كيفية التعامل مع ملف الألغام بالصحراء الغربية / د. عادل عامر

نتيجة بحث الصور عن حقل الغام

د. عادل عامر ( مصر ) الخميس 26/4/2018 م …




عانت مصر من مشكلة الألغام الأرضية المضادة للأفراد والدبابات والمنتشرة في مساحات كبيرة في منطقة الساحل الشمالي وسيناء، فقد خلفت الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين جنوب الساحل الشمالي وحتى حدود مصر الغربية ما يقرب من 17.5 مليون لغم تحتل مساحة تزيد على ربع مليون فدان صالحة للزراعة، كما خلفت الحروب المصرية الإسرائيلية ما يقرب من 5.5 مليون لغم في سيناء والصحراء الشرقية.

وحسب الإحصاءات الرسمية يوجد في مصر حالياً حوالي 21.800 مليون لغم بعدما كان 23 مليون لغم، وذلك بعد نجاح القوات المسلحة المصرية منذ عام 1995 في إزالة ما يقرب من 1.200 مليون لغم.

أن استمرار تواجد هذه الألغام تسبب في قتل وإصابة عدد كبير من المواطنين الأبرياء، بجانب الخسائر الفادحة في الاقتصاد المصري، وإعاقة مشروعات التنمية بصورة دائمة، ولم تطلب الحكومة المصرية من هذه الدول أي نوع من التعويضات، أو حتى أي مساعدات من أجل إزالة هذه الألغام من الأراضي المصرية،

 لان تنفيذ خطة إزالة الألغام في مصر يحتاج إلى أموال ضخمة، وأعباء فنية هائلة، لا يمكن للحكومة والقوات المسلحة أن تتحملها بمفردها، حيث إن معوقات الإزالة تتمثل في عدم وجود خرائط لجميع الحقول.

لذلك علي الدولة المتسببة في زراعة هذه الألغام أن تتولى مهمة رفعها وتطهير مصر منها، وكذلك إلزامها بأداء التعويضات اللازمة لمصر عن ذلك، وأداء تعويضات أخرى عن الأضرار التي أصابت المواطنين المصريين وأموالهم بسبب هذه الألغام. أنه «يجب على وزارة الخارجية اللجوء إلى طرق التقاضي الدولي، بعد استنفاد الوسائل الدبلوماسية”.

اعتبار أن مشكلة الألغام البرية تعد واحدة من أخطر المشكلات والتحديات التي تواجه المجتمع الدولي كله نظرا للآثار المترتبة عليها سواء على المستوى الانساني أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو البيئي أو الأمني أو السياسي، وذلك لما لها من خاصية الاستمرارية في إحداث أثرها المدمر، بحيث لا تعترف باتفاقات وقف إطلاق النار ولا باتفاقات تحقيق السلام، بل تستمر في إحداث أضرار لا طائل من وراءها، كما تستمر في مد حالة الخطر وانعدام الأمن إلى غير أوقات الحرب، وهو ما يقيم حالة الحرب وقت السلم.

وبالتالي، فإن مشكلة الألغام البرية ليست بالجديدة لكن الأضرار التي سببتها أخذت اليوم نسبا لا مثيل لها عما كان في السابق. فقد استعملت مند الحرب العالمية الأولى ولا تزال تستعمل إلى اليوم بأعداد ضخمة وبطرق عشوائية، خاصة في الحروب الأهلية والصراعات الداخلية التي شهدها المجتمع الدولي أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحالي.

فهي تقتل كل عام ما بين خمسة عشر ألفا وعشرين ألف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن وتصيب عددا لا حصر له بتشوهات شديدة. وانتشارها في ثمانية وسبعين بلدا، تذكير مستمر بالنزاعات التي انتهت وكذلك التي مازالت قائمة كما هو الشأن، في العراق وأفغانستان وباكستان والسودان والصومال وميانمار واليمن وليبيا ومؤخرا في سوريا.

إلى جانب هذه الألغام البرية، كشف الواقع الدولي بروز أنماط أخرى من الأسلحة التي لا تقل خطورتها عن خطورة الألغام البرية، كالمتفجرات من مخلفات الحرب والذخائر العنقودية التي أصبحت تشكل تهديدا ليس فحسب على المدنيين، بل أيضا على عمليات منظمة الأمم المتحدة للسلام وأعمال المساعدة الإنسانية والأعمال الإنمائية، كما تضر بالعمليات الميدانية وتعرض مزيلي الألغام للخطر أو القتل، الأمر الذي طرح من جديد إشكالية كفالة الأمن البشري من منظور شامل ومكافحة أنواع مختلفة من الأسلحة.

وفي هذا الإطار، نلاحظ أن معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد أعطت قوة هائلة من أجل إيجاد تنظيمات إضافية، لمواجهة أشمل لمختلف أنماط الأسلحة التي تستمر في القتل أو التشويه أو الإعاقة.

  فاعتمادها كان بمثابة ولادة” قاعدة مرنة “، أصبحت راسخة في الضمير العام وأصبحت تشكل تدريجيا جزء لا يتجزأ من القانون، ليس في شكل البروتوكول الخامس الملحق باتفاقية الأسلحة التقليدية لسنة 1980 المتعلق بالمتفجرات من مخلفات الحرب لعام 2003 واتفاقية الذخائر العنقودية لسنة 2008.

وعلى أي، إذا كانت منظمة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وغيرها من الهيئات الإنسانية المعنية بحماية الأفراد المدنيين وحماية حقهم في الحياة والصحة، حققت إنجازات ضخمة سواء من خلال دعمها لاتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد أو الصكوك الدولية ذات الصلة، كالبروتوكول الخامس المتعلق بالمتفجرات من مخلفات الحرب واتفاقية الذخائر العنقودية، واستطاعت جعل تجارة الألغام وإنتاجها ظاهرة نادرة على مستوى الحكومات، إلا أنها وجدت صعوبات كبيرة على مستوى الجهات الفاعلة من غير الدول التي تحاول استخدامها،

 وكذلك ترويجها في الأسواق السرية عبر الشبكات التهريبية وقد تصل إلى أيادي الجماعات الإرهابية أو الإجرامية، فترفع من وتيرة العنف المسلح الذي أصبح يمتد إلى المناطق الحضرية ويمكن أن يتسبب في معانات متشابهة حتى عندما لا ترق إلى حد الحرب حسب تعريف القانون الدولي الإنساني لها.

وحتى تظل مسألة الألغام البرية محط اهتمام الرأي العام وتبقى مطروحة على بساط البحث ولئلا تدخل طي النسيان، أعلنت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في الدورة 60 بتاريخ 8 ديسمبر 2005 بموجب القرار رقم 60/97. /أ اليوم الرابع من شهر أبريل من كل عام رسميا، اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام والمساعدة في الأعمال المتعلقة بالألغام للاحتفال به، وكي يظل هذا اليوم أيضا مناسبة لمراجعة التقدم المحرز في هذا المجال وخطوة نحو تهيئة الظروف التي ينتشر في ظلها السلام الدائم والمثمر.

  مما دفع بمنظمة الأمم المتحدة التي أخذت على عاتقها تخفيف معاناة المدنيين الذين تضرروا من جراء الألغام، المزيد من التطوير لاسيما أن هناك العديد من الإشكاليات التي أصبحت تحيط بهذا المجال، حيث تنامت في الآونة الأخيرة قضايا أخرى تستدعي الاهتمام، والتي  تتمثل في الكوارث الطبيعية والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والمالية العالمية والأمراض المستعصية والتهديدات الإرهابية والتدهور البيئي ، مما يفرض عليها لا محالة تحليل مدى ترابط هذه القضايا فيما بينها ،بغية استباق النزاعات المسلحة وأعمال العنف الأخرى، وكذلك إيجاد خطة واستراتيجية  تتفاعل مع المستجدات الجديدة. 

   وتطبيقا لمبدأ الاتفاقات الدولية، فإن الدول الأطراف في اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد أو الصكوك الدولية ذات الصلة، يتعين عليها ضرورة احترام تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالألغام والذي يتوقف إلى حد كبير على اعتماد قوانين وطنية، تقر إدراج تدابير وإيرادات قانونية وعقوبات جنائية في النظام القانوني الداخلي، ضمانا للتطبيق الكامل والتنفيذ الفعال للأحكام التي تهدف إلى القضاء الشامل على الألغام المضادة للأفراد.

وتعتبر فرنسا من بين الدول الأوائل التي بادرت بنص نشر تشريع وطني لتطبيق اتفاقية أوتاوا، وذلك بموجب القانون رقم 98-564 بتاريخ 8 يوليو 1998. 

في المقابل نجد أن 40% من الدول الأطراف لم تبلغ بعد عن صدور تشريع لديها لإنفاذ الاتفاقية، حيث أن هناك من الدول الأطراف من ترى أنه ليس من اللازم سن تشريع خاص لتنفيذ الاتفاقية. بينما بعضها الآخر مازالت تدرس إمكانية تبني تشريع جديد بالرغم من أنها ترى أن التشريعات الوطنية كافية، ومنها من اكتفت بأقلمة القواعد الموجودة لديها.

 إلا أن الملاحظ أن الأحكام المتعلقة بسن تشريعات وطنية في هذا الشأن، موجهة إلى الدول وبالتالي لا تنطبق مباشرة على المجموعات المسلحة غير الحكومية، ومع ذلك بادرت بعض المنظمات غير الحكومية كمنظمة “نداء جنيف”، بتكريس إقناع المجموعات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الحكومات بالتعهد باحترام حظر استعمال الألغام البرية وباحترام المعايير الإنسانية، إلا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن بعض هذه المجموعات تلبي نداء “جنيف” لأغراض سياسية محضة.

 إن عملية حظر الألغام المضادة للأفراد شأنها شأن جميع جهود ضبط التسلح، تتأثر بالعديد من المتغيرات الدولية، حيث نجد تقلص نفوذ الدول العظمى بانهيار الاتحاد السوفيتي (سابقا)، حال دون استمرار الولايات المتحدة الأمريكية كدولة قيادية في السياسة العالمية، مما أفسح المجال للقوى المتوسطة مثل كندا، النرويج، النمسا، سويسرا، المكسيك، جنوب إفريقيا، تساندها المنظمات غير الحكومية مثل الحملة الدولية لحظر الألغام المضادة للأفراد

وبالخصوص اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قيادة المفاوضات كلاعب أساسي في نطاق العلاقات الدولية، كما غيرت هذه القوى جزء كبيرا في أسلوب المفاوضات المتعددة الأطراف التي عُرف بها القانون الدولي العام، متجاوزة القيود والإجراءات الدبلوماسية التي كانت متبعة، وبالذات شرط الأمن البشري بدلا من الأمن العسكري الذي يهدف إلى حماية الإنسان ذاته، من أية مخاطر تهدد وجوده أو حياته أو مستقبله، الشيء الذي أدى إلى امتناع الدول المعارضة لعملية حظر الألغام التوقيع على هذه الاتفاقية

وفي مقدمتها القوى الدولية والاقليمية المؤثرة، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية الذي يصل مخزونها من الألغام البرية إلى 10.400.000 لغم بري، وروسيا يصل مخزونها إلى 24.5000.000 لغم بري، والصين يصل مخزونها إلى 110 مليون لغم بري، علاوة على عدد من القوى الإقليمية كالهند وباكستان وإيران، مما قلل من فاعلية الاتفاقية، بحيث نلاحظ أن غالبية الدول المصدقة هي من الدول الصغيرة والمتوسطة.

فما هو الجدوى من اتفاقية تضم في عضويتها أغلبية من الدول الصغرى، بينما تمتنع الدول الكبرى عن الانضمام إليها، مع أنها تعتبر بمثابة الدول المنتجة والمالكة لأكبر ترسانات من الألغام البرية. لتدفع بنا إلى الحديث عن الجهود المبذولة للقضاء على هذه الآفة وذلك من خلال الاستراتيجية التي سارت عليها مصر في مجال مكافحة الألغام البرية بالصحراء الغربية.

لأن الدولة المصرية ملتزمة بالدفاع عن حقوق مواطنيها في مواجهة الدول الأخرى باتباع الوسائل الدبلوماسية والقانونية المقررة دوليا، تأسيسا على رابطة الجنسية التي كما تفرض على المواطن التزامات تجاه الدولة، فإنها تفرض على الدولة التزما بحماية مواطنيها”.

أن «وزارة الخارجية هي السبيل الوحيد لحماية حقوق المواطنين في مواجهة الدول الأخرى، وأنه يجب على الدولة الالتزام من تلقاء نفسها دون حاجة إلى طلب من المواطنين، وفقا لأحكام الدستور، لحماية حياتهم من أي مخاطر تهددها ومنها الألغام التي زرعتها الدول الأجنبية في أراضيها، كما أن عليها مساعدة المضارين من هذه الألغام في الحصول على تعويضات من الدول التي زرعتها، كما تلتزم بوضع هذه الدول أمام مسئوليتها الدولية عن رفع الألغام تحقيقا للتنمية وحماية للبيئة».

