دور الإسلام السياسي في تقويض العلاقة بين العروبة والإسلام / محمد شريف الجيوسي

الجمعة 20/10/2017 م




محمد شريف الجيوسي 

ثمة علاقة جدلية بين العروبة والإسلام ، باعتبار أن النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عربي والعرب هم الحملة الأوائل للإسلام ، وباعتبار أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم والعبادات ، وأنه بدأ وتمم على الأرض العربية ومنها إنطلق إلى العالم .

ولكن هل كان العرب قبل الإسلام كما يحاول أعداء العروبة أن يصوروا الأمور على جهالة مطبقة ، لا بد أن الله جل في عليائه عندما اختارهم لحمل الرسالة نبيا وأرضا ولغة وحملة أوائل لم يكن ( من فراغ ) ولعل من هنا جاء قول النبي ( ص ) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .. فمكارم الأخلاق موجودة من قبل وتم استكمالها ، وقوله خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام .. فثمة أخيار عرب من قبل أيضاً .

ولو أن وأد البنات كان شائعاً وغالباً بين العرب لفنوا ولما كانت قريش ولا غيرها من القبائل العربية .

لكن من الصحيح أن الإسلام اسهم في صهر القبائل العربية في بوتقة قومية حضارية ، وتم استيعاب الآخر في ظل بدايات الدولة العربية الإسلامية ، حيث لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى .. ولاحظوا أن الفضل بالتقوى ولم يحصره بالإسلام أو المسلمين .. فكانت مفردة التقوى هنا جامعة لكل من هو تقي في هذه الدولة وليست حكراً على المسلم دون سواه.

ولعل من المفيد ملاحظة أن الدولة الإسلامية بدأت بالإنحسار عندما تراجعت قيمياً ، عندما استفحل الصراع على السلطة ، وبدأ تراجع دور العرب في الدولة ، وانحدار أغلب ( الخلفاء ) الى الملذات وتقريب قيادات عسكرية تركية وفق مقاييس حذرة ، إلى أن انتهى الأمر بأن يعين القادة الترك خلفاء ضعافاً ، فكان قول الشاعر العربي :

خليفة في قفص  بين وصيفٍ وبغا

يقول ما قالا له   كما تقول الببغا

أو كما قال شاعر  :

ولكن الفتى العربي فيها  غريب الوجه واليد واللسان

فبدأت الدولة الإسلامية في غياب العنصر العربي مؤسسها الخبير بجوهر الدين واستيعاب مكونات الدولة ـ بالتشرذم والتفسخ والتناهب ، فسقطت ( الخلافة العباسية ) بسهولة أمام التتار ، وأصبح اعتناق الإسلام والحكم باسمه طريق الطامعين والطامحين والمستعمرين للإستيلاء على الأرض العربية وغيرها ، من المغرب حتى العراق ، من السلاجقة الى العثمانيين وقبلهم المماليك والأخشيدي والأيوبيين الخ ..

وقد أدرك الغرب الأوروبي أهمية الدين الإسلامي في الهيمنة باسمه على المنطقة العربية ، فاخترعوا الوهابية والإخونية ، والأحمدية والبهائية والقيديانية وغيرها ، لتفسيخ أتباع هذا الدين وبخاصة أتباعه العرب والكرد والفرس والأمازيغيين وخلق هوة مع أشقائهم العرب المسيحيين ، وإدخال مفاهيم طارئة متطرفة تكفيرية عليه ، فصنّعوا المنظمات الإرهابية ؛  ابتداءً بالقاعدة التي أنشأوها بذريعة محاربة الكفر في أفغانستان أواخر سبعينات القرن المنصرم ، فيما كان هدفها الرئيس إشغال العرب والمسلمين عن الكيان الصهيوني.

وكانت القاعدة المولدة الرئيسة الأولى للخلايا الإرهابية وتجسيد الفكر المتطرف في المنطقة ، وبذريعة الديمقراطية والحرية كانت النصرة وداعش وتفريخاتهما من العصابات الإرهابية التي توالدت كالجرذان لتقويض سورية العصية على التفريط بحقوقها وحقوق الأمة والمكتفية ذاتيا وغير المدينة والتي قرارها من صنعها ، والتي رفضت مطالب أمريكية في أعقاب احتلال العراق سنة 2003 ( الشروط ألـ 8 ) ورفضت مطالب خليجية بمصالحة إسرائيل ومد خط  للغاز القطري عبرها الى المتوسط للتكسيد على روسيا الاتحادية الحليف التاريخي ، كما أفشلت جهود تركية غير المشكورة لتوريط الدولة الوطنية السورية في التوصل إلى ما ( سلام ) مجحف ومشبوه  مع الكيان الصهيوني ، وإشراك الإخونيين في الحكم .

لقد عقدت أطراف من الإسلام السياسي اتفاقاً مع أمريكا في وقت مكبر من الألفية الثالثة ، لحرف بوصلة الصراع من مواجهة محتملة مع الكيان الصهيوني إلى صراعات مذهبية سنية شيعية وضد أتباع الديانات الأخرى غير الإسلامية وإلى صراع عربي فارسي .. في مقابل مساعدة أتباع هذا الإسلام الأمريكي باستلام الحكم في تونس وليبيا ومصر وفلسطين المحتلة سنة 1967 وسورية والعراق واليمن والأردن .. فكان ما زعم أنه الربيع العربي ، أو بالأصح الفوضى الخلاقة التي ( بشّرت ) بها (الغادة) السمراء كوندليزا رايس، او بيريس أو بوش الصغير ، الشرق أوسط الجديد او الكبير .

وهنا نستذكر ما قاله السيد الرئيس د. بشار الأسد مؤخراً، أنه مسلم وليس إسلاميا ، وهو تمييز دقيق بين المسلم التقي الصادق الذي يقوم بواجباته الإيمانية تجاه الخالق جل وعلا، وبين الإسلامي الذي يقوم بليّ عنق المفاهيم الإسلامية الإيمانية بحسب هواه ومصالحه الضيقة وأجنداته السياسية التابعة ، فينكر على المسلم محبة وطنه أو الدفاع عنه مكفراً إياه، والبديل بحسبه الدفاع عن الدين في ارض أخرى حتى لو كانت ارضه الوطنية محتلة ، وتقديم أولويات التباينات الجزئية (كما ايران) على التناقض الوجودي مع إسرائيل.

كما يبرر الإسلام السياسي الأمريكي ؛ الاستغلال والفوارق الطبقية الكبيرة ويحارب الإشتراكية بحجة الدفاع عن الملكية الفردية ، وهو تناقض جوهري مع القومية العربية الحضارية التي تأخذ بالنهج الإشتراكي .

ويغلّب الإسلام السياسي الأمريكي الفوارق والتناقضات مع أتباع الديانات والطوائف والمذاهب الأخرى ما يتيح للغرب ذرائع للتدخل كما حدث في أيام السلطنة العثمانية .. على  النقيض من العروبة الحريصة على صهر مختلف مكونات منطقتنا في بوتقة حضارية غير عرقية ولا عنصرية ولا احادية وإنما متعاونة متكاملة تعددية ؛ متساوية في الحقوق والواجبات .

ومن هنا لاحظنا أن مكونات الدولة ( الإسلامية ) في فترات غياب العنصر العربي ، وتسلم غيرهم أو تسلطهم على مقاليده ، لم تكن على تناغم وتعاون وانصهار وإنما تنافر ، وكان ينكل بالجميع ، العربي المسلم وسواه مع التشديد على العربي غير المسلم ، وعلى غير المسلم من المكونات التاريخية للأمة ، وهو ما هيأ ( في جملة أسباب أخرى ) الأرضية لوقوع الوطن العربي على التوالي تحت سيطرة المستعمر .

وجدلية العلاقة بين العروبة والإسلام ، لا تعني الركون إلى الأدعية التي تعمم على مواقع التواصل الإجتماعي وغيرها وأغلبها جهالية أو من صناعة مراكز دراسات صهيونية وغربية ، هدفها دفع العربي والمسلم والمشرقي إلى الركون للدعاء والوعود الغيبية الغبية بديلا عن العمل والعلم والجد والبحث ، واستبدال القيم الحاثة على إعمال الفكر والتبصر فيما خلق الخالق وما ينبغي فعله إلى الزهد الكاذب الكسول والركون الى الدعة والقعود بذريعة الإيمان بقضاء الله سبحانه وقدره ، والقول أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر على حد غبائهم ، فيما الله سبحانه في عليائه ، أعظم من أن يعاقب المؤمن بسجنه في حياته ، فيما الغرب والشرق يعمل ويجهد للتقدم والتطور في كل الحقول.

بكلمات ، إن ثمة فوارق جوهرية بين العروبة والإسلام السياسي الأمريكي الوهابي الإخوني التكفيري المتطرف ، في الأهداف والمفاهيم والأولويات والوسائل والسلوكيات ، ومحبتنا لله سبحانه وإيماننا وجدلية العلاقة بين العروبة والإسلام ، لا ينبغي أن تدفعنا للوقوع في فخاخ ومصائد من يستغلون الدين ويحرفون المسلم ( الذي أسلم وجهه للذي فطر السموات والأرض .. )  ليجعلوا منه إسلامياً يسلم وجهه لـ ترامب أو سواه من زعامات وأجهزة استخبارية غربية لم ترد يوماً ؛ الخير ، لأمتنا العربية بمفهومها الحضاري الإنساني الواسع.

[email protected]

عن ورقية وموقع جريدة البعث السورية 18 تشرين أول 2017

قد يعجبك ايضا