في فلسطيـن.. يكتـب التاريـخ بالسكيــن / أحمد الشرقاوي

 

أحمد الشرقاوي ( الخميس ) 15/10/2015 م …

منذ النكبة عام 1948، مرورا بالنكسة سنة 1967، وقبل كارثة أوسلو في أيلول 1993، كل هذه السنين.. كان الإمام يدعو الله كل جمعة من على المنبر، أن يهزم جيش اليهود، وأن يقطع نسلهم، ويحرق زرعهم، ويشتت شملهم، ويحرر قدس المسلمين.. والمصلون على امتداد العالم العربي والإسلامي يرددون من ورائه بين دعوة وأخرى.. آميــن..

لكن الله لم يستجب لدعائهم، لأن الوضوء زمن الإحتلال لا يجوز إلا بالدم، ولأنهم لم يفهموا أن السماء لا تقاتل نيابة عن أحد، وأن التحرير ينجزه المجاهدون الشرفاء الذين يعيشون كالرجال ويموتون كالرجال، هؤلاء هم من ترافقهم الملائكة فينتصرون، لا القاعدين مع الخوالف في انتظار الحل من رب العالمين..

هؤلاء التنابل الجاثمين كالخراف في المساجد، الحالمين بالصلاة في القدس حين يعود عمر أو صلاح الدين، لا يدركون أن النصر لا يشحذ بالدعاء، وأن من قضى لا يعود، وأن التاريخ لا يغفر الأخطاء، ولا ينحني للضعفاء، ولا يدخل لسجله الجبناء، ولا يرحم أصحاب الذاكرة المثقوبة الذين نسوا أن اليهود على قلتهم، لم يدخلوا فلسطين من حدودنا، بل تسللوا إليها كالنمل من عيوبنا، على رأي نزار..

أما حثالة الناس من الذين صادروا إرادة الشعب واختزلوها في سلطة تأتمر بأوامر القردة في واشنطن، والخنازير في تل أبيب، والبعير في الرياض، ويتاجرون بالقضية كورقة على طاولة القمار، ويبيعون ويشترون في الأرض والعرض والكرامة ومستقبل شعب مظلوم.. فقد افتضح أمرهم، وطفح الكيل بعهرهم وفسادهم، وبانت خيانتهم، وتحولوا إلى وصمة عار على جبين فلسطين، ولم يعد للشرفاء من جيل الثوار الجديد خيار سوى طردهم من أرض الأنبياء بالحجارة، وإن هم رفضوا الرحيل بالتي هي أحسن، فبالسكاكين..

لأن ما يحدث اليوم في فلسطين ليس انتفاضة تحتاج لترخيص من السلطة، ولا ثورة تحتاج إلى قيادة زعيم فاجر يركبها باسم العروبة، ولا هي بصحوة تحتاج إلى فصيل غادر يركبها باسم الدين.. ما يحدث في فلسطين هو أكبر من ذلك بكثير وإن بدا للوهلة الأولى كهبة، لكن معالمه تشبه إلى حد كبير تداعيات انفجار بركان تتبعه سلسلة من الزلزال التي ستضرب العالم العربي من الماء إلى الماء، فتحطم كل الأصنام الجاثمة على صدور الشعوب المستضعفة كالقدر المحتوم..

ما يحدث اليوم في فلسطين، هو مؤشر على قرب حلول يوم الغضب الأكبر الموعود الذي تخشاه “إسرائيل”، يوم لا ينفع جيش ولا مال ولا سلطة ولا خطاب، يوم لن يعود للصهاينة مكان آمن في أرض الشهداء، يوم لن يعود النفط يسكب على أقدام الجواري في الغرف الحمراء، يوم ستتحول فيه آبار الزيت والغاز إلى جحيم يحرق كل فاجر غادر باغي في خليجنا العربي..

لأن ما يحدث في فلسطين أيها السادة، هو امتداد لما يحدث في أرض الشام المقدسة، وفي أرض العراق المباركة، وفي أرض اليمن منارة الحكمة والإيمان.. ما يحدث اليوم ليس صدفة، ولا هو من صنع البشر، بل مجرى أقدار تجسيدا لنبوءة المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام، بقرب اتحاد أجناد الشام وأجناد العراق وأجناد اليمن، لتطهير مشرق الهدى من زبالة البشر في الثالثة الموعودة في القرآن..

لذلك، لن يستطيع ‘جون كيري’ القادم إلى المنطقة الضغط على التاجر عباس لتهدئة الأوضاع هذه المرة، لأن الانفجار أحدثه شباب تشبع بروح المقاومة صبيا حين مارس السخط بالحجارة، وقرر اليوم التنفيس عن غضبه بالسكاكين بعيدا عن حثالة السلطة ومرتزقة “السعودية” وتركيا وقطر الذين أعلنوا أن الجهاد في سورية واليمن مقدم على الجهاد في فلسطين..

