إن لم تكن أسداً أكلتك الأسود .. فهل ابتسم الذئب / نارام سرجون

 

نارام سرجون ( سورية ) السبت 15/8/2015 م …

عند التعامل مع الضواري البرية اياك أن تنسى قاعدة ذهبية وهي أن الضواري لاأمان لها ولاميثاق .. ميثاقها في أنيابها وأمعائها الجائعة .. وفي السباحة كذلك اياك وأن تستسلم للموجة الناعمة التي تحملك بعيدا ..

لأن من يثق بالموج الهادئ سيجد نفسه وسط المحيط بعيدا عن الشاطئ فلا يقدر على العودة ولاعلى السباحة ولاعلى تحدي الموج .. وهو مايجب تذكره عند قراءة الأخبار والتحليلات والخطابات السياسية الواعدة ومايجب توخيه لدى التعامل مع الدول التي ميثاقها في أنيابها ومخالبها وأمعائها ..

فمنذ فترة والناس يقرؤون نبوءات عن تراجعات سعودية ومراجعات واعادة حسابات وتريثات تركية وعن أن نيوب الذئب ظهرت وهو يكشر مبتسما لمروّضه .. ثم فوجئ الناس بأن الذئب يعضهم وأن الذئب ذئب .. ميثاقه في أنيابه فقط .. وأن السعودي الوهابي لايمكن أن يكون الا سعوديا وهابيا .. لاميثاق ولاشرف ولارجولة ..

لم يفاجأ الناس فقط بموقف وزير الخارجية الوهابي عادل الجبير الذي عاد بعقارب الساعة الى عام 2011 في مؤتمره الصحفي مع لافروف .. ولكن مافاجأهم أيضا هو تدني المستوى الديبلوماسي واحتواؤه على مقدار كبير من الصفاقة والرعونة واللاواقعية وربما الطيش السياسي .. ربما كان السبب في توقع مزاج سعودي لطيف أن الجميع كان مصابا بالتخدير بسبب حقن خبر عن لقاء بين مسؤول أمني سوري وولي ولي العهد السعودي .. وقد وضع على الخبر اكسسوارات وزينة وألوان وأصباغ تناسب الناقل وتبيع بضاعة مغشوشة للجمهور ..رغم أن الاعلام الوهابي كاد يقول ان اللقاء كان لبحث شروط استسلام دمشق فيما كان الطرف الآخر يتحدث عن يقظة السعودية وافاقتها على صوت تفجيرات داعش في السعودية ..

ومن سمع الجبير أخيرا وهو يضع شروطه للحل في سورية يعتقد أن الديبلوماسي الحديث على المنصب شرب حليب السباع وتدفقت الرجولة في “نصف الرجل” وحولته الى رجل كامل فتمططت ياء “الجبير” ونهضت وصارت ألفا وتحول الجبير الى الجبار .. الخطاب السعودي متوتر جدا ونزق جدا وتضخيمه لنفسه ولامكاناته يدل على خيبة امل كبيرة ومرارة كبيرة من الحصاد الضئيل الذي جمعه بعد خمس سنوات من الانفاق والضخ والمال والعسكرة والتحريض وزيارات العواصم .. والصحف الغربية تغمز من الخطاب السعودي الغاضب وتدعو الى تفهمه لأنه كما تقول رد فعل وانفعال طبيعي لقلة المردود من الجهد السعودي الذي كان يخوض أم المعارك السعودية .. والحقيقة أن في هذه النظرة العاقلة تلخيصا لمدى خيبة الأمل السعودية .. فالسعودية كما لاينكر أحد بذلت الغالي والنفيس وسكبت ماء وجهها على اعتاب العواصم ودفعت المال والرشى لشعوب وأمم من أجل الاستيلاء على الحكم في دمشق واهدائه لاسرائيل والغرب ليكون مهرا لاستمرار آل سعود لقرن آخر من الزمان .. السعودية ذهبت الى الصين ليس من أجل العلم بل من أجل أن تنأى الصين بنفسها في القرارات الدولية .. وعرضت السعودية استثمارات هائلة في الصين وحسما سخيا في أسعار نفط .. والسعودية ركعت على أعتاب الكرملين وخلعت ثيابها وأفرغت محفظتها من البنكنوت من اجل أن يترك الروس سورية لمدة “خمس دقائق فقط” في لحظة التصويت في مجلس الأمن .. السعودية جمعت اصدقاء سورية والجامعة العربية وكانت قطر في الواجهة لكن السعودية هي الراعية الكبرى لما أرادته وفعلته قطر .. اشترت السعودية مئات الصحفيين والسياسيين والفنانين ووسائل الاعلام واشترت مواقف دول في الجمعية العامة للأمم المتحدة .. واشترت مقاتلين من اصقاع الأرض ودفعت مالا لعائلاتهم واشترت كلاشينكوف حتى للأطفال منهم كي تبدو حربها ثورة .. انسكب النفط في البحر وألقي المال في البحر ونحرت السعودية براميل النفط كالقرابين وباعت نفطها بخسارة كالسفهاء .. وبعد كل هذا لم تسقط دمشق .. وبقي الأسد .. وبقي الشعب السوري ..وبقي من يقول لها ان اللعبة انتهت !!! تبدو روح السعودية مثل روح مقامر راهن بكل مايملك على شيء لكنه في نهاية اللعبة اكتشف أن بقية اللاعبين كانوا يسرقونه ..

