بين جنوب لبنان وجنوب سورية البداية والنهاية واحدة .. اسرائيل زرعت وستحصد قريبا / نارام سرجون

نتيجة بحث الصور عن جنوب سورية

نارام سرجون ( سورية ) الإثنين 9/7/2018 م …




أجمل مافي الطفولة هي انك تلعب لعبة الحرب ولاتموت ولاتدفع الثمن .. تطلق النار من اصابعك ويبادلك اللاعبون اطلاق النار من اصابعهم على انها بنادق الا أنك لاتقتل ولاتقتل .. ولكن في الحقيقة الحرب هي لعبة الموت ولعبة الرجال فقط .. وعلى السياسيين ألا يظنوا على الاطلاق انهم يلعبون الحرب كأي لعبة سهلة كما كانوا يلعبونها عندما كانوا أطفالا .. السياسة قرارات صعبة جدا ودقيقة جدا .. ومجازفة .. وفيها حسابات كثيرة .. وأي خطأ قد يكلفك غاليا .. ولذلك فان من يعتدي يجب ان يتعلم ان الحرب سيف قد يهوي عليه بعد ان كان بيده يهوي به على الرقاب ..

الاسرائيليون يحاولون ان يقولوا لنا سامحونا على الخطأ عندما دمرنا خط وقف اطلاق النار وأعطيناه لمجموعات ارهابية لنقاتلكم بها .. والأمر كله كان مزحة ودعونا نعود الى سابق عهدنا .. هكذا يريد الاسرائيليون ببساطة أن يعيدوا الجدار الأممي بيننا وبينهم كما كان .. وأن يعيدوا حزب الله الى لبنان وان نعيد ايران الى ماوراء العراق .. ويادار مادخلك شر !!

الاسرائيليون – وليس نحن – من حاول تفكيك اتفاق فك الاشتباك الاممي الصامد منذ 1974 وتنكروا له .. والاسرائيليون هم من رعى المجموعات المعارضة والمسلحة التي كانت تتهمنا اننا لانطلق النار على اسرائيل .. وقبلت اسرائيل التحريض علينا بذريعة اننا لانطلق النار عليها حتى وان كانت هي المستفيدة من حالة اللاحرب في الجولان طالما ان التشنيع علينا سيفيد ذرائع الاسلاميين بالتمرد ..  وصمتها على الذريعة كان انها تعلم انها مجرد ذريعة وانها هي من لقنها للثوار كي يستعملوها .. وغايتهم من ابعاد الجيش السوري عن الجولان أكثر نحو الشمال كانت ان يوجدوا نطاقا وحزاما امنيا حولهم لايملك احد سلطة عليه سوى اسرائيل .. فالارهابيون مقاتلون مأجورون ومرتزقة تملك رزقهم يمكنها ان تعتمد عليهم .. في حين اتفاق فك الاشتباك فيمكن ايقافه بمجرد توقف التمديد له في الامم المتحدة أو في حال لم توافق سورية على تمديده أيضا .. كما ان النطاق الذي سيطوق الجولان سيحمي اسرائيل من اي هجوم ..وسيشكل عمقا تغذيه اسرائيل لأي هجوم للمعارضة يتدحرج من الحدود الجنوبية نحو العاصمة دمشق .. أي ان اسرائيل أرادت استخدام منطقة فك الاشتباك لصالحها واستثمارها ضد الجيش والشعب السوري وكانت على يقين ان سورية ستتمزق وتغرق في فوضى كبيرة وعلى اسرائيل الاستعداد لهضم الجولان بعيدا عن الامم المتحدة ..

اليوم تغير الوضع .. وعاد الجيش السوري وبدأ بكنس المجموعات الارهابية في الجنوب .. وجدت اسرائيل نفسها انها أمام خيار الجيش السوري بلا اتفاقية فك الاشتباك وبلا قوات اممية كمن صار وجها لوجه مع العاصفة بعد ان سقط الجدار الذي يختبئ خلفه .. وهي هنا امام لحظة فارقة جاءت بكل الكوابيس التي لايتخيلها عقل اسرائيلي .. جيش سوري بلا قيود .. وحزب الله وخبرته وايران وطموحاتها في تحطيم صلف اسرائيل .. بل ان حصار ايران يبدأ من اخراجها من سورية و الجولان بعد اخراجها من الاتفاق النووي ..

