الصحافة «الإسرائيلية» وتزوير الحقائق / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الجمعة 2/10/2015 م …

■ ليس أقدر من الصهاينة قادة وشارعا على تزوير التاريخ واختراع الأضاليل والأساطير، حتى أنهم قوّلوا الله ما لم يقله

استثمروا كل الوسائل القذرة في سبيل تحقيق هدفهم في إقامة الكيان وفرض شرعيته على العالم، ألم يردد نتنياهو في كتابه «مكان تحت الشمس» أن «فلسطين كانت خالية إلا من بدو رُحّل لا علاقة لهم بالحضارة»، وأن الهجرات اليهودية قامت بنشر الحضارة بينهم. «الإسرائيليون» يعتبروننا همجا بربريين.. وعليه بدلا من الحجارة التي يرشقها أطفالنا على دبابات الاحتلال وجنوده وقطعان مستوطنيه، فلنرمهم بالرياحين والورود والأرز ألسنا ممنونين لهم فقد علُمونا الحضارة.

لقد سن الكنيست، في يوليو الماضي، قانونا يعاقب راشقي الحجارة بالسجن 20 عاما، كما أصدر وزير الحرب يعالون قرارا لجنود الاحتلال باستعمال الرصاص الحي ضد راشقي الحجارة الفلسطينيين، وكأنهم كانوا يستعملون رصاصا ميتا! ولهذا استشهد ضياء التلاحمة وهديل الهشلمون اللذين تُركا ينزفان ساعات طويلة، ولم يُسمح بتقديم الإسعافات لأي منهما. للعلم في السجون «الإسرائيلية» 200 طفل فلسطيني دون سن 18 عاما. من زاوية أخرى، ولأنني أطالع ترجمات الصحف الصهيونية بشكل يومي، شاكرا لـ»القدس العربي» وغيرها من الصحف إيلاء هذه الصفحة اليومية اهتماما خاصا، وأيضا على قاعدة هنيبعل «إعرف عدوك»، ومع انسجام ما أكتب مع هدف رئيسي لي: كشف حقيقة هذا العدو وتضليله للمواطن العربي حتى لا يراهن على ما يدّعيه العدو من حرصه على السلام.

على يومين متتالين، كتب كل من شلومو أفنيري في «هآرتس» 27 سبتمبر 2015» مقالا بعنوان «بين قوميتين مختلفتين» وفيه يقول: «حسب رأي الفلسطينيين ليس هناك صراع بين حركتين قوميتين، بل صراع بين حركة قومية واحدة – الفلسطينية- وكيان كولونيالي امبريالي- تمثله إسرائيل. وحسب وجهة نظرهم ستكون نهاية إسرائيل مثل نهاية أي حركة كولونيالية: ستتلاشى. إضافة إلى ذلك، اليهود حسب رأي الفلسطينيين ليسوا أمة بل طائفة دينية، وحق تقرير المصير الذي هو حق دولي، لا يسري عليهم. لو قبل الفلسطينيون خطة التقسيم لكانت أنشئت في مايو 1948 دولة فلسطينية على جزء من «ارض إسرائيل» الانتدابية ولما كان هناك لاجئون. من المريح اكثر تجاهل المسؤولية الاخلاقية عن الكارثة التي تسببت بها القيادة الفلسطينية لشعبها. أفنيري محسوب على ما يسمى بـمعسكر اليسار،وكذلك «هآرتس»، وهو من أصول ألمانية،عمل أستاذا للعلوم السياسية في الجامعة «العبرية»، تخصص في الماركسية وعمل وكيلا لوزارة الخارجية الإسرائيلية في عهد الوزير يغآل آلون. المقال الثاني للمتطرف الاستيطاني الصهيوني الياكيم هعتسني بعنوان «الأردن هو فلسطين» «يديعوت أحرونوت» 28 سبتمبر 2015. ينفي فيه كل حق للفلسطينيين في «أرض إسرائيل». هعتسني مولود في «كيل» في ألمانيا، يسكن في مستوطنة «كريات أربع» في الخليل. هو مع «أرض إسرائيل الكبرى»، كان ضد الانسحاب من سيناء، وهو من معارضي اتفاقيات كمب ديفيد. أما «يديعوت أحرونوت» فهي صحيفة اليمين الصهيوني الأكثر تطرفا. لاحظو اليميني المتطرف ومن يسمى بـ»اليساري» استعملا تعبير «أرض إسرائيل» على فلسطين. أفنيري يحمّل الفلسطينيين المسؤولية في كل المراحل ويختلق تعبير «القومية الصهيونية»، ويطلق على نضالات شعبنا تعبير «الإرهاب الفلسطيني»، نسأل ماذا يختلف «اليساري» الصهيوني عن اليميني الصهيوني الأكثر تطرفا؟

لا وجود لليمين واليسارفي الكيان، إن إطلاق وصف اليسار والاعتدال على بعض الأحزاب الصهيونية هو ظلم كبير، فاليسار ليس كلمة شكلية بسيطة يمكن إطلاقها بسطحية كبيرة على هذا الحزب أو ذاك، بقدر ما هي مضمون أيديولوجي فكري وسياسي وممارسة عملية على أرض الواقع، أي باختصار شديد، مزاوجة بين الإيمان النظري الحقيقي، وليس المزيف، وسياسات الحزب بالمضمون الاقتصادي الاجتماعي، وتعامله بعدالة مع الأحزاب والقوى اليسارية والتشكيلات الاجتماعية الشبيهة في الدول الأخرى. في الحالة المحددة، مثلا فإن حزب العمل الإسرائيلي، وكذلك حزب كاديما، هما حزبان صهيونيان حتى العظم، وفي تبنيهما للقضايا الاجتماعية الداخلية يحملان شعارات لا يعملان على تطبيقها، وهما يساومان على هذه الشعارات في أغلب الأحيان. لقد خاض الحزبان مع الفلسطينيين مباحثات طويلة، لم تسفر عن شيء حقيقي بقدر ما استعملت من قبلهما، كتكتيك سياسي، هدفه أولاً وأخيراً، الإيحاء للعالم بأن هناك في إسرائيل قوى تدعو إلى السلام. اليساريون حقيقةً هم من رفضوا ويرفضون اعتناق الأيديولوجية الصهيونية، فكراً وممارسةً، وهم الذين يكافحون ضد السياسات الإسرائيلية، وفي كثير من الأحيان لا يستطيعون العيش في مثل هذا المجتمع، بل تراهم يهاجرون من إسرائيل مثل: إيلان بابيه، والمحامية التقدمية فيليتسيا لانجر.

أيضا لا مفاهيم الشعب ولا القومية ولا الأمة تنطبق على تجمعهم الاستيطاني البحت، فكيف يشكلون مجتمعا؟ ويظل ولاء الأحزاب في الكيان هو أولا وأخيرا للتعاليم الصهيونية الشوفينية العنصرية. الصهيونية وإسرائيل أعادتا إنتاج النازية والفاشية في أشكال أكثر تطورا، والدليل قرارات سابقة لتجمعات دولية كثيرة، كان على رأسها قرار الامم المتحدة رقم «3379» في 10 نوفمبر 1975، القاضي «باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». إلغاء القرار كان عملا غير شرعي، ولم يجئ سوى لاعتبارات الموازين الدولية الجديدة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية. أيضا،لا يجوز إطلاق كلمة «عبرية» على الإسرائيليين ولا على صحفهم، فوفقاً لباحثين ومؤرخين غربيين وعرباً، منهم على سبيل المثال لا الحصر ج. د. درايغر أستاذ اللغة العبرية في جامعة اكسفورد، وفي مقالة له في دائرة المعارف البريطانية، أيضا وفقا للمنقب الأثري وخبير اللغات القديمة كلوفاني بيتيناتو، وكذلك الدكتور محمد نحل أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر وغيرهم، خاصة كذلك بعد اكتشاف لغة (إبلا) في مغائر مملكة (إبلا) السامية، جنوب حلب، فإن كلمة «عبرية»، هي كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرحِّل في صحراء الشام، وجاءت بهذا المعنى في الكتابتين المسمارية والفرعونية، ولم يكن لليهود وجود في ذلك الحين، ولما وُجد اليهود وانتسبوا إلى إسرائيل، كانوا هم يقولون عن «العبرية» إنها لغة كنعان. كذلك فإنه وفقا للعديد من الباحثين العرب في بحث لهم بعنوان «ملف الثقافة اليهودية» يؤكدون على أن لغة اليهود في فلسطين وبلاد الشام، ممن وجدوا فيها، كانت الكنعانية مثل لغة باقي سكان فلسطين والشام. أما الباحث عبدالوهاب الجبوري وفي بحثه القيّم «نشاة اللغة العبرية وتطورها» فيؤكد على أن اليهود قاموا بتحريف الحقائق التاريخية والعملية والادعاء بتاريخية اللغة العبرية وإعطائها صفة الاستقلالية، اللغة العبرية هي إحدى اللهجات الآرامية والكنعانية (أي في عصر ما قبل ظهور اليهودية كديانة… والدين لا يعني إثنية ولا عرقا. ومخاطبة الله عز وجل لليهود في قرآننا الكريم ينطلق من مخاطبتهم كأهل ديانة). جماعات اليهود في العالم لا تزال تتحدث بلغات الشعوب الموجودة بين ظهرانيها وهذا هو الأصل.

أما حول تعبير «القومية الصهيونية» فقد تطرقت كتب كثيرة إلى المسألة اليهودية. من كتاب كارل ماركس عن «المسألة اليهودية»، مروراً بالمفهوم المادي لها عند لينين، وغيره فقد رأوا في هذا الادعاء «بأن اليهودية استمرت بفضل التاريخ وليس رغما عنه، ولذلك فان تحرر اليهود يعني تحرر المجتمعات من اليهودية»، ورأوا في اليهودية «رمزاً للديانة التي يعتنقها اليهود… لأن فكرة الأمة اليهودية هي فكرة خاطئة تماماً ورجعية في اساسها»، مرورا بكتاب «إمبراطورية الخزر وميراثها.. القبيلة الثالثة عشرة» للباحث والمؤرخ اليهودي المعادي للصهيونية آرثر كوستلر وغيرها، وصولاً إلى الكاتب اليهودي الامريكي شلوموساند في كتابيه «اختراع الشعب اليهودي» و»اختراع أرض إسرائيل» وغيرهم كثيرون، كلهم ينفون وجود أي روابط بين اليهود القدامى واليهود الحاليين، ويؤكدون على عدم وجود ما يسمى بـ»القومية اليهودية» أو «القومية الصهيونية».

بالنسبة لموضوع «المجتمع» وفقا لكل المدارس الاجتماعية والاقتصادية الفلسفية وانسجاما مع علم الاجتماع يُطلق على مجموعة كبيرة من الناس تعيش في بقعة جغرافية معينة، ترتبط وتترابط في ما بينها بإرث تاريخي، اجتماعي، ثقافي، حضاري واقتصادي مشترك، يحتوي في مكوناته على اللغة والعادات والتقاليد والهموم والاهتمامات التي تعمل على تطوير هذه الثقافة المشتركة القادرة على خلق الوعي العام المشترك، فالوعي أولا وأخيرا هو انعكاس للواقع ومعضلاته، التي بالتأكيد تطبعُ هؤلاء الناس جماعة وأفرادا بصفات عامة مشتركة: الشخصية العامة لديهم، والهوية المشتركة لهم. الكيان الصهيوني يفتقد إلى كل هذه العوامل.

فيما بعد عقدت الصهيونية مع النازية ثلاث اتفاقيات :الاولى «اتفاقية الترانسفير» في عام 1933 من اجل تسهيل هجرة يهود المانيا الى فلسطين،، توخت الحركة الصهيونية من علاقتها مع النازية، التحكم بيهود المانيا، ترحيل رأس المال الضخم للبورجوازية اليهودية، استغلال السياسة العنصرية للنازيين، لاجبار اليهود على الهجرة الى فلسطين… هذه الاستنتاجات التي خلص اليها البروفيسور السوفييتي بونداريفسكي ونشرها في عام 1984. عقدت الصهيونية اتفاقية ثانية مع النازيين في عام 1934، واخرى ثالثة في عام 1937، وتقضي بـ «تزويد الحركة الصهيونية للجستابو بأي معلومات عن التنظيمات اليهودية في اوروبا وعن اي نشاطات لهم ضد النازيين، مقابل دعم هؤلاء لاقامة الدولة الصهيونية». هذا ما يطرحه عبدالرحمن عبدالغني في كتابه: «المانيا النازية وفلسطين»، وهو ما يتفق مع ما طرحه غالدر في مذكراته الجريئة.. أي ان اقوى حلفاء النازية في مرحلة معينة من التاريخ، كانت الحركة الصهيونية.

مقالات وأبحاث، كما كتب عربية وأجنبية كثيرة تناولت ظاهرة العنف والقتل في الصهيونية وفيما بعد كظاهرة إسرائيلية من زوايا مختلفة.. ومن أهم هذه الكتب: «الحركة الصهيونية» إسرائيل كوهين، 1945. «الهدنة العنيفة» هاتشون 1958. «الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية» ويليام براد فورد. «الجذور الإرهابية لحزب حيروت الإسرائيلي» لبسام أبو غزالة. «الصهيونية والعنف.. الفلسفة والاستراتيجية» حسين الطنطاوي 1977. «ثقافة العنف في سوسيولوجيا السياسة الصهيونية» د.عبدالغني عماد 2001… ومن أفضل من كتب أيضا عن الموضوع نعوم تشومسكي، وقبل بضع سنوات كان كتاب «الصهيونية والعنف» للراحل عبدالوهاب المسيري.

أسئلة للكاتبين الصهيونيين، مهما اختلفت مدرستاهما.. ما الذي يربطكما مع اليهودي الإثيوبي غير الديانة؟ ما الذي يربطكما بفلسطين وانتم ألمانيين، ليست لكما علاقة بأرضنا؟ ما الذي جاء بكما من ألمانيا مكاني ومكان ملايين الفلسطينيين الذين اقتلعتهم عصاباتكم الإرهابية الصهيونية من بلدهم؟ هل يجوز القول بـ»قومية مسيحية» أو «إسلامية؟ نعم اسرائيل هي سوبر مشروع فوق كولينيالي.. هي مشروع اقتلاعي، إلغائي،عنصري قبيح، وفاشي أيضا…وانتما في داخليكما تعرفان مصيره. أما عن الوطن البديل فلن نقبل حتى بالجنة بدلا من أرضنا، التي كانت تسمى فلسطين وصارت تسمى فلسطين. نعم جذورنا الفلسطينية قبل ميلاد الزمان رست.. فمن أين أنتما ومن أنتما؟

قد يعجبك ايضا