يسار السفارة / ابراهيم الأمين

 

ابراهيم الأمين ( لبنان ) الأربعاء 10/6/2015 م …

الداعمون لمسلحي «جبهة النصرة» و»جيش الإسلام» وتنظيم «داعش»، هم من يصادف ــــ مجرد مصادفة ــــ انهم يعملون حصراً في:

ــــ مؤسسات مملوكة من السعودية وقطر.

ــــ مؤسسات مدعومة من الحكومات البريطانية والفرنسية والأميركية.

ــــ مؤسسة ممولة من دول الخليج.

القحط او التصحر الثقافي للقوى التكفيرية فرض البحث عن شريك ولو لفترة من الزمن. وصادف ــــ مجرد مصادفة ــــ أن من يتطوع لملء الوعاء الايديولوجي والثقافي هم هؤلاء، الذين يحلو لهم تلبّس موقع المتفوق قيمياً وأخلاقياً، فيطلقون العنان لمخيلتهم وهم يمدحون هذا ويذمّون ذاك.

ماذا يقول هؤلاء؟

في سوريا، يقولون إنهم إلى جانب من يقاتلون النظام السوري وحزب الله، أي إنهم إلى جانب القوى الميدانية الفاعلة. وهم لا يريدون لأحد ان يسألهم عن هوية هذه القوى المسلحة وأهدافها، بل يغمضون اعينهم، ويتخيّلون انهم يدعمون كتائب الداعية برهان غليون، وألوية الصقر ميشال كيلو، ولواء الناصر جورج صبرا، ومجموعات الولي الصالح أحمد الجربا.

هم عملياً، وفعلياً، كما تقاريرهم ومعلوماتهم ومواقفهم، في موقع الحليف لمسلحي «النصرة» و»داعش» و»جيش الإسلام»!

في لبنان، يقولون ان حزب الله هو اصل البلاء، وانه حركة طائفية ومذهبية تريد التحكم في البلاد والعباد، ويرون في مواجهة الحزب أولوية تتقدم على كل شيء. ويصادف ــــ مجرد مصادفة ــــ انهم يقفون الى جانب قوى 14 اذار لمواجهة عملاء العدو الفارسي. وهكذا هي تقاريرهم ومعلوماتهم ومواقفهم. هم، فعلياً، ضد حزب الله وضد كل من يتحالف معه!

يصادف، مجرد مصادفة، ان هؤلاء يقفون اليوم في الصف نفسه مع «داعش» و«النصرة»!

في العراق، يقول هؤلاء انهم إلى جانب «ثورة العشائر» و»الانتفاضة البعثية»، وانهم يواجهون الحكم المذهبي المجرم الذي فرضته اميركا ومعها العدو الفارسي. هكذا هي تقاريرهم ومعلوماتهم ومواقفهم، فهم ضد ايران ومن معها في العراق وضد مرتزقة حزب الله. ويصادف ــــ مجرد مصادفة ــــ انهم يقفون في الخندق نفسه مع «داعش» وبقايا النظام المخلوع!

في البحرين، يقول هؤلاء انهم يدعمون الحراك الشعبي، لكن يصادف ــــ مجرد مصادفة ــــ انهم وجدوا ان هذا الحراك طائفي ومذهبي، وان الغالبية الشعبية تسعى الى انقلاب طائفي بدعم واضح من العدو الفارسي ومن مرتزقة حزب الله. لذلك، لا يمكنهم ان يكونوا الى جانب هذا الحراك. وهكذا هي تقاريرهم ومعلوماتهم ومواقفهم، تقول إنهم صاروا الى جانب الملك الحاكم ومن يرعاه في الخليج والغرب!

