الطفولةَ المحجّبة.. / باسل الرفايعة

 

باسل الرفايعة ( الأردن ) الخميس 20/8/2015 م …

طفلةٌ في الخامسة، ربَّما أقلّ، ترتدي حِجاباً، ووسائدَ هوائيةً في المسبح، وثياباً لا تصلحُ للسباحة. الأبُ يحاولُ العنايةَ بها، بقدْرِ ما تسمحُ له عيناه اللتان تختلسان أجسادَ النساء المُستلقيات تحت الشمس. الأمُّ المنقّبةُ بالأسودِ كاملاً، تراقبُ المشهدَ. ترتشفُ الماءَ من تحت النقاب، بعناءٍ وعطشٍ صيفيّ، وتقتربُ من الحوض لالتقاطِ الصور لدميتها الجميلة المُحجّبة. نَحْنُ نُحجِّبُ الدُمى أيضاً.

رأيتُ ذلك، بعينيَّ اللتين سيأكلهما الدودُ. وكنتُ أودُّ لو أسأل الرجلَ عن الدودِ الذي يعيشُ في عقله. ماذا يأكلُ، ماذا يشربُ، وكيفَ يحتملُ تشوّهاته. أشفقتُ على الدود. يا رجل. من أيّ قُبحٍ وانحرافٍ ذهنيٍّ، تأتيكَ الثقةُ بأنَّكَ تمتلكُ الحقَّ في تكبيلِ طفلةٍ بحجابٍ، وتدريبها على الطّاعة، وهي تلثغُ في الحروف والخُطى والضحكات. أهذهِ الأبوَّة، أم الذكرُ العربيُّ الذي فيكَ، بلحيته الكثّةِ، وهوَ يغضُّ بصرهُ عن طفلتهِ المؤودة.

لن أخوضَ في نقاشٍ عن الحجاب عموماً. فنحنُ، ما نزالُ في عتمة النقاب. يتطلبُ الأمر تعباً، ونصوصاً وتفاسيرَ، وربّما مصحّات عقلية. أشيرُ إلى وأدِ الطفلات بالحجاب في القرن الحادي والعشرين. لا أعتبرُ الأمرَ حريةً شخصيةً، ولا رأياً آخرَ، ولا بطيخاً. هذا اعتداءٌ مريضٌ على كائناتٍ ضعيفةٍ ورقيقةٍ، يرتكبهُ آباءٌ منحرفون، وأمهاتٌ جاهلاتٌ، ويجبُ على الدول العربية أنْ تتدخلَ، وتدافعَ عن الطفولة، وتُطبّق “ميثاق جنيف” لحماية الأطفال من الاساءة وانتهاك البراءة، وغسل الأدمغة بمياهٍ وسخة جداً. المطلوبُ قانونٌ يكفُّ الشرَّ والجهل عن الطفلات. ألا يكفي القانونُ العام الذي يُزوّجهنَّ قاصراتٍ، ومكسوراتٍ، ودامعات.

طفلةٌ في الرابعة، أو الخامسة، أو العاشرة مُحجّبة. هل قررتْ ذلك، وطالبتْ به، وهي التي تقفُ أمام مرآة أمّها، تُقلّدها في تسريحةِ الشعر، وفي ألوانِ المكياج، وتتعثرُ بالكعبِ العالي. هل رأتْ زميلاتها في المدرسة أو الشارع أو ركن الالعاب، بالجدائلِ المُزينةِ بالخرز، والشرائط المُلوّنة، وسألتْ أمَّها المنقّبةَ عن الحجاب الذي تضعهُ على رأسها. عن هذه الخيبةِ. عن هذا الاسى. كيفَ. ومن أجلِ ماذا؟

لاحظوا هذا الفصامَ العربيّ المُريع. عندما يتبيّنُ جنسُ الجنين، ينهمكُ الآباءُ والأمهاتُ في الشهور الأولى من الحَمْل في البحث عن اسم طفلتهم المقبلة. يُريدون اسماً عصريّاً وجميلاً وتسهلُ كتابته بالإنجليزية. يذهبونَ الى الكتب والانترنت ويسألونَ الأقاربَ والأصدقاء عن اسم، لم يُسمّه أحد، وعن معناه وايقاعه. بعضهم يختارُ اسماء غربية: كريستين. نتالي. من أجل المستقبل. حينَ يرتفعُ طولها قليلاً، يرتدُّ الى الماضي، يهوي عليه، كحطّابٍ بفأسٍ آثمة. إنه الحجابُ ولا مفرّ. يقول لك: الدين والتقاليد وكلام النّاس.

تُقدّم لنا السورياليةُ العربيةُ الطفولةَ المحجّبة. “نتالي” المُحجّبة، مثل “باربي” المُحجّبة. مثلَ غصنٍ أخضرَ مكسور. مثلَ فستانٍ مُلوّنٍ تهجرهُ الفراشةُ الصغيرةُ الى حجابٍ وكآبةٍ لا تنتهي..

قد يعجبك ايضا