بحث هامّ … الاعلام : بين صناعة الوعي و سلطة التجهيل / إيمان شمس الدين

إيمان شمس الدين ( لبنان ) الخميس 28/12/2017 م …




حركة التطور التاريخي في الفكر البشري يمكن دراستها بعدة طرق أحدها تطور الأدوات و الوسائل التي يُمارس بها تطوير مسيرته الفكرية ونمطحياته اليومية، بل يستخدمها في صناعة الوعي الاجتماعي ، أو تجهيله والهيمنة عليه لتمكين سلطوي نفوذي على المقدرات والعقول.

وعلي طول الخط التاريخي الزمني والمكاني هناك تطور في الوسائل ،الأدوات وحتي في الأفكار، وبعد الثورة الصناعية لعب الإعلام دورا بارزافي إدارة معارك العقل والوعي كما إدارة الحروب.

وما سنسلط الضوء عليه هو دور الإعلام في صياغة الفكرة والعقل والتجهيل والوعي ، وكيف لعبت وسائل التواصل الإجتماعي اليوم دورا بارزافي كشف كثير من التضليل الإعلامي والدور الذي يقوم به في صناعة الوعي أو تسويق الجهل من خلال رسمه لخارطة وعي تناسباستراتيجياته و خططه.

    الثورة الصناعية وخارطة الطريق:

طوال العصور الماضية من تاريخ البشرية لم تكن التكنولوجيا تدين للعلم الطبيعي في شيء بل كان العلم هو المدين لها بالكثير.

فدوما كانت مهارات الإنسان تتولد من حاجته لتسيير أمور حياته اليومية تحت مبدأ: “الحاجة أم الاختراع” ، حيث كان ضغط الحياة من حيث الوقت والجهد يدفع باتجاه ابتكار أدوات ووسائل جديدة توفرالجهد وتختصر الوقت وتلبي حاجة الإنسان الطارئة دوما ، خاصة مع ميل الإنسان الفطري للتجديد والابتكار.

استمر هذا الوضع حتى عصر الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر،بل ظل قائما في مجالات معينة طوال جزء كبير من القرن التاسع عشر. لكن الاكتشافات العلمية التي حصلت في القرنين السادسوالسابع عشر دفعت باتجاه فكري جديد يسخر العلوم الطبيعية للأغراض التكنولوجية ، بحيث لا تترك الكشوف التكنولوجية لبراعة الصانع الشخصية وتدريبه الفعال، بل تعتمد على نظرية علمية مؤكدة.

وكان الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون رائدا في هذا الميدان، حين دعا إلى نوع جديد من العلم، لا يكون هدفه إرضاء الطموح النظري للعقل البشري، بل يكون هدفه تحقيق سيطرة الإنسان علىالطبيعة والوصول إلى مزيد من التحكم في العالم الخارجي .

وكان بيكون بدعوته هذه يستشرف المستقبل قبل انكشافه حيث كان يعيش في جو سياسي واقتصادي يعطي مؤشرات هامة حول بدايات انهيار الإقطاع في أوروبا ، وظهور مجتمع تجاري ثم رأسمالي لهاحتياجات تكنولوجية هائلة تعجز عن الوفاء بها أساليب الصناع القديمة مهما كانت براعتهم.

وتدريجيا تقلصت قوى التفكير والإبداع وضاقت لتصبح مقتصرة علر دائرة صغيرة رأسمالية تملك زمام الأمور الإقتصادية وصناعة القراراتالسياسية ، وتطلب منها ذلك تحويل الإنسان في المجتمعات الغربية من إنسان ماهر يستخدم مهاراته اليدوية ليطور من نمط حياته ويطور منخبرته بطريقة تكاملية بين الخبرة والممارسة ، إلى شيء يسعى دوما دونما شعور للتسويق لذاته كي يغطي حاجياته الوهمية التي صنعها لهالرأسماليين ضمن خطة الهيمنة على الطبيعة .

فالرأسمالي حينما وجد نفسه أمام مأزق الحاجة لزيادة التسويق لما ينتجه لجأ للهيمنة على الإعلام ليرسم النمط المعيشي الذي يجب أن تكونعليه حياة المجتمعات الغربية، فصنع لها حاجات وهمية افتراضية حولها لضروريات ضمن خطة صناعة الوعي بخلق شخصية الفرد ذو البعدالواحد ذو الشخصية التسويقية فهي شخصية بلا ذات تفتقر للمشاعر والحاجات الإنسانية الأصيلة ، شكلها أجهزة المونتاج والإعلام الرأسمالي.

    الاعلام من التمكين إلى التجهيل بصناعة الوعي:

لقد ساعد تطوير أجهزة الكمبيوتر في نهاية ستينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة والتي قامت على توصيل مراكز الكمبيوتر المتوافرة فيالمنشآت العسكرية ببعضها ، وذلك للمشاركة في البيانات المتوافرة لديها. ساعدت هذه الفكرة على تطور أجهزة الاتصالات الأخرى وأدتتكنولوجيا الرقميات إلى تطور ما يطلق عليه بالأطباق الفضائية، التي تستقبل بث التلفزيونات من مختلف بقاع المعمورة ليتحول العالم تدريجياإلى قرية واحدة بعد فكرة العولمة ودخول الإنترنت على خط الاشتغال الإعلامي وتصبح المعلومة التي كان يبذل الجهد في سبيل الحصول عليهاإلى شيء سهل المنال في أي وقت وزمن وبكبسة زر دون أدنى مشقة ولكن أيضا دون أدنى تحقق وتمحيص لمدى صدقها .

فالاعلام في الغرب كوسيلة مهمة في النظام الرأسمالي تم تسخيره للقوى الاقتصادية الرأسمالية في الهيمنة على وعي المجتمعات الغربية ، فكانتالمراحل كالتالي:

المرحلة الأولى : التمكين:

وهي مرحلة بناء جسور الثقة بين السلطة والجمهور من خلال التركيز على مصداقية الحدث ونقله كما هو ، بعد أن صنعت هذه القوى لهامؤسسات إعلامية ضخمة احتكرت الساحة الإعلامية ومن ثم احتكرت الحدث والخبر والإعلانات من خلال منظومة رأسمالية كان لها رجالها الذينيهيمنون على المقدرات البشرية والطبيعية وعلى صناعة القرار.

هذه المؤسسات الإعلامية مارست دور العقل الجمعي من خلال خطة طويلة الأمد في صناعة وعي الجمهور بسياسة التجهيل، حيث احتكرتمصادر المعلومة والعلم، ورغم تعدد وجوهها البارزة في المجتمع في شبكات عنكبوتية لها أسماء مختلفة إلا أنها كانت تعود في حقيقتها لعقلمدبر ومدير واحد، يرسم لها استراتيجياتها المعرفية وما يجب أن تقدمه للجمهور مواكبة للاستراتيجيات الاقتصادية الرأسمالية والاستراتيجياتالسياسية الرامية للهيمنة والاستعمار وإن بطرق مختلفة تتناسب وكل مرحلة ، فمن مرحلة الاستعمار العسكري تبدل خطابها إلى مرحلةالاستعمار العقلي المفاهيمي والثقافي والفكري اليوم حيث تبدل الخطاب والأدوات بما يناسب مرحلة الهيمنة الجديدة.

إضافة لتشكيلها نمطية الشخصية التي يجب أن تكون عليها الشخصية الغربية في المجتمعات بما يتناسب وثقافة الإستهلاك وتشيء الإنسانليتناسب مع خطتها في التسويق، فرسمت له حاجات وهمية كحاجات ضرورية، وحولت نمط حياته الخلاق بالفكرة من خلال مهاراته التي منبعهاالحاجة الحياتية ، إلى شخصية ذات بعد واحد لا تفكر بقدر ما هي تنكفيء على ذاتها بهدف التسويق لذاتها في السوق الانتاجية ، وما يتطلبه هذاالتسويق من حاجيات توفرها تلك العقول المدبرة والمنتجة الماسكة بزمام أمره دون وعي.

فنمطت المجتمع كله بنمط واحد في المعيشة وطريقة رسم الأولويات ، والحاجات الضرورية بطريقة هيمنت بها على واقعه فبات لا يرى خارجهأي حقيقة وواقع أخر ، حتى رسمت له أعداؤه الوهميين وأصدقاءه الوهميين، ورسخت في ذهنه ثقافة الغلبة والاستعلاء على الشعوب الأخرى ،بحيث بات يصدق أنه الأقدر والأجدر والأكثر عقلانية وقدرة. لذلك هو الوحيد الذي يملك الحق في قيادة العالم تحت شعارات التحرير والحريةوالديموقراطية ليخلص البشر من الهيمنات الإيديولوجية والدينية كونه يدرك من خلال العصور الكنسية وممارسته ،تجربته الدينية التاريخيةخطورة الدين على الحياة،فعمم التجربة وانطلق على ضوئها كمخلص ومحرر للبشرية ، والواقع أن هذه القناعات الوهمية تستبطن له عبوديةمطلقة، وسعي مستديم نحو الهيمنة عليه باستخدامه كأداة للهيمنة على غيره في صراع بين الضعيف والقوي. بعد أن آستاطعت العقول المديرةلهذا النظام الوحشي الرأسمالي في لحظات ضعفنا أن تهمين على عقولنا وثرواتنا تحت طأة الانبهار الحضاري في ظل انغماسنا بحلظات الانهيارالحضاري وانسحاقنا تحت عجلة الديكتاتوريات التي صنعتها تلك القوى لنبقى عاجزين ضعفاء منبهرين منشدين لها.

فبدأت المسيرة في الغرب بتكريس القدرة أي قدرتها على الوصول إلى كل منطقة حدث وخبر بحيث يكون لها دوما السبق، وأيضا بتكريس الثقةفي دقة نقل المعلومة وصدقها وكان ذلك في مرحلة النهضة والثورة الصناعية وقبل نظرية السيطرة على الطبيعة وتشييء الإنسان.

بعد مرحلة التمكين ببناء جسور الثقة وبسط القدرة والسبق الاعلامي، بدأت مرحلة جديدة .

المرحلة الثانية: الاستيلاء:

وهي مرحلة الاستيلاء على العقول وتكوين المصدرية الوحيدة للمعلومة والخبر ، ولنمط الشخصية التي يجب أن يكون عليها الفرد الغربي ، وبعدنجاحها في الاستيلاء على العقل الاجتماعي للأفراد ، وقدرتها على بسط نفوذها الإعلامي وصناعة الحدث وفق ما تريد استراتيجياتها ، جاءتالعولمة الإعلامية لتحول العالم لقرية صغيرة تنتقل فيه المعلومات بين الجميع بسرعة البرق، كان الهدف هو نقل خبرتها الطويلة في ساحاتصناعة الوعي بالتجهيل في الغرب إلى عالمنا، حيث المطلوب هو عملية استنساخ للشخصية الغربية كاملة تتحول فيها الشخصية الفرديةوالاجتماعية في العالم العربي والاسلامي إلى شخصية مستنسخة عن الشخصية الغربية في طريقة العيش واللباس والأكل دون التفكير، لتوفربذلك أسواق جديدة استهلاكية تروج فيها لما تنتجه من جهة ، ولتعيد صياغة الوعي العربي والاسلامي وفق استراتيجياتها بعد أن فشلت فيالهيمنة العسكرية التي لم تثمر إلا مزيد من المقاومة والرفض لها ولكل ما ينتج منها نتيجة شعارات المقاطعة والفوبيا من كل ما هو غربيوأمريكي ، في ظل ما مارسته تلك الجيوش المستعمرة من ممارسات وحشية أثمرت رفضا مستنيرا بالمقاومة في مرحلة من مراحل الأمةالثورية.

فلم تستكين ولجأت لأفكار استعمارية أكثر نجاعة بعد أن اطلعت على متانة العقيدة التي يمتلكها الفرد في العالم العربي والاسلامي، ومتانة الارثالثقفاي والتاريخي الحضاري الذي دوما ما يشكل مرجعية ناهضة له، فعملت على اللجوء لعملية هدم ممنهج بالاحلال المفاهيمي والفوضىالثقافية الخلاقة بعد العلولمة التي كانت من أهدافها الاستعمار الثقافي واختراق الهوية وتذويبها وإحلالها بهوية مرسومة وفق متطلبات الغزوالاستعماري دون جيوش وعسكر.

بعد أحداث ١١ سبتمبر تحولت الآلة الإعلامية لصناعة الحدث العالمي وفق إرادتها وأطلقت الحملة على الإرهاب دونما تحديد لماهية هذاالارهاب، في استعداء واضح لثقافة الرفض والممانعة بخلطها بمفهوم الإرهاب ومن ثم الانقضاض على العقل وخاصة الجماهيري بمحطاتإعلامية ضخمة التمويل والتهويل ، تحالفت فيها شخصيات إعلامية لها جمهور عريض مع سلطات مالية ودينية استطاعت أن تشرعن وجود هذهالمحطات وتضم لها جمهور كبير ، بداية بمرحلة تمكين استقطابية تمثلت في استخدام كل الحواس في جذب هذا الجمهور في معارك كثيرة كانتبداياتها ثقافية وقومية ، وتركز على قضية جامعة مركزية هي فلسطين، ومع كل مرحلة كانت تتبدل الأدوات والمفاهيم وفق مستلزمات المرحلةفي معركة كي وعي هذا المحيط وصناعة وعي جديد تراكمي تصل به في النهاية إلى مرحلة الاستيلاء الكاملة والهيمنة بصناعة وعي جديد يحققلها استراتيجياتها في المنطقة،التي تتناسب وعقلية الاستعمار والهيمنة.

فكان الاعلام يتواكب مع حملات سياسية ودينية تكرس مفاهيم يطرحها الاستعمار كمحور الاعتدال ومحور الشر والارهاب وخلطه بالمقاومةوغيرها من المفاهيم التي واكبها الاعلام وقام بصناعتها في وعي الجمهور وسخر لذلك الفتاوى التي تكرس ذلك لفهمه لنمط العقلية العربية التيتهيمن عليها الثقافة الدينية التقليدية الموروثة وليست العقلانية العلمية.

وبذلك استولت هذه القوى من خلال هذا الاعلام الموجه والمدعوم ماليا وسياسيا ودينيا علي عقول الجماهير، وصنعت لها منظومة مفاهيميةجعلت من الهوية شخصية هلامية غير واضحة المعالم وكرست هلاميتها من خلال غمسها في تراشقات مذهبية كرست من تجهيلها وعمقت الهوةالمعرفية بين أطياف المجتمعات المختلفة ، ببناء عوازل وهمية منعت من التعارف ومارست التضليل والتجهيل والذي نتج عنه الانكفاء علىالذات وخلق شخصية أحادية البعد تعيش في صندوق معرفي سطحي عن الآخر حيث كرست بالفتوى التكفير، وأُلغِى دور العقل في السؤال نتيجةمنهجية التلقين المعرفي النمطي الطويلة الأمد التي مارستها الديكتاتوريات على مدى عقود من الزمن وكرستها في مناهجها التعليمية ، والأسرية التي استلهمت نفوذها من السلطة الأبوية والنظام الرعوي في الحكم .

المرحلة الأخيرة : التجهيل بصناعة الوعي :

لم تكتف وسائل الإعلام ومن وراءها بعملية الاستيلاء هذه بل قامت بجهد كبير في صناعة وعي الجمهور من خلال تجهيله أولا وكي وعيهوتنميط عقله وتحويله لشخصية أحادية التفكير ، ثم بعد ذلك بنت على ذلك وعيه الجديد وفق استراتيجياتها الاقتصادية والفكرية والسياسية،فتحولت أغلب المجتمعات العربية تحت ضربات الحداثة والعلمنة إلى مجتمعات استهلاكية شبيهة في نمط معيشتها بالمجتمعات الغربية، بعد أنكرس الاعلام ثقافة الانهزام النفسي في وعي العربي وكرست غلبة الغرب في كل شيء كفهم قهري غير قابل للنقاش، وتحول مفهوم الحضارةوالحضاري من منجزات معرفية حقيقية منشؤها السؤال وأدواتها العقل والحوار وأولياتها العدالة والكرامة ورفض الهيمنة والاستعمار، إلىحضارة الصناعة والرأسمالية والاستهلاك والتقليد في اللباس والمسكن والتعليم وكل ما يمكن التشبه به بالواقع الغربي حتى استيراد الأفكار حولالدين ونظام الحكم لتلبيسها لعالمنا المختلف في الهوية والقواعد الفكرية والثقافة والقابليات.

فبتنا نخوض صراعات ثقافية وجدليات فكرية غرقنا فيها دونما أسس للمقايسة منطقية تنطلق للانفتاح على الآخر والاستفادة منه دون مسخلهويتنا وإرثنا الثقافي، بل انطلاقة الذي يريد الانقضاض على كل تراثنا ومسخ هويتنا تحت دعاوي التحديث والحداثة والتمدين، بينما يرزح أغلبالشعوب تحت أنظمة ديكتاتورية قهرية هي صناعة الغرب المتحضر.

لا ننكر أبدا كيف فتحت لنا الحضارة الغربية أبوابا لإعادة النظر والتمحيص والغربلة ، لكن الانفتاح لم يكن هدفه التلاقح الفكري والحضاريواحترام الاختلاف وهوية المختلف، بل هدفه الهيمنة الحضارية والاستعلاء والاحلال الثقافي لكل منجزاتنا وتاريخنا وهويتنا.

لذلك لعب الاعلام المرئي دورا كبيرا جدا في إحداث بلبة مفاهيمية من جهة ومذهبية من جهة أخرى ساند بها التغلغل الاستعماري وهيمنةمفاهيمه على العقول، وعسكرتها مذهبيا حجبا للمعرفة وتكريسا للفرقة وتضخيما للصراع وصناعة للوهم من خلال اختلاق أعداء وهميينوتوجيه السلاح باتجاهات مغايرة للواقع وليست باتجاه العدو الحقيقي.

وكان من أهم أسباب نجاح هذا الاعلام هو إمكانياته الهائلة ومواكبته لكل جديد وقدرته على توظيف طاقات الشباب توظيفا جاذبا استقطابيا، وبدفعمقابل مادي مغري في ظل ضنك معيشي يعاني منه المجتمع العربي والاسلامي، هذا إضافة لخطابه الجاذب في ظاهره والذي استطاع أن يطوعالدين في طيات خطاباته الممتزجة بمفاهيم غير واضحة وملتبسة وظفت دينيا لتلقى لها صدى في عقول الجمهور.

    آليات المواجهة والمقابلة: مراوحة أم مقابلة

التضليل وسيلة ناجعة ومواجهته لا يكون بمواجهته المباشرة كون المواجهة المباشرة قد تكرس من وجوده وتزيد من مريديه تحت شعارالمظلومية في ظل انتشار عميق للتجهيل وهيمنته وقدرته على صناعة الوعي وانقسام مذهبي إثني عميق، فمواجهة هكذا مشروع لا يكون فيقبال التضليل إلا المعرفة وإنتاجها بوسائل متطورة إعلاميا وبخطاب عالمي يترفع عن المذهبيات وعن الإيديولوجيات وعن الانتماءات بكافةأشكالها.

اليوم الاعلام المقاوم لا يعني فقط الترويج لمفهوم المقاومة العسكرية ضد النظام العالمي في الاحتلال، وإنما هو بناء منظومة ثقافية حول مفهومالمقاومة في كافة مراتبه الثقافية والفكرية والاجتماعية والاستهلاكية والاقتصادية والعسكرية لتشكل منظومة حياة مقاومة في مواجهة منظومةالاستعمار والهيمنة بكافة مراتبها وأدواتها، ففي قبال الترويج لثقافة الاستسلام والانهزام النفسي الموهوم الذي صنعته الآلة الاعلامية للاستعماربأدوات داخلية نحتاج بناء ثقافة البقاء والقدرة والمبادرة والتضحية لأجل الكرامة وهو ما يتطلب التالي:

== مواجهة الذات ونقدها داخليا

== بناء منظومة معرفية منتجة على مستوى الواقع والفعل الاجتماعي وساحات العقل.

== خطاب استقطابي بديل مؤسس لثقافة المقاومة كمنظومة معرفية قادرة على المواجهة وطرح البديل.

== مظلة المقاومة الجامعة التي تعمق من حالة الرفض للعبودية والهيمنة وتؤسس لقيمة الحرية كقيمة غائية تحقق قيمتي العدالة والكرامة ، حيث تعزز قيمة الكرامة من حالة الرفض النفسي لكلما يخالف كرامة الإنسان وترسخ مبدأ العزة والغلبة لا بمعناها السلبي المستدعي لحالة الاستكبار ، بل الغلبة من باب التواضع وحفظ كرامة الإنسان المحقق لتوازن القوى المانع للاستضعافبنظام مستكبر.

== اختراق ساحات الغرب إعلاميا بنفس الأدوات والمنهج ولكن وفق مبدأ الصدق ونقل الواقع كما هو ، وكشف الحقيقة بلغة المجتمع الغربي وأدواته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ،التيفتحت الفضاءات اليوم لنقل الحدث كما هو واخترقت نظام احتكار المعلومة وصناعة الحدث وفق رغبات الساسة ، بل أجبرت وسائل إعلام كبرى على نقل الحدث كما هو في كثير من الأوقات ،فخرقت فضاءات مغلقة صنعها ساسة الغرب للهيمنة على عقول شعوبهم بدعوى الحرية والشفافية،وما حرب غزة الأخيرة وزيادة سخط الشعوب الأروبية على الكيان الصهيوني إلا نتيجة غالباهذه المواقع .

اليوم معركتنا الإعلامية معركة شرسة على كافة الأصعدة في ظل نظام القرية الواحدة والمعلومة السريعة ، فهي معركة ثقافية فكرية تكنولوجية ، هي باختصار معركة أدمغة تتطلب تسخير كل طاقاتنا فيمواجهة عدو لا يؤول جهدا في تدمير كل مكتسباتنا في كل لحظة وتحويل انتصاراتنا لهزائم ، من خلال ضرب وحدتنا الداخلية وتشويه ماضينا بتلويث حاضرنا من خلال استحضار الماضي للاقتالالحاضر، رغم ما يحمله ماضينا من زخم حضاري هائل ، لكنه يتم استجلابه بطريقة مذهبية ركزت على الفروقات وأهملت كم التلاقي كون منطقتنا تضح بتراثها وآثارها بالدلالات والأدلة على حضورجميع الأديان ،المعتقدات في بقعة جغرافية صغيرة وغنية بالثروات المادية والمعنوية ، وتدلل في كثير من ثرواتها وآثارها على ما تزخر به من كم التعايش والتسامح بين أطياف شعوبها المختلفة ،وهي نقطة قوة يتم إضعافها اليوم من خلال التطرف ونسف كل آثارنا وتراثنا على يد فئة ضالة أخذت من الاسلام قشورا تلبست به عقلها ونهجها وألبسته لتاريخنا لتنسفه في حفلة جنون وسكر غيبفيها العقل والمنطق أمام شبه استسلام كلي للنخب والعلماء.

إننا أمام مسؤولية تاريخية يلعب فيها الإعلام دورا محوريا في تبيان الحقيقة، ومواجهة كل أدوات الضلال والكفر والتجهيل والتضليل ومحاولات صناعة وعي بكي وعينا ، وعي جاهلي يتناسبومشاريع الهيمنة والاستعمار.

المواجهة الاعلامية اليوم لا تحتاج مهادنات ومراوغات ومجاملات ، بل هي معركة تحتاج جرأة مواجهة ورفض لكل محاولات الفتنة والتضليل، مواجهة لكل محاولات الفساد والإفساد، مواجهة لكلمحاولات قلب المفاهيم وتمييع الهوية،مواجهة لكل محاولات الاحلال الهوياني والثقافي بل مواجهة بمشروع مقاوم يكرس حالة الرفض والعزة والأنفة بأدوات عصرية قادرة على المواجهة والاحلالوالكشف لصناعة وعي حقيقي ليس مزيف.

مسؤوليتنا التاريخية اليوم تقتضي منا تفعيل المشروع الاعلامي المقاوم بكل ثقله ، وإلا وصلنا لمرحلة انسداد تاريخي سيحدث انفجارا حقيقيا قد نكون نحن آول ضحاياه، بل سيكون كل إرثنا وتاريخناوراهننا ومستقبلنا ضحية تلعننا الأجيال عليها.

[email protected]

قد يعجبك ايضا