الخروج من تحت رماد الخراب / د. علي محمد فخرو

د. علي محمد فخرو ( البحرين ) الخميس 28/9/2017 م …




لا يعرف الإنسان أن بقي مكان للمنطق في بلاد العرب، ومع ذلك فلنحلل موضوع العراق وسورية بصورة منطقية هادئة.

ليس من شك بأن تاريخ العرب الإسلامي قد تمظهر في أعظم وأبهى صوره في دمشق سورية وبغداد العراق لعدة قرون. وبالتالي فان موضوع بقاء القطرين في الحاضر والمستقبل العربي هو إما استمرار لجزء هام من تاريخ الأمة في أمد الحياة البشرية الطويل أو توقفه ودخوله في قبور المتاحف كذكرى وعبر.

من هنا لنطرح السؤال الأول: لو أن سورية والعراق إتحدا يوم كانا تحت حكم الحزب الواحد، وكونا في حينه دولة عربية كانت ستكون من أغنى الدول العربية في ثرواتها الطبيعية، ومن أكبرها منعة باندماج قوتيهما العسكريتين الهائلتين، ومن أكثرها صلابة في وجه الكيان الصهيوني الغاصب، ومن أشدها تمسكاً بالتضامن الوحدوي العروبي….. لو أن ذلك حدث فهل كان سيحدث لهما ما حدث من تدخل أو إجتياح من قبل قوى الخارج الاستعمارية والصهيونية والإقليمية، ومن استباحة من قبل جنون وعبث وهمجية الميليشيات الرافعة زوراً وبهتاناً لرايات الإسلام، ومن رفع لمطالب الانفصال والتمزيق الطائفي والعنصري والقبلي؟

ليس هذا بالسؤال الطفولي العبيط، بل هو إشارة إلى مأساة وأهوال الجرحين الهائلين في جسد القطرين العربيين العزيزين وهما ينزفان دماً ودماراً وإمكانية فناء.

والآن، وبعد أن واجه القطران نفس المؤامرات، من نفس المصادر، بنفس أسلحة الغدر والخيانات من البعيد ومن الإخوة الأعداء القريبين، وبعد أن نجح كل ذلك في نشر الدمار والإقتلاع وإضطرار الملايين للخروج إلى منافي الضياع وفي معاناة ستة ملايين من أطفال سورية وخمسة ملايين من أطفال العراق من المرض والجوع والحرمان من الدراسة والتشرد في الشوارع، وبعد أن ضعفت الدولتان إلى حدود العجز أمام حركات الإنفصال والتقسيم وإشعال الصراعات الطائفية والقبلية….. الآن وكلاهما يحصدان ما زرعه ضياع فرصة التوحيد التاريخية التي أشرنا إليها، فان السؤال الثاني لا بد أن يطرح نفسه ويستدعي الجواب الواضح الصريح. السؤال: هل تعلم القطران الدرس، وهل سيستفيدان من عبر أوجاع وأهوال الجراح المتماثلة والمشتركة؟

بمعنى آخر هل سيحدثان زلزالاً استراتيجياً في الأرض العربية من خلال توجههما بخطي ثابتة، حتى ولو كانت تدريجية، نحو تبني وتنفيذ خطوات وحدوية في الاقتصاد والأمن الداخلي والخارجي والسياسة والعمالة والنظام المجتمعي المدني والتربية والتعليم وحقوق المواطنة، على سبيل المثال؟

نحن هنا نتحدث عن بناء سد منيع في وجه أعداء الخارج والداخل، وعن الإنتقال إلى نهضة عروبية ديموقراطية حقيقية يشع نورها في آفاق الوطن العربي الكبير.

وعندما نشترط الديموقراطية فاننا نفترض تجنب القرارات الفوقية التي شبع الكل من بلاداتها وأخطائها والإعتماد على التأكد من إشراك ورضى غالبية مواطني المجتمعين. الأهداف والوسائل وخطوات التنفيذ وتقييم الرضى عن النتائج يجب أن تكون ديموقراطية حقيقية.

لا تهمنا التفاصيل إطلاقاً، ولا الشروط التعجيزية، ولا حتى التوقيت، ولكن يهمنا إنقلاب السحر على سحرة الاستعمار والصهيونية وفراخ دوائر الاستخبارات وأدوات أولئك من القلة القليلة من جهلة العرب.

هل أننا نتكلم عن اضغاث أحلام واحلام يقظة؟ أبداً، فإذا كانت بغداد وكانت دمشق تفخران بأنهما كانتا من قمم مهد الحضارة العربية الإسلامية التي شع نورها منهما، وبالتالي فانهما في قلب التاريخ والجغرافيا والحضارة والإبداع لهذه الأمة، فاننا ننتظر من تلك الحقائق الساطعة الملهمة أن تخرج القطرين، ومعهما أمتهما، من حالة الوقوف والبكاء على الأطلال إلى حالة جمع كل طوبة في أرض الخراب التي يعيشان عليها لإعادة بناء ما دمرته التدخلات الشيطانية. والأحقاد والبلادات.

شعبا العاصمتين العظيمتين قد خرجا من تحت الرماد والانقاض المرة تلو المرة عبر تاريخهما، وهما قادران على إعادة عبق تاريخ انتصارات هذه الأمة على أعدائها.

دعنا نقولها بصوت عال وبغيرة على هذين القطرين الرائعين: لا العراق لوحده ولا سوريا لوحدها سيستطيعان الخروج من أهوال دمار المأساتين الهائلتين اللتين فرضتهما دوائر الاستعمار والصهيونية والاستخبارات الأجنبية والمتآمرون في الداخل العربي مع الأسف الشديد والحسرة الباكية.

سيكون مفجعاً لو أن المسؤولين في النظام السياسي للبلدين، ولو أن قادة المجتمع المدني في كلا القطرين، لم يفكروا في إحداث تغيير جذري في نمط تفكيرهم السياسي وفي نمط التعامل مع نتائج الكوارث التي حلت بالقطرين وببقية أجزاء بلاد العرب بدون استثناء.

نحن هنا لا نتحدث عن خلق زعامات منافسة لأحد ولا التوجه نحو إدعاءات بقيام قيادات تاريخية ملهمة ممتلكة لشرعيات غير ديموقراطية. نحن، فقط، نطالب بأن لا نبقى ندور في حلقة الأخطاء والبلاهات السابقة.

قد يعجبك ايضا