في اليمن، هم مع «الحراك الشعبي» الذي قام ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ولا يشرحون لنا في تقاريرهم، ولا في معلوماتهم، ولا في مواقفهم، سبب ما حصل، وكيف صار «صبي» صالح، عبد ربه منصور، ممثل الشرعية الوحيد. ويصادف ــــ مجرد مصادفة ــــ انهم يعدون «انصار الله» (الحوثيين كما يسمونهم) رعاعاً همجاً، متشيعين يعملون لخدمة العدو الفارسي، ويتلقون دعم مرتزقة حزب الله، وهكذا هي تقاريرهم ومعلوماتهم ومواقفهم، تجعلهم يدعمون العدوان الوحشي السعودي على اليمن، وبسبب أولوية التصدي للعدو الفارسي لا يشعرون بحاجة الى نقد نظام آل سعود!

في مصر، هم مع الشرعية الشعبية التي قامت حصرا عندما وصل «الإخوان المسلمون» الى الحكم. بعدها لا يرون اي شرعية شعبية لاحد آخر. يعارضون حكم عبد الفتاح السيسي، فقط لأنه أطاح «حكم الاخوان»، ويصادف ــــ مجرد مصادفة ــــ انهم يقفون في صف واحد مع التكفيريين الذين يفجرون ويقتلون ويذبحون، وهكذا هي تقاريرهم ومعلوماتهم ومواقفهم، لا تجد سوى في السيسي خطرا على ابناء مصر!

في ليبيا، رأى هؤلاء، بحسب تقاريرهم ومعلوماتهم ومواقفهم، ان الفوضى سببها مخالفة الوصفة الأميركية ــــ الأوروبية ــــ الخليجية لادارة ليبيا. وكل من يعارضهم، فهو بالتأكيد، عميل لنظام السيسي، أو لروسيا أو للعدو الفارسي، أو هو من أعضاء الخلايا النائمة لانصار النظام المخلوع… لكن، يصادف ــــ مجرد مصادفة ــــ ان هؤلاء، لا يسمعون عن القتل والخطف والذبح هناك. لانهم يهتمون فقط بنوعية الأسلحة القاتلة، وهكذا هي تقاريرهم ومعلوماتهم ومواقفهم تقول ان مرتزقة حزب الله بدأوا يعملون أيضاً في ليبيا!

وبعد…

بعض هؤلاء يسمي نفسه يساراً. إنّهم «يسار السفارة». يكنّون عداءً حصريّاً لإيران وحزب الله ومن يحالفهما. هذا «اليسار» يرى أنّه في «حلف الضرورة» مع القتلة والجزّارين، لكنّه طبعاً على يقين من ان ساعة الدولة العلمانية، المدنية… آتية لا ريب فيها.

علما، وللامانة، فان اكثرية هؤلاء «اليساريين» صار لهم موقف نقدي من الحتمية التاريخية، وباتوا اقرب الى الليبرالية، وينبذون كل تحليل للمجتمع يقوم على «الطبقات»، ويتهكمون على مقولات «الامبريالية» وغيرها، ويمقتون الشيوعية، ولا يترددون في التعبير عن فوقية في النظر الى مواقف اكثرية الناس. هؤلاء «اليساريون» يفكرون في ان زمن الاحلام انتهى بعدما اكتشفوا ان المجتمعات جاهلة ومتخلفة وليس ممكنا تغييرها الا من خارجها…

يبقى سؤال بسيط: ما الذي يوتّر هؤلاء على الدوام؟ لماذا يبدون مستفَزّين طوال الوقت؟ ما الذي يدفعهم إلى الصراخ والشتم ولعن «الجماهير المضللة»؟! ليفعلوا ما طاب لهم بهدوء: لا أحد يقف حائلاً بينهم وبين العروش السلفية القديمة منها والجديدة. ليتهم يأخذون نفساً عميقاً، ويركّزون جهودهم وطاقاتهم على اقناع أهل بيتهم وحيّهم وحارتهم بأنهم على صواب. وعندما ينجحون في تحقيق الأمان النفسي، ويجدون في الشارع من يرد عليهم السلام، لا يبقى لهم سوى أن يفتحوا مدارس خاصة لتلقيح اولادهم ضد وباء حزب الله!

 

 

قد يعجبك ايضا