الانحدار الى البربرية: ترامب يجعل من الحرب والابادة الجماعية فضيلة في الأمم المتحدة

ترجمة: د. بهيج سكاكيني ( الأحد ) 24/9/2017 م …




عندما يلقي الرؤساء الأمريكيين خطاباتهم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة اعتاد الناس أن يستمعوا الى قائمة من الأكاذيب حول الاحداث في العالم والمكر النرجسي حول الدور الأمريكي في الكون. ولكن الخطاب الذي القاه ترامب للمرة الأولى تضمن بالإضافة الى الخداع والتضليل المعتاد للدور الأمريكي تبني واحتضان الولايات المتحدة وبشكل علني غير مسبوق الحرب الاجرامية. فقد تضمنت كلمته ان الولايات المتحدة ” ستدمر بالكامل” كوريا الشمالية إذا ما قامت بتهديد الولايات المتحدة أو أي من حلفائها.

” إن الولايات المتحدة لديها قوة كبيرة وصبر، ولكن إذا ما اضطرت للدفاع عن نفسها أو عن حلفائها، فلن يكون لدينا خيار سوى أن ندمر كوريا الشمالية كلية” مضيفا بسخرية ” إن الرجل الصاروخي يقوم بمهمة انتحارية لنفسه ولنظامه”.

ودعا ترامب أيضا الى مجابهة إيران بالقوة – تغيير النظام – منددا بها ” كديكتاتورية فاسدة ومجرمة”. ووجه نفس التهديدات لفنزويلا ورئيسها نيقولاس مادورو الذي وصفه بـ ” الديكتاتور الاشتراكي”.

ولقد ذكر كريستوفر بلاك المحامي المتخصص بجرائم الحرب الدولية أن خطاب ترامب يرقى الى إدانة ذاتية مذهلة. ولقد قال المدعي العام الكندي أن كلمات الرئيس الأمريكي تنصل واضح وصادم لمبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي.

وفيما يخص كوريا الشمالية ذكر بلاك : ” ان الرئيس الأمريكي يهدد بالعدوان تحت حجة كاذبة “الدفاع”.”القول علنا بأن الولايات المتحدة ستتصرف منفردة باستخدام القوة العسكرية هو انتهاك لميثاق الأمم المتحدة. كما ان استخدام القوة العسكرية من جانب واحد هو أيضا انتهاكا لمبادئ نورمبيرغ التي أدانت المانيا النازية لإشهار مثل هذه التبريرات العارية عن الصحة لعدوانها”.

وأضاف المحامي أن تهديدات ترامب بـ ” تدمير كوريا الشمالية كلية هو بمثابة تشجيع على إبادة الناس بأكملهم”. و ” على أنه يجب أن يكون رد الفعل متناسبا و كافيا فقط لإيقاف الهجوم. الهدف المعلن من قبل ترامب بمحو دولة كوريا الشمالية وسكانها من على وجه الأرض هي جريمة إبادة جماعية تبعا للقانون الدولي”.

يجب أن يكون من المقلق جدا للجميع أن الرئيس المفترض لأقوى دولة في العالم أن يجعل من البربرية فضيلة بشكل علني ومثير للاشمئزاز. ووصف الكاتب الأمريكي توم فيلي خطاب ترامب في الامم المتحدة : ” همجي وغبي تقيأ كراهية لكل الأمم في العالم”.

ولم يكن مستغربا أن يؤثر كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني على مقاطعة خطاب ترامب للجمعية العمومية. وكذلك فعلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وقد تغيب أيضا الرئيس الإيراني حسن روحاني، بينما غادر سفير كوريا الشمالية القاعة عندما صعد ترامب الى المنصة للإدلاء بكلمته.

ومن المدهش كيف يستطيع أحد أن يجلس ويستمع الى مثل هذا التضليل الذي يسبب العذاب. في عالم متعقل كان من المفترض أن يقوم أحد بوضع القيود على ترامب وجره الى محكمة جنائية.

وعندما أفصح ترامب عن نواياه الاجرامية تجاه كوريا الشمالية كان هنالك أصوات مسموعة تنم عن عدم الراحة والقلق من قبل مئات المندوبين الحاضرين. ولقد لوحظ رئيس العاملين في البيت الأبيض وهو يغطي بوجهه بيديه أو يتحرك بمقعده بشكل يدلل عن عدم الارتياح أثناء خطاب ترامب العنيف. ولقد دللت لغة الجسد عن “حرج” مخجل – كلمة استخدمها ترامب بسخرية مرتين في خطابه عند انتقاده للأخرين.

