يهوذا العربي والمشروع الوطني الفلسطيني / إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) الأحد 30/6/2019 م …




كل من تابع وقائع إفتتاح ورشة المنامة الإقتصادية، التي تأتي في إطار تصفية القضية الفلسطينية، والتي رفضها الشعب الفلسطيني بإجماع غير مسبوق، وشاهد وسمع كيف كان جاريد كوشنر ، المستشار في البيت الأبيض ، يحاضر بالمؤتمرين حول مضمون المشروع الإسرائيلي- الأمريكي، لا بد وأنه شعر بُعمق الأزمة التي تمر بها القضية الفلسطينية في هذه المرحلة.

ليس غريبا أن يتم تجاهل الشعب الفلسطيني ، وحقوقه الوطنية المشروعة ، من قبل القوى العظمى، فهي سياسة متواصلة منذ أن قدم  الوزير البريطاني هربرت صموئيل، مذكرته في عام 1915 ، لمجلس الوزراء البريطاني، والتي  حملت عنوان “مستقبل فلسطين”،  إقترح فيها وضع فلسطين تحت السيطرة البريطانية ، لكي يتم التمهيد لقيام  الدولة الإسرائيلية، وسهلت بريطانيا للمنظمات الصهيونية ، العمل على الحصول على الأرض ، وإقامة المستعمرات ، وتنظيم الهجرة.

وعندما وُضعت إتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 ، لتقسيم سوريا الكبرى ، وإقتطاع فلسطين لإقامة الوطن القومي، لم يكن البريطاني ماركس سايكس (صديق حاييم وايزمن) والفرنسي جورج بيكو ، يفكران بوجود وحقوق الشعب الفلسطيني.

وعندما وافق رئيس مجلس الوزراء البريطاني، ديفيد لويد جورج على إصدار وعد بلفور ، القاضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لم يعمل أحد من الساسة في الخارجية البريطانية حسابا للعرب ولا للفلسطينيين، فأعلن وزير الخارجية آرثر بلفور هذا الوعد ، في رسالته إلى صديقه اللورد ليونيل وولتر روتشيلد، وبدأ التنفيذ فورا للتعهد.

وعندما نجحت بريطانيا في الحصول على شرعية إحتلالها لفلسطين، في 11 سبتمبر 1922،وحصلت على قرار الإنتداب على فلسطين بشكل رسمي على أساس وعد بلفور، لم يراعي المجتمع الدولي في تلك المرحلة، وجود العرب ولا تطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه.

وعندما إستدعى البيت الأبيض ، ممثل الوكالة اليهودية في واشنطن ” إيلياهو أينشتاين “، وتم إبلاغه بأن الولايات المتحدة ، قررت أن تعترف إعترافا رسميا بإستقلال إسرائيل ، شريطة أن يتم الطلب رسميا من واشنطن بالإعتراف، لم تعمل الإدارة الأمريكية إعتبارا للعرب والفلسطينيين.

وفور إعلان نهاية الإنتداب البريطاني على فلسطين، تم إعلان قيام الدولة الإسرائيلية، وبعد دقائق(عشردقائق) إعترفت الولايات المتحدة بها.

وفي جميع مراحل التاريخ الفلسطيني المعاصر، كانت موازين القوى المختلة، تفرض شروطها على واقع القضية الفلسطينية، بالحروب (1948 ، 1967 ،1973 ، 1982) وبمشاريع التسوية المختلفة ، والتي تم فيها إبتزاز القيادة الفلسطينية، وبيعها الأحلام والأوهام،عبر المبادرات والإتفاقيات والقرارت الدولية التي لا تُنفذ..

مخطيء من يظن ، أن كل هذه المراحل التاريخية، كانت فقط بسبب العجز العربي عن تقديم الدعم للشعب الفلسطيني لنيل حريته وإستقلاله. فمنذ ثورة القدس عام 1920 مرورا بالثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939 ، وصولا إلى مؤتمر المنامة الإقتصادي، وبعض النظام الرسمي العربي، شريك أساسي في كل مشاريع التصفية التدريجية  للقضية الفلسطينية، وكل من عاش الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ، يعلم تماما هذه الحقيقة، ومهما تعددت وتنوعت الشعارات والخطاب الإعلامي الرسمي.

كما ربطت البرجوازية الإنجليزية مصالحها بالمشروع الصهيوني، وعملت على إقامة الدولة الإسرائيلية في فلسطين لتحقيق هذه المصالح، عملت أيضا على إيجاد كيانات وظيفية تؤدي نفس الغرض. وكما ربطت الصهيونية مشروعها بالمشروع الكولونيالي البريطاني والفرنسي في منطقتنا، ربطت بعض الكيانات العربية ومنذ نشأتها ، وجودها ومصالحها بالمشروعين معا ( الكولونيالي الأوروبي ، والإستعماري الصهيوني )، وتاريخ العلاقات السرية قديم.

لا يجب أن نتوقع أن تقوم بعض الأنظمة العربية بالتفريط بمصالحها ، ووجودها من أجل عيون الشعب الفلسطيني، فيهوذا العربي منخرط تماما في عملية التصفية منذ زمان طويل ، وفي كل مرحلة يتقدم خطوة إلى الأمام.

في التاريح المسيحي، نجد قصة يهوذا سمعان الإسخريوطي، الذي كان أحد تلاميذ السيد المسيح، إدعى أنه من محبي المسيح ، ومن أتباعه ، وكان أمينا لصندوق التلاميذ، وكان يتظاهر بالغيرة والحرص على أموال الصندوق ، ولكنه أسلم السيد المسيح لرؤساء الكهنة وخانه بقبلة دلت عليه في الليل، حين جاؤا للقبض عليه.

