رسائل الالتزام وأوراق النعي المُتأخر! / محمد العبد الله





محمد العبد الله* ( فلسطين ) – الأحد 22/11/2020 م …

مدخل

إنه على ضوء الاتصالات الدولية التي قام بها الرئيس محمود عباس بشأن التزام “إسرائيل” بالاتفاقيات الموقعة معها واستنادا إلى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبة وشفوية بما يؤكد التزام “اسرائيل “بذلك ، فإنه سوف يتم إعادة مسار العلاقة مع “اسرائيل “كما كان عليه الحال قبل 19/5/2020” .

 حسين الشيخ / عضو اللجنة المركزية ” فتح ” – رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية برتبة وزير.

– وصلتنا ورقة من “إسرائيل” تتعهد فيها بالالتزام بالاتفاقات معنا وعليه نعلن استئناف الاتصالات… السلام مع الفلسطينيين هو ما سيريح “إسرائيل” بغض عن النظر عمن سيقوم بالتطبيع معها “.

 محمد اشتية / عضو اللجنة المركزية ” فتح ” – رئيس وزراء حكومة السلطة في رام الله المحتلة.

لم تنتظر قيادة السلطة وحزبها عودة وفدها من القاهرة التي وصلها بناءً على طلب عاجل من الحكومة المصرية للقاء وفد “حماس” الذي وصل أيضاً تلبية لذات الطلب من أجل إعادة وضع ” قطار المصالحة “على سكة التحرك، بعد التعثر والجمود الذي أصاب حركته بعد اجتماع التنظيمين في استانبول، الذي أثار زوبعة من الانتقادات الفصائلية بسبب ثنائية الاجتماع دون اعتبار لأي لقاء جماعي تُشارك فيه القوى التي حضرت مهرجان الخطابات في بيروت – رام الله يوم 3 / 9 / 2020 . وإذا كانت الحركة المكوكية التي قام بها وفد ” فتح ” المُكلف بملف المصالحة بين الدوحة ،دمشق ، وبيروت، قد فتحت له القاعات لتبادل وجهات النظر مع الفصائل – خاصة، لقاءات دمشق –التي لم تتجاوز العلاقات العامة، لأن الأسابيع التي تلت ذلك وحتى مساء الثلاثاء 17 / 11 ” ليلة القبض على عُنق المُصالحة” نتيجة تصريحات ” الشيخ – اشتية”، لم تُضف جديداً لهذا الملف. هذه التصريحات التي جاءت تتويجاً لمجموعة خطوات متسارعة شهدتها الأيام الأخيرة، كان أبرزها ،تراجع السلطة الفلسطينية عن موقفها المتعلق برفض تسلم أموال المقاصة “عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجبيها سلطات الاحتلال نيابة عن السلطة “. وفي هذا المجال، تؤكد عدة مصادر فلسطينية مُطلعة على أن التنسيق الأمني – تُقرأ : الولاء والتبعية الأمنية – لم يتوقف طوال تلك الفترة، لأن الذي تم وقفه عملياً هو التنسيق المتعلق بالجانب المدني فقط. وتجدر الإشارة إلى أن الاتصالات الأخيرة بين الجانبين تمت تحت إشراف وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس من خلال الرسائل التي نقلها عدد من المبعوثين التقوا بقيادات في السلطة وبوساطة “نرويجية” كما نقل “باراك رافيد” المراسل السياسي في موقع “واللا” الإلكتروني الصهيوني، عن مسؤولين في مراكز القرار، بأن الحكومة النرويجية هي من لعب دور الوسيط لصياغة مخطط جديد لاستئناف التنسيق بين الطرفين. كما أشارت عدة مصادر سياسية وإعلامية لجهود مصرية بُذلت في هذا السياق أيضاً.

ردود الفعل الفصائلية

رغم تفاوت حدة التعبيرات والمصطلحات التي جاءت على لسان أكثر من مسؤول إعلامي وسياسي في قيادات الفصائل، ومن خلال البيان الخاص بكل تنظيم، إلاّ أنها تتفق في مجموعها ، على أن مواقف السلطة وحزبها التي جاءت في تصريحات الثنائي القيادي في فتح والسلطة،  “حركة إنقلابية على ماتم الاتفاق علية بين الفصائل والقوى، ويُشكل خروجاً على مقررات الإجماع الوطني ومخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل وتعطيل لجهود تحقيق المصالحة الداخلية” كما جاء في بيان حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين التي رأت أيضاً ” أن علاقة السلطة مع الاحتلال تعني تأييد وتشجيع التطبيع الخياني الذي أجمعت القوى على رفضه والتصدي له”.

