تزايد الحراك الشعبي وعراقيل الانتقال الديمقراطي / د زهير الخويلدي

نتيجة بحث الصور عن زهير خويلدي

د زهير الخويلدي* ( السبت ) 27/4/2019 م …




” الفقر لا يصنع ثورة وإنما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة – كارل ماركس

لقد تصالحت الشعوب في الجزائر والسودان مع الميدان وعادت من جديد إلى التظاهر السلمي والاحتجاج المدني على السلطة الفاسدة والمطالبة بالحرية والكرامة ولقد تمكنت القوى الثائرة بالفعل من إزاحة رأسي النظام وإجبارهما على التنحي الطوعي ومغادرة كرسيي الحكم واستمرت في الضغط على بقايا نظامهما.

يمكن اعتبار ما حصل في البلدين الشقيقين موجدة جديدة ثانية من الربيع العربي عاودت الانطلاق بقوة من حيث انتهت الموجة الأولى بعد أن تمكنت السلطات بسرعة في هذين البلدين من محاصرة التظاهرات الاحتجاجية واحتوائها عن طريق القبضة الأمنية وتقديم الوعود بالإصلاحات والقيام ببعض التنازلات.

غير أن بقاء دار لقمان على حاله بعد ذلك واستمرار سياسة الاحتكار والإقصاء والتمييز وتفشي عقلية الاستئثار بالسلطة واحتقار المجتمع والتعالي على الشعب قد أدى إلى الاحتقان والتشنج وانفجار الشارع.

من الواضح أن العناصر المؤثرة في الحراك الشعبي توزعت بين الطلبة والنساء والناشطين وجل النخب المثقفة والعاطلين عن العمل والمهمشين وأنها ضمت مختلف الشرائح من غالبية الأعمار والانتماءات السياسية والتموقعات الإيديولوجية ومن جل المدن والجهات الداخلية والشريط الساحلي والمناطق النائية.

لقد كان دور المرأة في إنجاح الثورتين كبيرا وهاما وتناقلت وسائل الإعلام في الجزائر صور لنساء يطالبن بالمساواة والحق في نظام سياسي عادل وأكثر ديمقراطية وانفتاحا وتعددية وحصل إجماع عالمي من مختلف القنوات التلفزية بكون الطالبة في كلية الهندسة بلقيس ألاء صالح هي”كنداكة” الثورة السودانية وطليعة كفاح هذا الجيل المنتفض ضد العصابة “البائية” الحاكمة والرافضة للانغلاق والاستبداد والفاشية.

تشترك الثورتان الجزائرية والسودانية في العديد من القواسم والشروط التوليدية:

–         تهرم رأس النظام السياسي الحاكم والتشبث المستميت بمركز الحكم بالرغم من العجز والمرض.

–         وجود بطانة فاسدة وشريحة من الموالين المستفيدين من الامتيازات الممنوحة لهم من الاستبداد.

–         حالة من السخط وموجة الغضب في الأوساط الشعبية والقوى الشبابية والنسوية والطبقة العمالية.

–         الرغبة في التغيير الجذري للأسلوب المتبع في الحكم وتفكيك قلاع الاستبداد وهدم حصون الفساد.

–         التطلع إلى الحرية والتشبث بالقيم الديمقراطية ومشاركة الشعوب الحية في التحديث والتحضر.

–         التوجه نحو تركيز المؤسسات المدنية مع تحييد المؤسسات الدينية والمؤسسات العسكرية والأمنية.

–         التعويل على الذات وابتكار أدوات ذاتية للتسيير والتدبير الواعي والعمومي للمقدرات والثروات.

اللافت للنظر أن ما يحصل في الجزائر والسودان هو امتداد طبيعي للثورة التي تبلورت في تونس بين 17 ديسمبر و14 جانفي وأطاحت برأس النظام وتمكنت من حل الحزب الحكام وتعد أيضا تفاعلا مباشرا من الحس السليم للجماهير في البلدين حول الشعارات المرفوعة والمطالب المقترحة واستفادة ذكية من تعثر مسارات الانتفاض والتمرد والعصيان في بقية البلدان العربية مثل مصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين.

بيد أن الخصوصية ظاهرة بوضوح على مسار الحراك الاحتجاجي في الجزائر والسودان وقد تسجد ذلك في الإحكام في التنظيم والدقة في البرمجة والصرامة في التخطيط والتخلص من العفوية والطابع الفجائي.

صحيح أن الحراك الشعبي في الجزائر كان نظيفا ومدنيا وأن الجيش والأمن وقفا الى النهاية مع المحتجين وأن نظيره في السودان شهد سقوط الكثير من الضحايا وتم الزج بالمناضلين في السجون وكانت انطلاقته هي الأسبق من الناحية الزمنية ولكن العوامل الذاتية  التي ساعدت على اشتعال لهيب الثورة هي الظروف العصيبة التي يمر بها البلدين والرغبة في اللحاق بالركب الديمقراطي والتعطش لاستنشاق نسائم الحرية.