المادة الأولى من الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 فبراير 1966 ووقعت عليها مصر ووافقت وصدقت عليها ونشرت بالجريدة الرسمية في 8 إبريل 1982 وأصبحت جزءا من التشريع المصري، فيما تضمنته من ضمان «تحقيق الشعوب غاياتها الخاصة والتصرف بحرية في ثرواتها ومواردها الطبيعية، وعدم جواز حرمان الشعب من وسائله المعيشية الخاصة».

أن واجب الدولة يفرض عليها التدخل بكل الطرق الدبلوماسية والقانونية لحماية مواطنيها من الأعمال غير المشروعة التي قامت بها الدول الأجنبية على الأراضي المصرية، خاصة تلك التي ترتب أضرارا على حياة المواطنين، أو تنال من الموارد والثروات الطبيعية للدولة، وتؤثر على حق المواطنين في الاستفادة منها.

أنه وفقا لقواعد القانون الدولي فإن الحروب غير الدفاعية «عمل غير مشروع» وتتضمن قواعد القانون الدولي «أحقية الدول المعتدى عليها أو التي دارت على أراضيها حروب على غير إرادتها أو التي أضيرت حقوقها أو مصالحها في التعويض العادل، وضمان حقوق الأفراد الذين أضيروا بسبب العدوان في التعويض عن الأضرار التي تصيبهم، وتسأل عن ذلك الدولة المسببة في الضرر، ويقع على عاتق الدولة التمسك بحقوقها وحقوق مواطنيها الذين لا يتيسر لهم مقاضاة الدول الأجنبية أمام القضاء الوطني أو القضاء الدولي».

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت هذه الذخائر جزء من اتجاه جديد ومثير للقلق. وبما أن “داعش” والجماعات الجهادية الأخرى قد نمت في جميع أنحاء المنطقة، وأحيانا التجوال دون رادع عبر حدود طويلة يسهل اختراقها، فقد أدرك عدد قليل القوة المحتملة لهذه الكمية الضخمة من المتفجرات، أن تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات الإرهابية يمكنهم استخدام مكونات هذه الألغام لصنع قنابل، أو عبوات ناسفة وغيرها من أسلحة الموت،

أن «المعارك بين المحور والحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية نتج عنها قيام الدول المتحاربة وخاصة المملكة المتحدة بزراعة ملايين الألغام في الأراضي المصرية في الساحل الشمالي الغربي والصحراء الغربية وترك ذخائر مختلفة فيها، ومن بين الأضرار التي ترتبت موت آلاف المواطنين نتيجة انفجار الألغام فيهم، وإصابة الآلاف بعاهات مستديمة، ومنع تعمير مناطق شاسعة في الساحل الشمالي الغربي لمصر لاستحالة زراعتها أو إقامة مشروعات عليها قبل تطهيرها من المتفجرات”. “عدم إعداد وزارة الخارجية ملفا كاملا بأضرار الألغام يتضمن حصرا بالمواطنين الذين قتلوا أو أصيبوا بعاهات مستديمة، والأضرار التي أصابت الأفراد وأموالهم وتضاؤل فرص التنمية» بالإضافة إلى «عدم اتخاذ أي إجراءات قانونية لمطالبة الدول الأجنبية وعلى رأسها بريطانيا بأداء واجبها، وفقا لقواعد المسئولية الدولية وطرق التقاضي المحددة في القانون الدولي». على الرغم من أن مصر لم توقع على اتفاقية اوتاوا لحظر استخدام ونقل وتخزين وإنتاج الألغام المضادة للأفراد إلا أنها ساندت من حيث المبدأ الهدف من هذه الاتفاقية. وقد سبق وشاركت مصر في كل المراحل التمهيدية السابقة على توقيع الاتفاقية.

ويمكن عرض الموقف المصري من عدم توقيعها على اتفاقية اوتاوا كالآتي:

– إن مصر تتفق تماماً مع الهدف الإنساني للاتفاقية. إلا أن صعوبة موافقاتها على الانضمام، يرجع لا نها تعيق مصر عن ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن النفس والحفاظ على أمنها القومي، وكذلك حقها في الحصول على المساعدات اللازمة لتطهير ألغام زرعت في أراضيها – مطالبة مصر النظر بعين الاعتبار للطبيعة الجغرافية لها. حيث الحدود الشاسعة والتي ليس فيها أي موانع تحول دون عمليات التسلل، وقد تلخص مطلب مصر الأمني في الحصول على بديل اقتصادي مناسب للألغام.

 وتم شرح هذا الموقف خلال المراحل التمهيدية لإعداد مشروع الاتفاقية. – إن استفادة مصر من المساحات الملغومة والتي بها ثروات كثيرة مختلفة. لن تتحقق إلا بتوافر المسئولية الدولية للمساعدة في تطهير الألغام، والمسئولية الانسانية التي تحتم احترام الحقوق الشرعية للأسنان.    لقد أضحت الصورة أكثر إيضاحاً للمأساة التي تخلفها الألغام على البشرية، ومع تدفق المعلومات التي أصبحت الآن متاحة للجميع وتبين مدى حجم الخسائر البشرية من استخدام هذه الألغام، وأصبح التحرك الدولي حاسماً ونشطاً في مواجهة هذه القضية.

 فقد ولدت هذه المعلومات اهتماماً دولياً واسع النطاق بمشكلة الألغام في العالم وسبل مواجهتها، بعد أن كان العالم إلى وقت قريب يجهل هذه القضية تماماً، أو لا يضعها في دائرة اهتمامه. ولعل الحملة الدولية لحظر الألغام، وتدخل الأمم المتحدة بثقلها وامكانياتها للبحث عن حلول جذرية لهذه المشكلة.

وما تمخض عن الاهتمام الدولي بها في توقيع 135 دولة على اتفاقية دولية تحظر وتحرم استخدام الألغام الأرضية، كل ذلك أصبح مدعاة لتحقيق حاجة المجتمع الدولي الملحة لتضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمواجهة هذا الحظر والقضاء عليه. غير أنه يبقى السؤال المهم. حول مدى التزام الدول التي زرعت ألغاماً في أراضي الغير، وتركتها رغم انتهاء العمليات الحربية، والأمثلة على ذلك كثيرة مثل الألغام المزروعة في مصر وافغانستان. وهناك التزام على عاتق هذه الدول بإزالة وتطهير هذه الألغام للأسباب الآتية:

– إن الجمعية العامة للأمم المتحدة إيدت مطالبات الدول التي تصيبها أضرار نتيجة لتواجد مخلفات الحروب ومنها الألغام على أراضيها، والتي تطالب بدفع تعويضات لها من الدول المسئولة عن ذلك.

– وجود قاعدة من القانون الدولي العام أو العرفي تقضى بإلزام من وضع الألغام بطريقة تؤثر على حياة المدنيين أو سلامتهم الجسدية بإزالة تلك الألغام وتحمل تكاليف إزالتها. وهو إيضا ما يمكن الاستفادة به من اتفاقية اوتاوا والتي اعترفت بوجود قواعد يقرها القانون الدولي بخصوص الألغام حيث نصت الاتفاقية على أن انسحاب الدولة الطرف من الاتفاقية لا يؤثر باي طريقة على واجب الدولة في الاستمرار بالوفاء بالالتزامات المقررة وفقاً لأي من قواعد القانون الدولي ذات الصلة.

وبالنظر إلى واقع مشكلة الألغام الأرضية في العالم، فإن إزالة الألغام أو تطهيرها يجب أن يتم عن طريق:

– التعاون بين كل طرف من الأطراف المتحاربة والمسئولة عن زراعة هذه الألغام بغض النظر عن ملكية الأرض المنزرعة فيها.

– تفعيل التعاون الدولي طبقاً لقواعد القانون الدولي وللاتفاقيات الدولية.

– إنشاء آلية فعالة تقوم بمهمة التنسيق والمتابعة لعمليات إزالة الألغام ومراقبة زرعها إبان النزاعات والحروب.

– تفعيل دور المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية وغير الحكومية المتخصصة ومدها بالدعم المناسب لممارسة دورها على أكمل وجه.

وقد اسفرت جهود مصر عن تقديم بريطانيا خرائط ألغام الحرب العالمية الثانية بالساحل الشمالي في أكتوبر 2016 كما قدمت 10 ملايين دولار لجهود إزالة الألغام من الساحل الشمالي الغربي، وتمت توعية حوالي 16 ألف شخص عن الألغام على مدار عشر سنوات.

 وهناك تقدم ملحوظ في جهود إزالة الألغام خلال العامين الماضيين، حيث تم تطهير 500 كيلو متر من الألغام، وذلك نتيجة للجهود المصرية بالتعاون مع شركاء التنمية من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وتحتوي الاتفاقية ذاتها على قواعد إجرائية ووصف لنطاق التطبيق ولعلاقة الاتفاقية بالاتفاقيات الأخرى، وترد الأحكام الأساسية في ثلاثة بروتوكولات ملحقة بالاتفاقية، يتعين على كل دولة أن تصدق على إثنين منها على الأقل كي تصبح طرفاً في الاتفاقية.

ويحظر البروتوكول الأول استخدام أي سلاح يؤدي في المقام الأول إلى إحداث شظايا لا يمكن تحديد موقعها في الجسم بالأشعة السينية.  ويقصد بذلك أساساً الاختراع البغيض للقنابل الانشطارية المشحونة بشظايا مصنوعة من اللدائن (البلاستيك).

ويدين البروتوكول الثاني استخدام الألغام والشراك الخداعية وما شابهها من أسلحة ضد السكان المدنيين، أو استخدامها بطريقة عشوائية من شأنها إحداث إصابات جانبية للمدنيين بما يتجاوز المزيّة العسكرية المباشرة المتوخاة، ويقصد بذلك بصفة خاصة الألغام التي تُزرع خارج  المناطق العسكرية، كذلك يُحرّم البروتوكول في الأحوال كافة استخدام الشراك الخداعية التي يُقصد بها إحداث إصابات بالغة الضرر أو آلام لا مسوغ لها، وأيضاً يحظر على وجه التحديد وضع الشراك الخداعية في أشياء لا تبدو مؤذية في ظاهرها، ومن بين هذه الأشياء لُعَب الأطفال، ويقضي البروتوكول كذلك بتسجيل مواقع الألغام الأرضية بغية حماية السكان المدنيين.

وقد حقق البروتوكول الثالث خطوة بعيدة إلى الأمام بتقييده لاستخدام الأسلحة الحارقة، فقد أكد هذا البروتوكول حظر استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين في الأحوال كافة، بل ووسّع من نطاق هذا الحظر ليشمل أيضاً الأهداف العسكرية الواقعة داخل تجمعات المدنيين، وكذلك الغابات وسائر أنواع الغطاء النباتي، ما لم تستخدم هذه العناصر الطبيعية لإخفاء مقاتلين أو أهداف عسكرية. وأخيراً أصدرَ المؤتمرُ قراراً بشأن التطورات الخطيرة في مجال نُظُم الأسلحة الصغيرة العيار، دعا فيه الحكومات إلى إجراء مزيد من البحوث حول آثار هذه الأسلحة، وتوخّي الحيطة البالغة عند العمل على تطويرها مستقبلاً.

وهناك اتفاقية “حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والعمل على تدمير تلك الأسلحة “وتم فتح باب التوقيع عليها في10ابريل 1972، ودخلت حيز التنفيذ في 26يوليو 1975 بعد إيداع صك التصديق الثاني والعشرين عليها”. وحتى الأول من كانون الثاني عام 1997 كانت 140 دولة (من بينها الأعضاء الدائمون الخمسة في مجلس الأمن) أطرافاً فيها.

وأخيراً تم اعتماد اتفاقية عام 1997 بشأن “حظر الألغام المضادة للأفراد وتخزينها وإنتاجها ونقلها وتدميرها” المعروفة بـ معاهدة (أوتاوا) والتي تأتي كرد فعل دولي للمعاناة التي تسببها هذه الألغام على نطاق واسع، والتي لا تميز -بسبب طبيعتها-بين المدنيين والمقاتلين أو التي تسبب معاناة لا مسوغ لها أو إصابات مفرطة،

وعُرِضَت الاتفاقية للتوقيع في (أوتاوا) يومي 3 و4/ مايو/ 1997. وتتألف الاتفاقيات الدولية التي يتكون منها القانون الدولي الإنساني من عدد وفير من القواعد التي تعرض بعبارات دقيقة التزامات الدول، وهنالك فوق هذه الأحكام المحدودة عدد من المبادئ التي ينبثق منها مجمل القانون، وأحياناً نجد المبادئ مصاغة بوضوح في الاتفاقيات، وأخرى نتحرّاها بدقّة في النص فتكون ضمنية وتعبّر عن جوهر القانون، بل نراها في بعض الأحيان وقد استمدت جذورها من العرف.

وقد صيغت مبادئ القانون الدولي الإنساني لأول مرة عام 1966، وذلك على أساس اتفاقيات جنيف لعام 1949، وقد أُعيد النظر في تلك المبادئ في ضوء البروتوكولين الإضافيين لعام 1977(20).

وتم مؤخراً صياغة المعنى الدقيق لمصطلح القانون الدولي الإنساني بعد أن تم تعريف هذا القانون في الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في 8 يوليو عام 1996 بناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة(21)، إذ تُمَثّل المرة الأولى التي يطلب فيها إلى قضاة هذه المحكمة أن يحلّلِّوا قواعد القانون الدولي الإنساني بقدرٍ من التفصيل.

إذ أن الفتوى توضح (أن هذا الفرع من القانون يتضمن القواعد المتصلة بتسيير الأعمال العدائية وكذلك القواعد التي تحمي الأشخاص الخاضعين لسلطة الخصم).

وأقامت المحكمة فتواها في تحديد هذا التعريف على أساس اعتقاد سائد يُبرز التطور التاريخي للقانون الدولي الإنساني، فالقانون المتصل بتسيير الأعمال العدائية {المسمى “قانون لاهاي”} بدأ نشأته في مجموعة من المعاهدات، بينما القانون الذي يحمي الضحايا {المسمى “قانون جنيف”} قد تطور بصورة منفصلة في اتفاقيات جنيف، وأن هذين الفرعين قد ترابطا معاً في وقت لاحق في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، لِيكَوّنا مجموعة قانونية واحدة.

والواقع أنه لم يكن هناك مطلقاً تمييز بين (قانون لاهاي) و (قانون جنيف)، إذ يتضح من الكتب القانونية الأولى والمعاهدات التي سبقت اتفاقيات جنيف إن قوانين الحرب وأعرافها في تلك الحقبة لم تتضمن أية قواعد لحماية الأشخاص الخاضعين لسلطة العدو، ولا سيّما أسرى الحرب، وسكان الأراضي المحتلة.

وفي المقابل تضمنت اتفاقيات جنيف جوانب القانون المتعلقة بتسيير الأعمال العدائية، أي حظر مهاجمة الوحدات الطبية، وأفراد المهن الطبية، والأشخاص الذين لا يشاركون في القتال بسبب المرض أو الجرح (وهذا العنصر الثاني هو أحد عناصر القاعدة العرفية التي تقضي بالإبقاء على حياة العدو). لذلك فإن أثر البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 لم يكن إيجاد مجموعة موحدة للقانون الإنساني، تتضمن هذين العنصرين للمرة الأولى، وإنما إزالة التمييز الذي كان دائماً اصطناعيا،

وأن هذه الحدود القائمة بين هاتين الوثيقتين القانونيتين راحت تتلاشى على كل حال. فالقانون الدولي الإنساني، بما يحوجه من معاهدات سواء تلك التي أُبرمت في لاهاي وأصبحت قواعد عرفية تلتزم بها الدول، أو تلك التي أُبرمت في جنيف، ما هو إلا مصطلح حديث يعبّر عن” قانون الحرب”، فمصطلح (الحرب) معروف منذ قرون، والحرب قديمة قدم الحياة على الأرض، ويُستخدم دائماً بكثرة في اللغة العامة،

أما في لغة القانون فاستخدامه قد قلّ منذ بضعة عقود، لأن الحرب في حدّ ذاتها قد أصبحت غير قانونية بموجب ميثاق الأمم المتحدة، ولو أن اللجوء إلى القوة -سواء سُمي حرباً أم لا -لم يختف، ولكن أصبح اليوم تعبير ” نزاع مسلح ” أكثر استعمالا.

وقد أعادت محكمة العدل الدولية تأكيد الطابع العرفي لاتفاقيات جنيف، وقد فعلت ذلك بالإشارة إليه في بيان بهذا الصدد تضمنه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة قُدِّم بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 808 عام 1993(25).

علماً أن نطاق الانضمام إلى هذه المعاهدات، كان مهماً لدرجة أن شروط نقضها لم تستخدمْ مطلقاً. وخلصت المحكمة إلى أن “هذه القواعد تبين ما يتوقع من الدول أن تتصرف وتسلك”

قد يعجبك ايضا