رسائل روسية إيرانية لأمريكا بشأن الأسد / د.خيام الزعبي

 

 د.خيام الزعبي ( سورية ) الخميس 17/9/2015 م …

شهدت منطقة الشرق الأوسط عودة قوية لروسيا, بعد تراجع نسبي لأمريكا, نتيجة الهزائم المستمرة في العراق واليمن وسورية, وعدم حسم تلك المعارك, بالإضافة لإعتبارات الإنتصار الكبير لمحور روسيا وإيران, على محور أمريكا وحلفائها, فتصارع الإرادتين الروسية والأمريكية توضحت بصورة دقيقة فيما يتعلق بالواقع السوري، فأمريكا عملت كل شيء لإسقاط نظام الأسد, بينما أعلنت روسيا صراحة، بأن الدعم العسكري لن يتوقف عن سورية، وبقاء نظام الأسد خيارها الوحيد، لذلك لم يكن في جعبة واشنطن من أدوات ضغط سوى الطلب من بعض أعضاء حلف الناتو بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة لسورية، فإستجابت بعض الدول وتحفظت الأخرى، وبذلك إستمرت بتجهيز الجيش العربي السوري بالمعدات التي يحتاجها لمكافحة الارهاب، وفتحت إيران أجواءها للطائرات الروسية كخط بديل معلنة بذلك تعزيز وتمتين علاقات التحالف القائمة بينهما وبين سورية.

بعد دخول الأزمة السورية عامها الخامس، لا زال للغرب وحلفاءه بصيص أمل بإبعاد روسيا عن دعمها للشعب السوري، ظهر ذلك جلياً خلال الحملة الإعلامية الأخيرة التي شنتها وسائل الإعلام الغربية حول تغيّر في الموقف الروسي والنية بسحب الدعم عن دمشق، لذلك كان خطاب الرئيس بوتين الأخير بأن روسيا ستقدم دعماً عسكرياً لسورية في مواجهتها الجماعات المتطرفة هو ما أقلق الغرب، إذ حمل هذا التقرير رسالة واضحة  من أن الحديث عن تراجع في موقف بلاده اتجاه دعم سورية لا أساس له من الصحة وأن موقفها حازم وغير قابل للطرح بخصوص الجماعات المتطرفة، وأن  روسيا تقدم الدعم اللازم لسورية بما تقتضيه المرحلة، وهذا الدعم يحدد بناءً على طبيعة التحديات والتطورات في المنطقة، وبالتالي فإن خيار روسيا بحماية الشرعية السورية ثابت ولن يشهد تراجعاً، بذلك فإن إستمرار روسيا في دعمها للرئيس الأسد لم تتغير منذ بداية الأزمة، بل ازدادت وضوحاً في مراحل متعددة، وأبلغت واشنطن ان إستهداف الرئيس الأسد خطاً أحمر بالنسبة لموسكو، وإن الإستراتيجيية الأمريكية  الحالية غير كافية لمحاربة داعش وتوابعه، لذلك لا بد من إشراك الجيش العربي السوري الذي يقاتل الإرهاب بمفرده في المنطقة.

في سياق متصل إن الخطوة الروسية الأخيرة بإرسال مقاتلين وطيارين روس إلى سورية, هو دليل تعزيز مسار التعاون المستمر بين كل من روسيا وسورية, ولإعتبارات أخرى كون سورية هي الخط الدفاع الأول ضد إنتشار التطرف الإسلامي, الذي إذا لم يتوقف فإنه سيصل إلى حدود روسيا, وعليه، تجسد الرد الروسي الرامي لحماية أجواء وسيادة الدولة السورية ودق إسفين في توجهات الغرب لتقسيم سورية الى دويلات متناحرة.

أمام هذا الإصرار الروسي في الحفاظ على حليف أساسي لها في منطقة الشرق الأوسط، ومع التطورات العسكرية الأخيرة بين الطرفين الروسي والأمريكي، قد يبدو إن صراعاً حاداً بينهما يمكن أن يحدث في أي وقت ويفجر المزيد من المشاكل الجديدة في المنطقة، خاصة بعد أن رأى بعض الساسة والإستراتيجيين الأميركيين بأن روسيا دولة عدائية وتشكل خطراً وجودياً لأمريكا وإستمراريتها في المنطقة، لذلك كل ما يجري حالياً بين الطرفين هو حرب باردة، فأمريكا التي خرجت من الشرق الأوسط بعد فشلها في العراق واليمن مؤخراً، ثم خسرت رهاناتها في سورية، تقوم بتوجيه إهتماماتها لشرق آسيا، في حين أن الدب الروسي خرج من نتائج الأزمة السورية قوياً ومتماسكاً الى جانب أنه لم يدخل رهانات خاسرة، أما عسكرياً فواشنطن لم تنتصر في أي مواجهة خاضتها من حروب المنطقة، ومن الناحية السياسية لم تستطع فرض رؤيتها فيما يتعلق بسورية وأوكرانيا كما أنها رضخت للنفوذ الإيراني المتزايد وأُجبرت على توقيع إتفاقٍ يُرضي طهران،  الى جانب أنها لم تستطع منع تصاعد نفوذ قوة الصين وروسيا في المنطقة.

إن الموقف الروسي الثابت والإنتصارات المستمرة التي حققتها سورية بوجه القوى المتطرفة، فإن أمريكا اليوم تواجه مشاكل كبيرة، فمن المعارضة الداخلية لسياستها، إلى خروج ملف الإرهاب عن سيطرتها، إلى ملامح أولية تشير إلى نمو الفكر التكفيري داخل ولاياتها، إلى موجة الغضب الشعبية أمام المشكلات التي برزت في المنطقة نتيجة سياساتها وأصبحت تهدد مصالحها والتي ترى أن لا بدّ لحلها إلا بالتعاون مع االقوى الفاعلة والتي لها تأثير كإيران وروسيا، كل هذه الدلالات هي أمور ضاغطة عليها بضرورة البحث عن أي سبيل ممكن للخروج من أزمات ولدتها سياساتها الخاطئة، وتضع السياسة الأمريكية أمام مفترق طرق تحتم عليها إنتهاج سياسة تراجعية تجاه الازمات التي خلقتها، وإنطلاقاً من ذلك فإن التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد تبدلاً كبيراً على الساحة السورية، خاصة ان الطرح الروسي لحل الملف السوري يدعمه التوافق الإيراني والدول الصديقة.

مجملاً…إن الأزمة السورية كانت السبب الرئيسي في إحتدام الصراع بين روسيا والغرب وعودة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، بعد أن كانت في حالة جمود لفترة طويلة، ومن خلال مراقبة التطورات، يمكنني القول إن واشنطن وإن كانت تتحدث بنبرة التحدي والقوة، فإنها في الحقيقة نبرة ضعف ووهن، فظهور قوى جديدة على الساحة الدولية مثل موسكو أخرج واشنطن من سياسة القطب الواحد التي جعلتها تتربع على عرش العالم كقوة عظمى لفترة من الزمن، لذلك أرى إن النفوذ الأمريكي أصبح من الماضي، وإن العالم اليوم، ستديره أطرافاً أخرى، وأختم مقالي بالقول إن الرسالة الروسية واضحة تماماً، وهي موجهة لكل من يهمهم الأمر، مفادها أن سورية هي خط الدفاع الأول عن الأمن الروسي، وأن حرب روسيا على الإرهاب تستوجب حفظ النظام وإبقاء مؤسسات الدولة، لذلك فهي مستمرة في تقديم الدعم لسورية وشعبها، وأن روسيا  تعي ما يُحاك ضدها وضد سورية، فسورية والتي هي رغم الجروح النازفة والأحداث الجسيمة ، لا تزال بخير، وأن لديها القدرة القيادية الذاتية على تدبير أمورها، وأن المطلوب من جميع القوى الدولية والإقليمية أن تدعم السلم والاستقرار الإقليمي، وأن تتوقف عن محاولاتها التدخل والعبث بالاستقرار العربي والسوري تحت دعاوى مُزيفة وأكاذيب مضللة.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا