خلفيات الإعلان الأميركي عن تدريب مسلحين سوريين وأهدافه؟ / امين حطيط

 

 

أمين محمد حطيط  ( لبنان ) الإثنين 19/1/2015 م …

 

كان مقدرا أن يحتفل أعداء سورية وفقا لتخطيطهم، بولادة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، الذي تقوده أميركا وتديره إسرائيل ويجعل أهل المنطقة خدما وعملاء لأرباب المشروع الصهيواميركي الذي يستبيح كل شيء من الماديات والعقائد والتاريخ من اجل تثبيت أركان الاستعمار الاحتلالي الجديد. ولأجل ذلك شنت الحروب الأربعة منذ العام 1991، ثم كان الحريق العربي الذي التهمت نيرانه منذ سنوات أربع الأخضر واليابس في أكثر من بلد عربي فقتل مئات الآلاف وشرد الملايين واستبيحت الأعراض، كل ذلك كان لإنجاح المشروع الوحشي ذاك.

لكن صمود المنطقة ممثلة بشكل أساسي بمحور المقاومة ، معطوفا على وعي شعوب و دول تحيط به و تتعاون معه  ، لم يمكن المشروع من تحقيق أهدافه رغم حجم الخسائر التي أوقعها و الجراح التي اثخن بها الجسم المستهدف (المشرقي و الشمال إفريقي ) .و هو صمود أدى كما  يبدو الآن إلى  تغير كبير في المشهد حيث بدأت  الرياح السموم التي استهدفت المنطقة بالتشتت و التفرق أولا ثم  الارتداد  على من اطلقها بشكل  يدخله  في حال من القلق و الاضطراب يكاد يكون جنونا في بعض الحالات .و في هذا السياق جاء إعلان أميركا قرارها بتدريب مسلحين لإرسالهم إلى سورية و عودة تركيا إلى مقولة المناطق العسكرية الآمنة على الحدود، فما هي خلفية المواقف تلك المناقضة للمسعى السلمي الروسي بهذا الوقت بالذات؟

للإجابة هنا يجب إن نعود إلى أصل الأهداف الأميركية من العدوان على المنطقة والوقوف عند الفشل في تحقيق تلك الأهداف بإقامة الشرق الأوسط الأميركي الكبير والإخفاق في صياغة المنطقة بما يناسب أميركا وإسرائيل باستكمال إقامة الأنظمة الخادمة للمشروع، حيث بات الفشل هذا محسوما وإن التسليم الأميركي الضمني به بات حقيقة لا جدال فيها رغم انف المكابرين.

وهنا نذكر بان أميركا رات إن المدخل الإجباري لنجاح المشروع يتمثل في إسقاط الحكومة الوطنية في سورية وإقامة حكومة عميلة ينصبها الاستعمار مكانها، وفي تفكيك محور المقاومة بما يجعل إسرائيل تعيش في واحة من الأمن تمكنها من لعب الدور والوظيفة التي تتنطح لها.

 بالنسبة للأمر الأول فقد بات وهما طواه الزمن ولا يفكر به إلا الحمقى المنفصلين عن الواقع، خاصة بعد أن اقر أوباما نفسه ب “إن التفكير بإسقاط الأسد ضرب من الخيال “، وبعد أن عادت وأكدت أميركا على الأمر من جانب آخر بقولها “أن الحوار مع الرئيس الأسد من اجل إيجاد حل سياسي للخروج من الأزمة امر لا مفر منه “. وبذلك يسجل تدرج التراجع الأميركي من هدف إسقاط الرئيس، إلى هدف انتزاع صلاحياته وعزله فعليا، إلى الإقرار باستحالة ذلك، إلى الاعتراف بقدرته وضرورة وجوده، إلى التسليم بأهميته المركزية في أي حل سياسي. ما يعني أن من ابتغى تغيير سورية ليتخذها حجر الزاوية في بناء شرق أوسط أميركي، بات على يقين بان سورية صامدة ثابتة وأن الشرق الأوسط المزعوم لن يقوم، وأن عليه أن يتعامل مع هذا الواقع الذي فرضته نتائج المواجهة في الميدان.

أما بالنسبة لأمن إسرائيل فان الأخيرة تجد نفسها اليوم أمام محور مقاومة يملك من الطاقات و القدرات ما لم تتحسب له يوما ، حيث بات بإمكان هذا المحور و ليس على سبيل الحرب النفسية و التهويل بل على ارض الواقع و يقين العدو ذاته ، بات بإمكان هذا المحور أن يغطي ارض فلسطين كلها بحمم النار الصاروخية التي بإمكانها أن تعطل الحياة العادية و تسقط المناعة الأمنية و الاجتماعية لكيان العدو ، و تعزل إسرائيل عن الخارج بإغلاق المنافذ الجوية و البحرية للكيان ، ثم و بعد الكلام الواضح للسيد حسن نصرالله ، فقد بات بإمكان المقاومة تنفيذ اقتحام مخطط للجليل و الوصول إلى المنطقة الاستراتيجية ذات الثقل النوعي الاقتصادي و الديمغرافي الإسرائيلي ، في خرق لم تفكر به إسرائيل بوما ، ما أعاد إسرائيل إلى المربع الأول في عنوان الأمن و الوجود و طبعا الحلم بالوظيفة الإقليمية  .

لقد عولت إسرائيل على الحريق العربي من اجل تدمير سورية ، و شرذمة جيشها و محاصرة حزب الله أو استنزافه ، و هي تفاجأ اليوم بان الجيش العربي السوري اشد قوة و منعة و خبرة و إرادة من أي يوم مضى ، و أن المقاومة راكمت من الطاقات و الخبرات ما جعلها اقوى و افعل من أي مرحلة من مراحل تاريخها ، و هذا ما بات يشكل لإسرائيل هاجسا مقلقا لا يتوقف مفعوله عند إنتاج معادلة الردع المتبادل ، بل يضطرها إلى إعادة النظر بالكثير من سياساتها العسكرية و الأمنية بشكل يذكرها بما كانت عليه قبل العام 1967 .خاصة و أن استراتيجية الجبهة الواحدة المتعددة المحاور التي تبناها محور المقاومة في العام 2010 ، باتت حقيقة قائمة معمولا بها في الميدان سواء اعلن عن ذلك أو لم يعلن ، فالواقع الميداني اصدق إنباء من الوصف الكلامي.

ورغم هذه المتغيرات لم نكن ننتظر بان تقدم أميركا وخلفها إسرائيل على الإقرار العلني بالهزيمة والتخلي الفوري عن نهج العدوان وترك المنطقة لأهلها، فالأمر ليس مطروح لدينا أصلا نظرا لطبيعة أميركا في سياساتها الخارجية ونهجها العدواني الدائم، لذا نتوقع أن تقدم أميركا بدل ذلك على اعتماد استراتيجية التأخير والإعاقة لتحديد الخسائر والاحتفاظ بأوراق في الميدان وخارجه بشكل يبقي لها قوة ضغط مناسبة لتحقيق ما أمكن من مصالح تدعيها في سورية والمنطقة.

و في هذا السياق نجد أن أميركا و في اللحظة التي أقرت  فيها بالدور المركزي للرئيس الأسد في الحوار و الحل و السلمي ، و أعلنت دعمها للمبادرة الروسية الحوارية بحثا عن حل سياسي ، فأنها في الوقت ذاته أعلنت عن خطتها لتدريب  من تسميهم ” المعارضة المعتدلة ” و إرسال الف عسكري أميركي لهذه الغاية و إقامة معسكرات التدريب في دول مثلث أدوات العدوان على سورية (تركيا و قطر و السعودية ) و دفعت تركيا للعودة إلى اطلاق شعارات جوفاء لا قدرة لها على تنفيذها من قبيل القول بالمناطق الآمنة و الحظر الجوي و المناطق العسكرية العازلة و كلها مسائل عفا عليها الزمن.

إن أميركا تعلم أن تنفيذ كل هذا ليس بالأمر الهين، كما أنها تعلم بان مصطلح “المعارضة المعتدلة” هو أصلا فارغ المضمون واقعيا، إذ ليس في سورية شيء من ذلك بل في سورية فئتان تناهضان الدولة: فئة مدنية غير مسلحة متعددة التسميات ترفض الاحتكام إلى السلاح وتنشد حلا سياسيا للازمة يصنعه السوريون، وفئة مسلحة متعددة العناوين تمارس الإرهاب لا علاقة لها أصلا بسورية وقرارها. وإن مجرد تسليح أحد وإرساله إلى سورية يعني دعم للإرهابيين وكل قول اخر يكون رياء ونفاق.

إن السلوك الأميركي هذا ما كان ليكون لو لم تتيقن أميركا بان خطتها الثالثة المبنية على داعش قد فشلت ، بعد أن كانت فشلت خطتاها السابقتان (الإخوان ، و الوهابية التقليدية ) و كنا طرحا السؤال سابقا و قلنا ماذا ستخرج أميركا من جعبتها بعد داعش ، و الأن يبدو أنها أخرجت خطة القتال التأخيري أو استراتيجية  الإعاقة والعمل التراجعي المخطط من اجل كسب الوقت و تحديد الخسائر من جهة و تحجيم مكاسب الخصوم من جهة ثانية ،و هي بهذه الخطة تتوخى أن تضرب عصفورين بحجر واحد ، من جهة ترفع معنويات الإرهابيين حتى لا يلقوا السلاح قبل أوانه  ، وتحفظ إمساكها بمثلث العدوان الإقليمي على سورية فلا يتشتت اذا شعر بانتهاء اللعبة ، و من جهة أخرى تمنع خصومها من الاستثمار السريع لإنجازاتهم.

 ولهذا لا نرى أهمية تذكر للخطة الأميركية الجديدة خاصة إذا علمنا بان منتجات معسكرات التدريب الخمسة التي تعزم أميركا على إنشائها لن تبدأ بالظهور قبل أيلول المقبل ولن يتجاوز إنتاج المعسكر الواحد وخلال ستة أشهر من العمل أكثر من ألف مسلح إرهابي، فاذا كان ال 160 ألف إرهابي سابقا لم يسقطوا سورية، فهل يتوقع عاقل بان يغير النتيجة خمسة أو عشرة آلاف اخرين؟ ومع ذلك سيكون على محور المقاومة وحلفاؤه المحافظة على زخم المواجهة تسجيلا لإنجازات جديدة تتكامل مع ما سبق تحقيقه والتنبه للحرب النفسية صيانة للمعنويات.

 

 

قد يعجبك ايضا