الاجتماعي لشعبهم، فالواقع يفرض عليها في هذه الحالة أن تعلن بشكل واضح، اصطفافها إلى جانب الجيش العربي السوري، وتنضم معه في ذات الخندق، وتدعوقواعدها -إن وُجدت- للتجند إلى جانبه، وعند دحر هذه الجماعات المسلحة الأجنبية، لا بأس حينها من الخوض في الترف السياسي، أما ما دون ذلك، فلا تعد كل مبادرات المعارضة إلا واحدة من اثنتين، إما صاحبها فعلا يعيش أوهاما، وإما كما عهدنا يتاجر بوطنه ودماء أبناء شعبه… والله أعلم

قد يعجبك ايضا