فـــــيروز والشام … علاقة أزلية

 

 

الأردن العربي ( الثلاثاء ) 6/1/2015 م …

هي (نهاد وديع حداد) ابنة السوري السرياني وديع حداد
بين فيروز والشام وشائج حميمية من قربى الدم والهمم والبوح، والذكريات ذات التفاصيل، التي قد تبدو في صغرها وطرافتها عادية بيد أنها أكثر وأكبر من ذلك. إنه تاريخ موغل في تلافيف الذاكرة المتجذر والمتجدد في حاضره ومستقبله، وعلاقة فارقة في المشهد الفيروزي الشامي. ‏
ففيروز والشام صنوان لايفترقان… فيروز معبودة السوريين الذين يحبونها حتى النخاع.
هي نهاد وديع حداد، ابنة السوري السرياني وديع حداد. الذي هاجر مع مجموعة من السريان من «مدينة ماردين» على الحدود السورية التركية، إلى لبنان وعمل في مطابع جريدة (لوجور)، التي كانت تصدر في بيروت (بالفرنسية).

صورة
وفي بيروت تعرف على (ليزا البستاني) المرأة اللبنانية التي أنجبت له (فيروز وهدى وجوزيف). ‏ولدت فيروز في 21.11.1935 في حي (زقاق البلاط) القريب من العاصمة بيروت. ‏
فـيروز ودمشـق
ثمة ارتباط تاريخي موغل في القدم ومتجدد يجمع فيروز ودمشق، فقد بدأ هذا الارتباط، في العام 1953 عندما دعا الأمير يحيى الشهابي مدير البرامج في إذاعة دمشق، فيروز إلى دمشق مع الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، وهكذا شرعت إذاعة دمشق قلبها على كل شرفاته لاحتضان فيروز. ‏
حيث خصصت لها يوم الأحد من كل أسبوع لتحضر إلى دمشق مع الرحبانيين، لتقدم عبر أثير إذاعة دمشق أغانيها واسكتشاتها. ‏
في تلك الفترة كانت إذاعة دمشق أقوى الإذاعات العربية. وفي إحدى المرات قرر عاصي الرحباني طرد فيروز من الفرقة واستبدالها بمطربة أخرى، ولم يكن قد تزوجها بعد لكن الأمير يحيى الشهابي تدخل ووضع شرطاً لاستمرار الرحابنة، هو أن تستمر فيروز معهم.

من دمشق انطلقت رائعتها أغنية (عتاب)، التي تعتبر أغنية الشهرة الأولى. حملت أغنية (عتاب) الثلاثي الجميل: (عاصي – منصور – فيروز) على جناح الشهرة والتألق عالياً، ‏فتوثقت أواصر التعاون بين الثلاثي الجميل عبر (إذاعة دمشق والإذاعة اللبنانية وإذاعة الشرق الأدنى). ما كرّس هذه الشهرة التي قادت عاصي للزواج من فيروز، وكان الأمير الشهابي من أوائل المدعوين عام 1954.
‏فيروز وجمهور دمشق وجهاً لوجه ‏
“بردى هل الخلد الذي وعدوا به إلاك بين شوادن وشادي، قالوا تحب الشام؟ قلت جوانحي مقصوصة فيها وقلت فؤادي”. هذه الأغنية كلمات الشاعر الأخطل الصغير وألحان الأخوين رحباني شدت بها السيدة فيروز لأول مرة أمام الجمهور الدمشقي في (صيف 1957) وذلك في نادي الضباط. ‏
فيروزيات شامية

يقول الشاعر نزار قباني: «جاءت السيدة، جاءت فيروز، هبطت علينا كغمامة، هجمت كقصيدة، هجمت كمكتوب غرام قادم من كوكب آخر، كتفاصيل حب قديم. وبعد ثلاث سنين من التوحش، مررنا تحت أقواس صوتها الحضاري فتحضرنا». ‏
وتقول فيروز: “كلما سمعت فاصلاً من موشحاتي تذكرت دمشق”. ‏

مثلما احتضنت دمشق فيروز بحنان الأم، كانت فيروز ابنة تستحق الحنان والحب، فقد غنت للشام الكثير، وبادلتها الحب بالحب. منذ أغنية بردى، توالت أغانيها عن الشام: ‏
“سائليني يا شآم حين عطرت السلام، كيف غار الورد واعتل الخزام، ظمئ الشرق فيا شام اسكبي واملئي الكأس له حتى الجمام”. ‏

“أهلك التاريخ من فضلتهم ذكرهم في عروة الدهر وسام، أمويون فإن ضاقت بهم ألحقوا الدنيا ببستان هشام”. هذا النص الجميل للشاعر سعيد عقل وألحان الأخوين رحباني إلى أغنية (طالت نوى ـ كلمات وألحان الأخوين رحباني».

“شآم أهلوك من أهوى وموعدنا، آواخر الصيف آن الكرم يعتصر، شآم يا ابنة ماض حاضر أبداً، كأنك السيف مجد القول يختصر”. ‏

لعل أجمل ماشدت به فيروز يعود كنص شعري للشاعر سعيد عقل، مثل (مرَّ بي). ‏الهوى لحظ شآمية رق حتى خلته نفدا، أنا حبي دمعة هجرت أن تعد لي أشعلت بردى. ‏

كذلك في أغنية (أحب دمشق). “أحب دمشق وأنت الثرى الطيب، غضبت وما أجملها فكنت السلام إذا يغضب”.

ومن روائع السيدة فيروز مع الرحابنة للشام أغنية (يا شام عاد الصيف). ‏

“وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح، ياحب تمنعني وتسألني متى الزمان المباح، في الشام أنت هوى وفي بيروت أغنية وراح. أهلوك أهلي والحضارة وحدتنا والسماح، يا شام يا بوابة التاريخ تحرسك الرماح. ‏
والكثير من الأغاني والموشحات والاسكتشات، التي تتغزل بدمشق. بكل الوجد والعشق والهيام لحد التوحد، بحنجرة سفيرتنا إلى النجوم، تلك الحنجرة الذهبية. ‏

فيروز وثلاثة أمكنة دمشقية ‏

ـ (إذاعة دمشق).

ـ (معرض دمشق الدولي) حيث عروض مسرحياتها السنوية في موسم المعرض ـ منذ العام (1962) مسرحية جسر القمر ـ إلى: (الليل والقنديل) 1963، (بياع الخواتم) 1964، مروراً بـ (هالة والملك) 1967، ثم (الشخص) 1968، إلى (جبال الصوان) 1969، و(يعيش يعيش) 1970، (صح النوم) 1971، (وناس من ورق) 1972، (ناطورة المفاتيح) 1972، (المحطة) 1973، (لولو) 1974، (ميس الريم) 1975، (بترا) 1977. ‏
ـ (دار الأوبرا) حيث قدمت مسرحيتها المستعادة (صح النوم) في ساحة الأمويين.

فيروز والاذاعات الدمشقية

لم تغب أغاني فيروز عن الإذاعات الدمشقية ولا يوماً واحداً إلا في فترات الحداد. ‏

أثناء حرب تشرين التحريرية كانت الإذاعة تبث أغنيتها (خبطة قدمكم عَ الأرض هدارة… إنتو الأحبة وإلكن الصدارة) ولكثرة إعادتها ظنها كثر إنها غنيت خصيصاً لحرب تشرين التحريرية. ‏
وتعتبر السيدة فيروز المطربة الأولى والأكثر حضوراً في الإذاعات الدمشقية حيث إنها تتصدر الفترات الصباحية (إذاعة صوت الشباب) يخصص ساعتان لها يومياً، (إذاعة دمشق، البرنامج العام)، من الساعة 5:50 حتى 06:15. ومن 06: 45 حتى 7 صباحاً. وسهرة كل ثلاثاء ساعة كاملة. (إذاعة صوت الشعب) من الساعة 06:20 حتى 06:45. وبرنامج طل الصباح (08:15 حتى 08:30). ‏
فيروز والتلفزيون السوري والسينما

بدأت القناة (5) والقناة (11) من تلفزيون لبنان، في صيف (1962) بث برامجها بمنوعات فيروزية ما دعا التلفزيون السوري إلى نقلها، مقابل بث برنامج للفنان دريد لحام ـ على شاشة التلفزيون اللبناني. في السينما قدمت فيروز ثلاثة أفلام هي: (بنت الحارس، سفر برلك، بياع الخواتم) هي من إنتاج المهندس السوري نادر الأتاسي.

وشارك فيها فنان الشعب رفيق سبيعي وأحمد خليفة وغيرهم. وتم تصوير عدة مشاهد من تلك الأفلام في دمر وفي جبل قاسيون.

فيروز والرحابنة التقاهم القائد الراحل حافظ الاسد وشجعهم ودفعهم لمواصلة مشوارهم ورحلتهم الفنية. يقول منصور الرحباني إثر مرض شقيقه عاصي: “إن نسيت فلا أنسى مشاعر الناس ومحبتهم وتقديرهم، لقد حاصروا المشفى الذي يعالج فيه عاصي، وقد غمرنا الرئيس حافظ الأسد بعنايته ومحبته وأرسل موفداً خاصاً ومبلغاً مالياً مجزياً لهذه الغاية وهي مبادرة لايمكن أن ننساها أبداً”.‏

في 26 أيلول أصيب عاصي الرحباني بجلطة دماغية فأرسله القائد الخالد حافظ الأسد في طائرة خاصة إلى العاصمة الفرنسية (باريس) للعلاج. وتبرع بمبلغ خالص (50 ألف ليرة سورية) لإجراء عملية جراحية لعاصي في باريس، وذلك في العام 1973 ـ فكتب منصور الرحباني بمفرده مسرحية (المحطة) ولحن أغانيها، وكان عاصي لا يزال يتعالج من مرضه. ‏

وتوالت عروض المسرحية، على مسرح معرض دمشق الدولي. ‏

في العام 1977 ـ أقامت فيروز صلوات الجمعة الحزينة في (مزار صيدنايا المقدس) في سورية، أغلقت المنطقة قبل أسبوع من الحدث لأسباب أمنية، حيث خيم حوالي (1600) شخص حول الموقع. ‏

حضر الصلوات حوالي (6500) شخص، وغنت فيروز لأول مرة (لاتنوحي).

قد يعجبك ايضا