كان السيد المسيح يعرفه تماما، ويعرف أنه سيخونه ، ولكنه  رغب في إعطائه فرصة للتوبة والإعتراف لُيقيم الحجة عليه ، ولكنه ولطمعه وحرصه على المكسب المادي، وقراره أن يكون في صف الأقوى، و دون أدنى إعتبار لشخص سيده ، ورسالته، قام بخيانته. وبمجرد أن إنتهت مهمته ، عامله رؤساء الكهنة بكل إحتقار وطردوه  من مجلسهم ، فقام بالإنتحار وشنق نفسه، بينما إشترى الكهنة بالفضة التي دفعوها له ثمنا لخيانته ، حقلا سُمي فيما بعد ب ” حقل الدم “.

على الحركة الوطنية الفلسطينية ، أن تستخلص العبر والدروس من التاريخ ، ومن مؤتمر المنامة. فلم يعد مقبولا على الإطلاق وبأي شكل من الأشكال المراهنة على ” يهوذا العربي”، فمعالم المستقبل واضحة تماما:

 بدون الإعتماد على الإرادة والقوة الذاتية الحرة للشعب الفلسطيني، لا يمكن الإستمرار في التصدي للمشروع الصهيوني

عندما يقف كوشنر ، متجاوزا كل التاريخ الدبلوماسي والسياسي للقضية الفلسطينية ، ويحاضر أمام تلاميذه في الإقتصاد السياسي   أو التسويق وكأنه رئيس شركة، دون أدنى إشارة لجوهر القضية الفلسطينية، ويردد إتهام ” إضاعة الفرص “، علينا أن نقرأ الرسالة بوضوح.

إن الرفض الجماعي لمُخرجات هذه القمة، لا يعني أبدا ، أن الشعب الفلسطيني حقق إنتصارا، بل هي حالة من الوحدة الوطنية

” العاطفية، الوجدانية “، لها دلالاتها السياسية بلا شك ، ولكنها ما زالت لم تبلور كحالة فلسطينية متقدمة على أرضية  برنامج عمل  وطني موحد.

منذ بدايات الوعي السياسي الفلسطيني لمخاطر المشروع الصهيوني، والشعب الفلسطيني يطالب بالوحدة الوطنية، وما زال هذا المطلب هو نداء الشعب في كافة أماكن تواجده ، ولا يسقط بالتقادم!.

كما ينبغي العمل على إعادة تشكيل العلاقات والتحالفات  الخارجية، على أسس جديدة،تراعي الظروف والمستجدات في المنطقة، فسياسة المحاور القائمة تُكبل الحركة الوطنية الفلسطينية، ولا تقدم لها روافع حقيقية للنهوض. وبالرغم من الحصار والصعوبات التي  تحيط بالعمل الوطني الفلسطيني، ولكن بالإمكان فتح آفاق جديدة، لو تم التعامل جديا على أساس إستراتيجية واضحة، وفي مقدمتها إستراتيجة موجهة للشعب في الداخل والخارج، والإستفادة من الطاقات الجبارة التي يمتلكها وعلى مختلف الصُعد.

لم تعد المرحلة الصعبة ، التي يمر بها الوضع الفلسطيني، تكفيها المظاهرات والمهرجانات التقليدية المتواصلة منذ النكبة، وعلى أهميتها ، ولكنها أصبحت حالة تشبه ” الإحتفالية ” وفرصة لإلتقاط الصور التذكارية. هناك طاقات كبيرة – خصوصا – من الشباب ، ينبغي الإلتفات لها ، وتأطيرها وتأهيلها ( إعلاميا، سياسيا، إقتصاديا ، علميا …الخ )، لتُسهم في خدمة قضيتها ومشروعها الوطني.

لقد كان لعُنصر الشباب دورا محوريا في قيام دولة الكيان الصهيوني، وخضع آلاف منهم لبرامج تأهيل وتدريب ( على الزراعة مثلا) للعمل في المستوطنات الأولى ، وتأسيس نواة للدولة.

تمتلك الحركة الوطنية الفلسطينية، إرثا  طويلا وقديما من العمل الشعبي  والجماهيري، وبالرغم من الظواهر السلبية التي صحبته دائما ، ولكن يمكن البناء عليه ( إتحادات الطلاب ، العمال ، المرأة …إلخ ).من لا يمتلك القوة العسكرية والقوة المادية والحليف الداعم ، لا يوجد أمامه سوى الإعتماد على قوة الشعب.

يجب العمل على إيجاد آليات جديدة لدعم الإستقلالية المالية الفلسطينية، والتفكير بمشاريع تحقق عوائد تساهم في تمويل عمل الحركة الوطنية. فعنوان المرحلة القادمة بات واضحا: إما الإنخراط في مشروع التسوية ، وإما إستمرار الحصار والتضييق الإقتصادي.

يمتلك  الشعب الفلسطيني مخزون هائل من المشاعر الوطنية، وكذلك ملايين من أحرار العرب والعالم، ولكن المعوقات الأساسية أمام مشاركة فعالة وواسعة  ، هي عدم وجود أطر مناسبة ، وغياب المشروع الوطني الفلسطيني الموحد، وإستمرار الإنقسام .

من يريد دولة…عليه أن يثبت أنه قادر على إنجازها بسواعده !

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا