نهاية الحرب والمُستجد الكردي / حياة الحويك عطية

حياة الحويك عطية ( الثلاثاء ) 3/10/2017 م …




تظل دير الزور الرهان الأكبر، فمن سيرث داعش في 40% من نفط سوريا؟ وهنا يتمظهر الصراع بين قسد = الأميركي ( الخط الممتد بين ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الشمالي الشرقي وريف دير الزور الشرقي) والجيش السوري مدعوماً بالروسي، الذي عبر إلى شرق الفرات في زمن قياسي كاسراً كل الخطوط الحمر وملغياً ما اعتبره الأميركيون خطاً فاصلاً، أي النهر. وما كانوا يريدونه من الاحتفاظ بجزء كبير يطرحونه على طاولة المفاوضات.

نتوقّف عند إصرار الأميركي على نقل المسلحين إلى دير الزور، من الجبهة الجنوبية إلى قسد، من الرقة إلى جنوب الحسكة لدعم شرق الدير

هل قاربت الحرب السورية على الانتهاء ؟ وماذا بعد انتهاء الجانب العسكري منها؟

قبل أسبوعين كنت أطرح هذا السؤال في منتدى ألف في بيروت، وبالأمس طرحته في استهلال نشاط دوري باشرته السفارة السورية في عمان. وفي اعتقادي أنه – وكما حصل في بيروت – سيتحوّل إلى سؤال محرّك لنقاش عام واسع سواء على الأرض السورية أم على كل ساحة تعتبر نفسها جزءاً من الصراع حول سوريا. ( وهذا ما سأتناوله في مقالات لاحقة).

في عمان سألني زميل: ألا تعتقدين أن المستجد الكردي جعل أفق نهاية الحرب أبعد مما كنا نتصوّر قبل أسابيع؟

ربما يكون المستجد الكردي ( الخطة ب) التي ردّ بها المعسكر المعادي على اقتراب الانتصار السوري – الحلفاء. فما أعلام إسرائيل الخفّاقة في كردستان إلا دليل الدور المناط بهذا الاقليم. فالأعلام لم تأت بالأمس، كما العلاقات، ولكن إظهارها هو جزء من الخطة التي تتضمّن بنوداً كثيرة، منها رسالة إلى أكراد سوريا. أما أكراد سوريا فإن قسد قد منحت نفسها حق تمثيلهم، وربطت هذا التمثيل إعلامياً باللوبي اليهودي العالمي منذ ربطت نفسها ببرنار هنري ليفي، الذي حملها بفيلم إلى مهرجان كان، ولكنه حملها، خلال إعداده للفيلم، إلى أمور أخرى. أما عسكرياً فهي قد باتت الفصيل الذي يمثل المصالح الأميركية بامتياز على الأرض السورية. وما الإسم الذي أطلقته على نفسها: قوات سوريا الديمقراطية، إلا براعة الماكياج التي توحي بعقلية غربية تفهم السيكولوجيا المحلية والعالمية ، وشروط السكر الذي تغلّف به حبّة اللوز. تماماً كما كانت حال تسمية الدولة الإسلامية في العراق والشام، بكل ما تدغدغه من حلم الدولة الإسلامية في وجدان جميع الذين لم يدرسوا من التاريخ إلا إيجابياته التي تجعل من صورتها صورة جمهورية أفلاطون، كما تجعل منها صورة الانتصار والعظمة ، صورتان إذا ما وضعتا في مواجهة الحاضر، الفساد- الضعف – الهزائم ، وأضيف إليهما حلم توحيد العراق والشام ، شكّلتا الجاذبية الكبرى التي رأيناها والتي تجد في قراءة معينة لإسلام سنداً ومبرراً لرغبة الانتقام الهائلة بعد كل مجازر الاحتلالات، وشكاوي القمع والفساد. وهكذا تندرج التسميات في براعة اللعب على المكنون. اليوم لم يعد ما يهمّنا منها داعش، فهذه إلى زوال وربما إلى دور في مكان آخر من العالم، حيث تقتضي مصالح مشغلّيها، وليست نيانمار إلا الباكورة. ما بقي خطراً هو النصرة وتوابعها وقسد إذا ما نجح الأميركي – الإسرائيلي في تشغيل هذه الأخيرة.

إذا ما كنا نشهد تفكيك الجبهة الجنوبية، فلأجل دير الزور، ولنقل المقاتلين للالتحاق بقسد. فقد أخلى الأميركيون قاعدة الزكف  ودمّروها ( 19/9) بعد أن سقط الهدف من إقامتها وهو وقف تقدّم الجيش نحو الحدود العراقية، وستليها التنف لأن الغاية الاستراتيجية منها سقطت وهي إطلاق معركة تخوضها الفصائل المدعومة منهم ، باتجاه ريف دير الزور. وهذا ما أصبح مستحيلاً بعد أن هرب جيش العشائر ومغاوير الثورة أمام زحف الجيش السوري. . لكن الأميركيين يحاولون  ألا يخرجوا مجاناً، بل مقابل تعهّد روسي بعدم وصول الجيش إلى البوكمال، وهذا ما يفسّر استعجال الجيش بضرب الخطوط الحمر وإعلانه يوم 16/9 إطلاق معركة الفجر3 للوصول إلى البوكمال.  من جهة ثانية يريد الأميركي  نقل المقاتلين إلى الشمال لدعم قسد. فيرفض بعضهم لأنهم يخافون مواجهات حقيقية، هم الذين كانوا يتلقون المال من غرفة الموك من دون خطر يذكر في مواقعهم، مثلهم مثل مقاتلي درعا.

