التعاون الصهيوني – النازي.. وخطاب آيخمان قبل إعدامه / د.فايز رشيد

 

 

د.فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 3/9/2015 م …

اعتادت الحركة الصهيونية، ومن ثم تعبيرها المادي: إسرائيل فيما بعد، على اختلاق الأحداث والأساطير من تلك التي تظل ترددها على طريقة اكذب، اكذب، ثم اكذب.. حتى يصدقك الناس، “فالأرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وخاصة أن هذا “الشعب” هو “شعب اللّه المختار”.. وإلى غير ذلك من الأضاليل.

كما اعتادت أيضا، أن امتلكت جزءا صغيرا من حقيقة عامة وشاملة، أن تعمل على تسييد هذا الجزء على كل العناصر الأخرى من الحقيقة العامة، بحيث يطغى عليها، ولا يظل سوى ذلك الجزء الذي تقولبه أيضاً في هالة من الأضاليل والأساطير، التي يُمنع الاقتراب منها مثل المناطق العسكرية التي يُحرّم فيها المشي والتصوير.

الصهيونية وإسرائيل أعادتا إنتاج النازية والفاشية في أشكال أكثر تطورا.. والدليل قرارات سابقة لتجمعات دولية كثيرة، كان على رأسها قرار الأمم المتحدة رقم «3379» في 10 نوفمبر 1975، والقاضي «باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»، إلغاء القرار كان عملا غير شرعي، ولم يجئ سوى لاعتبارات الموازين الدولية الجديدة، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية.

كانت السمة الباردة لأوروبا في نهاية القرن التاسع عشر، هي تحول العلاقات الاقتصادية من مرحلة الإقطاع إلى الرأسمالية، وعلى جانب مرحلة التحول هذه، جرى طرح المسألة القومية في أوروبا بوتائر عالية، الصهيونية استغلت هذه الظروف لطرح المسألة “القومية اليهودية”، وبدأت في نسج التحالف مع الرأسمال الصناعي الأوروبي، ومحاولة السيطرة على الرأسمال البنكي، وبذلك من الصعوبة بمكان الفصل ما بين المسألتين، لذا ليس من الصدفة، أن ينعقد المؤتمر الصهيوني الأول في تلك المرحلة بالذات، ولذلك عقدت الحركة الصهيونية تحالفا مع القوى الاستعمارية في اتفاق كامبل – بنرمان عام 1907، والذي استهدف تمزيق أوصال الوطن العربي، ووضع المقدمة لإقامة إسرائيل.

فيما بعد عقدت الصهيونية مع النازية ثلاث اتفاقيات: الأولى «اتفاقية الترانسفير» في عام 1933 من أجل تسهيل هجرة يهود ألمانيا إلى فلسطين، وبموجبها وخلال السنوات 1933 – 1938، ثم ضخ «40» مليون دولار بوساطة البنك الإنجليزي الفلسطيني إلى فلسطين، وكانت هذه، الأساس لإنشاء الاقتصاد الإسرائيلي، توخت الحركة الصهيونية من علاقتها مع النازية، التحكم بيهود ألمانيا، ترحيل رأس المال الضخم للبورجوازية اليهودية، استغلال السياسة العنصرية للنازيين، لإجبار اليهود على الهجرة إلى فلسطين… هذه الاستنتاجات التي خلص إليها البروفيسور السوفيتي بونداريفسكي ونشرها في عام 1984. عقدت الصهيونية اتفاقية ثانية مع النازيين في عام 1934، وأخرى ثالثة في عام 1937، وتقضي بتزويد الحركة الصهيونية للجستابو بأي معلومات عن التنظيمات اليهودية في أوروبا وعن أي نشاطات لهم ضد النازيين، مقابل دعم هؤلاء لإقامة الدولة الصهيونية.

هذا ما يطرحه عبد الرحمن عبد الغني في كتابه: “ألمانيا النازية وفلسطين”، وهو ما يتفق مع ما طرحه غالدر في مذكراته الجريئة.. أي أن أقوى حلفاء النازية في مرحلة معينة من التاريخ، كانت الحركة الصهيونية.

اليهودية مثل الإسلام والمسيحية هي ديانة، وهي بتخطيط صهيوني تحولت إلى (عقيدة سياسية) ثم إلى (عقيدة قومية) وفيما بعد بالضرورة إلى (عقيدة استعمارية) هذا ما يطرحه روجيه جارودي في كتابيه، الأول: الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، الثاني: قضية إسرائيل والصهيونية السياسية.

أما اليساريون الأوروبيون آنذاك، فقد رأوا في “المسألة اليهودية” عندما بدأت الحركة الصهيونية في تصويرها بأنها “قضية شعب له حقوقه في وطن، وتاريخيا – من وجهة نظر الصهيونية- فإن ذلك يعني فلسطين”، فقد رأوا في هذا الادعاء (بأن اليهودية استمرت بفضل التاريخ وليس رغما عنه، ولذلك فإن تحرر اليهود يعني تحرر المجتمعات من اليهودية). ورأوا في اليهودية (رمزاً للديانة التي يعتنقها اليهود… لأن فكرة الأمة اليهودية هي فكرة خاطئة تماماً ورجعية في أساسها).. بالتالي:

فمثلما النازية ضد كل ما هو إنساني من خلال دعوتها إلى (العرق الآري النقي)، فإن الصهيونية أيضاً تدعو إلى (العرق اليهودي النقي) ولذا فهي ضد الإنسانية أيضا.

بالنسبة للمحرقة (الهولوكوست) فهي بحد ذاتها لا تزال موضوعا خلافيا للأسباب الآتية:

لقد اعتمدت محكمة نورمبرج رقم ستة ملايين يهودي من الضحايا رسميا، استناداً إلى شاهدين فقط هما هوفل ولويزليسني، وهما ضابطان نازيان، وهذا لا يكفي، كما لم يتم العثور على أي وثيقة ممهورة بتوقيع هتلر، أو أحد الزعماء النازيين تقضي بإبادة اليهود، هذا ما تقوله مجلة: تاريخ الحرب العالمية الثانية، نوفمبر 1956. وكتاب (الحرب ضد اليهود) للمؤلف لوسي دافيدونتش.

بالنسبة لبروتوكولات حكماء صهيون – كثيرة هي المصادر التي تثبت صحة البروتوكولات. التي نشرها سيرجي نيلوس عام 1905، والتي نشرتها أيضاً الجبهة الوطنية السويسرية عام 1933، وقد رفع اتحاد الطوائف اليهودي دعوى ضدهما، وكسبها، لكن المحكمة العليا السويسرية أصدرت نقضاً لقرار المحكمة الأولى في عام 1937، مما يعني صحة هذه البروتوكولات، وكذلك ما ذكرته المؤرخة البريطانية فرانس نيوتن في مذكراتها التي نشرتها في عام 1948، كذلك ما نشره وايزمن في مذكراته 1948 عن البروتوكولات، وأيضا ج. ك. سكوت في كتابه (الحكومة الخفية) 1960، وغيرها وغيرها. ولنفترض جدلاً أن هذه البروتوكولات مزورة، فدعونا نقارن بين ما جاء فيها وبين الممارسات الإسرائيلية منذ إنشاء الكيان حتى اللحظة حول: نهج القوة والعنف، الإمساك بالتجمعات اليهودية، السيطرة على عصبي الحياة: المال والإعلام في العالم، الغاية تبرر الوسيلة… إلخ.

 

ما نقوله لكل المشككين في صحة هذه البروتوكولات: إن ما طبقته وتطبقه إسرائيل هو ترجمة دقيقة لما جاء في البروتوكولات، وأن كافة استطلاعات الرأي تبين بما لا يقبل مجالاً للشك، الامتداد الديني الأصولي اليهودي المتطرف في الشارع الإسرائيلي، وأحد استطلاعات الرأي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” يتوقع أن حجم المتطرفين الإسرائيليين في عام 2025 في إسرائيل، سيبلغ 62% من سكانها اليهود.. كل ذلك يؤكد أن ما جاءت به البروتوكولات يجري تطبيقه حرفيا.

عند صدور حكم الإعدام على أدولف آيخمان، طلب الأخير أن يعتنق الديانة اليهودية، وعندما سئل عن السبب أصر على أن يجيب عن السؤال في مؤتمر صحفي وبحضور كبرى وكالات الصحافة العالمية قبيل لحظة إعدامه.

قبيل تنفيذ الحكم… انتصب آيخمان في وقفة عسكرية وأدى التحية النازية (رفع اليد إلى الأمام) وقال أمام عدسات الكاميرات:

” أردت اعتناق اليهودية ليس حباً فيها، ولا حباً في إسرائيل.. إنما أردت بذلك أن أهتف لنفسي: أن كلباً يهودياً قد أعدم، ليدرك من يتبعونه من الكلاب ذلك، وأنه لكم.. كان سيسعدني قبل أن أموت أن أوجه رسالة اعتذار إلى الإسرائيليين، تحمل كل ندمي وحرقتي، ولكن… أقول لهم: إن أشد ما يحز في نفسي أنني ساعدتكم على النجاة من القتل، لقد كنت أكثر إنسانية معكم، بينما كنتم أكثر خبثاً وقذارة، أيها الكلاب، إن أرض فلسطين ليست إرثكم، ولا أرضكم… فما أنتم إلا عصابة من الإرهابيين والقتلة ومصاصي دماء الشعوب، يؤلمني أن أشبهكم بالكلاب، فالكلاب تعرف الوفاء الذي لا تعرفونه، لكن نجاسة الكلاب وحيوانيتها من ذات سلوككم.. اهنأوا ما شئتم بإجرامكم في فلسطين… حتى تجيء اللحظة التي تولون فيها الأدبار. وتعلو صراخاتكم تشق العنان.. فتذوقوا مذلة النهاية التي لا تتصورون أنها بانتظاركم، وعندها ستكون الكلاب الضالة أفضل مصيراً منكم”.

وفقا للكاتب برنارد لازار في كتابه القيّم “اللاسامية.. تاريخها وأسبابها”، فإن “اللاسامية” هي اختراع يهودي لأنهم يعتقدون بأن اليهودية مشرّبة بخاصية “استثنائية معتنقيها”. الاعتقاد بامتياز التوراة عن الكتب السماوية الأخرى. اعتقاد اليهود بأنهم خارج الشعوب وفوق المجتمعات، اعتقاد اليهود “بأن كافة الأجناس الأخرى أقل قدرا عند الله من اليهود”، لذلك فهم فوق كل الشعوب.

وينهي الكاتب فقرته بالجملة التالية: “إن هذه المعتقدات هي خاصية لظهور الشوفينية في الأديان”. هذه هي حقائق تاريخ العلاقات والتعاون الصهيوني – النازي، وما قاله آيخمان قُبيل إعدامه… ننقله للقراء على حقيقته… لندرك جميعا حقيقة عدونا الصهيوني.

قد يعجبك ايضا