موسى حوامدة يكتب: كيف أكتب القصيدة

الخميس 19/10/2017 م …




الأردن العربي –

تأتيني القصيدة دفعةً واحدة،لكني لاحظت أنني أعيش قبل كتابتها لحظات صعبة، لحظات نزق أو حزن عميق،أو ما يشبه الحالة المرضية،يأتيني أسى كبير وكثير، وفيما بعد أعرف أن تلك الغيوم السوداء،كانت تباشير الكتابة،وحالما تندفع القصيدة، أجد نفسي مستعجلا للخلاص منها،تتدافع الكلمات والأفكار،بسرعة عجيبة في رأسي،وأكتب بسرعة،وكأني على موعد سريع مع نهاية القصيدة،وحالما أتخلص منها،أشعر بخدر شديد يسري في عروقي،ما يشبه الهدوء،لم يسبق لي أن كتبت متقطعا،أذكر مثلا أني صحوت من النوم يوم وفاة صديق لي،لم أذهب إلى دفنه، زرته قبل موته بأيام،احتضنته،وكنت أعرف أنه سيموت،لكني لم أستطع الذهاب إلى المدفن،وحينما استيقظت عصراً،بحثت عن ورقةوقلم حبر؛أي قلم، وكتبت حين يأتي الموت مرة واحدة.

كل قصائدي أكتبها مرة واحدة،ونادرا ما أغير على ما كتبت، وعادة ما أكتب على الكمبيوتر،حتى القصائد، منذ عام ألفين تقريبا،صرت أكتب على الجهاز،أما هذه القصيدة حين يأتي الموت فقد كتبتها على ورق مدرسي، وقصيدة عدمٌ يملأ اليقين مؤخرا كتبتها على ورقة،مع أن الكمبويتر كان أمامي، لكني وجدت نفسي أميل للقلم،دائما أكتب مرة واحدة، بلا توقف وبلا انقطاع، حتى أنتهي

في آخر قصيدة كتبتها، تناثري يا موسيقى الزوبعة ولم أنشرها بعد،كتبتها على ثلاثة مراحل؛في اليوم الأول من السنة كتبت أغلب مقاطعها، بدأتها:

سأدفعُ هذا العام

إلى العام الذي يليه

سأطويه بيدين من حرير

 ألملمُ أيامَه الغابرة

وأحرق لياليه بخوراً لحزن الأمهات.

وبسرعة فرغت من بقية المقاطع، ثم حفظت على الجهاز، ما كتبت، ولم أرجع له،

وأغلقت ملف القصيدة، وبقيت طيلة أسبوعين أسمع موسيقى كلاسيكية، ولما أعدت قراءة ما كتبت، وعند مقطع كان آخره سيمفونية العزاء، وجدتني أكتب عدة مقاطع عن الموسيقى:

أيها المايسترو الخفيف
شُدَّ وثاقَ النوتة أكثر
تغريني المساحاتُ البيضاء
صمتُ القبور
صخبُ الضحايا
هدئْ من روع الكمان قليلا
ولا تقاطع أنفاس الغيمة.
وكتبت عدة مقاطع جديدة عن المايسترو حتى وصلت إلى:
سلمتِ أنت يا غيوم الكونشيرتو
تدفعين قلبي للندى
تدفعين روحي للوسن
كم يحتاج الجريح
إلى بلسم طري
يسدي للسراب 
معروفا
وللحمقى شعوراً بالرضا
وللمهزومين مساحة في السيمفونية.
وكانت المقاطع التالية موجودة، وأغلقت الملف، وفي اليوم التالي، كتبت هامشا للقصيدة أسميته دعاء، هذه المرة الوحيدة التي كتبت فيها على ثلاثة مراحل، ولكن طبعا كانت القصيدة قد تبلورت منذ اليوم الأول.

عن بتـــانة نيوز

قد يعجبك ايضا