بذا تظل دير الزور الرهان الأكبر، فمن سيرث داعش في 40% من نفط سوريا؟ وهنا يتمظهر الصراع بين قسد = الأميركي ( الخط الممتد بين ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الشمالي الشرقي وريف دير الزور الشرقي)  والجيش السوري مدعوماً بالروسي، الذي عبر إلى شرق الفرات في زمن قياسي كاسراً كل الخطوط الحمر وملغياً ما اعتبره الأميركيون خطاً فاصلاً ، أي النهر. وما كانوا يريدونه من الاحتفاظ  بجزء كبير يطرحونه على طاولة المفاوضات. بحيث يصبح السؤال : هل سينصاعون للأمر الواقع الذي فرضه الجيش أم سيذهبون إلى مواجهة عسكرية غير مسبوقة في الحرب السورية، قد تكون قسد أداتها، خاصة بعدما حصل في العراق؟ وقد يتوقّف ذلك على نتائج تطوّرات العراق.

هنا نتوقّف عند إصرار الأميركي على نقل المسلحين إلى دير الزور، من الجبهة الجنوبية إلى قسد، من الرقة إلى جنوب الحسكة لدعم شرق الدير ، ما يكشف عن أزمة العدد التي تواجهه،  لأن معظم من درّبهم قد انضموا إلى الفصائل الإرهابية. ولذا سيعتمد أكثر فأكثر على قسد. وربما تذهب الأمور إلى مواجهة بين الجيش السوري وقسد. خاصة بعدما أصبح واضحاً أن الجيش انتقل إلى مرحلة قوة مدعومة بقرار سياسي تجعله يضرب عرض الحائط بما كان يُسمّى خطوطاً حمر.

هنا تجد الحكومة السورية نفسها أمام معادلة ذكية هي تفكيك قوة الخصم قبل الاشتباك معه ( وربما وفّر ذلك الاشتباك).

هذا التفكيك قد يسلك – وبدأ فعلاً- طريق التفاهم مع القوى التي التحقت بقسد أو موالاته خوفاً من داعش. بدءاً بالعشائر السورية الشمالية التي يلاحظ المتابع الهستيريا التي أصابت تنسيقيات المعارضة ، خاصة مجلس منبج – قسد ودير الزور رداً على اجتماعات الحكومة بالعشائر والكلام عن ضمانات متبادلة وتفاهم قد يحوّلها إلى قوات رديفة. ما حاول إعلام المسلحين أن يردّ عليه بحملة تخويف مما أسموه قيام الجيش والشيعة بعمليات انتقامية.

بعد العشائر يأتي دور المكوّنات الأخرى التي انضمّت إلى قسد من سريان وأشوريين. فهؤلاء كانوا يخافون داعش ويحتاجون إلى الحماية، وذاك ما استغلته الفصائل الكردية ومَن وراءها لإضفاء صبغة التعدّدية على قسد وإعطائها صفة الديمقراطية. في حين أن الواقع التاريخي يثبت أن الأكراد هم، إلى جانب الأتراك، مَن هجّر السريان والأشوريين وارتكب بحقهم مجازر، وكل المعلومات الواردة من شمال سوريا تفيد الآن بأنهم يمارسون ضمن قسد التمييز نفسه، وربما سيلجأون في حالات الاشتباكات إلى عمليات تطهير جديدة.

هل يأتي انتخاب حمودة الصباغ في هذا الإطار؟

ربما، وإذا كان فهو خطوة ذكية. ولكن الإعلام الغبيّ هو الذي ينسف هذه الخطوة بحديثه عن الرجل كمسيحي فحسب ، رغم تاريخه وتاريخ عائلته السياسي . ويقول إنها المرة الأولى ….أية أولى؟ هل رئيس مجلس الشعب أخطر من وزير الدفاع ودماء داود راجحة لم تجفّ بعد؟ هل نسينا جورج جبور في الأمم المتحدة؟ عشرات النواب والوزراء والسفراء السوريين في كل أنحاء العالم؟

الفارق أن سوريا لا تتعامل معهم كمسيحيين وإنما كسوريين، في حين لا تفهم الدول العربية الأخرى إلا أمرين خطيرين: إما المُحاصصة الطائفية والمذهبية المرضية وبها تقارب كل الأمور، وإما الأحادية الدينية والمذهبية التي تجعلها لا تفهم الكثير من الأمور.

الحفاظ على المنطق السوري في وجه هذا الخلل هو في جوهر تحدّي ما بعد الحرب العسكرية على سوريا.

قد يعجبك ايضا