بدورها ، اعتبرت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، “إعلان السلطة عن إعادة العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني كما كانت عليها، هو نسفٌ لقرارات المجلسين الوطني والمركزي بالتحلّل من الاتفاقيات الموقّعة معها، ولنتائج اجتماع الأمناء العامين الذي عُقد مُؤخرًا في بيروت، وتفجير لجهود المصالحة التي أجمعت القوى على أنّ أهم متطلباتها يكمن في الأساس السياسي النقيض لاتفاقات أوسلو.” كما شددت الجبهة في بيانها على “أنّ تسويق السلطة لقرارها على أنه انتصار هو تضليل وبيع الوهم لشعبنا بهدف العودة لرهان المفاوضات وعلى الإدارة الأمريكيّة القادمة، عدا عن أنه يشكّل تغطية للدول العربية التي قامت بالاعتراف والتطبيع مع دولة العدو، وسيشجّع دول أخرى للالتحاق بهذا الركب”.

كما أدانت (حماس)، في بيان صحفي، قرار السلطة الفلسطينية العودة إلى العلاقة مع الاحتلال الصهيوني، معتبرة أن السلطة “ضربت عرض الحائط بكل القيم والمبادئ الوطنية، ومخرجات الاجتماع التاريخي للأمناء العامين للفصائل الفلسطيني… هذا القرار يمثل طعنة للجهود الوطنية نحو بناء شراكة وطنية، واستراتيجية نضالية لمواجهة الاحتلال والضم والتطبيع وصفقة القرن… وأن السلطة الفلسطينية بهذا القرار تعطي المبرر لمعسكر التطبيع العربي الذي ما فتئت تدينه وترفضه”

   عن المخرجات والانقلاب والصدمة !

يبدو أن العديد من القوى والفصائل ذهبت بـ “حسن النوايا !” للفخ الذي نصبته لها السلطة وقيادة حزبها تحت مسمى “إنهاء الانقسام لمواجهة صفقة القرن “. هنا، يستحضرني المثل / الحكمة التي يعرفها شعبنا ، القائلة “من جَرَبَ المجرب عقله مُخرب”. وإذا كانت القراءة النقدية، ضرورة وطنية وسياسية مُلحة، لما أسفرت عنه اللقاءات والاجتماعات الفلسطينية من أجل انهاء الانقسام على مدى أكثر من عشر سنوات بكل إخفاقاتها وانتكاساتها، التي تتحمل السلطة في رام الله المحتلة المسؤولية الكاملة عن فشلها. فإن تلك القوى والفصائل أسقطت تلك القراءة / المراجعة  التي كان لابد من التزام السلطة بها ، لتكون مدخلاً أساسياً لمشاركتها – الفصائل -في أية لقاءات مع تلك السلطة وحزبها. لكن ما أظهره المهرجان الخطابي يوم 3 / 9 / 2020 بيروت – رام الله ، كان عكس ذلك تماماً، فقد ذهب البعض لـ”مبايعة رئيسها على القيادة !!” على الرغم من الحالة الكارثية التي أوصلنا لها، على الرغم من أن بعض المتحدثين وجهوا عدة انتقادات للسلوك السياسي والتنظيمي الذي مارسته السلطة في ظل قيادته.

إن الحديث المتكرر في بيانات الفصائل والقوى، المترافقة مع تصريحات وكتابات لعدد من قادتها عن ” الصدمة والمفاجأة من تنكر السلطة لمخرجات لقاء بيروت – رام الله ” تتطلب الاستشهاد بحديثين لقياديين فلسطينيين . الأول ، الحديث الذي أدلى به قبل يوم واحد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ” أبو أحمد فؤاد” لـ”شمس نيوز” ونشره موقع ” بوابة الهدف ” يوم 16 من الشهر الحالي. يتكلم القيادي الفلسطيني بمرارة عما انتهت إليه مسيرة 75 يوماً أعقبت ذلك المهرجان / اللقاء ” أنَّ ما جرى الاتفاق عليه في اجتماع الأمناء العامين للفصائل في الثالث من سبتمبر الماضي لم ينفّذ منه أي بندٍ على الإطلاق، ولم تتقدّم تلك الاجتماعات بالحالة الوطنية أي خطوة”. ويستطرد متسائلاً “”مرَّ شهران على اجتماع الأمناء العامين للفصائل، ولم تطبق أي خطوة على أرض الواقع، ولم ينفذ أي بند من البنود التي اتفق عليها …لماذا لم تنفّذ تلك القرارات التي اتُفق عليها بحضور كل الفصائل، وحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ؟!، من المسؤول عن عدم تطبيق مخرجات اجتماع الأمناء العامين؟” وحول الإعلان عن القيادة الوطنية الموحدة ، يُضيف ” “هناك استهتار كبير.. في حقيقة الأمر، القيادة الوطنية الموحدة لم تُشَكَّل حتى الآن، وصدرَ بيان عن القيادة الوطنية قبل أن تتشكل أصلاً، ولم يطّلع أحد على نصِّ البيان”. لهذا يحق لنا التساؤل عن أية مُخرجات تم التراجع عنها ؟، طالما أن التحلل من تنفيذ القرارات والاتفاقيات أبرز سمات تلك القيادة المتنفذة والمتفردة بالقرار.

الاستشهاد الثاني الذي نسوقه كان الحديث الذي أدلى به بعد ساعات عضو المكتب السياسي في ” حماس” الدكتور محمود الزهار “لصوت القدس” المنشور على موقع ” فلسطين اليوم” تعقيباً على إعلان السلطة العودة للتنسيق الأمني مع الاحتلال:”إن السلطة وبمجرد وجود وعود بانفراج في العلاقات مع الإدارة الأمريكية، عادوا مسرعين للتنسيق الأمني تاركين خلفهم فترة من الزمن لم تذهب سدى بالنسبة للاحتلال الذي قطع الضفة بالكامل بمزيد من المستوطنات”، مضيفاً ” ضحكوا علينا  بالمقاومة الشعبية التي حاولت الترويج لها السلطة ، وتابع : نحذر أنفسنا  وخاصة أن سطوة رام الله علينا ستكون كبيرة ولابد من رفض الجلوس معهم والتبرؤ من الخطوة التي اعلنوا عنها بالعودة للتنسيق الأمني”، وأضاف مشدداً على” ضرورة أن تخرج الفصائل من العباءة وتعود إلى برنامج المقاومة، وتغير مسارها بالبحث عن دول تمدها بالسلاح للقضاء على “إسرائيل” “.

    استنتاج

مع انكشاف المراسلات التي جرت بين حكومة العدو وسلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود ، التي بدأها حسين الشيخ خلال شهر تشرين الثاني / أكتوبر الفائت مع اللواء في جيش العدو ” كميل أبو ركن “منسق عمليات حكومة العدو في المناطق المحتلة، والتي أنجزت بتوقيع من خلال رسالة للأخير – وليست من المستوى السياسي الأمني الآول ” نتنياهو – غانتس” -، تبدو الخطوات المتسارعة للعودة للعلاقات ” الدافئة ” بين السلطة وحكومة الغزاة المحتلين، تتدحرج نحو المزيد من تقديم أوراق “حسن السيرة والسلوك ” لإدارة بايدن الجديدة. فقد نقلت وكالة ” رويترز ” أن السلطة ستعيد السفيرين اللذين تم استدعائهما من ” المنامة و أبو ظبي ” على إثر الإعلان عن إشهار رسمي للعلاقة بين  الإمارات والبحرين  من جهة وحكومة كيان العدو. وتأتي هذه الخطوة كدليل جديد على انخراط السلطة في التحالف الأمريكي – الصهيوني – الرجعي بشكل كامل.

إن الرد المطلوب والسريع من القوى السياسية والفصائل والهيئات الشعبية والمجتمعية والشخصيات الوطنية يجب ألا تتوقف عند حدود الإدانة والشجب، بل أن تتم الدعوة السريعة لتشكيل لجنة تحضيرية تُعد ورقة أولية للنقاش مع برنامج مُقترح للتداول، يتم على إثره الدعوة لمؤتمر وطني تنتج عنه آلية عمل لمواجهة السقوط المريع للسلطة، ولتصعيد النضال في فلسطين المحتلة بكل أشكاله الجماهيرية: المواجهات مع حواجز العدو ونقاطه العسكرية والاستعداد لانتفاضة شاملة تكون مدخلاً لإعلان العصيان المدني الشامل، والعمل بذات الوقت على تصعيد الكفاح المسلح حسب رؤية القيادات الميدانية المُجربة.

   خاتمة

 كتب الأديب المُبدع والقائد السياسي الثوري الشهيد ” غسان كنفاني ” :

   – عندما يفشل المدافعون عن القضية ، علينا أن نُغَيَر المدافعين لا أن نُغَيَر القضية.

 في حديث للشهيد الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور ” رمضان عبد الله شلح ” لفضائية عربية عام 2008، قال موجَهاً كلامه لرئيس سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود:

-… أتريدنا أن نفاوض وهم يُقدمون فتات الفائض الأمني ولاشيء سوى ذلك .

في كلام الراحلين الكبيرين عِبرةً لمن أراد الاستفادة .

 *كاتب فلسطيني

 

قد يعجبك ايضا