صمت العقلاء … حكمة ام شماتة / هاشم نايل المجالي

هاشم نايل المجالي ( الأردن ) الأربعاء 6/6/2018 م …




ان الانسان عندما يريد ان يستجمع افكاره في أمر ما ويراجع اعماله او يريد ان يتخذ قراراً او يعطي رأياً لأمور الحياة واحوالها فانه يجنح الى الخلوة مع نفسه ويجنح الى الصمت ليعطي لنفسه مزيداً من الراحة النفسية لغايات التفكير والتأمل بكل عقلانية .

فالصمت سمة من سمات المفكرين والعقلاء والحكماء والسياسيين الدهاة ، ولقد اوصى به الاسلام فمن نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم ( عليك بطول الصمت فانه مطردة للشيطان وعون لك على امر دينك ) فالعاقل والمتزن يحفظ لسانه الا كلاماً في مصلحة عامة او خير ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليقل خيراً او ليصمت ) فأي انسان او مسؤول ينطق في غير الخير وفي غير المصلحة العامة وبشكل غير عقلاني وتحريضي فانه يكون قد لغا ومن نظر بدون اي اعتبار لما خلف هذا النطق ، فانه يكون قد سها ومن سكت عن قول العقلانية ، فانه يكون قد لها فاللسان السائب حبل مرخي في يد الشيطان يوجهه كيفما يشاء ومتى اراد فاذا لم يملك الانسان أمره كان فمه مدخلاً للنفايات وقلبه وفكره مرتعاً للملوثات .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) فالانسان مخبوء تحت لسانه فاذا تكلم عرفت شخصيته اذا كان فارغاً من الطرح الحكيم الموزون العقلاني او كان ذو قدر وطرح عقلاني ، والعقل نعمة وما اروع ان تجد اشخاصاً في هذا الوطن من فئة العقلاء قادرون على احتواء الازمات اينما كان موقعهم في دفة المسؤولية او خارجها ، ففي الازمات من الواجب الوطني ان تظهر النخبة السياسية والاجتماعية التي انتفعت من الوظيفة اينما كانت او من هذا الوطن بأمنه واستقراره لتكون كفة الميزان لتقديم المشورة والرأي والنصح كل في مجال اختصاصه ، كذلك دورهم المجتمعي وتأثيرهم بالشباب ليكون اي حراك سلمي وفق الاطر السلمية حتى لا تستغل او تستثمر من قبل ايدي خفية لها غايات واهداف عدوانية .

فالشخص والمسؤول السابق والصادق والمنتمي لوطنه هو الذي يعيش دوماً متحملاً مسؤولياته الوطنية اتجاه وطنه ومجتمعه ، حذراً دائماً من فلتان لسانه بل يجعل عمله كثيراً وكلامه قليلاً فلن يندم صامت على صمته في الغالب فقليل الكلام كثير العمل وان تكلم فعليه ان يتكلم لما فيه صالح الوطن والمواطن والمجتمع ، قال لقمان لابنه ( يا بني اذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر انت بحسن صمتك ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رحم الله من قال خيراً فغنم او سكت فسلم ) فالكلام للصالح العام والمتزن هو أدب عال فلقد أدب الله به عباده قال تعالى ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن وان الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للانسان عدواً مبيناً ) .

فالشخص يحافظ على مكانته واتزانه وعقلانيته ليبقى نبراساً يضيء بحكمته واتزانه وخبرته الطريق ، ويأتون اليه جميعاً طالبين النصح فهو من عناصر الاصلاح في الوطن والمجتمع ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) .

فلقد شاهدنا الكثير من الشخصيات السياسية والمجتمعية قد انزوت وانطوت على نفسها وهي تراقب ما يجري على الساحة الوطنية دون ان تعطي اي اعتبار ودون ان يكون لها اي دور اصلاحي او رأي تعبيري بل كان صمتها وانزوائها بمثابة موافقة ضمنية او غير مباشرة على ما يجري ، فهل هي شماته ام دماثة ، ولقد شاهدنا فريقاً آخراً قد تنطح بالكلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليقول كلاماً ليس في مكانه بحالة عدم اتزان فيه وذم وتشريح خارج اطار ومضمون الازمة ، فهذا يندرج تحت مظلة الجاهل الشرس الذي لا يبالي ان يتعرض الاخرين لمكروه وكأنه حاقد ومغلول والاستماع اليه في ميزان الاسلام غير مرغوب ، وان كان هناك من يرغب بالانصات لكلامه فأن الانصات للجهال يجب ان يكون زيادة في الحلم دون الانصياع لما يقولونه .

وكذلك فان الانصات للعلماء زيادة في العلم ، والانصات الى الحكماء زيادة في الحكمة ، فان كلام الانسان بيان لفضله في مجتمعه وترجمان لعقله ، فليصون الانسان نفسه عن الزلل ويراعي مخارج الكلام ولتصحوا هذه النخبة من ابناء الوطن المتقاعدين اينما كانت مسؤولياتهم السابقة فالوطن بحاجة لهم لحكمتهم وعقلانيتهم ، فلهم دور كبير ان لم يكن عند المسؤولين الحاليين ، فلهم دور بين اقربائهم وفي مجتمعهم فالفتنة شرارة توقد النيران وتخرب الديار وتفتك بالامن والاستقرار ولا اظن ان احداً يقبل ان يصيب وطنه كما اصاب الاخرين في اوطانهم ولا بد ان لكل ازمة حل بالطرق السلمية والعقلانية وبالحكمة فالحكومات مهما كانت قوتها وسلطاتها التنفيذية تبقى عاجزة امام ارادة الشعب ، ولن يتم شيء إلاّ بالوفاق والاتفاق والتشاركية ووفق الاطر السليمة  .

المهندس هاشم نايل المجالي

[email protected]               

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا