أوهام “إسرائيل” وعجوز الشمال / م. ميشيل كلاغاصي

م. ميشيل كلاغاصي ( الجمعة ) 29/9/2017 م …




( استفتاءٌ مخالفٌ للدستور , بلا رقيب , بالترحيب والترغيب والترهيب , غير ملزم , مسدود الأفق , فضحته أعلام وتصريحات المهللين, توقيتٌ مشبوه , يفسره سباق التتابع الأمريكي– الداعشي- الكردي, دويلة أو كانتون لا فرق , إدارة توحشٍ جديدة بالنكهة الإسرائيلية , بلا مقومات النجاح , وبين جدران الدول الأربعة , رفضٌ عراقي محلي وإقليمي و دولي , مشاكلٌ داخلية وزعيمٌ فاقد الشرغية  , فسادٌ و سرقة , وعلاقات الكيان بالكيان , علاقاتٌ شخصية عمّدها النسب و”النضال” على الطريقة البريطانية .. حلمٌ أقرب للأوهام …قصرُ نظرٍ , وخدمةٌ سريعة قفزت فوق فتاوى القرضاوى  وتنظير عزمي بشارة , دعمٌ خليجي– تركي – دولي مستور , طريقٌ قديمة عبدّتها بريطانيا قبل مائة عام ).

رفضٌ دولي بالإجماع  , روسي – أمريكي , غربي –  فرنسي , عربي – عام , إجراءاتٌ عقابية , عراقية-حكومية , إيرانية , تركية , حظرٌ للطيران بطلب ٍ حكومي عراقي يبدأ الجمعة , تجاوبت معه مصر والأردن ولبنان وقطر مع قابلية الزيادة , سبقه حظرٌ إيراني وتركي ..

فيلم رعبٍ خطير , بلا سيناريو وبلا إخراج , مُني شباك تذاكره بخسارة كبيرة , لم ينجح بجمع أجور “نجمه” العجوز , إنفض عنه سبنسراته الأمريكان والأوروبيون , فيما وقف مفبركة الإسرائيلي يفرك يديه , لكنه لا يجرؤ على التصفيق .. إشارةٌ أمريكية من باب التخفي والمزايدة , كانت كافية لينضم عرب “الثورات” إلى فريق الرافضين ومحاورهم .

موقفٌ رفضه الكبار بإقتضاب , وتصدرت مواقف دول الطوق الأربعة ساحة المعركة , فالرفض الإيراني أتى واضحا ً واثقا ًومباشرا ً , وإتهم بريطانيا وأمريكا دون تلكؤ , وأعلن إغلاق أجوائه وأراضيه  استجابة ً لطلب الحكومة العراقية , أما سورية فسارعت لتأكيد حرصها على وحدة الأراضي العراقية ورفضها الإستفتاء , فيما يحتاج الموقف التركي إلى بعض التفصيل :

فقد تعددت الأقنعة التركية–الأردوغانية , وتلونت بين غاضب ٍ ورافض ٍ و داعٍ للوساطة و الحوار , وتصاعدت مواقفه مع مرور الساعات , فمن مناوراتٍ تركية-عراقية مشتركة , إلى إغلاق الأجواء التركية وتهديدٌ – لفظي- بإغلاق الحدود البرية على أهمية هذا القرار الردعي, فإعتمد أردوغان على مواهبه في التمثيل , وبدت عينه على الداخل التركي المفكك المحتقن , و بعشرون مليون كردي–تركي , وعين ٌ على إقناع القوميين الأتراك بالحفاظ على أمنهم القومي , وأعاد الذاكرة إلى مشهد مسرحية دافوس , واكتفى بالصراخ والوعيد والتهديد , دون إغلاق منفذه البري الضاغط بقوة على حكومة الإقليم المستفتي , مراعيا ً إعتباراته العائلية و علاقاته الشخصية مع نظرائه من البرزانيين , وصبغ المسرحية ودمج أدواره بدورٍ واحد من العراب إلى اّل كابوني ..

فمن منا لا يعرف أطماع تركيا في أراضي و ثروات العراق , فأي حرصٍ مفاجئ أظهره على وحدة الأراضي العراقية , و ايُ حرصٍ يراعي فيه الأمن القومي التركي , بعدما وضع نصف تركيا في السجون , و أطاح بعلاقاتها مع كافة دول العالم , وأيُ إرهابٍ اعتمده لنشر الفوضى في سورية و العراق؟ .. وأيُ فشل ٍ دفع واشنطن للإعتماد على بعض القوى الكردية على حساب مشروعه الإخواني , يبدو أنه يتجاهل فشله في تقديم جيشا ً إرهابيا ً – “سنيا ً ” – تكون جهوده كافية لإرضاء السيد الأمريكي , أم هو التناوب ولعبة تبادل الأدوار , بعدما ضمن لنفسه مقعدا ً في التسوية القادمة كدولة ضامنة وحضور مباشر على الأرض في إدلب والشمال الغربي لسورية , وجاء الدور لإعطاء “الشريك” الأمريكي الثاني فرصة تقديم خدماته بتكريس الإنفصال في العراق , وتمهيدا ً لإحتلال وقضم الشرق والشمال الشرقي في سورية , في وقت ٍ يدرك أنه يمتلك مفاتيح حياة الإقليم المحاصر إن فتح له طريق الوصول إلى البحر المتوسط .. مقابل شروطه بدويلة كردية حليفة منزوعة الأنياب , تضمن استمرارية علاقاته العائلية ومصالحه الشخصية .. من الواضح أنهما مشروعان متلازمان مرتبطان بحبل ٍ سري واحد , تلعب فيه الحركة الصهيونية دور الأم , فيما تلعب واشنطن دور الحاضنة و المربية و المرضعة.

أما عن الدور و الموقف الإسرائيلي :

فقد اجتهدت حكومة الكيان الغاصب لتظهر في الصور والفيديوهات , عبر أعلامها و بتصاريح سياسييها العلنية بتأييد الإستفتاء و إعتباره ” ذخرا ً استراتيجيا ً” لكيانها , ولم تكن لتخفي إرتباطها الوثيق مع مسعود البرزاني و زبانيته , ولكن ماذا عن الغايات الحقيقية المباشرة والبعيدة الأمد …

فبعد أكثر من سبع سنوات من الحرب المباشرة وغير المباشرة – الإرهابية على سورية , ومع صمود سورية ووقوف حلفائها إلى جانبها, ومع إقتراب حسمها و إسترجاعها لغالبية أراضيها , و بالتوازي مع تقهقر وهزيمة أدواتها ومجاميعها الإرهابية , ومع حقيقة تنامي قدرات وإمكانات محور المقاومة الذي فاجئها بتحطيمه قواعد الإشتباك القديمة , وفرضه قواعد جديدة , جعلت قادة الكيان يتألمون و يشكون قلة حيلتهم , وجعلت صراخهم يعلو ليمزق الاّذان الأمريكية بدون جدوى , وأصبحت على يقين بأن حربها قد تخلت عن أرباحها و باتت تبحث عن ضمانةٍ لإستمرار وجودها ,, فالمشهد على كامل حدود المقاومة أصبح مخيفا ً و واعدا ً و مبشرا ً بما يفوق قدرتها على الإحتمال .

فبحثت عن إبعاد إيران وحزب الله وغير مقاومين عن الحدود , لكنها لم ولن تفلح , فكان إستخدامها لورقة عجوزها المسعود , لإشغال المنطقة وإرباكها وتهديدها , ووضع المنغصات على الحدود الإيرانية , وتهديد العراق و سورية باّنٍ واحد , على أمل إبعاد المقاومين نحو الشمال وبعيدا ً عن حدودها , بحثا ً منها عن تأجيل أو تأخير مصيرها الذي تصارع لتفاديه.

لقد تأخرت “إسرائيل” لفهم قوة وصلابة الجيش العربي السوري , وحكمة وذكاء القيادة السورية المتمثلة بالرئيس بشار الأسد , وتأخرت بفهم القدرات والإمكانات التي أظهرها ويظهرها محور المقاومة عند الضرورة , وتأخرت بفهم تحركات اللواء قاسم سليماني في سورية والعراق وتحديدا ً في السليمانية و كركوك , وتحاول فهم ظهور وكلام القائد الميداني في حزب الله الحاج أبو مصطفىفي معارك دير الزور وما بعدها – بقرار ٍ مباشر ٍ من سماحة السيد حسن نصرالله , كما تأخرت يوما ً بفهم تواجد الشهيد القائد عماد مغنية في الجنوب السوري … ناهيك عن أوهامها التي علقتها على بعض الشعب السوري, لكنها فُجعت بالنسب الحقيقية الأمر الذي اضطرها للإستعانة والإعتماد على السعوديين والقطريين والإماراتيين و التوانسة و الأنغوشيين والشيشان والأوروبيين … على قادة الكيان والعدو الإسرائيلي إدراك أنهم قد ينجحون بتأخير أو بتأجيل مصيرهم الأسود , لكنهم لن ينجحوا بتغيره .

صحيح أن الحكومة العراقية تأخرت في لجم المتمرد العجوز , لكنها قامت بسلسلة إجراءات ٍ مدعومة من أعلى هيئات التمثيل الشعبي على المستوى الحكومي وبدعم مطلق من القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة , وبدعم غالبية الأحزاب وخصوصا ً المقاومة منها , والتي تعهدت بمساعدة العراقيين الأكراد للتخلص من براثن العجوز ومؤيديه.

يبدو أن غالبية الإخوة الأكراد لا يؤيدون الإنفصال , لكنهم يتطلعون إلى المزيد من الإستيعاب والإحتواء , فهم جزءٌ أساسي من التركيبة الديموغرافية , ولا بد من مساعدتهم وإنتشالهم من برائن المشروع الصهيو- أمريكي , الذي يسعى لإستخدامهم لتحقيق مصالحه , عبر عملاء إنفصاليين يصادرون قرارهم ولا يهتمون لحياتهم ومستقبلهم , فالوعد البريطاني كان وسيبقى كاذبا ً مخادعا ً , ودائما ً يحتاج خزان عربته إلى الوقود.

قد يعجبك ايضا