يشبه مشروع اسرائيل في الجنوب السوري مشروع اسرائيل في الجنوب اللبناني .. نفس المغامرة ونفس البدايات الطموحة والناجحة .. وستكون له نفس النهايات وسيلقى نفس المصير .. فالاسرائيليون اجتاحوا جنوب لبنان قاصدين التخلص من منظمة التحرير الفلسطينية والحاق لبنبن بكامب ديفيد .. واعتمدوا آنذاك على غضب السكان المحليين من سلوك بعض الفصائل الفلسطينية .. بل ان الجنود الاسرائيليين تلقوا استقبالا حارا أحيانا ورش عليهم الورد والارز لأنهم جاؤوا مخلصبن من تصرفات وطيش بعض عناصر الفصائل الفلسطينية .. وحتى ان الشاعر اللبناني المعروف سعيد عقل امتدح الجيش الصهيوني الغازي ووصف بيغين بالبطل .. وانتشى الاسرائيليون بالانجاز .. فهم دخلوا في الشق الفاصل بين اللبنانيين والفلسطينيين وتسربوا منه وبنوا خطة لالحاق لبنان بمعسكر السلام ونادي كامب ديفيد عبر اتفاق 17 أيار .. وفي نفس الوقت بدأت سياسة وخطط الاستيلاء على حزام الجنوب اللبناني والمياه .. الا ان ماخرج من قمقم الجنوب لم يخطر على بال اي شيطان اسرائيلي .. وهو المقاومة اللبنانية الوطنية بكل مكوناتها الحزبية والدينية والتي التحق بها حزب الله اللبناني وشكّل أشرس مقاومة عرفتها اسرائيل .. والتي لاحقت الاسرائيليين الى يوم التحرير عام 2000 ولم تتوقف الا على حدود فلسطين .. ولكنها صارت تنظر الى داخل فلسطين أيضا .. ولو سألنا أي اسرائيلي اليوم فيما لو كان من الافضل ترك لبنان لصراعاته وتمزقاته الطائفية بدلا من التحرش بمكنونات الجنوب البطلة واكتشاف العرب للكنوز والأقدار المخبأة في أبطال أهل الجنوب .. حيث تحول حزب الله الى ماهو أخطر بعشرات المرات من كل جيوش العرب ومن منظمة التحرير الفلسطينية التي كان من الممكن ان تبقى في لبنان وتصل الى اوسلو دون المرور بمعركة لبنان واجتياحه ..

والاسرائيليون لعبوا بالعراق وجاؤوا بالمحافظين الجدد لتدمير العراق كي يطول عمر اسرائيل .. ودفع العراق ثمنا باهظا جدا حيث انتقل من الاحتلال الامريكي الى احتلال داعش .. ولكن ماكان مستحيلا زمن صدام حسين صار اسهل في زمن مابعد انهيار داعش .. فخط ايران لبنان صار مفتوحا .. بدليل اصرار الامريكيين على البقاء في التنف والمنطقة الشرقية لتهديد هذا الخط الرهيب .. الذي يتشكل على مهل .. ولو سئل الاسرائيليون ان كانوا يفضلون بقاء صدام حسين المحاصر والضعيف على رحيله بثمن باهظ على ان يشق خط طهران لبنان طريقه عبر العراق الذي كان وجود صدام حسين كفيلا بعدم تحققه بسبب العداء المستحكم بينه وبين ايران بفعل الحرب الطويلة بينهما ..

اللعبة الاسرائيلية في سورية دمرت جزءا من سورية كما خطط الاسرائيليون .. ولكن النتيجة مغايرة لما توقعه اي اسرائيلي .. كما حدث في جنوب لبنان الذي بدأ بنصر اسرائيلي وترحيب وتهليل ومديح وتكبير ومصافحات ورفع علم اسرائيل وظهور مثقفين مرحبين بتدخل اسرائيل في سورية على شاكلة مديح سعيد عقل لبيغين .. وانتهى كل هذا بهزيمة قاسية .. افلجيش السوري لم يتشقق ولم يتمزق .. بل تمرس على كل اشكال الحرب .. وصار جنوده الصغار جنرالات لشدة تمرسهم على المعارك الطاحنة .. وحزب الله صار أقوى وأكثر انتشارا وتسليحا واقترابا من الجولان .. وبدل انتشاره على حدود لبنان توسع وانتشر على طول الجنوب السوري .. اضافة الى وجود ايراني داعم ومساند لم يعد يخفي نفسه .. وفوق هذا وجود روسي غامض النوايا ولايعرف الى اي حد سينخرط في معارك سورية المقبلة .. فرغم ان الروسي لن يدفع نحو حرب لمهاجمة اسرائيل ولكن يصعب جدا أن يتوقع أي مراقب الى أي حد سيقف الروس متفرجين اذا ماهاجمت اسرائيل سورية بشكل مباشر واندلعت الحرب .. فالروسي الذي دخل لمنع هزيمة سورية وكسر جيشها بالارهاب سيكون من الصعب جدا عليه ان يكون محايدا وينأى بنفسه ان هاجمت اسرائيل حليفها الجيش السوري واتسعت الحرب .. وهناك ادراك اسرائيلي ان الجيش السوري قد تم تحديثه بالسلاح الروسي تدريجيا خلال السنتين الاخيرتين .. ومن هنا تبدو حيرة الاسرائيليين كبيرة فيما هم فاعلون .. فهم لن يقبلوا بابعاد الامم المتحدة عن الخط الفاصل  ولايقدرون على فرض عودة الاتفاق .. ولاعلى مواجهة حرب ستنخرط فيها سورية وحلفاؤها .. ولو خيّر الاسرائيليون بين ماكان قبل عام 2011 والآن لتمنوا أن تعود الساعة الى الوراء ويتوقف الزمن عند عام 2010 .. لأنهم توقعوا كل شيء الا هذه النهاية الكارثية عليهم ..

الاسرائيليون لايكادون يتركون موسكو .. فالزيارة تتلوها الزيارة من أجل هدف واحد وهو ان يضغط الروس على السوريين للقبول بعودة اتفاق فك الاشتباك .. وهم يهددون الفصائل المسلحة في الجنوب بالابادة اذا سلموا المنطقة دون تنسيق مع اسرائيل .. ويهددون الجيش السوري ان دخل القنيطة دون اتفاق فض الاشتباك .. وهناك استماتة اسرائيلية للحصول على عودة  الاتفاق على الجبهة .. ولكن هل يجب منح هذه الهدنة والهدية ببساطة؟؟ الاراء في الغرب تقول بأن الروس ورغم المجاملات مع الاسرائيليين فستكون لهم غالبا وجهة نظر متفقة مع وجهة النظر السورية بأن هذا الأمر يجب ان يكون درسا للاسرائيليين ولغيرهم من الحلفاء من أن التلاعب بالخطوط الحمر يجب ان يكون له ثمن باهظ وكبير .. فالروس أيضا منزعجون من تعمد اسرائيل الواضح خرق المنطقة الجنوبية واللعب دون ضوابط رغم صمود اتفاق رعته اميريكا والاتحاد السوفييتي واحترمه السوريون .. ولكنها الآن نادمة وتطالب ان تتوقف اللعبة التي تدحرجت ضدها .. والامر الذي يتفق السوريون والروس عليه هو ان اسرائيل يجب ان لاتحصل على ماتريده لأنها هي التي صنعت هذا الخيار وعليها ان تحصد مازرعته .. بل يجب ان تقدم ثمنا له .. والاسرائيليون ليس لهم شغل في اجتماعاتهم الا تخمين الثمن الذي سيوضع على الطاولة .. فالسوريون ليسوا مضطرين على الاطلاق لقبول العروض الاسرائيلية والتهديدات ..

رغم تلميح السوريين على مستويات عليا انهم قد يقبلون بعودة الوضع الى ماكان عليه .. لكن هذه العبارة ليست كاملة بل ناقصة .. وهي مشروطة وليست بلا أضافات .. والبعض يسرب ان اسرائيل تريد أن تتفاوض خلف الكواليس بحيث تعلن فقط الجزء الاول من عودة الاتفاق .. ويبقى الجزء الثاني الذي يضيفه السوريون وحلفاؤهم بعيدا عن أضواء الاعلام .. كيلا تظهر اسرائيل وقد أخفقت في هدم الدولة السورية كما فعلت في العراق .. بل انها تسببت في هدم السقف الذي اختبأت تحته سنوات ..وصار الشمال أكثر نقطة اسرائيلية هشة بعد ان كان المخطط ان يكون أقوى نقطة لاسرائيل .. محاطة بخط بارليف اسلامي ..

اللعبة تدحرجت .. وليس بامكان نتنياهو ولا جيش نتنياهو أن يوقفها .. وماحدث يجب ان يكون درسا يتعلمه هو وغيره .. كما أن في الشمال حليفا له تعلم درسا آخر عندما ظن انه نجح في اسقاط دمشق فاذا بشمال سورية يهدد تركيا كلها بالسقوط فطلب على الفور ايقاف اللعبة والعودة الى اتفاق أضنة حيث يلاحق الطرفان المتفقان التنظيمات الارهابية التي تهدد أمن الطرف الآخر ..

على نتنياهو ان يفكر بطريقة يعض فيها اصابعه ندما ويقطعها بأسنانه لأنها لعبت بالنار ولسوء العاقبة التي وصل اليها .. وتمكن أعداؤه من ان يحولوا مشروعه الى مشروع لهم .. وكلها مشاريع بدايتها ليست كنهايتها .. ونهايتها أسوأ من نهايات أسوأها .. ولكم في نهايات حكاية جنوب لبنان عبرة ومتعظا .. واليوم جاء دور الجنوب السوري .. فاتعظوا يامعشر الاشكيناز والسفراديم ..

قد يعجبك ايضا