التحرر الوطني … ” التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات – الأردن ” ( الحلقة الثانية ) / المبادرة الوطنية الأردنية

 

 

الأردن العربي ( الخميس ) 22/1/2015 م …

 

متلازمة التحرر الوطني والتحرر الإجتماعي : فهم هذه المتلازمة يشكل القاعدة الفكرية لفهم الفرق بين الإستقلال الصوري، الذي هو عبارة عن إعادة إنتاج الإستعمار المباشر بصورة التبعية، و الإستقلال الناجز، الذي يعني تحقيق بناء الإقتصاد الوطني المنتج المستقل، وتأمين شروط حمايته، وحماية المجتمع، من خلال إنفاذ التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات.

التنمية الوطنية بين الحقيقي والزائف :

في سياق الحديث عن النموذج البديل ل “نموذج التبعية” ألا وهو “نموذج الإستقلال الناجز” سيتم في بعض الأماكن إستخدام أمثلة مبسطة واقعية، الهدف منها الدلالة وليس الحصر، والهدف من هذا الطرح تنشيط الحوار بين كافة القوى المعنية بصدق في إحداث النقلة الحضارية لمجتمعنا الأردني.

 

التنمية من المصطلحات الأبرز تداولاً في الحوارات الدائرة بين صفوف الشعب الاردني، وبين النخب، وتحت عناوين مختلفة: التنمية البشرية، التنمية المستدامة، التنمية المتوازنة، التنمية المحلية، التنمية السياسية، التنمية الصحية، التنمية الاجتماعية، التنمية الإدارية …الخ.

التنمية بحد ذاتها مشروع نهضوي متكامل، لا يمكن تجزئته، وكل عنصر فيه مرتبط بالعناصر الأخرى وعلى علاقة جدلية معها. المعضلة الأولى تتمثل في تفكيك التنمية إلى قطاعات غير مترابطة كما يحدث على الصعيد الأردني، وإلقاء نظرة سريعة على ما يسمى باستراتجيات القطاعات والوزارات المختلفة ، تدل بشكل ساطع على عدم الترابط والتكامل.

يهدف المشروع التنموي إلى نقل المجتمع بكليته من واقع متدنٍ في السلم الحضاري إلى واقع أرقى، من واقع متخلفٍ إلى واقع متقدمٍ ومسايرٍ لركب الحضارة.

وتهدف التنمية إلى تفعيل وتطوير وتحشيد واستنهاض جميع طاقات المجتمع وإمكاناته المتاحة الثقافية والتقنية، التراثية والحضارية، وثرواته الطبـيعية وقدراته العلمية، موقعه الجيوسياسي …إلخ، من أجل إحداث التغيير المطلوب والمنشود.

وبما أن التنمية منتج اجتماعي، فإن إنتاجها يشترط بالضرورة توفر عناصر محددة ضمن خطط إستراتجية ومرحلية، خطط ومشاريع وآليات إنفاذ، تستند إلى منهجية قائمة على تشخيص الواقع، ومن كافة جوانبه، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعرفية والسياسية والجيوسياسية، وقادرة على استنباط عناصر القوة وعناصر الضعف الكامنة في داخله، حيث أثبتت حركة التاريخ نجاعة منهجية التحليل العلمي، لخلق مشروع التحرر وبناء حامله الإجتماعي، المتشكل بالأساس من الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة. 

 

فما هو واقع التنمية في الاردن؟؟؟

لفهم واقع التنمية في الأردن، لا بد من فهم صيرورة تشكل الدولة والمجتمع الأردني الحديث، تاريخياً، حيث تزامنت ولادة الدولة الأردنية والمجتمع الأردني مع حقبة إنتقال الرأسمالية العالمية إلى المرحلة الإمبريالية، التي تمّيزت بسعي دول رأس المال القومي إلى السيطرة على الأسواق العالمية وإخضاع تطورها لشروط واحتياجات الشركات الإحتكارية الرأسمالية القومية، وفي المقابل بزوغ فجر الثورات الاشتراكية والثورات الوطنية، والتي لا تزال مفاعيلها حاضرة في تطور الأحداث العالمية الحالية، وإن كان ذلك بصورة غير واضحة للكثيرين، رغم انهيار المعسكر الاشتراكي، أحد النماذج المحتملة لبناء الاشتراكية  .

فأثناء الحرب الإمبريالة الاولى، تم إقتسام العالم العربي بموجب اتفاقية “سايكس- بيكو” وتعديلاته اللاحقة، وكان أن تم سلخ المناطق الجنوبية لسوريا الكبرى (فلسطين والاردن) ووضعها تحت الانتداب البريطاني، وأعطيت فلسطين “وطن قومي لليهود” من قبل دولة الإنتداب.

وضمن إستراتجية الإمبريالية البريطانية في ذلك الحين، تم إخراج منطقة شرق نهر الأردن من وعد بلفور وتأسيس إمارة شرق الأردن، لخدمة الأهداف التالية:

        منطقة عازلة بين الكيان الصهيوني، المخطّط لإقامته مسبقاً، والكتلة البشرية التاريخية العربية، في سوريا والعراق والجزيرة العربية .

        منطقة استيعاب للمهجرين الفلسطينين لاحقاً، ضحايا المشروع الاستيطاني الصهيوني غير الشرعي.

        منطقة إمتصاص طاقة الإنفجارات القادمة، نتيجة حالة التصدع والتشظي المخطط لها مسبقاً، من قبل المراكز الإستعمارية في ذلك الحين، في هذه المنطقة الإستراتجية الهامة  من العالم، فانفجار عام النكبة (1948) وانفجار عام النكسة (1967) في فلسطين تم إفراغهما هنا، والحرب اللبنانية الأهلية عام (1975) تم إفراغ نتائجها هنا، والتوتر المسلح بين القيادة السورية وحركة الإخوان المسلمين عام (1982 ) تم إفراغها هنا (باستقبال جموع الحركة الهاربة) وكذلك نتائج حروب الخليج جميعها، وتداعيات سنوات الحصار على العراق تم إفراغها هنا أيضا، ولا تزال نتائج الأزمة السورية تتزايد وتتصاعد في الاردن. كما سبق وأن تم استقبال قيادة حماس هنا في العاصمة الاردنية على أثر التوتر الذي حصل بين القيادة الفلسطينة وحركة حماس، وحتى نتائج تفكيك يوغسلافيا،  البوسنا والهرسك طال الأردن بعض من شظاياه.

 

فرضت الإستراتجية الإمبريالية البريطانية سابقاً والإمبريالية الإمريكية لاحقاً، بناء دولة وظيفية تابعة، حجزت أية إمكانية لبناء الدولة الوطنية، حيث أعاقت أية إمكانية لبناء اقتصاد وطني مستقل ومنتج، وذلك من خلال فرض نهج الإعتماد على المساعدات الخارجية، البريطانية سابقاً والعربية الدولية لاحقاً، في تسيير شؤون الدولة والمجتمع. وتم إنتاج أخبث تزييف للوعي الجمعي لدى المجتمع الاردني، عبر مقولة ” الأردن دولة فقيرة بثرواتها وإمكاناتها ” ولا يمكن أن تعيش خارج إطار المساعدات الخارجية.

فهل مقولة الاردن ” فقير نتيجة شح الثروات الطبيعية والموارد والإمكانات” حقيقة أم إدعاء زائف؟ وهل أسست هذه المقولة عملياً لوعي جمعي زائف، قبل بالنتائج المترتبة على هذه المقولة، وأخطرها قبول الإعتماد على المساعدات الخارجية، وبالتالي الرضوخ للشروط الخارجية كافة، ابتداءً بتطبيق “توافقات واشنطن” من خلال شروط صندوق النقد والبنك الدوليين، مروراً “باتفاقية وادي عربة” وتداعياتها الكارثية، وانتهاءً بتحديد الدول المسموح لنا باستيراد الأعلاف منها.

 

ولمعرفة إمكانيات إحداث تنمية وطنية بالإعتماد على الذات والإمكانات المتاحة نلقي نظرة على عناصرها ، على قطاعاتها المختلفة :

 

الثروات الطبيعية:

من البديهي أن الخطوة الأولى، لأي مجتمع يخطط لتطوير ذاته وتقدمه وإزدهاره، هي إستكشاف مصادر ثرواته الطبيعية المتاحة والمتوفرة، وتحديد مصادر قوته البشرية، التقنية والفكرية، مع الأخذ بنظر الإعتبار التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية القائمة والبنية الثقافية السائدة.

لقد أثبتت الدراسات الجيولوجية ، التي ـنجزها الجيولوجيون الأردنيون والأجانب ( في سلطة المصادر الطبيعية ، ألتي تم إغتيالها بطلب من صندوق النقد الدولي) عبر العقود، وجود ثروات طبيعية كبيرة، يحقق استثمارها مردوداً عالياً على صعيد التنمية الوطنية، وخاصة كون القيمة المضافة المتحققة منه عالية جدا، شرط التخطيط السليم والإدارة المؤهلة القادرة المنتمية:

ملاحظة: لن يتم التطرق هنا بالتفصيل لهذه الثروات، لمن يريد الاطلاع على التفاصيل العودة إلى ورقة سابقة على صفحات هذا الموقع – المبادرة الوطنية الأردنية – تحت عنوان “الدولة الوظيفية والثروات المحتجزة”.

