سوريا ، بعد التدمير جاء دور التفريغ / ابراهيم ابو عتيلة

 

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الإثنين 7/9/2015 م …

بعد قتل أكثر من (250) ألف مواطن سوري ، وبعد تدمير البنى الأساسية للدولة السورية ، وبعد لجوء وتشريد (11) مليون سوري في الفيافي والبقاع داخل سوريا وخارجها ، فقد أجتمع بعض من رؤساء الدول الاوروبية ، ونسقوا مع غيرهم في أوروبا والولايات المتحدة وكندا واوستراليا ، ليخرجوا علينا بالمرحلة الأكثر عهراً من حيث التدخل في شؤون وكينونة دول المنطقة ، حيث جاء هذا التدخل المُبتدَع أو المُخترَع – وهم أهل الاختراعات – تحت ستار الإنسانية والتعاطف ، فلقد تم الإعلان عن استعداد الدول الغربية بشكل عام ودول أوروبا خضوصاً لاستقبال ( 4.5 ) مليون لاجئ سوري موزعين على تلك الدول وبأعداد محددة  لكل دولة ..

فماذا وراء كل ذلك ، ولماذا الآن ؟؟؟

أما عن لماذا الآن فأقول ، علينا أن نلاحظ تناقض التصريحات المتعلقة بالشأن السوري بين بقاء النظام بقائده تارة أوبقاء النظام وتغيير قائده تارة أخرى ، وبين طرح صيغ مختلفة للحل السلمي بما في ذلك ما جاء في بيان مجلس الأمن الدولي بخصوص سوريا يوم الاثنين 17 أغسطس/ آب عن تأييده لمبادرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا وذلك بتشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة لتنفيذ بيان جنيف ، بما يؤدي إلى وضع حد للحرب من خلال ، إطلاق عملية سياسية تقودها سوريا نحو عملية انتقالية سياسية تعبر عن التطلعات المشروعة للشعب السوري ، وتتضمن المرحلة الانتقالية تشكيل هيئة قيادية انتقالية مع سلطات كاملة ، على أن يتم تشكيلها على أساس تفاهم متبادل ، مع تأمين استمرارية عمل المؤسسات الحكومية   ،،، ولعل ذلك يوصلنا إلى نتيجة واضحة مؤداها مدى الفشل الذريع لقوى الإرهاب والظلام في إسقاط النظام السوري وتدمير الدولة السورية الأمر الذي جعلهم يبحثون عن حلول أخرى لتدميرها والقضاء عليها بشكل كامل ومبتكر.

وبشأن ما وراء ذلك أقول ..

       أن كافة الدول التي أبدت استعدادها لاستقبال اللاجئين السوريين ، تعاني من تناقص حقيقي في عدد السكان ، يتم تعويضه في الغالب عن طريق الهجرات الشرعية وغير الشرعية ، ومن هؤلاء المهاجرين ، أعراق تخلق بعضاً من التمييز العرقي في مجتمعات تلك الدول كما في حالة المهاجرين الأفارقة أو الآسيويين الذين يتميزون شكلاً عن الأوروبيين ، فيما لا يعتبر ذلك مشكلة بالنسبة للسوريين الذين يتشابهون في الغالب في شكلهم مع سكان تلك الدول .

       إن السوريين وكما هو معروف لدى الكثيرين ، يتميزون عن غيرهم في كثير من الحالات بعشقهم وحبهم للعمل وقدرتهم على ذلك ، علاوة على قدرتهم على استيعاب وتطويع التكنولوجيا ولعل في صمودهم خلال سنوات الحصار لأكبر اثبات على ذلك .

       ومن خلال سياق القرار الأوروبي بقبول اللاجئين السوريين ، فإن من سيقبلوه في بلادهم من السوريين هو من سيتمكن من الوصول لبلادهم بعد حصوله على التأشيرات اللازمة من سفاراتهم ، وبكلمة أخرى فإن غالبية من سيخرج للجوء ، سيكون إما من الفئة المتعلمة والمثقفة أو الحرفيين القادرين منهم على تغطية نفقات السفر، فيما سيبقى على أرض سوريا ، هؤلاء من غير القادرين على الوصول أوالأقل علماً ومعرفةً ودراية ، أو هؤلاء المؤمنين بوطنهم الذين وقفوا إلى جانب النظام في حربه ضد الظلاميين والتكفيريين والمعارضة المشبوهة فمن وقف إلى جانب النظام ودافع عن وطنه ممن تشملهم الفئة الأخيرة لن يحصلوا على تاشيرات الدخول وإن حصلوا فستكون شركاً للايقاع بهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم على انتمائهم لوطنهم فتهمة الإرهاب جاهزة  .

       تعتبر القوة البشرية في منطقتنا من أكبر عناصر القوة ، فعليها يُعقد الأمل في التطور وتحقيق أهداف الشعب ، وعند عدم وجود القوى البشرية وخاصة المؤهلة فإن أي بلد في العالم لن يستطيع بناء نفسه وتطويرها ، وفي حال كهذه يتم الوصول إلى الهدف المخطط له منذ البداية ، وذلك بتدمير هذه القوة ، وبما يؤدي حتماً إلى السيطرة على البلاد تحت عناوين كثيرة .

ولعل الأهم من كل ذلك ، ومن خلال إضعاف سوريا ، وتفريغها من طاقات شعبها الكامنة ، ووضعها في قائمة الدول الأقل علماً وقدرة ، علاوةً على إضعاف قدرتها على المقاومة ، وسلخ الكثيرين من مواطنيها عن قضاياهم العربية وعلى رأسها قضية العرب المركزية ، فلسطين ، مما سيشكل خدمة كبرى للكيان الصهيوني بالقضاء النهائي على جبهة كبيرة قوية وواعدة ، وبما يتسبب حتماً إلى إضعاف قوى المقاومة الأخرى في فلسطين ولبنان .

واخيراً اقول ، ومما علمه لنا تاريخ تعامل الغرب مع  قضايانا ، فإن نجاحهم في خطتهم قد يشجعهم على الإقدام على خطوة أخرى تحت نفس السيناريو ووبنفس الذرائع والعناوين والحجج  – اللجوء الإنساني – ، وذلك بالسماح لمن يرغب من اللاجئين الفلسطينيين بتغيير أماكن لجوئهم ، والذهاب إلى تلك الدول أوغيرها ، فالرقم الذي اعلنوا عن استعدادهم لقبوله والبالغ      ( 4.5 ) مليون ليس بعيداً عن عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم ، مما يعني قدرتهم على استيعاب اللاجئين الفلسطينيين ، وبذلك يقدمون الخدمة الأكبر للصهيونية ، بتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء ملفها .

 

 

قد يعجبك ايضا