غير أن العامل الخارجي كان متربصا بالحراك مثل العادة وباحثا لنفسه عن موطن قدم في خضم الأحداث المتسارعة وتنازعت القوى الكبرى والإقليمية المهيمنة على المنطقة المواقف والمصالح والغنائم السياسية وظهرت بشكل لافت نوايا الإجهاض وأفعال الالتفاف من طرف الأنظمة الشمولية والتقليدية وفي المواقف أعلنت أنظمة منحازة بشكل آلي للربيع العربي ترحيبها ومساندتها في حين بقي آخرون في حالة انتظار.

في الواقع يمكن افتراض جملة من الاحتمالات حول هذه الموجة الثورية الجديدة التي شهدها الشارع :

–         تلاشي المد الثوري وهدوء الحركة الاحتجاجية وانقسام القوى الفاعلة وعودة النظام القديم.

–         استلام المؤسسة العسكرية للسلطة وتعليق نشاط الأحزاب واستبعاد كل فعل سياسي مدني.

–         نجاح الثوار في الاستيلاء على الحكم والتغلب على النظام البائد وتركيز حكومة مدنية تشاركية.

–         تصاعد وتيرة الاحتجاجات واستمرار التظاهرات وبقاء البلد في حالة تجاذب وانهيار الدولة.

الشارع في القطرين الشقيقين منقسم على نفسه بين معسكر أول متخوف من صيرورة الأحداث والزلزال الإداري الذي انجر عن التحولات السياسية ويخشى فقدان المصالح التي كان يتمتع بها والمواقع التي كان يحتلها ومعكسر ثان حالم ومتفائل تراوده الكثير من المشاعر السارة ويطمح لتحسين أوضاعه والارتقاء.

الملاحظة المركزية التي لا يمكن إنكارها أو حجبها هي أن الربيع العربي في طور الاشتغال وأن الثورة الاجتماعية في حالة انتشار حيث أصبح كل بلد عربي يدرك جيدا بأنه دوره من الموجات الارتدادية آت.

غير أن الانتقال إلى الديمقراطية والتعددية والحرية هو من الأمور المستعصية وذلك لوجود عدة أسباب:

–         مقاومة النظام القديم بكل شراسة ومحاولته إعادة إنتاج نفوذه في كل فرصة مناسبة لذلك.

–         غياب البدائل الجاهزة والمبادرات الجمعية الناجعة وانقسام القوى الثورية حول الزعامات.

–         التخوف من الذهاب إلى المجهول وتفادي الوقوع في الفوضى وتفضيل العبودية الطوعية.

–         عدم تفاعل السلطة العسكرية والأجهزة الأمنية مع التغيير الطارئ على مؤسسات الحكم.

–         غياب الحماس تجاه الجديد ورفض الابتكار والمبادرة في الحياة السياسية وتنجب المغامرة.

–         تدخل بعض الجهات الخارجية المحافظة والأنظمة التقليدية المعادية للثورة وللتغيير الديمقراطي.

–         النظرة الاستشراقية المتحاملة من القوى الامبريالية ومحاولة إبقاء الدول الثائرة في حالة تبعية.

–         التربص بالثروات والموارد الحيوية والتعامل المتعالي المتمركز على الذات من قوى الاستعمار.

–         غياب الثورة الثقافية ومحدودية الوعي السياسي واليقظة الحضارية بالنسبة للجماهير المنتفضة.

في هذا السياق المضطرب أن التفكير في تزايد الحراك الشعبي يندرج ضمن فلسفة اجتماعية عربية تنقد الواقع الاجتماعي وتتعقل فيها هذه الظاهرة المتنقلة وتفكر في الاستحقاق الديمقراطي العربي وتبحث عن دور الشباب والمرأة والطلاب والعمال في الثورات وتستشرف المستقبل الذي ينتظر المخاض الشعبي. لكن أسئلة كثيرة تطرح بخصوص انهيار النظام السياسي القديم في كلا البلدين والبدائل الممكنة في ظل غياب الإجماع على شخصيات وطنية قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية في ظل الفراغ القانوني. فماهو دور المؤسسة العسكرية في تأمين المرحلة الانتقالية؟ وكيف يمك أن تؤدي هذه المؤسسة دورا ايجابيا؟ والي أين تسير الحركات الاحتجاجية في السودان والجزائر؟ وماذا تحمل بين طياتها الموجة الثانية من الربيع العربي؟ هل ستكتفي باستبدال مستبدين قدامى بحكام جدد أم ستتغير منظومة الحكم من نفسها وتحل التداول السلمي على السلطة والتشاركية في اتخاذ القرار والمشاركة المواطنية في تنظيم الشأن العام؟ كيف تساعد عملية إعادة تأسيس للدولة الجمهورية هذه الشعوب على تخطي تقلبات ومخاطر المرحلة الانتقالية؟

*كاتب فلسفي

************************

** سنكون شاكرين جدا لو تكرّمت بوضع رابط المقال على صفحات التواصل الإجتماعي الخاصّة بك ( فيس بوك ، تويتر … إلخ ).

قد يعجبك ايضا