مخالفة الدستور بدل احترامه / د.زيد حمزة

 

د.زيد حمزة ( الأردن ) الأربعاء 20/1/2016 م …

قبل نصف قرن سمعنا كلاما بالغ الاهمية قاله لنا الدكتور خليل السالم واستقر في وجداننا وذلك حين كلفه رئيس الوزراء وصفي التل باستقبالنا كوفد من نقابة الاطباء لبحث مطلبنا بوضع طابع بخمسة فلسات على كل علبة دواء يشتريها المرضى وذلك لصالح صندوق الضمان في النقابة، والقصة ببساطة ان مجلس النقابة تقدم بهذا الاقتراح يومذاك منتهزا فرصة التحسن الذي طرأ على العلاقات مع الحكومة بفضل السياسة الحوارية الودية التي انتهجها الراحل التل مع النقابات وبالذات مع نقيبنا الدكتور وليد القمحاوي واثمرت الموافقة على إنشاء اول مجلس صحي استشاري تشكله وزارة الصحة وتشاركها فيه نقابة الاطباء ، وقد تطور فيما بعد ليصبح المجلس الصحي العالي، ومختصر كلام الدكتور السالم الذي باغتنا به منذ اللحظات الاولى للاجتماع هو: يجب ان تعلموا ان ما تطلبونه يعني ضريبة جديدة تفرض على المواطنين وهذه حسب الدستور لا تجوز إلا بقانون، وحصيلتها ينبغي ان تدخل في الخزينة، ولا توجد ضريبة تذهب الى جهة او مؤسسة أو هيئة خاصة أو عامة خارج ميزانية الدولة، والمسألة ايضا ايها الاصدقاء الاطباء مسألة اخلاق حيث لا تبرر الغاية الوسيلة، فكيف يجوز أن تمدوا ايديكم لطلب الدعم من المرضى وبينهم عدد كبير من الفقراء وفي نفس الوقت بينكم عدد كبير من الاطباء الاغنياء ! ولم نجادله البته فقد كان رأيه واضحاً مفحماً ولا اذكر ان نقابة الاطباء اعادت المحاولة منذ ذلك التاريخ ، لكني من ناحيتي بدأت فيما بعد أتنبه وأنبه لانواع أخرى من الجباية غير الدستورية التي تقوم بها بعض النقابات المهنية بطرق مختلفة وحسب قوانينها التي تنجح في تمريرها وتكسب من ورائها شعبية انتخابية على صعيدين أولهما زيادة دخل اعضائها مباشرة أو رفع رواتبهم التقاعدية، وثانيهما ما يدخل صناديقها من تلك الجباية حتى ان بعضها يفيض بالملايين فتغامر بالاقدام على مشاريع استثمارية ضخمة لا يجرؤ عليها الا اصحاب رؤوس الاموال والشركات الكبرى ! وليس ضروريا ان يكون لتلك المشاريع اي علاقة بمهنها ! وربما يذكر البعض عديداً من المقالات كتبتها حول هذا الشأن في تسعينات القرن الماضي فطالبت مثلاً بالغاء طابع نقابة المهندسين الزراعيين الذي يلصق على كل سلعة زراعية تدخل الاسواق ويضاف سعره بالطبع على المشتري اي المواطن فلاحا كان او عاملاً زراعيا او مالك مزرعة ومن المفارقات أن الحكومة نفسها هي التي تحصّل هذه الضريبة وتوردها للنقابة التي تراقب حسن التطبيق حسب قانونها ! وقد ثار حول ذلك جدل ساخن لم يتدخل فيه ديوان تفسير القوانين ولم يحسمه حتى رأي وزير العدل (نائب رئيس الوزراء يومئذ) الذي كان الوحيد الذي أفتى بشجاعة ان هذا الطابع ضريبة لا تدخل خزينة الدولة وتشكل بذلك مخالفة دستورية ، وقد دافعت النقابة عن الطابع بأنها تنفق حصيلته على تدريب اعضائها الجدد للنهوض بالوطن زراعياً ! وهو على اي حال جدل يشبه بشكل عام ما يدور هذه الايام حول دستورية قانون جديد لنقابة المحامين يلزم كل شركة بتعيين محام براتب يحسّن دخله ويذهب جزء منه لصندوق النقابة ، ومن المعلوم ان نقابات اخرى كالمهندسين وسواها تحصّل من المواطنين مباشرة أو بطرق غير مباشرة رسوماً عديدةً توفر لها في النهاية دخلا ماليا كبيراً.

وبعد.. تبقى الحقيقة المجردة عن الهوى كما قالها خليل السالم لنقابة الاطباء قبل نصف قرن وبّين فيها ان هذه الانماط من الجباية مخالفة للدستور ولا يجوز ان يمارسها من يطالبون الحكومة باحترامه أو يطالبونها بتخفيف وطأة الضرائب على المواطنين ثم يقومون هم بفرضها وتبريرها حين تكون لمصلحتهم ومصلحة نقاباتهم !

قد يعجبك ايضا