نص كلمة السفير الإيراني د. مجتبى بور في احتفالية يوم القدس العالمي

 

 

الأردن العربي ( الأحد ) 12/7/2015 م …

( سبحان الذي أسری بعبده لیلا من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی الذی بارکنا حوله لنریه من آیاتنا إنه هو السمیع البصیر )

السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

بادیء ذی بدء أری لزاما علی أن  أتقدم بالشکر الجزیل والعرفان إلی کافة الاعزاء والقائمین علی اقامة هذا الملتقی الفكري بمناسبة یوم القدس العالمی کما وإصالة عن نفسی ونیابة عن زملائی أرحب بقدومکم جمیعا وأشکرکم أیها الاعزاء علی جهودکم ومشارکتم هذه حول أهم القضایا الاقلیمیة والدولیة في عصرنا الراهن.

سیداتی وسادتی / الحضور الکرام

لا یخفی علیکم جمیعا أن ما یقوم به الشعب والحکومة في الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة من تقديم الدعم للقضیة الفلسطینیة والقدس ومقاومتها المشروعة والباسلة ضد المحتلین الصهاینة ینبع من مبادیء وثوابت الثورة الاسلامیة الاصیلة ویصب في اتجاه الدفاع عن المظلومین والمستضعفین.

من منظور الامام الخمینی (قدس الله سره الشریف) أن لیوم القدس معنی واسعا یشمل تقریبا کافة المشاکل والازمات التي یواجهها العالم الاسلامی خاصة فیما یتعلق بالعلاقات بین العالم الاسلامی وسائر القوی وما یحصل من المشاکل بین المسلمین والکیان الصهیوني الغاصب. حیث یقول الامام الخمینی (قدس الله سره الشریف) : إن یوم القدس هو یوم عالمي ولیس یوما یخص القدس فقط إنما یوم مواجهة المستضعفین ضد المستکبرین ویوم مقاومة الشعوب التي ترزح تحت نیر الاستکبار.

من هذا المنطلق تأتي أهمیة یوم القدس العالمي بأنه یتجاوز المذهبیة والاثنیة والقومیة ومن شأنه أن یکون مدعاة للتماسک ووحدة الکلمة في المجتمع. فمن ناحیة لا یمکن أن یکون هذا الیوم حکرا علی دولة دون أخری أو منع الآخرین من بذل العنایة وتضافر الجهود لصالح هذه القضیة المبدئیة القیمة ومن ناحیة أخری إن توقیت هذا الیوم یحظی بأهمیة حیث یقع في العشر الاواخر من شهر رمضان المبارک وأن المسلمین قاطبة یقومون فیه وبفضل وبرکات هذا الشهر الفضیل بتهذیب وتزکیة أنفسهم فلظرف الزمان هذا تاثیره في الکلام ویلعب دورا فی تحقیق ثوابت الشعوب المسلمة.

الحفل الکریم

بعد تبیین مکانة هذا الیوم العظیم فی التوقیت والمعنی یبقی هذا السؤال لماذا نحن المسلمون نتراجع دوما عن الدفاع عن هذه القضیة المصیریة؟ هل سألنا أنفسنا یوما لماذا تحول المفهوم الواسع للصراع الاسلامي المسیحي ضد المحتلین الصهاینة إلی الحلقة الضیقة المتمثلة في صراع أهل غزة مع الکیان الصیهوني أو صراع أهل الضفة مع الکیان الصهیوني أو مواجهة الفصائل فلسطینیة ضد المحتلین؟ إن تاریخ الصراع القدیم یبین لنا حقیقة لاتنکر فی جزء منها یکون کافة الاحرار والمدافعون عن فلسطین حاضرا وفی جزء آخر یتموضع الدیانتان الکبیرتان الاسلام والمسیحیة وانتهاءا بالعرب ضد المحتلین. ألم یئن الأوان لتکریس ثقافة الذود عن المقدسات الاسلامیة والمسیحیة فی فلسطین المحتلة عبر الوحدة والتضامن وباستغلال کافة القدرات المحلية والدولیة.

ما یؤسفنا في هذا المجال أن نری ثقافة زوال الاحتلال قد أحبطت عبر عملیات التسوية مع الصهاینة الذین لیسوا أصلا ملتزمین بأي من شروطها وتحولت إلی ثقافات فرعية غیر مؤثره بل واصبحت القضیة الفلسطینیة والقدس الشریف قل شأنها الی المرتبة الرابعة أو الخامسة من قضایا الامة عن طریق الاساءة إلی الاسلام والمسیحیة وتشویه صورة الاسلام تحت مسمی التکفیر والتطرف. ولکی یتبین لنا الموضوع، ألفت انتباه الحضور الکرام الی هذه العبارة الشهیرة من الزعیم الهندي مهاتما غاندي والذي قال: “كلما اتحد شعب الهند ضد الاستعمار الإنجليزي، يتم ذبح بقرة ورميها بالطريق بين الهندوس والمسلمين، لكي ينشغلون بينهم بالصراع الطائفي ويتركون الاستعمار يلهو ويعبث بمقدرات الهنود.” من هذا المنطلق وفی سبیل الالتزام بالواجب الشرعي والانساني یتوجب الیوم علی جبهة الممانعة وکافة المدافعین عن تحریر فلسطین ولاسیما العالم الاسلامی والعربی أن یوحدوا کلمتهم وصفهم ویتجنبوا الخلافات. ومما لاشک فیه أن الانتصارات التي حققتها المقاومة مؤخرا ضد العدو الصهیوني لم تحصل إلا في ظلال الوحدة والمقاومة المستدامة وإن الحفاظ والمواظبة علی هذه العملیة ستؤدي في المستقبل إلی انتصارات أخری وفی طریق زوال الاحتلال.

وفي الختام الفت انتباه اعزائي الی مواقف الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة الثابتة والمبدئیة تجاه القضیة الفلسطینیة:

اولا: إن الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة ترحب بالتضامن ومقاومة الفصائل الفسطینیة ضد الکیان الصهیوني کما ترحب بمصالحة وطنیة تضمن وحدة ابناء الشعب الفلسطیني وصولا الی تحقیق طموحات الشعب الفلسطیني فی مواجهة اطماع الکیان الصهیوني.

ثانیا: إن الرؤیة الصهیونیة المتثملة في تغییر النسیج الدیموغرافي والجغرافي في القدس الشریف وإقامة مزید من المستوطنات فیها تأتي في اطار اجراءات الکیان الصهیوني التوسعیة للسیطرة علی کامل تراب فلسطین ومنع عودة اللاجئین الفلسطینیین الی دیارهم وإن هذه المؤامرة تکشف من جدید مدی اطماع وعنصریة الکیان الصهیوني الغاصب فی تعامله مع الفلسطینیین وعدم اکتراثه بحقوقهم المشروعة.

ثالثا: إن مخطط الکیان الصهیوني الغاصب للتقسیم الزماني والمکاني للمسجد الاقصی المبارک وفرض القیود علی المصلین الفلسطینیین یحمل في طیاته رسالة خطیرة لاتخفی عن انظار مدافعي فلسطین ولاسیما المسلمین.

رابعا: إن الکیان الصهیونی یخطط لإذکاء الصراع بین دول العالم الاسلامي وإثارة الفتنة في المنطقة وحمایة الاعمال التکفیریة وترویج خطاب التطرف الدیني وإن هذا کله من عناصر فرض حالة من عدم الاستقرار في المنطقة والعالم ککل.

خامسا: إن المصادقة علی قانون الاعتراف باسرائیل کدولة یهودیة هي من ضمن سیاسة صهیونیة توسعیة وعنصرية تدل علی انتهاک صارخ لحقوق الشعب الفلسطیني کاصحاب هذه الارض المبارکة. فمن هذا المنطلق وبالاستعانة من الدعم المعنوي العظیم والشامل من قبل أبناء العالم یجب أن یبقی الحفاظ الفعلي علی الهویة والمعالم التاریخیة والدینیة في القدس الشریف مستمرا وعلی سلم الاولویات (وهنا أری من الضروری أن أشکر المملکة الاردنیة الهاشمیة علی بذل جهودها فی هذا الاطار.)

سادسا: إن الجرائم التي یرتکبها الکیان الصهیوني ضد الانسانیة من فرضه الحصار الخانق والمطول علی مناطق فلسطینیة خاصة قطاع غزة وقتل الابریاء واغلاق الحدود والمعابر هي خیر شاهد ودلیل علی ارتکاب هذا الکیان الغاصب جرائم حرب والتطهیر العرقي. فمن الضرورة بمکان أن تقوم الاسرة الدولیة باتخاذ الاجراءات الجادة  للحد من هذا الجرائم وأن تقوم بتقدیم کل الدعم الی الشعب فلسطیني المحاصر في قطاع غزة.

سابعا: لاشک أن مشکلة الشرق الاوسط بشکل عام وفلسطین بشکل خاص لیس في قلة عدد مشاریع التسویة والمفاوضات إنما في عدم الاکتراث بجذور الازمة ألا وهي احتلال الارض المقدسة وعدم التزام الکیان الصهیوني بالمواثیق والقوانین الدولیة، فمادام الاحتلال موجودا، لایوجد هنالک حل عادل للقضیة الفلسطینیة.

ثامنا: في الختام أعود وأوکد علی هذه النقطة الاساسیة بأن حق تقریر مصیر الشعب الفلسطیني وحق عودة اللاجئین الی ارض آبائهم وحق تشکیل دولة فلسطینیة موحدة عاصمتها القدس الشریف لن یتحقق إلا عن طریق الأخذ بهذین المبدأین الاساسیین: اولا تحقیق وحدة الصف بین کافة الفصائل الفلسطینیة حیث استمرار الانقسام أقلق جمیع محبي القضیة الفلسطینیة وثانیا التمسک بروح المقاومة حتی دحر الاحتلال من کامل الاراضي الفلسطینیة الغالیة وبالاحری أقول لایمکن منع العدو من تحقیق اهدافه إلا عن طریق التمسک بهذین المبدأین.

اشکرکم علی حسن اصغائکم والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

قد يعجبك ايضا