جيوش ثماني دول عربية تضلّ طريق فلسطين نحو اليمن السعودية

 

كتب المحرر السياسي لجريدة البناء اللبنانية ( الجمعة ) 27/3/2015 م …

*هذه الدول تضع مستقبل نظامها ودورها في مهبّ ريح الـ«عاصفة»

*الحريري يلتقي أردوغان برسالة من سلمان لحثه على المشاركة في الحرب

منذ سبعين عاماً والعرب ينتظرون سماع الخبر، وفي فلسطين خصوصاً، لم يكن أحد لا يحمل هذا الحلم، أنه في يوم ستأتي كلّ هذه الأموال والأسلحة، وبالتالي الجيوش والحكومات ستتحد، وعندما يحدث ذلك على الفلسطينيين أن يشعلوا الشموع ويرفعوا الرايات، لأنّ وجهة الجيوش لا تحتاج إلى تفتيش وتدقيق فهي حكماً ستكون فلسطين.

حدثت المفاجأة ونزلت نزول الصاعقة على شعب فلسطين، فقد حشدت ثماني دول عربية جيوشها وطائراتها وشكلت غرفة عمليات لكنها ضلت الطريق نحو اليمن بدلاً من فلسطين.

لم يكن خطأ المسير بل خطأ المصير، فقد فعلها الحكام وهم يعرفون ما يفعلون، وجلس وزراء خارجيتهم في اجتماع رسمي، وبعد عزف الأناشيد الوطنية تناقشوا وقرّروا، أنّ اليمنيين يجب تأديبهم كي تصبح طريق فلسطين سالكة، والتهمة أنهم وحدهم من دون سائر العرب لم يتركوا مناسبة لفلسطين إلا قاموا بإحيائها.

بدأ مسار جديد في تاريخ المنطقة مع القرار السعودي ببدء الحرب على اليمن، وتشكيل حلف عربي إقليمي لهذه المهمة، بدعم أميركي وبيان ترحيب «إسرائيلي» خاص.

الاستغراب الشعبي يحيط بصورة رئيسية بموقفي مصر والسودان، حيث لا تفسير للانخراط في الحرب المستغربة، التي صار العرب فيها مستعربة، إلا المال الخليجي الذي يدفع ثمنه المصريون والسودانيون من كرامتهم، ويتورّطون في حرب سيدفع اليمنيون ثمنها من دمائهم وعمران بلدهم.

بعد الغارات الأولى، توقع السعوديون ثلاثة أشياء، نهوض عسكري سريع تقوده جماعة الرئيس المستقيل منصور هادي، يغيّر موازين القوى في الميادين، انهيار في معنويات الجمهور المؤيد للحوثيين، والثالث إصابة منظومات القتال اليمنية في مقتلها، وخروج كتل أساسية منها من المعركة.

حدث العكس تماماً، فلم تسجل إلا اشتباكات تقليدية خفيفة على خطوط التماس التي نشأت بين المحافظات التي تتقاسم السيطرة عليها الجماعات المؤيدة والمعارضة في جغرافيا واحدة أو متقابلة، من دون حدوث تغيير على الأرض، وفي المقابل خرج الملايين من اليمنيين في تظاهرات حاشدة ملأت شوارع صنعاء وساحاتها بدلاً من الإحباط، وثالثاً بدا أنّ الحوثيين في حال قتالية جديدة، وأنهم يحتفظون بأسلحة نوعية سيستعملونها عند التوقيت المناسب.

السيناريو الأرجح هو مرور الأيام الأولى من دون نتائج يُعتدّ بها، وصمود استثنائي للحوثيين، فيبدأ العدّ التنازلي للعناوين التي حدّدها السعوديون كهدف لعمليتهم، ويدخلون حرب الاستنزاف، وفي بالهم أوهام الخروج السريع من الحرب التي تبرّع السعوديون بفتح بابها لكنهم سيجدونها مقفلة في وجههم، ووقفوا يسترقون السمع خلف الأبواب أن تسكت، والواقع لن تسكت مغتصبة.

أمسك الحوثيون بشارعهم، ليتشاطر معهم التضحيات، وبدأ تحشيد الآلاف من المقاتلين، فيما شهد عدد من المدن بعض التوتر والاشتباكات، وكذلك دارت مواجهات عنيفة في أطراف عدن وفي مدن يمنية أخرى، وكلها يميل إلى الهدوء منذ منتصف ليلة أمس.

هي الحرب، وليست مهمة تفاصيلها، بقدر النهايات التي ستحملها عن التوهّم السعودي بنصر قريب وسريع، وما ستخفيه الحرب يوماً بيوم سيكون أعمق وأكثر تأثيراً مما كان عليه الشك بالهزيمة.

لبنان الذي قرّرت حكومته النأي بالنفس عن المحاور التي تمسك بالمنطقة، قرّر أن يدعو إلى الحوار بين الأطراف المتورطة بالنزاع، محليين أم غير محليين، فيما كان زعيم الغالبية النيابية الرئيس سعد الحريري يصل إلى تركيا موفداً من الملك سلمان، للمطالبة بالانضمام إلى الحلف المناوئ لإيران في المنطقة، وترجمة هذا الانضمام.

عاش لبنان أمس تحت وطأة العدوان على اليمن بقيادة السعودية وتراجع الاهتمام بالمسائل الداخلية بانتظار جلاء الوضعين العسكري والسياسي لما له من انعكاسات على مجمل الوضع في الشرق الأوسط.

 

 

قد يعجبك ايضا