بغداد وأنقرة: هل اقتربت.. «الحرب»! / محمد خروب

 

محمد خروب ( الأردن ) الإثنين 14/12/2015 م …

لا يبدو ان التراشق الاعلامي المصحوب بانتقادات لاذعة وتهديدات تُسمع فيها طبول الحرب بين العراق وتركيا، مُرشح للتراجع او التوصل الى صيغة ما، تحفظ ماء وجه الطرفين، بعد ان وصلت الأمور – أو كادت – الى نقطة اللاعودة، بتمسك كل طرف بمواقفه المُعلنة وخصوصا فشل الوفد التركي الذي قاده رئيس المخابرات حقان فيدان، في «اقناع» بغداد بقبول الفيلق العسكري التركي عبر «التفاوض» على اتفاق يُنظِّم وجوده.

دخول المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، على خط الأزمة وتأكيده، على أن «من مسؤولية الحكومة العراقية حماية سيادة العراق، وعدم التسامح مع أي طرف يتجاوز عليها، مهما كانت الدواعي والمبررات».. يأخذ الأزمة الى منعطف آخر، لا يستطيع حيدر العبادي تجاهل مضامين رسالة السيستاني، الذي ما يزال يوفر له «الحماية» التي يحتاجها الآن أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط في مواجهة تركيا و»حلفائها» في الوسط العراقي، بل ودائماً في مواجهة مُنافِسيه في المكونات السياسية العراقية المتماثلة معه في الوسط الشيعي والذين لم ينسوا للحظة ان السيستاني هو الذي رجّح كفة العبادي في صراعه مع معسكر نوري المالكي، الذي رفض التراجُع عن موقفه التمَسُّك برئاسة الحكومة، الا بعد ان حسم السيستاني المسألة، خصوصا ان العبادي طرح شعار المُحاسبة والشفافية ومحاربة الفساد والقضاء على الفوضى واستعادة الأمن، وتحرير الأراضي العراقية المحتلة من قِبل داعش، وكان ما كان… الى ان بات الفشل عنواناً مطروحاً على الساحة العراقية، مع تصاعد أهمية ودور الحشد الشعبي وفشل العبادي في الوفاء بوعوده، ما اضعف من موقفه ودفعه للتماشي (اقرأ الخضوع) لضغوط خصومه ومنافِسيه في المعسكر الذي لم يغادره حتى الآن، رغم سوء علاقته بالمالكي وهما من قادة الحزب ذاته( حزب الدعوة ).ما علينا..

تركيا في موقف حرج وهي تواصل اختراع الحجج والمبررات والذرائع لتبرير اجتياحها للأراضي العراقية، ما يثير الشكوك في طبيعة أهدافها الحقيقية من هذا الاجتياح والأسباب التي دفعتها لفبركة المزيد من الأكاذيب حول سبب وجودها، إذ هي تارة تزعم انها جاءت لتدريب قوات حليفه الكردي مسعود برزاني (البيشمركة) وطورا في انها موجودة لمحاربة قوات حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) ومرة ثالثة في منع داعش من التمدد، على ما ورد في آخر تصريحات رجب طيب اردوغان الذي يقود حملة «شَرْعَنة» الوجود العسكري التركي في العراق بقوله: «إن التطورات الأخيرة اظهرت أن حكومة بغداد، لم تتمكن من فعل أي شيء في مواجهة احتلال داعش لمناطق في العراق»، زاعماً في الآن ذاته، انه «بناء على طلب من حيدر العبادي، ارسلنا جنودنا الى العراق العام الماضي، ومر عام ونصف على ذلك متسائلاً في غمزة واضحة «أين كنتم منذ عام ونصف العام؟».

هنا تبرز ـ وفي سياق خطاب اردوغان المأزوم والمرتبك ــ ذرائعه المتهافتة التي كرّرها اكثر من مسؤول تركي بأن دخول القوات التركية العراق جاء بناء على طلب رسمي قدمه محافظ نينوى اثيل النجيفي شقيق رئيس مجلس النواب السابق اسامة النجيفي) وكان التبرير بمثابة فضيحة لم تصمد امام سؤال بسيط وهو: اي مكانة او دور لموظف في وزارة الداخلية ان يطلب من دولة خارجية تدخلا عسكريا؟ ما دفع بالمسؤولين الاتراك الى «مغادرة» هذه الحجّة الضعيفة في اتجاه اختراع تبريرات اخرى تكاد هي الاخرى ان تفضح اصحابها، بعد ان لم تجد ليس فقط من يصدقها بل وايضا في انها ذات اهداف سياسية واضحة تكاد تشكل مسمار جحا التركي الجديد الذي يُمهّد لدور يحسب المسؤولون الاتراك انهم مؤهلون للقيام به، بعد ان يذهب المشهد الاقليمي وخصوصا في سوريا الى مزيد من التعقيد كي يلعب اردوغان لعبته الطائفية ويظهر مُنتصرا للسُنّة، وحليفاً (موثوقاً) لفريق من الكرد العراقيين ولهذا استدعى مسعود برزاني الى انقرة واستقبله استقبال الرؤساء، علما ان الاخير لم يعد رئيسا شرعيا للاقليم بعد انتهاء ولايته ورفض البرلمان (الذي لم يُعقد اصلا بقرار منه خوفا من سقوطه)، التمديد او التجديد له، وما يزال الاقليم يعيش ازمة سياسية وحزبية بل واقتصادية متدحرجة.

الى اين من هنا؟

لم يكن اردوغان وحكومته يتوقعون رد فعل عراقي على هذا المستوى، وظنّوا انهم قادرون على استمالة «رموز» السُنّة العراقيين وخصوصاً رئيس البرلمان سليم الجبوري وغيره، الا انهم فشلوا في ذلك وبخاصة ان الشعار الذي رفعه رافضوا الاجتياح التركي الذي تجاوز معسكر «بعشيقة» متوغلا نحو الموصل (وما ادراك ما الموصل بالنسبة للعثمانيين الجدد) كان سيادة العراق.هذا الامر الذي بات الان مطروحاً امام مجلس الامن الدولي لنعرف حجم النفاق الاميركي.

خسارة تركيا في العراق جراء اطماعها الامبريالية الواضحة ستكون فادحة، وبخاصة على الصعيد التجاري وربما تفضي الى قطيعة مع بغداد، وهي لن تكون في دلالاتها اسوأ من حكاية «قبر سليمان شاه» الذي استغله اردوغان للتدخل في سوريا، لكنه بدلا من التصدي لداعش، آثر الانهزام امامه ونقل رفات (جدّ العثمانيين) الى نقطة قريبة من الحدود التركية، ولكن داخل الاراضي السورية في اعتداء سافر على سيادتها.

 

 

قد يعجبك ايضا