لبنان والعراق قراءة للماضي .. نظرة للحاضر.. استشراف للمستقبل، أمريكا لن تكرر أخطاءها / زهراء جمال”

زهراء جمال ( الأحد ) 8/3/2020 م …
يتمحور الصراع الصهيوني-العربي منذ ايام سيطرة بريطانيا على المنطقة العربية في القرن التاسع عشر و ما بعده حول قضية وجودية وهدف مركزي مفادها تأسيس دولة اليهود المذكورة في التوراة “المبتدعة” من حاخامات اليهود و خرجت هذه القضية من نقاشات الغرف المغلقة إلى العلن لأول مرة في مؤتمر عُقد في بازل عام 1897،و مرت مسيرة تأسيس هذه الدولة المزعومة بمراحل متعددة بدءاً من هذا المؤتمر المشؤوم وصولاً إلى صفقة القرن التي تم الإعلان عنها بداية هذا العام،



أعاد نتنياهو أثناءها أسطوانته المشروخة بأن أرض اليهود و دولتهم قد رُسمت حدودها إلهياً و أنها تمتد من النيل إلى الفرات،
و أنّهم سيستمرون النضال لاستعادة هذه الأرض و رسم تلك الحدود،
و تجنباً للإطالة و تكثيفاً للموضوع سأتناول الإنتهاكات و الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان فقط دون ذكر بقية الدول العربية و أجد من المناسب التذكير بأنّ أمريكا حينما ورثت الهيمنة البريطانية على المنطقة فلا يغيب عن بال القاريء أنها تكفّلت بالوعد المضحك المسمّى “وعد بلفور” حينما وهب الأمير ما لا يملك لمن لا يستحق!
و سأسرد بعض الوقائع التأريخية التي لا يزال شهودها و لا تزال شواهدها حتى الساعة كي تطلعوا على ما تضمره السياسة الصهيوأمريكية تجاه شعوب المنطقة و ما تعمل عليه،
1-في 28 ديسمبر من عام 1968 في يوم اطلق عليه (الإثنين المظلم)
مجموعة من الجيش الإسرائيلي تنتهك حرمة مطار بيروت وتضع سيادة لبنان تحت احذية جنوده إذ دخلوا الارض اللبنانيّة كما يدخل الفرد حديقة منزله الخلفيّة، و تصرّفوا ببشاعة المحتل الهمجي المعهودة عنهم من خلال إحراق ثلاث عشرة طائرة من أسطول الطيران المدني اللبناني،
و قاموا بفتح السوق الحرّة و أحرقوها و شربوا الخمر و كسّروا الزجاجات الفارغة و رموها على الأرض و رحلوا،
مشهد العنف السالب للسيادة هذا استفزّ أحد الضباط اللبنانيين الوطنيين مما دفعه لإطلاق النار لكنه لم يصب أحداً من أولائك الغزاة المحتلين ليتم تكريمه على عمله البطولي بمحاكمته و تسريحه من الخدمة!
لأن الحكومة عاجزة عن أن تجهر بصرخة المٍ واحدة فإصابة أحد المحتلّين تعني توريط لبنان في مأزق كبير بنظر الحكومة التي كانت تصرخ حينها “قوة لبنان في ضعفه وخنوعه”
2-عام 1973 قامت مجموعة من الجنود الاسرائيليين بالدخول إلى عمق بيروت”شارع فردان”لتنفيذ عملية اغتيال عرفت بـ
“عملية فردان” ضد ثلاثة من رموز المــ.ـقاومة الفــ.ــلسطينية وهم الشهداء
(أبــ.ــو يــوسف النـ.ـجار ،كــ.ــمال عــ.ــدوان ،كـ.ـمــال نــ.ــاصر)ليكمل الجند مهمتهم دون أن يقطفهم أحدٌ حتى بوردة!ثم عادوا بمروحية كانت بإنتظارهم الى اراضيهم هكذا بهذه البساطة و كأن شيئاً لم يكن!!!
4-عام 1982 قامت القوّات الإسرائيلية بمحاصرة مخيمات صــ.ــبرا و شــ.ــاتيلا لللاجئين الفلسطينين الذي هي هجرتهم،
و أدخلت حوالي 350 عنصر مسيحي إلى المخيمات تحت ذريعة البحث عن مقاتلين فلسطينين فتم ذبح ما يقارب 3000 مدني أعزل بريء بالرغم من التعهدات الأمريكية بحماية المدنيين الفلسطينيين بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان.
4-عام 1982 حينما كشّرت إسرائيل عن أنيابها وكشفت قبح وجهها بصورة علنية باحتلالها الشامل و الصريح للأرض اللبنانية و تعمدها اختيار سيناريو يمعن في إذلال اللبنانيين و يوغل في استلاب كرامتهم حينما دخل شارون القصر الجمهوري اللبناني بشكل سافر و وقح و ترأس اجتماعاً لقادته هناك و اظهرته الصور التي نُشرت في الجرائد حينها واضعاً قدميه على طاولة الاجتماع في وجه لبنان و في وجه شعبه والرئيس اللبناني”سركيس” في ذلك الوقت كان محتجزاً في الطابق الثاني من القصر لا يجرؤ على فعل شيء أو قول كلمة!
هنا و في هذه الحادثة المفصليّة توقّف التأريخ المُذل بحق لبنان و جاش الحسين في نفوس أحفاده وشمّر الرجال عن سواعدهم كأنهم قد سَمِعوا و أسمَعوا نداء أبي عبد الله(هيهات منا الذلة) فتصدّى السيدان العظيمان
المرجع الكبير السيد محــ.ــمد حـ.ـسين فـ.ـضل الله و السيد عبــ.ــاس المــ.ـوسوي و معهم الشيخ راغــ.ــب حــ.ــرب لتكوين جماعة لا يتجاوز عديدها الثلاثون شخصاً لتكون نواةً لمشروع جــ.ــهادي كبير في ما بعد غيّر كل معادلات و موازين الحرب و الرعب في المنطقة،
نعم إنّه “حـــ.ــزب الله” الذي انطلق من لحظة سيطرة شارون على السراي الحكومي ليثمر جــ.ــهاده بعد 18 عام ضرب خلالها أروع الملاحم البطولية و قدّم فيها التضحيات الجسيمة إلى تحرير كامل التراب اللبناني و إعلان لبنان بلداً سيّداً على نفسه!
سلوا مليتا أو زوروها فهي حكاية الأرض للسماء و قصة جيل أبى الذل و انتفض ضدّه فسطّر أروع ملاحم النصر و البطولة و التحرير.
5-حينما فاوض لبنان المُنتصر-بتضحيات المــ.ــقـ.ـاومة-على ترسيم الحدود فاوض بلغة المنتصرين و رفض كل المغريات والتهديدات التي وصلت لحد التلويح بفرض عقوبات على هذا البلد المنهك لكن قيادته السياسية المتمثلة بالعماد ميشيل عون رفضت كل ذلك،
ليس بقوتهم و لا بحنكتهم و لا بقوة الجيش اللبناني و لكن بقوة بندقية حــ.ــزب الله و بفضل اتّكائها على قوة حـــ.ــزب الله العسكرية و الشعبية، لأن لبنان قبلها كان يملك جيشاً وطنياً نظامياً أقوى من جيشه الحالي، قوّة أبت الخضوع آمن الشعب اللبناني بعدها أن بلداً فيه بندقية حــ.ــزب الله وسلاحه لن يضام و لن يُسلب منه شبر واحد!
و لأن العدو نفسه فلابدّ أن نربط الاحداث هناك بما يجري في بلادنا،
فلقد استشعر الأمريكان عمق الخطأ الذي وقعوا فيه بتهاونهم في قيام قوة عسكرية عقائدية(ترى الموت سعادة والحياة مع الظالمين برما و تتلذذ بالشهادة تلذذ الطفل بمحالب أمه)
ذلك الخطأ الذي لو منعه الامريكان والاسرائيليين من القيام من أساسه لكانت مستوطناتهم اليوم تجاور بغداد !
لذلك فإنهم اليوم يقاتلون بشراسة ويختلقون الاكاذيب والحيل لأجل منع قيام أي قوة عقائدية تواجه مخططاتهم القائمة على استلاب الرفض لهم ولن يدّخروا جهداً أو مالاً في سبيل إيقاف مثل هكذا قوة،
فهم على إدراك تام بأن الجيوش النظامية ما هي الا أداة بيد السلطة الحاكمة بالتالي فان السيطرة عليها مرهون بالسيطرة على الحكّام العرب وهذا ليس بالامر الصعب البتّة!
و من أبرز الأدوات الامريكية في محاربة مثل هكذا قوى عقائدية هي وصمها بالرجعية والنكوص عن المدنية متناسين ان الرجعية و التخلف يكمنان في السكوت عن المشروع الإسرائيلي التوسّعي الاستعماري،
الرجعية و التخلف تكمن بالسكوت عن رعاية امريكا لهذا الكيان الغاصب،
و من المعلوم ان قوة حــ.ــزب الله داخلياً في لبنان أتت من عمق التحالف بينه وبين الحكومات اللبنانية بفضل حنكة ساسته و قادته لذلك منعت امريكا تكرار هذا الشيء في العراق من خلال افتعال الأزمات بين الحشـ.ــد الشعبي وبين الحكومة تارة لأسباب تنظيمية و تارة لأسباب مالية و تارة بحجة عدم احترام هيبة الدولة رغم ادراكم انه لولا الحشــ.ـد لما بقيت هناك دولة!
و مما يحمد للحكومات في العراق سعيها لتأطير هذه القوة الضاربة المتمثلة بالحــ.ـشد الشعبي بإطار قانوني و بتوجيه حثيث من المرجعية الدينية العُليا المتمثلة بسماحة السيد السيستاني عبر تشريع قانون “هيئة الحشــ.ــد الشعبي” و إلحاقه بالمنظومة الامنية للدولة العراقية ليكون هذا الموقف متناغماً مع الموقف الشعبي الذي ما ذكر لفظ الحشـــ.ــد إلاّ و أعقبه بكلمة “المقدس” وهذا ما أثار حفيظة الامريكان ودفعهم لتأجير كلاب نابحة آناء الليل و أطراف النهار لضرب ما يمكن ضربه ودق اسفين الخلاف بين الشعب و حماته و و قوّته و ذخيرته و أخذت تحاول إقناع الحمقى و المغفّلين و السذج بانها هي وحدها لا شريك لها الحامي والضامن للحريات والازدهار و الأمن و الرفاهية،
في تقرير قناة الحرة الأمريكية الأخير(و قد اعتدنا هجوم هذه الأداة الأمريكية لكل فصــائــل الحشــ.ـد المختلفة بين الفينة و الأخرى)
إذ هاجمت فيه كتائــ.ــب حـــ.ـزب الله العراقية و كما يقال”الصراخ على قدر الألم”
إذ وصفتها حرفياً بـ”أشرس الميليشيات الشيعية”
و هذا ليس مستغرباً من قبل من يراقب العمليات النوعية للكتائـــ.ــب في العراق أبرزها عملية المفاوضة على الصيادين القطريين الذين قامت باحتجازهم عام 2015
و هنا لا بدّ من المرور سريعاً على هذه العملية التي تعد الأبرز،
فبعدما حاصرت جماعة جبهة النـ.ـصـ.ـرة الإرهـ.ـابية المدعومة من قطر قريتين شيعييتين في سوريا يسكنهما عشرات الآلاف من الشيعة حصاراً قويّاً إذ منعت عنهم الدواء و الغذاء و التعزيزات العسكرية و كانت النصـ.ــرة على وشك أن ترتكب بحقهم مجزرة ربما كانت ستكون الأبشع و الأشنع في التأريخ!
فحصلت عندها استخبارات الكتائــ.ــب على معلومات دقيقة تقول أن مجموعة من الصيادين القطريين الذين لهم صلة قوية بالعائلة الحاكمة في قطر(26 صياداً)
سيدخلون السماوة عبر الحدود السعودية بشكل غير قانوني أي ما يعد انتهاكاً للسيادة لاصطياد طيور نادرة في بادية السماوة في العراق،
فقامت باحتجازهم و مفاوضة قطر لأجل فك الحصار عن كفريا و الفوعة،
هذه المواقف قد تغيب عن ذاكرتنا لكنها لا تغيب عن ذاكرة الصهاينة و الأمريكان أبداً،
ختاما بودّي أن يكون لكل شعب نخبة إذا همشت او حوربت فإن الخسران هو المصير وربما يغفل الكثير عن حادثة خطيرة تشير لانحدار الوعي الشعبي حصلت إبان الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 وهي أنّهم اختاروا بداية الغزو هو ذاته يوم انطلاق كأس العالم في عام 1982 و إن المظاهرات التي كان من المتوقّع ان تهز الشارع العربي احتجاجا على غزو لبنان قد خرجت نعم و لكن ليس لهذا الغرض بل احتجاجا على”المؤامرة”التي تسببت بإخراج الجزائر من الدور الأول من البطولة،
فتخيّلوا وضع الشعب بلا نخب وسهولة السيطرة عليها!!!
أتمنى من الشعب العراقي أن يدرك أبعاد القضية،
القضية قضية أرض يُراد استلابها و تهجير أهلها و شعبها،
هذه القضية الوجودية التأريخية ليست من ارهاصات نظريات المؤامرة بل معركة دينية آيدلوجية يناضل من أجلها اليهود و اليمين المسيحي المتطرف حتى ظهور المسيح!
[19:40, 2020-03-08] زهراء جمال:

قد يعجبك ايضا