وعبثا يحاول هؤلاء الانتهازيون الذين شوهوا تاريخ فلسطين استغباء الشعب لركوب القضية، بعد أن أعلن جيل الغضب الجديد نهاية اللعبة، وأن على السلطة والفصائل إما الانصياع لإرادته وقيادته أو الرحيل، لأن الصراع مع العدو في الداخل لا يحتاج لسلطة، ولا لفصائل متصارعة على السلطة، ولا لمساعدة مالية من قطر أو “السعودية”، ولا لدعم سياسي منافق من تركيا.. بل يحتاج فقط إلى إرادة حرة وإيمان بالنصر، بعد أن تحول الدهس بالعجلات، والطعن بالسكاكين، والحرق بالمولوتوف.. إلى سلاح يغير موازين القوى ويقلب المعادلات على الأرض..

“داعش” كما “السلطة” صنيعة صهيو – أمريكية، والفرق بينهما، أن “داعش” تذبح السوريين والعراقيين بطريقتها، فيما “السلطة” تسلم الفلسطينيين لـ”إسرائيل” كي تقتلهم بمعرفتها..

ثم نسمعهم يقولون بمنطق تفوح منه رائحة العمالة، أن الانتفاضة ليست في مصلحة الشعب الفلسطيني، لأن الأولى جلبت “أوسلو”، والثانية جلبت “الجدار الفاصل”، فيما الثالثة سوف تجلب “المعازل بمدن وقوى الضفة”.. لكن هؤلاء المنافقون يتجاهلون أن “أوسلو” كانت اتفاقية بين “إسرائيل” و”السلطة” اللاشرعية، وبالتالي، لا تلزم الشعب الفلسطيني في شيئ، كما أن “الجدار العازل” حول اليهود إلى شعب يعيش خائفا وراء الأسوار في ما يشبه “الغيتوهات” كما كان من قبل يعيش في ما يسمى بـ”الملاح” في المدن العربية، أما “المعازل في الضفة الغربية” فهي أصلا قائمة، لكن الجديد في ثورة السكاكين هذه المرة، أنها لا تشمل فقط الضفة الغربية، بل قطاع غرة وأراضي 48 أيضا..

فعن أي معازل يتحدث عملاء الصهاينة؟.. وهل الشعب الفلسطيني يعيش اليوم على أرضه بحرية كي يخشى المعازل؟.. وهل الصهاينة سينعمون بالأمن والاستقرار إذا حولوا فلسطين إلى معتقلات عنصرية تشبه معتقلات النازية؟.. وهل بعد كل هذا سيبقى للحديث عن دولة فلسطينية من معنى؟..

ما يحدث اليوم يؤكد أن كل الحلول الترقيعية في فلسطين سقطت، وأنه يستحيل أن يعيش على جغرافيتها شعبان، شعب أصيل نبت من تراب الأرض وارتوى من مائها، وشعب لقيط استقدم من كل أصقاع الأرض كما استقدمت “داعش” للمنطقة لإقامة إمارات تكفيرية تضفي الشرعية على دولة اليهود الإرهابية.

إن عنوان المرحلة أيها السادة يختزل في عنوان مكافحة “الإرهاب” بكل أشكاله وألوانه وأسمائه ومسمياته، لأن مكوناته جميعها تعتبر وجهان لعملة واحدة، صهر معدنها النجس في “السعودية” وسكت قطعها المختلفة في “إسرائيل” بهندسة أمريكية.

وكل من يقف في وجه ثورة السكاكين ويسعى لإخماد غضب الشعب وانفجار شبابه، هو عميل صهيوني وضيع، تجري في عروقه دماء الخيانة، وتخرج من ثنايا خطابه كلمات بلون القدارة ورائحة النتانة..

فاتركوا أيها الأقزام شباب فلسطين ينفجر بعيدا عن حقارتكم، ليعيش بكرامة كالرجال أو يموت بشرف كالرجال، لأن الغضب هذه المرة هو من أجل الوطن لا من أجلكم..

وسجلوا أيها الشرفاء، أنه ولأول مرة في فلسطين..التاريخ أصبح يكتب بالسكين..

ألم نقل في أكثر من مقالة، أننا على أبواب عصر جديد، ستسقط فيه أنظمة الردة والفساد كأوراق صفراء يابسة، لتزهر مكانها إرادة الشعوب المستضعفة، فيسود العدل، ويغمر الحب قلوب الناس، وتعود الفرحة إلى دنياهم الحزينة؟..

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا