موريتانيا بين واقع الفَقْر الحالي ووُعود مُستقبل الغاز / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 30/9/2020 م …

تُمثّلُ هذه الورقة الحلقة الخامسة والأخيرة من مجموعة مقالات عن بلدان المغرب العربي، كانت المقالة عن ليبيا أَقْصَرَها، بسبب الوضع الخاص، وركّزب المقالات الأخرى عن الوضع الإقتصادي والسياسي والإجتماعي في الجزائر وتونس والمغرب، وينطبق نفس المنهج على موريتانيا في هذه الورقَة




*****

نبذة تاريخية:

احتلت القوى الأوروبية الصاعدة (إسبانيا والبرتغال وهولندا وبريطانيا…)، السواحل الموريتانية، على المحيط الأطلسي، منذ القرن الخامس عشر، بهدف إقامة محطّات تجارية بَحْرِيّة، ومَحَطّات لتجارة العبيد ونقلهم بكثافة، إي أكثر من 12 مليون إفريقي، مات حوالي 30%منهم، خلال نقلهم في ظروف سيئة جدًّا وغير إنسانية، من إفريقيا الغربية إلى القارة الأمريكية، وَوَرثت موريتانيا الحديثة هذه المأساة الإنسانية (وجُذُورها اقتصادية وثقافية في واقع الأمر)، وبدأ الإحتلال الفرنسي يحتل مواطئ قدم، في موريتانيا، منذ سنة 1858، ليتمدّد بداية من سنة 1881 (تاريخ استعمار تونس) وَتَواصَل الإحتلال تدريجيًّا، لِيكتمل بإعلان موريتانيا “منطقة إدارية تابعة لفرنسا” سنة 1920، وانطلقت حركات مقاومة الإستعمار، منذ مراحله الأولى، وبعد اكتمال الإحتلال، فَصَل الإستعمارُ الفرنسيُّ موريتانيا عن بقية بلدان المغرب العربي، وربَطَها سياسيا وإداريا واقتصاديا، بالسينغال، في إطار سياسة الإستعمار الفرنسي التقليدية للتفريق بين مختلف مُكوّنات السّكّان، ومحاربة اللغة والثقافة العربية، وبقيت مثل هذه المشاكل تُعَرْقِلُ النشاط السياسي والثقافي، والتنمية في البلاد، وتُساهم في عَرْقَلَةِ تماسك مختلف فئات الشعب، إلى غاية اليوم، لتستغلها الإمبريالية الفرنسية (وغيرها)، عبر المنظمات المُسمّاة “غير حكومية”، أو منظمات الدّفاع عن حقوق الإنسان، خاصة خلال فترات المفاوضات بشأن استغلال أوروبا للثروة البحرية الضخمة في سواحل موريتانيا، أو بشأن تحوير اتفاقيات “التجارة الحرة”، كما أجّجَت الإمبريالية الفرنسية الصراع الدّاخلي، وحوّلته إلى صراع “طائفي”، بعد إقرار إجبارية اللغة العربية في التعليم، (شباط/فبراير سنة 1966)، ثم دعمت الدّولة الفرنسية (بمختلف مؤسساتها) الدّعوات الإنفصالية، وبثّ التلفزيون الفرنسي (القناة الثالثة – قطاع عام) تقريرًا عن العبودية في موريتانيا، بمناسبة سباق السيارات، سنة 1998، وهي كلمة حق أُرِيدَ بها باطل، وإثارة مشكل اجتماعي موريتاني، باستغلال حدث “رياضي”، لا يخدم سوى شركات صناعة السيارات الفرنسية والعالمية، التي تختبر مُحركاتها وسياراتها، سنويًّا، في الأراضي الإفريقية، حيث يُخلّف هذا الحدث عدة ضحايا، خاصة من الأطفال. 

استقلّت موريتانيا عن فرنسا استقلالاً شكلِيًّا، في الثامن والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1960، ضمن جملة الإستقلالات الشكلية للمستعمرات الفرنسية في إفريقيا، وبقيت موريتانيا تعتمد الفرنك الإفريقي (المرتبط بالفرنك الفرنسي والمصرف المركزي الفرنسي) حتى سنة 1973، سنة إصدار موريتانيا عُملتها “أُوقِيّة”، بدلاً عن الفرنك الإفريقي، في حزيران/يونيو 1973 ، سنة انتماء موريتانيا إلى الجامعة العربية، في كانون الأول/ديسمبر 1973، لكن لم يتغيّرْ وضْعُ الهَيْمَنَة الإمبريالية عليها.

لم يعترف المغرب باستقلال موريتانيا (تعتبرها الأُسرة المالكة جزءًا من المغرب) سوى في أيلول/سبتمبر سنة 1969، عندما بدأ الحديث عن احتمال انسحاب جيش إسبانيا من مستعمرتها “الصحراء الغربية”، فانعقد لقاء ثلاثي بين ملك المغرب والرئيسين الجزائري والموريتاني، في مدينة “نواذيبو” الساحلية الموريتانية، سنة 1970، “لمناقشة قضية الصحراء الغربية”، ثم تورّطت دولة موريتانيا في مخططات الملك المغربي “الحسن الثاني”، لاحتلال الصحراء الغربية، والسيطرة عليها وعلى ثرواتها المنجمية والبحرية، بعد الإتفاق مع إسبانيا الذي أبْعَدَ الجزائر (تشرين الثاني/نوفمبر 1975)، وتمثل في عقد صفقة خروج إسبانيا من الصحراء الغربية ( الساقية الحمراء ووادي الذهب) الغنية بالفوسفات وبالموارد البحرية، وتقسيمها بين المغرب وموريتانيا، وسيطر المغرب على كافة الثروات، وجنّد الملك معظم الأحزاب (بما فيها التي تَدّعي الإشتراكية) والنقابات، في حملة شوفينية ضد الجزائر، وحصدت موريتانيا هجمات “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” (المعروفة باسم “بوليساريو”)، على العاصمة الموريتانية “نواق الشّطّ”، فتدخّل الطيران الفرنسي، لصد الموجة الثالثة من هجمات “بوليساريو” سنة 1977، على العاصمة الموريتانية، واضطر الجيش الموريتاني لمغادرة الصحراء وتسليمها للجيش المغربي، سنة 1979…  

اقتصاد موريتانيا:

تُشيرُ بيانات البنك العالمي إلى ضُعْف اقتصاد موريتانيا، حيث لم يتجاوز حجم الناتج الإجمالي المحلي ثمانية مليارات دولارا، سنة 2019، أو ما يقِلُّ عن 1200 دولارا سنويا للفرد (متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي)، وبلغت نسبة النمو 3,6% سنة 2018، مقارنة بسنة 2017، غير أن نسبة التضخم مرتفعة، ما يخفض من القيمة الحقيقية للدخل وللرواتب، وما يرفع من نسبة الفقر إلى حوالي 40% من سكان البلاد.

تُعتبر موريتانيا بلدًا فقيرًا، بحسب مؤشرات التنمية التي تعتمدها الأمم المتحدة، إذ لا يتجاوز معدل الأمل في الحياة 63 عامًا، ويقل الإنفاق على الرعاية الصحية للفرد الواحد عن خمسين دولارا، فيما تقارب وفيات الأطفال الرّضّع، حديثي الولادة، نسبة خمسين وفاة لكل ألف ولادة حية، وهي نسبة عالية جدّا…

تدلّ الآثار المتواجدة في مختلف مناطق البلاد على عراقة الحضارة في هذه الرقعة الجغرافية التي أصبحت تُسَمّى الآن “موريتانيا”، والتي غزاها المسلمون انطلاقا من القيروان (تونس) والمغرب الأقصى، بداية من سنة 734 (بدايات القرن الثاني للهجرة)، وأصبحت مدينة “شنقيط” مركزا ثقافيا وحضاريًّا هامًّا، خصوصًا خلال فترة حكم “المُرابطين”، بداية من القرن الخامس للهجرة، والذين امتد حُكْمُهُم حتى الأندلس، وأصبحت العربية لغة مهيمنة، بحكم الإختلاط بين مختلف المجموعات البشرية في البلاد التي كانت موقعًا تجاريا، بين شمال إفريقيا وجنوبها، وغربها، وسَهّل هذا الموقع تجارة العهبيد التي كان يمارسها الأثرياء من أوروبا الغربية بشكل مُكثّف، بتواطؤ الوُكَلاء من الأعيان المَحَلِّيِّين في مالي والسينغال الحالية وغيرها من بلدان غربي إفريقيا، وورثت موريتانيا المعاصرة تقاليد العُبُودية، واستعباد المواطنين من ذوي البُشرة السّوداء، لخدمة الأُسَر “البيضاء” (وهي “بُيُوضَة” نسبية جدًّا) في المنازل وفي المزارع، وهي ليست بالضرورة مزارع كبيرة، مثل المزارع الأمريكية التي تستخدم عشرات أو مئات العبيد، لكن العبودية نَخَرت المُجتمع، وقَوّضت تماسكه، وعمّقت الفوارق الطّبقية، ومَأْسَسَت دَوْرَ كل مجموعة سُكّانية في الإقتصاد والثقافة وحُكْم البلاد، ويُشكّل السّكّان السود حوالي 20% من السّكّان الذين تعود أُصُولُهُم إلى السينغال أو مالي، ويتكلمون لغات الولوف والسُّونِينْكِي، والبولار، ولئن كانت الدّيانة الإسلامية تُشكل قاسِمًا مُشتركا بين السّكّان، فإنها لا تمحو الفوارق الطبقية بين هذه المجموعات، ولم يَحْظُر القانون تجارة العبيد والرّق سوى سنة 1981، ولم يُجَرّم امتلاكهم سوى سنة 2007…

لموريتانيا حدود بَرِّية طويلة (خمسة آلاف كيلومتر) على المناطق الصحراوية التي تقع على حدودها مع المغرب والجزائر ومالي، لذا يتميز المناخ بالجفاف، فهو مناخ صحراوي، وتعتبر موريتانيا من أكثر البلدان تصحُّرًا، حيث تبلغ نسبة الصاحري، حوالي 80% من الأراضي الشاسعة للبلاد (أكثر من مليون كيلومتر مربع)، ما يُفسِّر قِلَّة عدد السّكّان ( حوالي 4,5 ملايين، سنة 2019 )، وذلك رغم وجود نهر السينغال جنوبا، والمحيط الأطلسي الذي يحد البلاد غَرْبًا (حوالي 650 كيلومتر من الشواطئ)، والذي يحتوي ثروة سمكية هائلة، تستغلها السّفن الأوروبية (وغير الأوروبية) الضخمة، وفق اتفاقية الصيد البحري التي تفرضها أوروبا على المُستعمَرات السابقة، غربي إفريقيا، ويُشغل قطاع الزراعة وتربية المواشي قرابة نصف القوى العاملة، لكن إنتاجه ضعيف ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي متواضعة (أقل من 15% )، رغم الظروف المواتية في بعض المناطق الساحلية، رغم أهمية قطاع تربية المواشي، ويعتمد المزارعون في المناطق الحدودية على الفيضان الموسمي لنهر السينغال (الفاصل بين موريتانيا والسينغال) لزراعة الأراضي بالحبوب وبعض الخضروات، بالإضافة إلى منطقة الواحات التي تنتج التمور، وتسمح بتربية بعض الأغنام والماعز، فيما تزداد أهمية قطاع استخراج المعادن، لكن موريتانيا تُصدّر المعادن الخام (النفط والفوسفات والحديد والنحاس والذهب…)، ولا يتم تصنيعها وإضافة قيمة زائدة لها، على عين المكان، ويحتوي باطن الأرض على اليورانيوم والكوارتز وبعض المعادن الأخرى، بأحجام متواضعة. 

تُمثّل موريتانيا بلدًا ذا مناخ صحراوي، وكثافة سكانية ضئيلة، تبلغ 4,3 شخص فقط لكل كيلومتر مربع ، مقارنة بمتوسط يبلغ 44,9 في أفريقيا، ويعتمد الإقتصاد على الموارد الطبيعية، حيث شكلت منتجات الصيد والتعدين 98,1% من إجمالي الصادرات سنة 2018، بحسب تقرير البنك العالمي، الصادر في  آذار/مارس 2020، واعتبر تقرير اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، الصادر سنة 2016، الاقتصاد الموريتاني اقتصادا تقليديا، قليل التّنوُّع، يفتقر إلى رؤية استراتيجية، ويعتمد نموه على الموارد الطبيعية (الحديد، الذهب، النحاس، الفوسفات، الكوارتز اليورانيوم) بالاضافة إلى الثروة الحيوانية، والزراعة، والنفط والغاز، وهي قطاعات لا توفر وظائف مستدامة ولا تعتمد على الكفاءات، ويتطلب تطوير هذه القطاعات، زيادة الإستثمار الحكومي في البنية التحتية والبحث العلمي وتأهيل العاملين لاكتساب الخبرات الضرورية لتطوير هذه القطاعات، والتخفيف من حجم الإقتصاد الموازي… 

تُلَخِّصُ الوكالة الرّسمية الحكومية للأخبار (الوكالة الموريتانية للأنباء 27 أيلول/سبتمبر 2020) الأُسُس الإقتصادية، كما يلي: يعتمد اقتصاد موريتانيا على استغلال المناجم والصيد البحري، ثم قطاعات الزراعة والتجارة مع بلدان الجوار، وصادرات مناجم الحديد بمنطقة “زويرات”، والنحاس والذّهب في “أكجوجت”، والجبس في “أنرامشة”… أما القطاع الفلاحي (الزراعة وتربية المواشي) فيمثل حوالي 20%من الناتج المحلي الإجمالي (16% فقط بحسب البنك العالمي)، وتبقى موريتانيا بعيدة عن تحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي، رغم ضخامة الثروة السمكية، التي تستغلها الشركات الأوروبية، وتُسَجّلُ في موازنة الدولة في باب الصادرات… 

