هل تجلس دمشق على مقعدها في مارس القادم؟ / د.خيام الزعبي

 

 

 

د.خيام الزعبي* ( سورية ) الأربعاء 7/1/2015 م …

* كاتب سياسي

في ظل تعنت الأطراف المتنازعة وتشبث كل طرف بمواقفه، وإصرار البعض على حسم النزاع بقوة السلاح، تبدو الأزمة االسورية تبعث بحالة من التعقيد في إمكانية حلها، ما جعل الدعوات إلى الحوار أمر ضروري، بإعتباره السبيل الوحيد لفض النزاعات بين أبناء البلد الواحد، مع إدارك حقيقة أن السلاح لن يحل المشكلة وأن الحسم العسكري أمر في غاية الصعوبة، في إطار ذلك ، تعددت الدعوات الخارجية للحوار بين أطراف النزاع في سورية، بدأت بروسيا وإيران مروراً  بالجزائر ولبنان وإنتهت عند مصر.

إن ظهور تنظيم داعش  في سورية والعراق جعل الكثير من الدول تعيد حساباتها إزاء ما يجري في سورية، فسورية باتت المفتاح لوضع المنطقة على المسار الآمن، ومن هذا المنطلق أدرك العالم متأخراً أن سورية ليست معزولة وأنها دولة مركزية في منطقة الشرق الأوسط، وما يجرى فيها له إرتداداته وإنعكاساته على المنطقة بأكملها، لذلك بات الجميع مقتنعاً بحاجتهم لتسوية الأزمة في سورية وتوحيد الجهود بإتجاه وضع خطة مواجهة شاملة على كافة المستويات المختلفة هدفها الأساسي، تدمير إيديولوجية التنظيمات المتطرفة وتجفيف مصادر تمويلها.

فى محاولة من النظام السوري للخروج من عزلته، هناك إتصالات مكثفة مع عدد من العواصم العربية، هدفها إعادة العلاقات بين دمشق والدول العربية إلى ما كانت عليه فى السابق، فالموقف العربي المعادي لنظام الأسد بدأ يتراجع خطوات للخلف فى الآونة الأخيرة، فيما يؤشر إلى وجود علاقات خلف الستار قد تظهر إلى السطح فى الأيام المقبلة، إلا أن ظهور الإرهاب، دفع عدد من الدول العربية باتجاه تشجيع التسوية في سورية حتى تتمكّن من مواجهة هذا الخطر الذي يطال المنطقة بأكملها، هذا مما عجل التقارب السوري الكويتي، ثم إنه ليس الكويت وحدها من يدخل مرحلة فتح السفارات السورية، فتونس فعلت ذلك ولم تقطع لبنان والعراق والجزائر والسودان علاقتها بالنظام السوري، ولا نستبعد إقدام دول خليجية أخرى على الخطوة نفسها، وقد تكون دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين من ضمنها، وهناك حالة من التناغم بين السعودية ونظام الأسد عبر طرح الرياض حلولاً للأزمة السورية، من خلال مبادرات لعودة العلاقات بين السعودية والنظام الحاكم، كما أعادت السلطات التونسية العلاقات الدبلوماسية مع سورية من خلال فتح مكتب في العاصمة السورية “دمشق”، ولم يتوقف تردد الدبلوماسيين ورجال الأمن في دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا على دمشق وبعضهم أعاد فتح مكاتبه فيها، لكنّ هذا، على وضوحه، يعني بداية الإعتراف بالواقع لا تغييره، وبالتالي فإن خطوة فتح السفارات السورية من غير المستبعد أن تتوالى، وهذا يعني أن مقاربة إسقاط النظام التي تبنتها أنقرة والرياض على وجه الخصوص تتراجع لمصلحة إيجاد حلول سياسية وتسويات توافقية، وقد عدّ محللون هذا الأمر فشلاً للمقاربة الخليجية حيال سورية.

من هنا أود التأكيد على أن سورية  لهذه الأسباب ستظل رقماً صعباً يفرض على الآخرين طبيعة الإهتمام بها ووضعها في حساباتهم السياسية، وإذا ما وقفنا أمام ما يحدث اليوم من صراعات ونزعات وتعاطي بعض الدول لفرض أجندات مكشوفة لتحديد مساراتها،  سنجد أن تلك التدخلات لا يمكن أن تحصد سوى الخيبة والهزيمة، لأن سورية اليوم غير سورية الأمس من خلال  حكمة أبنائها، وبالتالي فإن خلاص سورية يكمن في وحدة الصف وعدم السماح بإشعال نار الفتنة، لأن سلامة الوحدة السورية وسلامة التراب السوري وطهارة قدسيتها أمانة في أعناق كافة السوريين ونحن على يقين أن إصطفاف السوريين كافة سيكون الصخرة التي تتحطم عليها أطماع القوى الإستعمارية .

في هذا السياق إن إستعادة دمشق لمكانتها العربية والدولية يعيد بريق الريادة مرة أخرى فى المنطقة رغم التدهور الحاصل فى بعض الدول العربية، لكنها قادرة على إستعادة الزمام ولململة شتات النظام الإقليمى العربي من جديد وتثبيت أركانه بالتنسيق والتعاون مع القاهرة، وبالتالي فإن الحل السوري سيبدأ من مصر لأن ما بين القاهرة ودمشق تاريخ وجغرافيا ومصير مشترك، والحفاظ على أمن مصر القومى يبدأ من دمشق، وبالمقابل فإن سلامة سورية وقوتها ووحدتها يبدأ من القاهرة، وإني على يقين أن خطوات عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين سورية ومصر وغيرها من الدول العربية، سيرتّب أوضاعاً إقليمية جديدة، ستعيد دور دمشق الإقليمي بقوة، الذي ينعكس إيجاباً على المنطقة العربية بأسرها ويمثل عاملاً مساعداً لتخفيف الهزات التي تعرضت لها المنطقة، بما تمثله سورية من ثقل في محيطها العربي والإسلامي وبوابة الوجود العربي والقومي في المنطقة، وهذا يدفع إلى التساؤل عما إذا كان مقعد سورية الذي بقي شاغراً خلال أعمال القمة العربية التي إنعقدت في الكويت ستستعيده دمشق في مارس المقبل، حين تحتضن القاهرة القمة المقبلة، وعما إذا كان العام الجديد سيُدخل القضية السورية في مرحلة جديدة قد تدشنها المزيد من إعادة إفتتاح السفارات؟.

وأخيراً  يمكنني القول لقد آن الأوان لنطوي الصفحات السوداء لهذا التاريخ ونبدأ عهداً جديداً تنتهي معه كل أسباب وعوامل التصارع والتقاتل ليحل بدلاً عن هذه الويلات التصالح والتسامح والمحبة والتآخي ويسود التآلف والوئام النابع من إدراكٍ واعٍ أن سورية وطننا جميعاً وليس لنا وطناً غيرها.

[email protected]

قد يعجبك ايضا