خطاب الجبير “أو جامبو الجبار” يستحق أن يسمى خطاب المقامر الغاضب الذي يميل الى الشطحات والعبثية التي كان أطلقها سعود الفيصل في آخر ايامه والتي صارت اشبه بالشعوذة والبلطجة ولايزال العالم يبتسم من خطاب الفيصل في جنيف خاصة عندما وجه كلامه في المؤتمر الى مهرب وتاجر مخدرات ونزيل سجون جنائية هو عاصي الجربا وناداه بكل صفاقة (السيد الرئيس) .. وطبعا رحل الفيصل وترك (سيده الرئيس) يتيما يضيع في زحام السياسة كما يضيع جرو يتيم ضعيف بوبره الناعم في غابة كبيرة مليئة بالضواري ..

ولكن وصل زمن الجبار عادل الجبير الذي فاقت شطحاته كل شطحات آل سعود لأنه قرر تغيير الرئيس السوري تحديدا .. أي الرئيس الذي عجز عن تغييره الرئيس الأميريكي نفسه والرئيس الفرنسي والرئيس التركي ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس المصري الاخواني محمد مرسي وأمير قطر السابق والحالي .. ومجموعة تنظيمات منها منظمة خالد مشعل ومنظمة الأمم المتحدة لبان كيمون ومنظمة الناتو الارهابية الدولية ومنظمة ايباك الصهيونية العالمية .. وفوقها نتنياهو واسرائيل .. ثم جاء هذا الصعلوك السعودي البائس يريد تغيير الرئيس السوري بعد أن عجز كل هؤلاء عن زحزحته قيد أنملة ..

ربما يحس باراك اوباما بالحرج الشديد من جسارة عادل الجبير وتجرؤه على مالايجرؤ عليه أعتى السياسيين .. لأن اوباما لازال يتذكر بمرارة ولم ينس درس الاعلان عن موعد (الأيام المعدودة) الذي جعله أضحوكة في العالم .. الدرس الذي ندم على اعلانه وصار عقدة نفسية له .. ويتمنى اليوم لو أن الأرض تنشق وتبتلع تلك اللحظة من ذاكرة الزمن لأنها أكثر اللحظات احراجا له بعد عجزه عنها .. وربما يحس أوباما الآن بالغيرة من جبروت الجبير الذي تجاوز عقدة الأيام المعدودة وتحدث عما سيحدث بعد الايام المعدودة وفق الخطة السعودية ..

يعتقد الديبلوماسي الغرّ عادل الجبير أن أحدا لن يبتسم أو يضحك من طموحات الجيل السعودي الديبلوماسي المراهق في سورية .. بل يعتقد جازما أن القلق أصاب قادة العالم من الرئيس باراك اوباما وقادة الناتو الى قادة الكرملين والصين من ان السعودية وصلت الى مرحلة من القوة أنها صارت الآن قادرة على تغيير الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس الصيني وتحطيم البريكس كلها ثم حل الجيش السوري بطريقة بول بريمر وحل الشعب السوري .. فهذه هي طريق تغيير الرئيس السوري .. ويبدو أن العهد السعودي الجديد والجيل السياسي السعودي يمتلك من الثقة مالاتمتلكه الدنيا بأسرها .. فياللهول من هذا الجبير الجبار ..

ولكن لو استأصلنا الخبر عن اللقاء بين الطرفين السوري والسعودي من الأحداث فاننا لانجد أن المجريات على الأرض تشير الى ان لقاء من هذا النوع جرى من أجل التراجع بين اي من الطرفين .. واذا كان هناك اي اتصال من اي نوع مباشر أو لامباشر فان الرد السعودي الوقح والغاضب يدل على أن اللقاء مع الجانب السوري كان أقل جدا من توقعات السعودية التي كانت تنتظر انخفاضا في كبرياء السوري وسقوفه وأنه جاء الى اللقاء ليستمع الى اعتذار سعودي لا ليبحث الاستسلام .. ومع هذا لايبدو المقامر السعودي فقد كل عقله وأنه انفصل عن الواقع بهذه التصريحات الصلفة لأنه يعرف حجمه وامكاناته بعد أن تلاشى الوهم اثر خمس سنوات أكلت فيها ملكا سعوديا بشحمه ولحمه ووزير خارجية “معتق ومخلل” في الديبلوماسية السعودية .. ولكن تحليل غضب المقامر ورسائله الجانبية تقول أن العائلة المالكة السعودية مصابة بصدمة كبيرة للغاية من أنه حتى طموحاتها الصغيرة في سورية لم تلق الا الصد من القيادة السورية .. فالسعودي فوجئ في القنوات الوسيطة أن سورية التي استمعت لمقترحات السعودية مستعدة لكل شيء لكنها لاتقبل بأي شكل ان يكون للسعودية أي دور في البيت الداخلي السوري على غرار ماكان سابقا من خلال بعض الشخصيات السورية التي كانت في مناصب لمراعاة السعودية مثل عبد الحليم خدام وبعض الشخصيات من الحرس القديم التي عرفت أنها موجودة كجسر مع السعودية .. والسعودية تريد فرض تلك النمطية في المناصب السورية ان عبر دستور طائفي أو عبر حصص محسوبة لها تمثل تيار المستقبل السوري المنسوخ عن اللبناني .. وعندما تلقت الرد السوري الصريح .. طلبت من الجبير في اتصال عاجل ان يبدي أقصى مالديه من الوقاحة والتحدي والصفاقة والتشنج في رد انفعالي يمثل اقصى الغضب وخيبة الأمل من الثقة السورية بالنفس ..

والميدان العسكري كذلك يقول وفق القراءة السورية التي رافقت الرسائل السعودية الهادئة بأن هناك رغبة واستماتة سعودية واسرائيلية وتركية للحصول على اتفاق نووي خاص بهذه الكتلة يوازن من الاتفاق النووي الايراني .. اسمه المفاعل النووي السوري الذي سيجرد ايران من مكاسب الاتفاق النووي بفرض خطوط اشتباك جديدة والتعويض عن الهزيمة النووية بانتصار ما يجعل السعودية واسرائيل تنال جائزة ترضية في الملف السوري المعادل جيوسياسيا للنووي الايراني وهو .. النووي السوري ..

واقترن ذلك بملاحظات وتقارير ترد الى القيادة العسكرية ووحدات الاستطلاع والاستخبارات السورية التي تحلل المعلومات الميدانية استنتجت أن تحركات داعش وجيش الفتح وجيش اليرموك كلها الآن تتناسق وتتحرك وتصعد وكأنها جبهة واحدة وهناك غرفة عمليات موحدة .. الجهات الثلاثة تضرب في نفس الوقت وتتزود بأسلحة نوعية من نفس الطراز .. ويستحيل ان تتحرك هذه القوى الثلاثة دون معلومات متبادلة وتنسيق متقن .. ولذلك لم تنخدع القيادة السورية بالموجة الناعمة والمهدئات السعودية والتركية وابتسامات الذئاب وتركتها دون تعليق أو بيانات .. ولكنها ردت بكلمة واحدة على المطالب السعودية تحت الطاولة ولم تكلف نفسها عناء التفسير .. الكلمة تقول: لا ..

أعتقد الآن أن علينا ان نضع تفسيرا موحدا لتحركات القوى المسلحة في ضوء الانزعاج السعودي وتحريكه للميدان .. وخاصة لجهة علاقة داعش بتركيا واسرائيل والسعودية .. فلا يصح القول بان داعش صناعة تركية أو سعودية ثم نقول بان داعش خرجت عن السيطرة و “رمت من علمها الرماية” وأنها صارت تشكل خطرا عليه تسبب في تراجعات ومراجعات .. هذا تناقض لايستوي مع الأحداث .. لأن داعش لم تضرب في تركيا أو السعودية اي هدف للسلطة حتى الآن وهي أهداف متاحة جدا لمن يريد .. ففي تركيا قيل أن داعش نسفت الأكراد في سوروج ولكن الأكراد أعداء ردوغان الألداء وداعش تساعده في تركيا كما تساعده خارجها .. وفي السعودية نسف انتحاريو داعش المساجد الشيعية حيث تم تبليغ رسالة تحذير قاسية للمجتمع السعودي المعارض .. أما تفجير مركز قوات الأمن فيعتقد انه عمل من تدبير ثوار يمنيين ولاعلاقة لداعش اطلاقا به .. بل ان داعش نزلت الى الميدان علنا في اليمن الى جانب السعودية .. فكيف يستوي هذان الأمران؟؟ .. أي داعش تحارب الى جانب السعودية في اليمن ولكنها تحارب السعودية في السعودية ؟؟ ووصلت داعش الى سيناء وليبيا ووقفت على كتف فلسطين ولم تخدش اسرائيليا واحدا .. وهذا يدل على قدرة مراكز السيطرة في داعش على تحريكها بمرونة فائقة وقدرة تحكم لايجب الاستخفاف بها والركون الى تفسيرات أنها خرجت عن السيطرة لاتبدو موفقة كثيرا أو أنها مقنعة وهي تحتاج الى براهين دقيقة على الأقل أو تفسيرات أكثر منطقية مثل أن هناك قوى موازية لداعش مشتتة ومبعثرة تنهض في المنطقة بسبب الجو المذهبي .. خاصة أننا نتابع اعترافات جنرالات وسياسيين اميركيين يقولون انهم صنعوا داعش .. والصانع هو من يبرمج الآلة ويعرف مفاصلها وكهرباءها ووقودها واعطالها .. فاذا شذت الآلة أو المركبة عن المسار قليلا أعادها الى مسارها وأعاد ضبط برامجها ..

السعودية وتركيا واسرائيل لايمكن أن يتخلوا عن الملف السوري لأن تراجعهم يعني هزيمة منكرة لم تتعود السعودية على تجرعها بسهولة وترى فيها خطوة خطرة لقبول هزيمة في اليمن وأخرى من داخل السعودية .. والسعودية صارت تدافع عن نظامها ووجودها من خلال استمرار نفوذها في مكونات مايسمى بالثورة السورية ونفوذها في داعش الى جانب نفوذها في لبنان ..

وتركيا الاردوغانية تريد أن تبقى ممسكة بالورقة السورية الى الأبد لأنها طريقة لابتزاز الاقليم وفرض نفسها في كل المعادلات الاقليمية .. فلولا الورقة السورية فان تركيا لاتساوي في معادلات السياسة الشرق أوسطية الا قليلا ..فهي دخلت الى الشرق الأوسط بواسطة سورية .. وستخرج من كل الملفات بخروجها من أزمة سورية .. ولايفيدها أن تكسب العالم العربي كله دون دمشق ..

وغني عن القول بان اسرائيل تريد ان تبقى الأزمة السورية مشتعلة الى يوم الدين حتى تنطفئ سورية نهائيا .. ويزول خطر وجودي ماحق على اسرائيل ..

ومع ذلك قد يفاجأ الكثيرون من أن التشدد السعودي والتركي لايمكن قراءته ببساطة لأنه يعطي اشارات متناقضة في أجواء متضاربة من المصالح والمتغيرات لكن هناك اتفاقا على قراءتين اثنتين رغم أنهما غير متكاملتين تماما هما:

1- سعي اميريكي خفي لاستعمال الدولتين والدفع بالأزمة السورية الى الجدار المزمن للصراع وابقائه على نار هادئة لأن الادارة الحالية أوقفت كل خططها بانتظار الادارة القادمة التي سيكون لها موقفها وتقويمها .. وهذا لايناسب أردوغان لأنه يدرك أن الانتظار ليس في صالحه وصالح مشروعه وأن انكساره سينعكس على مصير حزبه في مرحلة انتخابية دقيقة .. لكن الاميريكيين قلقون جدا من حدوث تطورات داخلية في تركيا بسبب اردوغان لأن تركيا مضطربة وهناك تيار بين القادة والسياسيين في الغرب يبدي رغبة متعاظمة بتحجيم اردوغان وحزبه والتخلص منه لايقاف التدهور في دولة الناتو الكبيرة التي يريدها الناتو مستقرة ولايريد خسارتها .. فانطلق اردوغان الى التصعيد الانتحاري .. والرهان بالعمر السياسي ..

2- التشدد السعودي والتركي ليسا دليل قوة انما مؤشر على أن السعودية تحديدا مصابة بصدمة شديدة من ظهور قلة تأثيرها على تفاهمات روسية اميركية وابلاغها صراحة بنية الغرب بعد الاتفاق النووي مع ايران الدخول في تفاهم مع الروس بشأن عدة قضايا دولية منها سورية .. فارتفع عواء الذئب في سهل الغاب ودرعا والريف التدمري ..وبلغ ذروته مع عواء الجبير في موسكو ..

السوريون ياجامبو الجبار لم يعد تهمهم الذئاب وعواؤها .. ولايثقون بميثاق مع ذئب جائع أو ضبع جريح .. الأيام ستقول قريبا للذئب أن زمن العواء انتهى .. وأن زمن “ان لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب” انتهى ايضا .. فهذا زمن ننتصر فيه ونملي عليه مقولته ليردد قائلا:

ان لم تكن أسدا .. أكلتك الأسود .. ياذؤيب بني سعود

قد يعجبك ايضا