يُساهم قطاع المعادن والصناعات الإستخراجية بنسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي ونسبة 82% من الصادرات و23% من إيردات الخزينة، ولا يساهم قطاع الصناعة سوى بتشغيل 9 % والمعادن 2% من قوة العمل (القادرين على العمل)، ولذلك أفاد هذا القطاعُ الشّركاتِ الأجنبيّةَ (الكندية والأمريكية، بشكل خاص)، ولم يساهم في خفض حدة البطالة والفقر، رغم ارتفاع مساهمة الصناعة من 25% سنة 1995، الى 36 من الناتج المحلي الإجمالي، سنة 2015، في حين انخفضت مساهمة الزراعة من 37% سنة 1995، إلى  23% سنة 2015، لكن الزراعة تشغل نسبة 50% من قوة العمل في معظم الولايات (المحافظات). أما بالنسبة لتركيبة قوة العمل، فإن نسبة المشاركة في سوق العمل، تُعْتَبَرُ مُتَدَنِّيَة بموريتانيا، حيث يبلغ حجم القوة العاملة، نحو 750 ألف شخص، ولا تتجاوز 43,5 % ولا تتجاوز نسبة مساهمة النساء 35%، ما يمثل اختلالا هيكليا كبيرا، إذ يُتَوقّع أن يلتحق سَنَويًّا، ما لا يقل عن 25 ألف شاب جديد بسوق العمل، حتى منتصف القرن الواحد والعشرين، ولاستيعابهم وجب توفير ما لا يقل عن مليون فرصة عمل، حتى سنة 2050، بحسب توقّعات البنك العالمي.  

تتبجح الدعاية الرسمية للدولة باندماج الإقتصاد في العولمة الرأسمالية، وسَرّعت الدّولة سياسة الخصخصة الواسعة للشركات الوطنية والمصارف والمرافق، خصوصًا منذ سنة 2000، ما خفض إيرادات الدّولة، وزاد من مصاعب المواطنين، وبقي الإقتصاد ضعيفًا، رغم إعلان الحكومة، منذ سنة 2000، عن وجود احتياطي هام للمحروقات، ورغم إعلان وجود احتياطيات هامة ومؤكَّدَة من الغاز، سنة 2018، في المياه الإقليمية بالمحيط الأطلسي، ورغم توقيع 14 رخصة للتنقيب عن النفط، سنة 2017، ورغم مُشاركة موريتانيا في مؤتمر عالمي للنفط البحري (هيوستن أيار/مايو 2018)، واستثمار بعض شركات الطاقة العالمية في مشاريع النفط والغاز بموريتانيا، يبقى الإقتصاد الموريتاني تقليديًّا وضعيفًا، ويعود أحد أسباب ضعفه إلى فَرْض قواعد اقتصاد السّوق الرأسمالي، في مجتمع فقير، حيث لا يزال المواطن يعتمد بشكل كبير على اقتصاد الكفاف من الزراعة والرّعي، ويعود الضُّعْف كذلك إلى غياب التخطيط الحكومي لتطوير عملية تحويل وتصنيع إنتاج الصيد البحري، والمعادن، وإضافة قيمة زائدة لهذه السّلع، بدل تصدير الإنتاج الخام الذي انهارت أسعاره في الأسواق العالمية، بانهيار أسعار النفط، منتصف سنة 2014، وتباطأ الإقتصاد الموريتاني، منذ سنة 2015، ثم انخفض الطلب على المواد الأولية إلى أدنى مستوى، مع استفحال أزمة الفيروس التاجي (كوفيد 19)، فتعرض اقتصاد البلدان المُصدّرة للمواد الخام إلى صدمة، قد تستمر سنوات، واستغل صندوق النقد الدّولي هذه الفُرصة ليفرض على الدول الفقيرة، مثل موريتانيا “تحرير الإقتصاد وتحسين مناخ الأعمال وإزالة الحواجز القانونية والإدارية أمام المُستثمرين (أي الرأسماليين الأجانب بشكل خاص)، وتعزيز المنافسة…”، ما يعني تعزيز وتعميق التّبَعِية.

في أَوْج الأزمة الإقتصادية المُصاحبة لانتشار وباء “كوفيد 19″، أعلن رئيس الحكومة الموريتانية، في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2020، أن التوقعات تُشير إلى تراجع الإقتصاد إلى نحو – 3,2% (سالبة) على الأقل، بنهاية سنة 2020، وإلى اقتراب نسبة التضخم من 4%، “بسبب تداعيات جائحة كورونا”، وبلوغ عجز الميزانية نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب “تباطؤ النشاط الإقتصادي وارتفاع النفقات وانخفاض حجم الإيرادات”، وأعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، في خطاب بثه التلفزيون الرسمي، (الإربعاء 02 أيلول/سبتمبر 2020) “إن جائحة كورونا كشفت عن ضعف هيكلي حاد في المنظومة الاقتصادية، وأظْهَرت الحاجة لتنظيم الاقتصاد وتوجيه الاستثمار وتنمية الإنتاج، وتحقيق مستوى عالٍ من الاكتفاء الذاتي…”، لكن الإجراءات التي أعلن عنها تسير في اتجاه مُعاكس للتنمية وتحقيق الإكتفاء الذّاتي، ولا تُفيد العاملين والكادحين والفُقراء، بل سوف لن يستفيد سوى الأثرياء من إنفاق الدّولة حوالي 666 مليون دولارا، بذريعة “تنشيط الإقتصاد”. 

البطالة والفقر سنة 2020: 

لا تنتج موريتانيا حاليا سوى خمسة آلاف برميل يوميا، من النفط الخام، وكميات صغيرة من الغاز الطبيعي، لكن رئيس الحكومة أعلن يوم 29 كانون الثاني/يناير 2020، أن موريتانيا سوف تُصبح مُصدِّرًا للغاز، سنة 2022، بعد اكتشاف كميات كبيرة في المياه الإقليمية الموريتانية بالمحيط الأطلسي، قُدّرَت بنحو خمسين تريليون قدم مُكَعَّب، وبدأت شركات الطاقة العابرة للقارات (“بريتش بتروليوم” و”إنرجي” و”إكسون موبيل” و”توتال”) تُبْدِي بعض الإهتمام الحَذِر بثروات البلاد، وحصلت هذه الشركات البريطانية والأمريكية والفرنسية على عُقُود للتنقيب عن النّفط والغاز، في مناطق عديدة، أهمها حقل غاز مُشترك مع السينغال… لكن في انتظار هذه الثروة المَوْعُودة، يُعاني سُكّان البلاد من البطالة والفقر… 

تُعتبر نسبة التَّمَدْرُس (نسبة الدخول للمدرسة ممن بلغوا سن الدراسة) ضعيفة في موريتانيا، ولا تتجاوز 55%، ينهي نحو 71% منهم مرحلة التعلم الأساسي، ولا يصل التعليم الإعدادي سوى 33% من إجمالي المُسجَّلِين، ولا يصل منهم سوى 5% للتعليم العالي، وكانت اللغة الفرنسية طاغية حتى سنة 1989، وهي ليست “اللغة الأُمّ” لسكان البلاد، بل لُغَةَ المُسْتَعْمِر، ما يُساهم في ارتفاع نسبة التّسرّب من المدارس، وفي ضُعف مستوى المُتَعَلِّمِين من أبناء الفُقراء، وفي تعميق التّبَعِيّة والإغتراب.  

البطالة:  

تُعرّف منظمة العمل الدولية المُعطّل عن العمل بأنه الشخص الذي بلغ سن القدرة على العمل (من 15 إلى 64 سنة تقريبًا)  ويبحث عن عمل بالأجر السائد، ولم يحصل على عمل، ويُعرّف الباحثون “العاطل المُحبط” بأنه الشخص الذي يَئِسَ، وتخلَّى عن البحث ، خصوصًا في فترات الكساد الإقتصادي، ولذلك يضطر العديد من المواطنين للعمل بدوام جُزْئي، اضطرارًا وليس اختيارًا، أما أرباب العمل فإنهم يغتنمون فرصة ارتفاع أعداد العاطلين لزيادة عدد ساعات العمل، وخفض الرواتب، وفرض شروط عمل سَيِّئَة.

عرفت البلاد سنوات عجاف بسبب الجفاف، خلال عقْدَيْ السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، واضطر الرّيفِيُّون الذين فقدُوا مورد رزقهم، من الأرض والمواشي، للهجرة إلى المُدُن، ليلتحقوا بصفوف الفُقراء والمُهَمّشين والمُعَطَّلين عن العمل. أما الحكومات المتعاقبة، قبل انقلاب 1978، أو بعده، فلم تهتم بمشاغل وهموم الفُقراء والعاملين، فارتفعت البطالة والفقر، ووافق البنك العالمي على قروض استخدمتها الحكومة لتمويل بعض الشركات وأرباب العمل، في إطار “البرنامج التّعاقُدِي” مع “وكالة تشغيل الشباب”، أي أن الدّولة (ليس في مورتينيا فقط وإنما في عديد البلدان الأخرى) تمنح أرباب العمل أموالاً لتسديد أجور منخفضة لعدد من الشّبّان العاملين بعقود مؤقتة ولا تُساهم في تحسين تدريبهم، أو تقديم إضافات إلى مؤهلاتهم وخبراتهم.    

يرى العديد من الملاحظين والباحثين والخُبراء أن الأرقام الرسمية، أو التي تنشرها بعض المنظمات الدّولية، مثل البنك العالمي، لا تعكس واقع البطالة والفقر في البلاد، خصوصًا في أوساط سكان الأرياف، والشباب، وتشير البيانات إلى ارتفاع معدّل البطالة، من 21%سنة 1991، إلى 33% سنة 2011، وإلى 35%سنة 2018، بحسب بيانات منظمة العمل الدّولية، أما أرقام الحكومة فتطرح من قائمة العاطلين كلَّ مَنْ عَمِلَ ساعةً واحدةً في اليوم، أو يوما واحدا في الأسبوع، وأشارت بعض الدّراسات الإقتصادية لباحثين محلِّيِّين أن القطاع الحكومي لا يُشغل سوى 3% من القوى العاملة، وأن حوالي 85%من العاملين بالبلاد يشغلون وظائف مؤقّتة وهَشّة وغير منتظمة، ولا حقوق لهم، ولا تشملهم المظلّة الإجتماعية والتّأمين الصّحّي، وكان العمل في القطاع غير المُنَظّم يقتصر، قبل عقدَيْن أو ثلاثة، على الأُمِّيِّين أو من غادروا منظومة التّعليم مُبكِّرًا، وتغيّر الأمر، في موريتانيا كما في العديد من البلدان العربية الأخرى، فأصبح المُتعلِّمُون وخريجو الجامعات يشتكون من انسداد آفاق التوظيف، ويضطرّون للعمل في القطاع المُوازي، برواتب متدنّيَة وبدون حماية اجتماعية وصحّيّة، ولا تُشير سياسات الحكومة الحالية إلى الإهتمام بمسائل هامة كالفقر والبطالة، عبر الإستثمار في المشاريع المنتجة، والتي تستوعب أعدَدًا كبيرة من العاملين، مثل الفلاحة، والصيد البحري والصناعات الغذائية والصناعات التحويلية، وأشار تقرير منظمة العمل الدولية (سنة 2018) إلى ضرورة إقرار برامج قادرة، على الأقل، على استيعاب الوافدين الجدد إلى سوق الشغل، ولكن لا يمكن للأنظمة التي أغرقت البلدان بالدّيون (في موريتانيا، كما في المغرب أو تونس أو مصر أو الأردن…) وفتحت الباب على مصراعيْه للشركات العابرة للقارات، أن تكون مُستقلة في قراراتها، وقادرة على إقرار سياسات وطنية وتقدّمية تقضي على الفساد وعلى الفقر والبطالة والأُمِّيّة، فهي أنظمة تُطبّق برامج الإصلاح الهيكلي، التي فَرَضها الدّائنون، منذ ثمانينات القرن العشرين.

قَدّرت منظمة العمل الدّولية، سنة 2015، نسبة البطالة في موريتانيا بأكثر من 30%، ولم يتوقّع التقرير انخفاضها، بسبب غياب المخططات الجِدِّيّة والإستثمارات والجُهُود لمكافحتها، وقَدّر باحث جامعي موريتاني، أشرف على مَسْحٍ بَحْثِي، أن معدّل البطالة (خلافًا لادِّعاءات الحكومة) تجاوز 35% سنة 2018، وأكّد تقرير منظمة العمل الدّولية هذه النّسبة، سَنَتَيْ 2018 و 2019، مع ارتفاع نسبة المُعَطّلين من الشباب ومن أصحاب الشهادات (كالطّب والهندسة)، بحسب حركة “كفانا بطالة” (جمعية أسّسَها الشُّبّان المُعطّلون عن العمل ) وبسبب عدم توفير القطاع الخاص للوظائف، رغم انحياز الدّولة والمؤسسات المالية الدّولية، ورغم الحوافز وخفض الضريبة على الشركات والأثرياء، وَاعْتَبَر تقرير لمنظمة العمل الدّولية أن موريتانيا مُصَنَّفَة ضمن الدول العشر الأولى من حيث ارتفاع معدّلات البطالة، وارتفاع حصة الإقتصاد الموازي من الناتج المحلِّي الإجمالي، وانخفضت مُشاركة القوى العاملة في العمل وفي الدّورة الإقتصادية الرسمية من أكثر من 50% سنة 2000 إلى حوالي 46% سنة 2019، بالتوازي مع ارتفاع مستوى البطالة عمومًا وبطالة الشباب والنساء، بشكل خاص، مع التذكير بعمل ما يزيد عن 55% من القوى العاملة سنة 2019، في قطاع الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك، فيما لا تُشغل الصناعة سوى ما بين 9% و 11% من القوى العاملة.

من جهة أخرى، كلّما ارتفعت ديون الدولة، زادت هيمنة البنك العالمي والدّائنين، وزادت شروطهم، وضاق هامش استقلالية سياسة الدّولة، وتَبَعِيّتها لرأس المال العالمي، أي للهيمنة الإمبريالية، ما يجعل الدولة تُعجّل بإقرار الخصخصة وبيع القطاع العام، والتفريط في الثروات للشركات العابرة للقارّات…  

الفقر:

“يتخذ الفقر أشكالا متنوعة تتضمن انعدام الدخل، والموارد المنتجة الكافية لضمان مستوى معيشي لائق، وقد تتضمّنُ الجوع وسوء التغذية وسوء الوضع الصحِّي، والحرمان من السّكَن اللائق، والوصول المحدود أو المعدوم إلى التعليم وغيره من الخدمات الأساسية، وازدياد انتشار الأمراض والوفيات وانعدام المُؤَن، والعيش في بئة غير آمنة، والتمييز والابتعاد الاجتماعيين، كما أنه يؤدّي الفقر لانعدام المشاركة في صنع القرارات في الحياة المدنية والاجتماعية”، بحسب تعريف الأمم المتحدة للفقر (آذار/مارس 1999).

تأثّرت موريتانيا بانهيار أسعار المواد الأولية، ومن بينها أسعار خام الحديد الذي تمثل عائداته ثلث الميزانية العامة لموريتانيا، كما عانت البلاد من الجفاف (من 2017 إلى 2020) ومن انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى تدفق حوالي ستين ألف من اللاجئين من “مالي”، جراء العدوان الفرنسي والأوروبي، والذي يُشارك جيش موريتانيا في تنفيذه، وأدّت موجة الجفاف التي انطلقت سنة 2017، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والإنتاج النباتي (الحبوب والخضروات والفواكه) والحيواني (الحليب واللحوم والبيض والدّواجن…)، وأدّى الجفاف أيضًا، وضُعْف المخزون الغذائي، إلى إلحاق أضرار صحِّيّة كبيرة بالأطفال والنساء (خاصة الحوامل أو المُرضعات)، في ظل تدهور أو غياب الرعاية الصحية، فارتفعت نسبة الإصابة بسوء التغذية المزمن إلى حوالي 20% من الأطفال الذين تتراوح أَعْمارُهم بين ستة أشهر وستين شهرًا، سنة 2019، وأصبح حوالي 51% من سُكّان البلاد في حالة فَقْر “مُتعدّد الأبعاد”، بحسب تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة للعام 2019، بالإضافة إلى 31% من السّكّان الذين يعيشون تحت خط الفقر (أو في حالة فَقْرٍ مدْقَع)، وفق معايير البنك العالمي، أو لا يتجاوز دخلهم 1,9 دولارا في اليوم، سنة 2019… 

أسّست الدولة سنة 1998 مفوضية حقوق الإنسان ومكافحة الفقر، وتهدف دَمْج الفُقراء في النسيج الإقتصادي والإجتماعي، قبل نهاية سنة 2015، بدعم من منظمات دولية عديدة، لكن ميزانية هذه المفوضية ضئيلة جدًّا، ما جعل منها هيكلاً أَجْوَفَ، حيث أعلنت الدولة برامج طموحة (بدون ميزانية) “لفك عزلة بعض المناطق الريفية، ولتحقيق الأمن الغذائي في الريف، مثل توفير مياه الشُّرْب ودعم تنمية المواشي”، وغيرها، وفي الوسط الحَضَرِي أقرّت الدّولة مشروع التطوير الحضاري، لمساعدة الأُسر الفقيرة في المُدُن الكُبْرى، وبعد خمس سنوات من انتهاء الفترة التي حدّدتها الدّولة للقضاء على الفقر، لا يزال حجم الفقر يقدّرُ بنسبة 46% من السكان ويُقَدَّرُ انتشاره بنسبة 70% في الأرياف، ولم تظهر “إنجازات” المشروع الحكومي المُسمّى “استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك 2016/2030″، بل تُقَدّرُ التّقارير الأكثرَ تفاؤُلاً عدد الفُقراء بأكثر من مليون مواطن ومواطنة، أو قرابة 25% من السكان، سنة 2017، وأصدرت الحكومة عدة وثائق، تدّعي وضع خطَط لمحاربة الفقر، لكنها لا تخرج عن الإشهار والوُعُود والتّسْويف، وادّعت وزارة الإقتصاد (آذار/مارس 2017) أن الظروف المعيشية للسكان شهدت تحسُّنًا ملحوظًا، في مجالات التعليم والصحة والسّكن، وأن عدد الفُقراء في تناقص مستمر، بفضل برامج الدولة، وانخفضت نسبة الفقر، وفق البيانات الرسمية، من 44,5 % سنة 2008 إلى 33% سنة 2016، وخلال نفس السنة (2016)، ركّزَ تقرير “يونيسيف” التابعة الأمم المتحدة، على العلاقة بين الفقر، والإنقطاع المُبكِّر عن الدّراسة، حيث يتوجه أبناء الفُقراء للبحث عن القُوت، ووصف البنك العالمي وضْعَ التّعليم بموريتانيا بأنه “الأضْعَف عربيًّا”، حيث تُشكل النساء نسبة 65% من إجمالي عدد الأُمِّيِّين البالغ عددهم حوالي سبعمائة ألف مواطن ومواطنة، تجاوزت أعمارهم الخامسة عشرة، كما تعاني النساء من ارتفاع نسبة الوفاة بسبب الولادة إلى 582 وفاة، من بين كل عشرة آلاف ولادة حية، سنة 2013، وهو رقم مرتفع جدا، فيما تتّسم مؤسسات التعليم، بمختلف مراحله، بنقص البنية الأساسية وقاعات الدّراسة والتجهيزات، وانخفاض رواتب المُدَرِّسِين، وبازدواجية اللغة، وفَرْض اللغة الفرنسية، ويتسم التعليم الجامعي بانخفاض عدد الطلبة، حيث ترسل الدّولة العديد من الطلاب الجامعيين (خاصّة من أبناء الأعيان والأثرياء) للخارج، بمنحة حكومية، مُقَوَّمَة بالعملة الأجنبية، بارتفاع نسبة “المُتعاونين” إلى نحو 60% من إجمالي عدد الأساتذة، ولا توجد مؤسسات بحث علمي في مجالات الصيد البحري والزراعة والتّعدين، وهي من ركائز اقتصاد موريتانيا…

تُحاول الحكومة خفض الأعداد الحقيقية للعاطلين عن العمل أو للفقراء، وتحاول الإلتفاف عليها، ولا تظهر الأرقام سوى جانب من أوجُه البطالة أو الفقر، لكنها تُساعد على تقريب الصّورة، وعلى فهمها، فقد تسبب الجفاف في تعميق الفجوة الغذائية، وفي انعدام الأمن الغذائي، وفي زيادة عدد المُواطنين المحتاجين للمساعدة الغذائية العاجلة، ليفوق عددهم 400 ألف مواطن، أو قرابة 8% من إجمالي سكان البلاد (حوالي 4,5 ملايين نسمة، سنة 2020)، ويمكن تصنيف نصف سُكان البلاد ضِمْنَ الفُقراء، يعيش ثلاثة أرباعهم في المناطق الريفية، ويحتاجون إلى ما لا يقل عن 110 آلاف طن من المواد الغذائية، كل ثلاثة أشهر، لإنقاذهم من الموت جوعًا أو من سوء التغذية المُزمن، بحسب تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، بتاريخ  السابع من أيار/مايو 2020

بالعودة إلى العلاقة بين مستوى التعليم والفقر، أشارت تقارير اللجنة الموريتانية لحقوق الإنسان، منذ أيلول/سبتمبر 2016، إلى ارتفاع عدد الأطفال المُتَسَرِّبين من المدارس، حيث يضطر حوالي 26% من الأطفال القاصرين للعمل، بسبب الفَقْر… 

حلّت موريتانيا، سنة 2016، في مؤخرة ترتيب دول العالم من حيث جودة التعليم، وجاءت في المركز ال134 من إجمالي 140 دولة على مستوى العالم، بحسب أحد فُروع مجموعة “البنك العالمي”، وبحسب “التنافسية العالمية” التابع للمنتدى الإقتصادي العالمي، سنة 2017، ويُعتبر ذلك من مُؤشِّرات انتشار الفقر، وبدل تحسين جودة التعليم، دفعت الدّولة باتجاه خصْخَصَة التعليم، عبر إهمال التعليم العمومي، فانخفضت نسبة النجاح في امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) من 13% سنة 2014، إلى 4%، وهي إحدى أضعف النِّسَب العالمية.

نشرت منظمة الأغذية والزراعة، في أيار/مايو 2020،  تقريرًا يُشير إلى وجود مؤشرات المجاعة في البلاد، رغم الثروة السمكية والمعادن، حيث أن 71,3% من سُكّان موريتانيا يعيشون بأقل من دولارَيْن في اليوم، ومن بينهم 23,5% يعيشون بأقل من 1,25 دولارا في اليوم، ومن نتائج الفَقْر، ارتفاع نسبة الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن إلى حوالي 30% في الأرياف وإلى أكثر من 16% في الوَسَط الحَضَرِي…

الدُّيُون الخارجية:

بعد انتشار وباء الفيروس التّاجي “كوفيد 19″، وتوقّف حركة التجارة والحركة الإقتصادية العالمية، طالبت بعض الدّول، وكذلك بعض المنظمات التّقَدُّمية العالمية (مثل “اللجنة من أجل إلغاء دُيُون العالم الثالث”) إلغاء دُيُون الدّول الأكثر فَقْرًا، لأن الشُّعُوبَ لم تستفد منها، وسبق أن أقرّت لجان دولية مُستقلة عدم شرعية الجزء الأعظم من دُيُون دولة “إكوادور” والأرجنتين وبوليفيا وغيرها…

في الخامس والعشرين من أيار/مايو 2020، طالبت حكومة موريتانيا، على لسان رئيسها، بشطْبِ دُيُون إفريقيا، بمناسبة “يوم إفريقيا” (25 أيار/مايو، من كل سنة، في ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في الخامس والعشرين من أيار/مايو 1963، بزعامة جمال عبد الناصر وكوامي نكرومة وهيلاسي لاسي…)، لكي تتمكّن الدّول من مجابهة تبعات انتشار وباء الفيروس التّاجي، الذي أصاب أكثر من مائة ألف إفريقي، لغاية يوم الأحد 24 أيار/مايو 2020.

أما بخصوص دُيُون موريتانيا الخارجية، فقد ارتفعت بنسبة 20% بين سنَتَيْ 2014 و 2016، لتقترب من نسبة 100% من إجمالي الناتج المحلي، وهو مستوى تاريخي لم يسبق لهذه الديون أن وصلت إليه حسب بيانات البنك العالمي، بداية أيار 2017، وأجْرَتِ الحكومةُ مفاوضاتٍ مع الدّائنينَ لتأجيل سداد بعض الأقساط، بالتوازي مع رفع الضرائب واستهلاك مدخرات صندوق عائدات النفط لتغطية عجز الميزانية، وتسديد الديون الخارجية وفوائدها التي تستحوذ على نحو 20% من الموازنة العامة، ما يؤدّي إلى تقليص نفقات القطاعات والمشاريع الأساسية، وزادت قيمة الدّيون الخارجية التي يحل أجل تسديدها، بنسبة مُعدّلها 16%، سنويًّا، بين سنتَيْ 2015 و 2018، فيما تفوق نسبتها 20% من ميزانية الدولة سنة 2019 و 2020، بحسب المصرف المركزي الموريتاني، وناهزت قيمة الديون الخارجية للبلاد، سنة 2018، قرابة خمسة مليارات دولارا (4,984 مليارات دولارا)، ليكون نصيب كل فرد في موريتانيا من الديون الخارجية 1132 دولارا، ومثلت هذه الديون 94% من الناتج المحلي الإجمالي، أي من الحجم الإجمالي للإقتصاد، وتوقع صندوق النقد الدّولي، بنهاية 2019 (أي قبل انتشار الفيروس التّاجي وتوقف حركة التّجارة والإقتصاد)، أن ترتفع الدّيون الخارجية بزيادة نسبة 1,6% من الناتج المحلي الإجمالي، بنهاية سنة 2020…

أدّت زيادة حجم الدّيُون الخارجية إلى اتساع العجز المالي، ولجأت الحكومة إلى رفع الضرائب، وإلى استهلاك مدخرات صندوق عائدات النفط، لتغطية عجز الميزانية، وتسديد الديون الخارجية وفوائدها التي تستحوذ على نحو 20% من الموازنة العامة، ما يؤدّي إلى تقليص نفقات القطاعات والمشاريع الأساسية، وزادت قيمة الدّيون الخارجية التي يحل أجل تسديدها، بنسبة مُعدّلها 16%، سنويًّا، بين سنتَيْ 2015 و 2018، فيما تفوق نسبتها 20% من ميزانية الدولة سنة 2019 و 2020، بحسب المصرف المركزي الموريتاني. 

مُقاومة ونضالات:

إن الفَقْر لا يعني الإستِكانَة والركُود، بل ناضلت فئاتٌ عديدةٌ من الشعب الموريتاني من أجل الحقوق السياسية والإقتصادية، ومن أجل الحُرّيّات الفردية والجَمْعِيّة، ويعتبر المجتمع الموريتاني شديد الحيوية والنشاط السياسي والثقافي، رغم تأخّر الإعلان عن نهاية العُبُودية (قانونًا)، أما إزالتُها تمامًا فتتطلب سنوات أو عقودًا أُخْرى، ونورد بعض النماذج القليلة من النضالات، خلال العقود الأخيرة:

نَظّمت القوى اليسارية، ومن بينها “حزب الكادحين” الماركسي، المحظور، سنة 1969، إضرابًا عامّا بالجامعة، جابهته الدولة بحملة قمع واعتقالات واسعة، وأضْرَبَ عُمّال المعادن، بشركة “ميغرما”، سنة 1971، وأدّى قمع الشرطة إلى سقوط ضحايا من المُضرِبين، ثم أمّمت الدولة الشركة، في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1974، ليصبح اسمها “الشركة الوطنية للصناعة والمعادن” (المعروفة باسم “سنيم” وهي الأحرف الأولى من اسم الشركة بلغة المُستعْمِر الفرنسي)، وبعد عشرين سنة تأسس “الإتحاد العام لعمال موريتانيا”، كأول اتحاد نقابي مستقل، في الرابع من كانون الثاني/يناير سنة 1994، وساهم الإتحاد في تنظيم المظاهرات الشعبية التي انطلقت ضد ارتفاع أسعار الخبز، في الثاني والعشرين من كانون الثاني/يناير 1995، كما انطلقت مظاهرات واحتجاجات ضد سياسات الحكومة، التي اعتقلت أجهزتها بعض زعماء المعارضة، واتهمت حزب البعث بالتسبب في الإضطرابات، وقطعت العلاقات مع العراق، الذي كان في حالة حصار وقصف أمريكي مستمر منذ عدوان 1991، وكانت فُرصة أو مُقدّمة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بعد سَنَتَيْن على توقيع قيادات “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية لما سُمِّي “اتفاقيات أُوسلو” (الحُكم الذاتي الإداري في الضفة الغربية وغزة، تحت الحصار)، ولم يكن النظام الموريتاني مُنفردًا، بل طبّعت حكومات المغرب وتونس ومَشْيخات الخليج (إضافة إلى مصر والأردن) علاقاتها، عبر فتح مكاتب تنسيق في تل أبيب، ومكاتب صهيونية مماثلة في العواصم العربية، وفي سنة 1998، وخلال حملة تصفية حسابات بين عدد من المجموعات المُكَوّنَة لنظام الحُكْم، انتشرَ خبرُ دَفْنِ الكيان الصهيوني نفاياتٍ نوويةً في موريتانيا، وفي السابع والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر 1999، تطورت العلاقات بين النظام الموريتاني والكيان الصهيوني، ليرتفع مستوى العلاقات الرسمية إلى درجة تبادل السّفراء.

في بداية سنة 2011، سنة الإنتفاضة في تونس وفي مصر واليمن (والأردن والمغرب، بشكل أقل انتشارًا) تظاهر المواطنون الموريتانيون في الخامس والعشرين من شباط/فبراير 2011، في الشوارع (بالتزامن مع مظاهرات الجزائر والمغرب ومصر)، رافعين شعارات مُطالبة بالديمقراطية وبحُكم مدني، وبالعدالة الاجتماعية والمساواة، وتمكّن النظام من لَجْمِ حركة الإحتجاج، بعد شهْرَيْن من انطلاقها، عبر القمع السَّافِر، وكذلك عبر استخدام نفوذ الأعْيان المَحَلِّيِّين لإخماد حركة الإحتجاج، ولكن بَذْرَةَ الإحتجاجات نمتْ، وأصبحت أحزابُ المعارضةِ (التي كانت خائفة) ترْفعُ شعار “تغيير النّظام”، وهو شعار حركة “25 فبراير”، وأسّست المعارضة هيكل تنسيق (يجمع الإخوان المسلمين والليبراليين و”اليسار”…) مكّنها من رفع سقف مطالبها، وانتظمت يوم 12 أيار/مايو 2012، في العاصمة “نواق الشّط” وفي المدن الكبرى ومراكز الولايات (المحافظات)، مسيرة أولى، ثم مسيرات عديدة أُخْرَى، طيلة السّنوات اللاحقة…

كما نظّم الشباب المُعَطّل عن العمل عددًا من الإحتجاجات والإعتصامات الدّورية، للمطالبة بتوفير الوظائف والإستثمار في القطاعات التي تستوعب أعدادًا كبيرة من العاملين، بدل الإجراءات التي لا تلبي طموحات العاطلين، ولا يستفيد منها سوى أرباب العمل وأصحاب الشّركات، كما نَظّمت “رابطة الدّكاترة العِلْمِيِّين العاطلين عن العمل” مع حركة “كفانا بطالة”، تجمّعات واعتصامات في العاصمة “نواق الشّطّ” وفي المُدن الرئيسية. 

عينات من إضرابات العاملين:

اضطر عمال المناجم لشن إضرابات عديدة، وكلما تمسّك العُمّال بمطالبهم، تظاهرت الحكومة والشركات المُستَغِلّة للمناجم، بتلبية مطالبهم، من خلال توقيع اتفاقيات مكتوبة، ووعود شفوية، لكن، وبعد إنهاء الإضراب، تتجاهل الحكومة وأرباب العمل هذه الإتفاقات ولا يطبقونها، ومن هذه الإضرابات الأخيرة، أضرب عُمّال منجم “قلب الغين” (الشركة الوطنية للصناعة والمناجم) يوم 23 تموز/يوليو 2019، احتجاجا على اقتطاع يوم من عملهم من طرف إدارة الشركة، وعَطّل العُمال المُضربون حركة القطارات التي تنقل الحديد الخام، على سكة يتجاوز طولها سبعمائة كيلومتر، من المنجم إلى ميناء التصدير بمدينة “نواذيبو”، وهدّدُوا  بتوسيع دائرة الإضراب لقطاعات أخرى في الشركة، إلى أن تراجعت  الشركة عن قرارها الظالم.

نورد عينة أخرى من قطاع المناجم (أهم قطاع صناعي في البلاد)، فقد بدأ عمال الشركة الكَنَدِية “كينروس تازيازت موريتانيا”، رابع أكبر شركة لاستغلال مناجم الذهب في العالم، التي تستغل مناجم ذهب ولاية إنشيري، منذ سنة 2008 ( 250 كيلومترا شمال العاصمة نواق الشط)،  في الرابع من أيار/مايو 2020، إضرابًا شاملاً وطويلا، احتجاجا على ظروف العمل، خلال فترة الإجراءات الإحترازية، بسبب انتشار الفيروس التّاجِي (كورونا)، ويُعتبَر هذا الإضراب مُواصَلَة لإضراب تشرين الأول/اكتوبر 2019، الذي انتهى بتوقيع ممثلي العمال وممثلي الشركة اتفاقا مدته ثلاث سنوات، بهدف استمرار العمل وإنهاء الخلاف مع العمال، لكن الشركة لم تلتزم ببنود الاتفاق، واستغلت إجراءات الحَجْر الصّحي وحَظر التنقل بين المُدُن، فمنعت العمال الموجودين في المنجم من الراحة، ورفعت عدد ساعات العمل إلى 12 ساعة، دون أن تُقابلها زيادة في الرواتب، بحسب عدد ساعات العمل الإضافية، وطالب العُمال بالمُساواة في الوظائف، بحسب الخبرة والمؤهلات بين الأجانب الذين يتقاضَوْن رواتب مرتفعة، والموريتانيين (3700 عامل، إضافة إلى الإداريين) الذين يتقاضون رواتب منخفضة، وبتحسين ظروف العمل وزيادة الرواتب، والترفيع من علاوة الخطر وعلاوة السكن، وإلغاء ضريبة الراتب، وأدّى الإضراب الذي شمل 90% من العاملين، ودام أُسبوعَيْن إلى توقف العمل والإنتاج الذي تُقدر قيمته بنحو مليون دولارا يوميا، وسبق أن أعلنت الشركة، سنة 2016، أرباحًا صافية من منجم “تازيازت” بقيمة 180 مليون دولارا، مُعْلَنَة، ويتوقع أن يتجاوز إنتاجها 11 طنًّا سنة 2020.

انحازت الحكومة (التي لا تتجاوز حصتها 4% من الإنتاج) إلى جانب الشركة الكَنَدِيّة وطلبت من العمال توقيف الإضراب، وسبق أن نشرت بعض الصحف الكندية والأوروبية تحقيقات مُطولة عن نشر هذه الشركة العالمية الفساد وامتناعها عن تطبيق القوانين المحلية (السيئة أصْلاً)، وتقديم الرشاوى للمسؤولين الحكوميين، كما أطلق القضاء الأمريكي تحقيقات بشأنها، وحظي إضراب عمال منجم “تازيازت” بدعم شعبي واسع، وطالبت بعض القوى بإعادة تأميم شركة الذهب… 

في قطاع التعليم:

أطلق مُدرِّسو التعليم الثانوي والتقني سلسلة من الإحتجاجات، توجوها بإضراب أيام 10 و11 و 12 كانون الأول/ديسمبر 2019 لمدة ثلاثة أيام، للمطالبة بتحسين الرواتب وظروف العمل، والعلاوات وتوفير السكن اللائق.

 كما أضرب المُعلّمون، يوم الإثنين 03 شباط فبراير 2020 (مع التهديد بإضراب لمدة ثلاثة أيام، منتصف شهر آذار/مارس 2020، في حالة رفض الإستجابة لمطالبهم)، المتمثلة في زيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل، وشمل الإضراب جميع مدارس التعليم الأساسي بالبلاد، ونفذ المُعلّمون اعتصامات أمام مباني الوزارة وفُرُوعها… 

في قطاع الصحة:

 يوجد حوالي ثمانمائة طبيب عام ومتخصص، أي ما يعادل طبيباً واحداً لنحو 4500 مواطن، زهي نسبة منخفضة، ويعاني  قطاع الصحة العمومية من نقص التجهيزات، ومن قِدَمِها.

أضرب العاملون بمختلف أصنافهم (الطب العام والإختصاصيين) عدة مرات، خصوصًا سنوات 2018 و 2019 و 2020،  وأضرب أطباء الصحة العمومية من يوم السابع من أيار/مايو إلى يوم 17 حزيران/يونيو 2018، لفترة فاقت ستة أسابيع، باستثناء الحالات المُستعجَلَة، ونظموا اعتصامات أمام مبنى الوزارة، ووافقوا على تعليق الإضراب لفترة أسبوعَيْن بعد “التزام السّلطة بإطلاق مفاوضات رسمية، بهدف تحقيق المطالب” المتمثلة في مجانية الحالات المستعجلة في المستشفيات، ومواجهة تزوير الأدوية، وإشراك الاختصاصيين في شراء التجهيزات، إضافة لتحسين ظروف العاملين بقطاع الرعاية الصحية، ورفع رواتب الأطباء…

بعد قرابة سنة من مماطلة الدولة (وزارة الصحة)، دعت نقابات الصحة العمومية بموريتانيا، إلى إضراب جديد، يوم الثلاثاء 23 نيسان/ابريل 2019، خلال اليوم الثاني من إضراب قطاع التعليم الثانوي في عموم البلاد، وتحتج نقابات الصحة العمومية على عدم التزام وزارة الصحة بتطبيق اتفاق موقع معها سنة 2018.

في الثامن والعشرين من آذار/مارس 2020، أضرب أطباء ومجمل العاملين في قطاع الصحة العمومية مُجدّدًا، بسبب تراجع الحكومة (وزارة الصحة) عن التزاماتها…

هذه عينات من نضالات العُمّال، والموظفين من متوسطي الدّخل، ومن الفئات التي تُعتبر “ذات امتيازات”، أي الأطباء، للتدليل على حيوية المجتمع، وكذلك على تدهور وضع الأُجَراء، بمختلف فئاتهم…

خاتمة: 

يؤدي الفقر إلى استغلال الوضع من قِبَلِ السفارات والمراكز الثقافية الأجنبية والمنظمات الدّولية المسماة “غير حكومية”، وهي حكومية 100%، مثل الرابطة الألمانية للعمل الزراعي وكافة المنظمات الألمانية التابعة للأحزاب والتي تمولها الحكومة، وكافة المنظمات الأمريكية، وفي مقدمتها الوكالة الأمريكية للتعاون الدولي، والمجلس الأمريكي للعمل الدّولي التطوعي، ومختلف “الأوقاف” الأمريكية “من أجل الديمقراطية”، وغيرها من مؤسسات “التعاون الدولي”، ومصارف ونَصّابِي “القُروض الصغيرة”، وتستغل جميعها وَضْعَ الدول الفقيرة والمُثْقَلَة بالدّيُون لِتُرَوّج الدّعايات والسّلع الرديئة، وتعمل على تقسيم المجتمع إلى فئات وطوائف وأجناس ومِلَل، باسم مُساعدة الفُقراء، وبما أن حُكّام هذه الدّول هم وُكلاء للإمبريالية، فإن حكومات الدول الفقيرة، مثل موريتانيا، لا تسطيع (إن كانت تمتلك الإرادة وسيادة القرار) حَظْرَ عمل هذه المنظمات التي تستوطن دعاياتها عُقُول جيل من الشباب المُتَحَمِّس الذي يعتقد جازمًا أنه يخدم مصلحة بلاده وشعبه، وانتشرت هذه المنظمات في موريتانيا، كما في البلدان العربية والإفريقية، باسم مُساعدة اللاجئين والفُقراء وصغار المُزارعين، والأطفال والنساء وغيرها من فئات المجتمع… 

لكن مجتمع موريتانيا حي، وتُقاوم الطبقة العاملة، وفئات الكادحين، استغلال الشركات الرأسمالية التي تدعمها الدّولة، فالدّولة لم تحترم لا التزاماتها، و لا الإتفاقيات التي توصّلت النقابات لإبرامها بفضل نضالات العاملين، كما احتجّ العاملون في قطاعات الصحة والتعليم وغيرها من القطاعات، وطالب العاملون بتحسين الرواتب وظروف العمل، وانتفض الشباب في شباط/فبراير 2011، بسبب ارتفاع حدة البطالة والفَقْر في المجتمع، ولدى فئة الشباب بشكل خاص، وتُمثل هذه النضالات أملا في تغيير الوضع لمصلحة العاملين والشباب والفقراء…  

قد يعجبك ايضا