كيف يوظفون الدين المسيحي في الصراع (2) / علي حتر

نتيجة بحث الصور عن علي حتر

علي حتر ( الأردن ) الإثنين 2/4/2018 م …

دع ما لقيصر لقيصر




في نفس الوقت: بابا الفاتيكان له تأثير كبير، مما جعل هرتزل يحاول الحصول على موافقته في إنشاء إسرائيل عام 2004، لكنه لم يوافق له،  لتعارض إنشاء إسرائيل اليهودية مع الدين المسيحي، لأن الدين المسيحي يفترض تحول اليهود إلى المسيحية حتى يثبهم الله، رغم أنهم هم من صلب المسيح، ونظريا لا يمكن قبولهم كما يقول بولس في رسائله التي تعتبر أساسا نظريا وفكريا في المسيحية.

صراع المسحوقين مع الرأسمالية صراع لا يتوقف.. وإن اتخذ أشكالا مختلفة.. لأن الرأسماليين يريدون سوقا لهم ولمنتجاتها، وأدوات تُنفذ مخططاتهم، وجنودا يدافعون عنهم حتى الموت، وعمالا يبنون قصورهم، وحراسا لمصالحهم، وخاضعين يركعون أمام الكهنة المدافعين عنها، وحشودا تهتف لهم في المظاهرات.. وكل هذه الأعمال لا يتمكن الرأسماليون المرفَّهون أن يكونوها بأنفسهم.. فأنت لا ترى حارسا مليونيرا في باب شركة أو بنك.. أو مليونيرا يعمل حارسا شخصيا لملك أو أمير أو ملياردير.. أو رأسماليا مظليا يقفز وراء صفوف العدو ليدافع عن بئر نفط لا يملكه هو، بل شركة يملكها الرأسماليون..  

كل هؤلاء حاجة لا يمكن للرأسماليين الاستغناء عنها، لاستمرار الرأسمالية في السيطرة والهيمنة.. 

الدين المسيحي لا يحمل في كتبه وتعاليمه، الحث على العنف.. لأي سبب من الأسباب، لكنه يقول “دع ما لقيصر لقيصر”، مع أن التاريخ يشمل مواقف عنيفة خاضها المسيحيون ضد بعضهم، في أوروبا في القرن السابع عشر، كما يحوي مواقف خضوع لبعض المسيحيين للإمبريالية والرأسمالية، بنوا عليها عنفا لا يتماشى مع تعاليم المسيحية، وهو برهان من براهين توظيف الدين في الصراع، مثل تشكيل جيش لحد في جنوب لبنان لخدمة إسرائيل، أو مثل أفعال الكتائب وجعجع في لبنان ضد اليسار والفلسطينيين!!

الرأسماليون لا يكترثون بالدين، ولا بتعاليمه، وإن كانوا يسخرونه لدعم مواقفهم، ومن أسطع البراهين، أن مجرما مثل جورج بوش قال للأمريكيين إنه استخار الله في ضرب العراق، وكئان الله بجهل أن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل.

لكن الرأسماليين، يكترثون بالعدد الكبير من أتباع الدين البسطاء، الذين لا يفهمون العلاقة المعقدة بين تعاليم الدين وفلسفة الرأسماليين غير الفكرية: ترامب نموذجا)، الذين يفهمون هذه العلاقة، ويلتفون ويتحايلون على هؤلاء البسطاء للسيطرة عليهم، فالبسطاء هم السوق، وهم الجنود في الجيش المحارب للدفاع عن رأسمال الرأسماليين، أو الذين يحتلون آبار النفط، والشرطي الذي يحرس بنوكهم، ويمنع المسحوقين من سرقتها، والمحقق الذي يعذب رافضي الاستغلال في أقبية التحقيق.

بسبب الطبيعة السلمية لأتباع الدين المسيحي البسطاء، يجد الرأسماليون أنفسهم أمام عدة مسائل معقدة، يجب التعامل معها:

كيف يمكن عزل المسيحي في المنطقة عن الصراع، فيلجأ إلى مقولة “إن حربي ليست في هذا العالم”، وهي المقولة التي تَمَكّن الغرب من نشرها بين المعمدانيين والإنجيليين في المنطقة، تحت فكرة أن الآخرة هي الأهم، وأن فكرة الوطن الأرضي ليست صحيحة، وأن المهم هي الوطن الأخير بعد الموت.

وتطلب أمريكا من المسيحي في منطقتنا، ألا يكون منحازا، وأن يهتم بالآخرة فقط، والوقوف موقف المتفرج.. لأن من يضربه على خده الأيمن، يجب أن يدير له الخد الأيسر حتى يرضي الله!!

وحين زارت غريس هالسل، المسيحية الأمريكية كاتبة كتاب النبوءة والسياسة، اكتشفت الحقيقة ورأت وكتبت كيف كان اليهود يمنعونها من مقابلة المسيحيين في وبارتها لفلسطين، حتى لا يشرحوا لها الحقائق.

والعقدة أن الرأسمالية التي تتكلم مع المسيحي الأمريكي تقول له: “كل شيء من أجل أمريكا”!!! أي أن المسيحي الأمريكي يعمل من أجل أمريكا في أمريكا، والمسيحي الإنجيلي يعمل من أجل الآخرة فقط في منطقتنا!!

وهنا تبرز مشكلة هامة، بل معضلة أولى:

هناك  مسيحيون من ابناء المنطقة يؤمنون بالوطن على الأرض، لأن تعاليم المسيح لا تتضمن نصوصا تلغي الوطنية.. فيخرج أمثال المطران كبوتشي وجورج حبش ووديع حداد وأنطون سعادة وعطاالله حنا وحنا عطالله ومناويل مسلم وحتى ميشيل الصباح البطريرك الذي رفض بيعهم مترا واحدا من الأرض، وغيرهم من البسطاء، فيضعون الغرب في مواجهة تحتاج إلى حل، يضمن عدم تهديد مصالحه في المنطقة، وعدم التصدي لإسرائيل، فما العمل؟؟

والمعضلة الثانية، هي أن المسيحي الأمريكي البسيط، أو الأوروبي المسيحي البسيط،  لن يتطوع تلقائيا في “داعش” أمريكية أو أوروبية، تدعو لخلافة بابوية في سورية، وتأتي بالانسياب الطبيعي إلى منطقتنا، مما يتطلب خطة ثانية بديلة لهما، وهذه الخطة تعتمد على تحويله إلى داعم من بعيد، بالمال والمواقف السياسية، لأن الرأسمالية لا تستغني عنه.

هي تبدأ أولا بإقناع المسيحي هناك، بضرورة وأهمية الوطن، (عكس ما تقوله للمسيحي في بلادنا) ثم تقنعه بالإعلام أن الصراع يهدد وطنه، وأن البعوضة الشرقية يمكنها أن تهدد الأسد الغربي، وأن عليه أن يدعمها في التصدي للوحش الشرقي،

وأن الوحش الشرقي عدو لدين الغرب، سواء بالدين الإسلامي أو بالإلحاد، وأن الله يعتمد علي الإنسان الغربي في الدفاع!

كما تُحول الصراع في وعيه، من صراع بين المستغِلِّ والفقير، إلى صراع ديني فقط!!

هو يريد من المسيحي الأمريكي دعم إسرائيل، ولهذا، هناك، هم يهتمون بالمتجددين

لأن المتجددين والمعمدانيين، ليس لهم قيادة مركزية كمرجعية،  بل يجري تقسيم الطوائف بحيث تكون كل منطقة تابعة لقسيس  معين.. يغدقون عليهم الأموال.. مثل القس جيري فالويل (الذي توفي قبل سنوات، وكان يرافق رؤساء الدولة في رحلاتهم) وغيره.. وهم أيضا يملكون حصصا كبيرة في شركات صناعة الأسلحة. 

مسألة القيادة الدينية المركزية مهمة جدا للرأسمالية وللصهيونية، يتبعها ضرورة مشاركة المجامع الكنسية في اتخاذ أي قرار هام يمكن أن يؤثر على الكنيسة.

الكنيسة الكاثوليكية يقودها بابا واحد، وفيها مجمع مُكون من مئات، لا يمكن للصهيونية أن تخترقهم كلهم.

والكنيسة الأرثوذوكسية أقل مركزية، لكن ليست فردية مثلها. 

أما المتجددون، ليس لهم حتى مراجع مكتوبة وهم يعتمدون على القساوسة وعلى ما يقول كل واحد منهم شفهيا في كنيسته!! ولهذا هم قابلون للاختراق!!

وبالتعاون مع الرأسمالية اليهودية، يبحث الرأسماليون الغربيون مالكو الشركات والبنوك، في كتب الدين، عن مسائل تستغل جهل المسيحي الغربي، وهم الذين طبعوا الكتب المقدسة بأنفسهم، فيجدوا أن هناك نقطة قابلة للاستغلال، وهي “فكرة عودة المسيح عند المسيحيين” و”مجيء المسيح المنتظر عند اليهود”…

رغم التناقض بين المجيء لأول مرة والعودة، إلا أن الإعلام يقنع المسيحي الأمريكي أن يساعد اليهود، لأنه ينتظر مثلهم المسيح، فيدعم إسرائيل لأنه يشاركها فكرة انتظار المسيح،

ويهود جهابذة الفكر الصهيوني له: “نحن وإياك ننتظر المسيح، وعندما يأتي نتفاهم إذا كان مجيئه عودة أو مجيئا لأول مرة، فادعمنا”!!

فيمد المسكين الساذج يده إلى جيبه، ويدعمهم، رغم أنهم لا زالوا يعادون المسيح بكل قوة..

وإذا أرسلوا مسيحيا من جنودهم، وتساءل عن سبب ذهابه إلى حرب خارج الولايات المتحدة، أي خارج وطنه، يقولون له: “دافع عن رفيقك ولا يقولون له: اخدم رأسمال من أرسلك”..

وتلتقي في الجزء الثالث الخاص بتوظيفهم للإسلام في الصراع.

قد يعجبك ايضا