الميادين هدمت إمبراطورية الوهم السعودية / غسان يوسف

 

غسان يوسف ( سورية ) السبت 14/11/2015 م …

يقول غسان بن جدو رئيس مجلس إدارة قناة الميادين بأن المحطّة التي يديرها تراعي التوازنات، وتعتمد الخطاب الهادئ، وتحترم رأي الضيوف طالما أنهم لا ينزلقون إلى الشتم والتجريح , هذا صحيح وأضرب مثالا صغيرا في بداية مقالتي هذه  .. في برنامج ( لعبة الأمم ) الذي يقدمه سامي كليب استخدم خالد العبود أمين سر مجلس الشعب السوري مصطلح ( العربان ) بدلا من العرب فطلب منه كليب الانتباه إلى المصطلحات .. إذن نحن أمام قناة لا تعتمد السُّباب  والتجريح , لأن الهدف كما يقول بن جدو ليس الاستعراض بل أن تُشاهدَ القناة من قبل كل الناس .

المشكلة التي أثيرت مؤخراً بحق قناة الميادين تكمن في أمر أفصح عنه بن جدو نفسه وهو أن  دولة عظمى قامت بدراسة وضع الإعلام الفضائي العربي ليتبين معها بالأرقام أن الميادين تحظى بنسبة مشاهدة عالية فاقت نسب الكثير من القنوات العربية التي تعتمد عليها السعودية في التأثير على الرأي العام ولن أقول صناعة الرأي العام !

ومن هنا فلم تكن الحملة المسعورة التي شنتها وتشنها السعودية على قناة الميادين بهذه الحدة لو لم تكن الميادين قد آلمت السعودية فعلا في الميادين السورية والعراقية واليمنية , قد يكون الألم قليلا في سورية والعراق من خلال كشف كذب المحطات السعودية لما يجري هناك , لكن الألم الأكبر كان في اليمن حيث كشفت الميادين تورط السعودية في حرب عبثية لن يكون المنتصر فيها إلا الشعب اليمني ما أدى إلى انكشافها أمام شعبها وتخوفها من ثورة محتملة !

ويبدو أن الميادين استطاعت من خلال وفائها لشعارها ( الواقع كما هو ) التأثير في الشارع السعودي والمساهمة في تغيير رأيه في كثير من القضايا, لتكشف حقيقة النظام السعودي البعيد عن حرية الكلمة والرأي , واللاهث وراء الإفتاءات التكفيرية  المشجعة والمحرضة على الإرهاب .. أضف إلى ذلك ما يشعر به المواطن السعودي من ظلم وقهر وإحساس بالتفرقة حيث المواطنون يقسّمون هناك إلى درجات ليس أقلها السادة والعبيد !

إذن ليس السبب الحقيقي وراء هذه الحملة المسعورة على الميادين أنها اعتمدت سياسة إعلامية مسيئة للسعودية من بوابة تعاملها مع كارثة ما جرى في الحج بمنى , لكن الأكيد أن الميادين أوجعت السعودية وغيرها من دول الخليج لأنها نقلت ( الواقع كما هو) !

الميادين وبحسب المراقبين والمتابعين كانت منذ انطلاقتها متميزة في كل شيء , متميزة في اسمها فهو إن دل على شيء فإنما يدل على أن القناة تنقل الحدث من ميادين الصراع والقتال أي من أرض المعركة وساحات القتال .

والميادين أثبتت أيضاً أنها وفية لشعارها ( الواقع كما هو ) الذي عملت له في منتهى الأمانة والدقة والإخلاص , في حين كان غيرها من القنوات يقدم رواية أحادية عن الأحداث والتطورات كما فعلت القنوات العربية الأخرى التي تدّعي الموضوعية والتي تحولت إلى قنوات لدعم الإرهاب العالمي مستخدمة التحريض والتزوير والتضليل وفبركة الصور لتخسر ثقة مشاهديها مفضلة الخضوع لمشيئة الممولين والمشغلين على نقل الحقيقة للمشاهد الذي يستطيع التمييز بين الخبر الصحيح والمفبرك .

مشكلة الميادين مع دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية أنها لم تُروَّض من قبل دافعي ( البترو دولار ) الذين استطاعوا ترويض وسائل إعلام عربية كثيرة كانت تعتبر ناقلة للحقيقة وداعمة للمقاومة لتكتشف المملكة أن المال الهائل الذي توظفه في وسائلها الإعلامية سيُهدر بلا جدوى، ما دامت الميادين تدخل بيت كل مواطن سعودي وتنقل له الخبر الصحيح حتى من خلال هاتفه الجوال فعملت على وقف بث القناة على قمر (العرب سات ) وحجب موقعها وصفحاتها على الانترنت معتقدة أن العالم مازال يعيش في جحيم تخلف العقول الحاكمة هناك ! في حين أن تطور التكنولوجيا كسر كل قيود الحجب والمنع , وهو ما كانت فعلته مع القنوات السورية وكل القنوات التي تسير في خط المقاومة دون جدوى !

والواضح أيضاً أنّ من يقوم بهذه الحملة المسعورة ضد القناة يعامل الميادين كعدوّ وليس كقناة أخطأت بخبر أو تهجّم بعض ضيوفها على أمير أو حاكم أو نظام في برنامج ما , لذلك لم يكن  المطلوب ترويضها وتطويعها فقط , وإنما إيقافها عن البث وتغييبها عن شاشات الفضاء العربي !

الأمر الآخر الذي أزعج السعودية أكثر هو أن الميادين استطاعت من خلال موضوعيتها واجتهادها في نقل الحقيقة أن تستحوذ على نسبة كبيرة من الرأي العام العربي الذي كان لفترة قصيرة يتنقل بين فضاءات قنوات معروفة بسيرها في ركاب السعودية أو قطر وهما الدولتان المعروفتان بدفع الأموال لشراء الذمة والضمير .

المتابع للقنوات العربية يرى أن قنوات التضليل العربي تتعامل مع مصر وسورية بمستوى تأبى الميادين التعامل بمثله مع السعودية أو قطر أو أيّ نظام عربي آخر، وتلتزم في ذروة تصعيدهم الدعائي قول الحقيقة والسعي نحو الحوار وهو ما زاد في عدد مشاهديها واحترام القائمين عليها والعاملين بها .

ويجد أيضا أن القناة ركزت على فلسطين وميادينها  لنقل نضالات أبنائها ضد العدو الحقيقي بطريقة مختلفة عن وسائل الإعلام العربية الأخرى ما أتاح للمواطن العربي معرفة حقيقة ما يحدث في فلسطين والاهتمام بقضيتها باعتبارها قضيته الأولى والمركزية التي تستدعي توحد الشارع العربي واستنهاضه من حولها , وهذا ما تحاول قنوات التضليل تغييبه ! مركزة جُل دعايتها وتصعيدها ضد دول المقاومة وفي مقدمتها سورية ومحاولة تغييب قضية فلسطين , و طرح مشروع العدو البديل ( إيران ) والعمل الحثيث على بلورة المشروع الطائفي أو ما سُمي زوراً ( الهلال الشيعي ) !

أما من الناحية المهنية فقد قدمت قناة الميادين في عمرها القصير أنموذجا في الأداء الإعلامي المهني المتميز بالموضوعية والتوازن الدقيق الذي يقدم مساحات التعبير لجميع الآراء والمواقف في زمن الصراعات والانقسامات الحادة , فاستقبلت ضيوفاً من أي دولة كانوا وإلى أيِّ اتجاه انتموا , مستبعدة طبعا العنصر الصهيوني الذي يتألق على بعض شاشات الخليج التي تدّعي الدفاع عن العرب والعروبة !

ومن هنا عملت القناة على مخاطبة قطاع كبير من الرأي العام لا زال يؤمن بمعارضة الهيمنة الاستعمارية على البلاد العربية ورفض الفتنة والاقتتال الداخلي كمشروع يراد منه تمزيق المنطقة برمتها وإعادة رسم الخرائط بحسب المصالح الصهيونية .

قناة الميادين نجحت بتوحيد الشعب العربي في المشرق والمغرب في وجه الإرهاب والتكفير , وأن تكون قناة المقاومة والاستقلال والسيادة في وجه الهيمنة الأميركية الصهيونية , وأن تكون المدافعة عن حق الناس في المعرفة والاطلاع على الواقع بعيداً عن التلقين والتحريض والتشهير .

وعلى الرغم من أن تجربة قناة الميادين تعد قصيرة تجاه القنوات العربية الأخرى لكنها خاضت تجربة ريادية ناجحة في الإعلام العربي لأنها استطاعت كشف عيوب من اعتمدوا أساليب التعتيم والطمس والتغييب ومنع النقاش الحر والحوار الهادئ , لتكون قناة الحوار الأولى في وجه الإلغائيين والاقصائيين وأصحاب الرأي والرأي الواحد .

المشكلة الحقيقية وراء ما تعرضت له الميادين هو أن السعوديّة التي اعتقدت نفسها أنها وضعت يدها على السواد الأعظم من الإعلام العربي الورقي والالكتروني، والإذاعي والتلفزيوني من خلال استخدام سلاحي الترغيب والترهيب تجد اليوم أن قناة وليدة كالميادين هدمت لها إمبراطورية اعتقدت يوما أنها في منأى عن التأثر بعوامل الخارج فإذا بها تنهار كقصر من رمال !

 

قد يعجبك ايضا