عوامل تجعل دمشق ترفض المبادرة الروسية‎ / عباس ضاهر

سرية مطلقة حول حقيقة المبادرة الروسية والرد السوري بشأن مشروع التسوية. بعد عودة الوفد السوري من لقاء المسؤولين الروس، مضت بضع ساعات على الوصول الى العاصمة السورية حتى رنّ هاتف السفارة في بيروت يبلغ السفير السوري علي عبدالكريم علي بسفر نائب وزير الخارجية فيصل المقداد مجددا عبر بيروت. فُهم ان الجواب السوري جاء سريعاً على الطرح الروسي بشأن الحوار الذي تحضر له موسكو. لم يطلع احد على التفاصيل لكن ثمة مؤشرات توحي بعناوين الطرح والرد.

لم تعد دمشق تقبل بما كانت توافق عليه قبل أشهر. في الأسابيع الماضية سرت معلومات عن تحضير روسي لتسوية بشأن سوريا تقضي بتشكيل حكومة مؤقتة جامعة وتنازل عن صلاحيات رئاسية داخلية الى تلك الحكومة والتحضير لإنتخابات بعد سنتين يترشح لها أيضاً الرئيس بشارالأسد. حينها ردت دمشق عبر مصادر بأن لا موافقة على تقصير ولاية الرئيس ولا بت بالإقتراح الروسي بعد. فلماذا “تتغنج” دمشق؟

بدت سوريا أكثر إرتياحاً اليوم. حاولت ان تبرهن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك. إستندت الى واقع ميداني من حلب تحديداً. في العاصمة الاقتصادية السورية تدرّج سريع للجيش في استعادة زمام المبادرة. لم يعد هناك من وجود للبيئة الحاضنة للتطرف. في المدينة الصناعية مثلاً جرى اعادة افتتاح 280 مصنعاً من اصل 800، بعدما نجح الجيش السوري في التقدم. يُرصد ذلك أيضاً في ريف حلب الشرقي. لم يبق الا طريق واحد يوصل حلب بالحدود التركية خارج نطاق السيطرة السورية العسكرية للدولة. المشهد مشابه في ريف دمشق ودرعا. ما يعني الارتياح الميداني نسبيا عند الجيش السوري.

لم تعد سوريا اليوم مستفردة، بعدما فرض تنظيم “داعش” الاعتراف الدولي بالمخاطر. ثمة تعاون استخباراتي سوري-غربي وصل إلى اعتماد الغرب وتحديدًا الأميركيين على جهاز المخابرات السورية في الحصول على معلومات عن مواقع “داعش”. صحيح أنّ الجيش السوري ليس مسيطراً في الشمال والشرق حيث “الدواعش”.  لكن المعلومات تصل الى دمشق يوميا عن تحركات “داعش” ومواقع التنظيم وكيفية بناء المعسكرات والتحصينات. لم يعد سراً تسابق المواطنين السوريين القادمين يوميا من دير الزور والرقة ومنبج ومناطق اخرى حدودية على تقديم المعلومات الدقيقة للمخابرات السورية. تصرفات “داعش” شجعت المواطنين السوريين في تلك المناطق على التعاون مع الدولة المركزية. وبالتالي استفادت دمشق من توافر المعلومات لتوظيفها في التعاون غير المباشر مع الغرب.

لم يقتنع “النظام” حتى الآن بوجود معارضة فاعلة. الوفد السوري سأل المسؤولين الروس: من سنحاور؟ ماذا يمثلون؟ هل هم قادرون على اتخاذ القرار؟ ما علاقتهم بالعواصم العربية والغربية؟ الى اي مدى تستطيع موسكو ضبطهم لتصويب البوصلة في الحوار المطروح تحت سقف الرئاسة؟ وكيف سيترجمون معادلة المواجهة مع الارهاب؟

بالنسبة الى الروس المطلوب جلوس السوريين على الطاولة لإنتزاع موقف موحد ضد الارهاب. حاولت موسكو إقناع الوفد السوري ان مجرد جلوس المعارضين على طاولة واحدة الى جانب وفد الحكومة هو انتصار “النظام”، بإعتبار ان كل ما نادت به المعارضة سقط وبقي الرئيس والحوار تحت سقف وجوده.

طمأن الروس السوريين ألا تنازل عن دعم دمشق. عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ذلك في انقره بإستحضاره الدفاع عن الرئيس بشار الأسد “الذي فاز بإنتخابات شعبية”. مضمون كلام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن التباين بين موسكو وأنقره حول سوريا رغم الاتفاقات السياسية والاقتصادية التي وقعها الفريقان يؤكد جدية الروس في المضي حتى النهاية في دعم الأسد.

أساسا يُحكى في سوريا عن وصول معدات وآليات عسكرية روسية جديدة حديثاً  الى الجيش السوري. لم تصل صواريخ اس 300 بعد، لكن ما يحتاجه السوريون في معاركهم يصل دوريا من روسيا وإيران الى مرفأ طرطوس.

يرتاح السوريون تدريجيا بعد تراجع حدة المواجهة الدولية ضدهم. “داعش” بدلت من الأولويات. مصر تخوض المواجهة نفسها. العراق استعاد زمام المبادرة نسبياً على المساحة العراقية. اوروبا تخشى من تمدد العمليات الإرهابية اليها. الإيرانيون والغرب متجهون الى اتفاق تاريخي بدأت بشائره.

فهل تحتاج سوريا اليوم الى تسوية سياسية؟ ام ان الظروف الحالية تناسبها فتؤجل او تماطل بالحركة السياسية التي تطرحها موسكو؟ الا اذا وافقت روسيا على شروط دمشق التي فرضت أسبابها المتغيرات الاستراتيجية.

المسار الميداني السوري والسياسي الإقليمي والدولي يجعل دمشق تصل الى فرض شروطها حول الحوار المقترح روسياً. ما كان يصح منذ سنتين لا يصحّ اليوم بالنسبة الى السوريين. الموازين تتغير. من هنا يزداد منسوب التوتر التركي الذي لم يحد منه موقف الروس ولا كلام بوتين امام اردوغان.

قد يعجبك ايضا