        الصخرالزيتي: استغل الصخر الزيتي الموجود في الأراضي الاردنية، من قبل العثمانيين منذ بداية القرن العشرين، تم بناء مصنع لتقطير النفط من الصحر الزيتي من قبل الألمان عام 1905. يتوضع الصخر الزيتي في مواقع متعددة في الاردن، من الجنوب إلى الشمال، وتشير الدراسات إلى وجود احتياطي مثبت يقدر بحوالي (80) مليار طن من الصخر الخام، وتقدر نسبة النفط القابل للاستخراج بحوالي (80) مليار برميل،

        ثروات البحر الميت: على العكس من التسمية التي اطلقها قدامى اليونان، على هذا البحر لأعتقادهم بخلوه من الحياة، فأن جلّ الخبراء يعتبرونه اليوم البحر الأكثر حيوية، لما يختزنه من ثروات طبيعية هائلة، مثل البوتاس والبروميد والمغنيسيوم، والأملاح الأخرى، وطينة البحر الميت المستخدمة في صناعات المساحيق التجميلية والعلاج الطبيعي والدوائي، الخ. وللدلالة على أهمية ثروات البحر الميت اقتصادياً، نورد هنا للمقارنة، دخل اسرائيل من البحر الميت سنوياً يبلغ أكثر بمئات الأضعاف من الجانب الأردني. بالإضافة إلى الموقع ، حيث إنه المنطقة الأكثر انخفاضاً على سطح الكرة الارضية، وما ينجم عن ذلك من ميزة علاجية، حيث توجد أكبر نسبة أوكسجين في الهواء على الكرة الارضية.

        الخامات المشعّة: يتواجد خام اليورانيوم، مرافقاً للفوسفات، بالإضافة إلى توضعات في المناطق الجنوبية، خان الزبيب …الخ، بكميات تجارية. إن تصريح د. خالد طوقان، بأن الاردن سيصبح دولة مصدرة للطاقة، مع بداية عام 2030، لخير دليل على صدقية المقولات السابقة، بجدوى استثمار ثرواتنا الطبيعية، ولهذا السبب تم الإعلان عن تأسيس شركة تعني بهذه الثروة.

        الصخور الصناعية: الرمل الزجاجي ( العنصر الأساس في صناعات الآلياف الضوية وتكنولوجيا المعلومات والطاقة البديلة الطاقة الشمسية، وبواسطة تكنولوجيا النانو يصبح الرمل الزجاجي مادة إحلالية لمواد البناء الحديد والخصمى …)، التربولي، الزيولايت، الدياتوميت، النحاس، الجبص، الحجر الجيري النقي …الخ توجد جميعها بكميات تجارية، ودرجة نقاوة عالية.

        المياه: يعتبر عنصر المياه عنصراً محدداً لخطط التنمية الوطنية في مختلف المجالات، الصناعية والزراعية والسياحية والصحية الخ. إن تأمين ديمومة تنمية مصادر المياه يعتبر الهم الرئيسي في خطط التنمية، فما هي مصادر المياه المتاحة والممكنة؟ وما هي الاستراتجية المائية؟ وكيف تعاملت معها الإدارات المختلفة المسؤولة عن قطاع المياه، منذ ظهور بوادر الأزمة المائية بداية السبعينيات من القرن المنصرم؟؟

 

 

مصادر المياه في الاردن ثلاثة:

        مياه جوفية تتموضع في حوالي (13) حوضاً مائياً، ثلثاها مستنزف، نتيجة الضخ الجائر،

        مياه سطحية، وهي مياه الأنهار والسيول الدائمة والموسمية، وأهـمها نهر الاردن ونهر اليرموك. بالنسبة لنهر الأردن فقد تم تحويله من قبل العدو الصهيوني عام (1964) بالقوة، ومياه نهر اليرموك، الذي حرمنا من استثماره، نتيجة القصف الصهيوني الذي استهدف سد المقارن، بقنابل النابالم المحرمة دولياً، الذي بدأ إنشاؤه على نهر اليرموك منتصف عام (1964)، حيث تم الإجهاز على البنى التحتية للمشروع، والمعدات العاملة فيه.

        ومياه الأمطار التي يقدر الهاطل المطري المتوسط أكثر من (8) مليارات متر مكعب، يتم تجميع حوالي (310) مليون متر مكعب، في سدود قائمة، وترشح إلى الأحواض الجوفية جزء منها والباقي يذهب بخراً حوالي  93 % .

 

في الإستثمار في الثروة الحيوانية والزراعية: يعد الأردن من ناحية تبوغرافية حالة فريدة على سطح الكرة الارضية، حيث تقدر مساحات واسعة منه، حوالي 8252 كيلومتراً مربعاً، (أي ما يعادل 80% من مساحة لبنان)، تقع عدة مئات من الأمتار تحت مستوى سطح البحر، وحيث ان لهذه الوضعية ميزات هائلة لأغراض الدورات الزراعية، والنمط الزراعي، ذات المردود الاقتصادي العالي. وهناك مساحات شاسعة تصلح لزراعة الأعلاف، من أجل تنمية الثروة الحيوانية، خاصة تلك الأعلاف الصالحة للزراعة في المناطق شبه الجافة، كما هو حال المناطق الشرقية، البادية الأردنية، والتي تبلغ مساحتها حوالي (70 ألف كيلومتر مربع)، وهي أماكن يتوفر فيها إمكانات فعلية وحقيقية للحصاد المائي، العنصر الرئيس المساعد في زراعة الأعلاف: الري التكميلي. ففي مجارى الوديان العريضة، التي تنتشر في المنطقة، يمكن تخزين كميات غير قليلة من مياه الفيضانات الشتوية، بطرق التخزين تحت السطحي لتفادي البخر العالي (4000 ملم سنوياً) والتلوّث. وهناك بعض الدراسات قد أنجزت في سلطة المياه لبعض مواقع في المنطقة الشرقية، تقدّر إمكانية تخزين أكثر من (45 مليون متر مكعب) في عدد من الوديان، في منطقة واحدة فقط،، مما يرجّح توفر العديد من المواقع لتخزين مئات ملاين الامتار المكعبة من المياه العذبة.

 

وفي الإستثمار في قطاع السياحة والأثار: يتميّز الأردن بكثرة المواقع الأثرية، ذات الطابع التاريخي والديني، والمواقع السياحية المهمة جغرافياً وحضارياً، وتنوّع التضاريس، حيث أخفض منطقة على سطح الكرة الارضية (426) متراً تحت سطح البحر، إلى أعلى قمة (1854م) فوق سطح البحر (جبل أم دامي في جنوب الأردن)، وحيث سلسلة الجبال الغربية والبادية المترامية الاطراف، حيث يتكشف العامود الجيولوجي ابتداءً بقاعـدة الركيزة إلى عصرنا الحاضر، أي عمراً جيولوجياً يمتد على مساحة من الزمن تصل الى (900) مليون سنة متكشفة، حفظت المعلومة لمساحة هذا الزمن، التي يسهل استرجاعها من قبل المختصين، وحيت حفرة الانهدام بين العقبة والحمّة، مروراً بوادي عـربة والبحر الميت والأغوار الوسطى والشمالية، وحيث أقدم موقع لنشاط إنساني متحضر زراعي في منطقة الشرق الأوسط، (عين غزال 10000 عام) وحيث أقدم مناجم، مناجم النحاس في وادي فيدان ووادي خالد، ضمن وادى عـربة، تم تعدينها قبل (7000) عام ، وحيث (البتراء) عاصمة الأنباط، إحدى عجائب الدنيا السبعة، وحيث (وادي رم) روعة الطبيعة، مروراً بموقع التحكيم بين عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان، وحيث (الحميمة) نقطة نشوء وإنطلاق الدعـوة العباسية، وحيث مكان الإقامة الجبرية (الّربذة) التي فرضت على الصحابي أبي ذر الغفاري، من قبل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، على الحدود العراقية الأردنية شرقاً، حيث مات وحيداً مع زوجته، وحيث القصور الأموية الرائعة، والمواقع الأثرية ذات الطابع الديني، حيث ” المغطس” الذي عمّد فيه السيد المسيح، و”وادي الخرار”، حيث كهف يوحنا المعمدان، الذي أقتيد منه نحو المقصلة، فقطع رأسه في “مكاور” على عهـد حريدو (هيرودس)، النبطي المتهـوّد، وحيث اقدم كنيسة مسيحية (عام 60م) على وجه البسيطة في محافظة المفرق، وحيث قبور ومقامات الصحابة في “الأغوار” و”المزار الجنوبي” و”مؤتة”.

 

        هناك طاقات هائلة كامنة للإستثمار في هذا الموروث الغـني والمتنوع، وإن التراكم الممكن ليس بالقليل.

 

“كلكم للوطن والوطن لكم”

 

قد يعجبك ايضا