أي إنسان لديه إدراك طبيعي للأحداث التي جرت مؤخرا في العالم لا بد وأنه انكمش خوفا تقريبا مع كل جملة تفوه بها ترامب. وأنه لذو دلالة أن المندوبين القلائل اللذين بدوا فرحين بضرب ترامب على وتر واحد ومن ضمنهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجية السعودية – الدولتين المخادعتين تم استثنائهما من خطاب ترامب ولا غرابة في ذلك.

حتى وسائل الاعلام الامريكية بدت محرجة من النغمة الفظة والتي تقشعر لها الابدان.

فقد صعق المعلقين والنقاد في سي أن أن بتهديدات الإبادة التي أطلقها ترامب تجاه كوريا الشمالية. ولقد دعته نيو يورك تايمز بـ” الخطاب العدواني” بينما قالت واشنطن بوست أن ” عدوانية وصلف” ترامب كانت ” بلبلة وتشويش”. ووسائل الاعلام هذه كانت غير مؤيدة لرئاسة ترامب منذ انتخابه. ولكن ردود فعلهم على الخطاب في الأمم المتحدة كان ذو نوعية مختلفة تتلخص في حالة من الذهول وعدم تصديق أن رئيس أمريكي يمكن ان يكون مجرم غليظ ولا يشعر بالخجل أو الحرج لما ينادي به.

ولقد انتقد وزير خارجية إيران محمد جاويد ظريف ترامب لـ ” خطاب الغباء و الكراهية” وعلى أنه غير جدير للرد عليه. وهو محق في هذا. هذا السيل من الأكاذيب والتضليل التي عبر عنها ترامب لا تستحق الرد عليها بالتفصيل، فهي على درجة من الغباء في رؤية العالم رأسا عل عقب. إنها مشوشة الى حد كبير وبعيدة كل البعد عن متناول المنطق والجدال.

ومع هذا دعونا نختار للتوضيح بعض ما جاء في الخطاب حيث السخرية واضحة ولا جدال فيها.

قال ترامب : “الأنظمة المارقة الممثلة في الجمعية هنا لا تؤيد وتدعم الإرهابيين فقط ولكنها تهدد الدول الأخرى وشعبها في الأسلحة الأكثر فتكا التي عرفتها البشرية”.

هذه سقامة، اذا ما اعتبرنا التقارير الأخيرة التي أشارت الى أن المخابرات المركزية الامريكية زودت المجموعات الإرهابية في سوريا بأسلحة بقيمة 2.2 بليون دولار للإطاحة بالحكومة المنتخبة للرئيس بشار الأسد، واذا ما اعتبرنا أيضا التهديدات التي أطلقها ترامب أمام ممثلي 193 دولة “بالتدمير الكامل” لكوريا الشمالية.

وأقحم ترامب روسيا والصين عندما قال ” يجب علينا رفض التهديدات للسيادة من أوكرانيا الى بحر الصين الجنوبي. يجب علينا الالتزام باحترام القانون، احترام الحدود واحترام الثقافة والاشتباك السلمي التي تسمح بها هذه الالتزامات”.

هذه النصيحة المنافقة تأتي من رئيس دولة اعتدت وقوضت السيادة والحدود لدول أكثر من غيرها في التاريخ بما فيها أوكرانيا حيث نصبت واشنطن بالقوة نظام للنازيين الجدد في فبراير عام 2014 . بالإضافة الى أن القصف الجوي الأمريكي للعديد من الدول بما فيها سوريا والعراق واليمن والصومال وباكستان هو شيء عجيب “لاحترام الحدود والسيادة والقانون”.

ترامب يتحدث عن ” بلوى الأنظمة المارقة” دون أن يكون لديه أي إدراك ذاتي حول اجتياحات بلاده لدول أخرى أو تلك التي قامت بها حلفاءه إسرائيل والسعودية. وقد ذكر في معرض حديثه ” أن مصيبة كوكبنا هذه الأيام هو وجود مجموعة صغيرة من الأنظمة المارقة التي تنتهك كل مبدأ قامت عليه الأمم المتحدة. هم لا يحترمون مواطنيهم ولا حقوق السيادة لدولهم.”

وأخيرا وربما تتويجا للسخافة يذكر ترامب: ” ان الولايات المتحدة هي من بين أكبر القوى للخير في تاريخ العالم وأكبر المدافعين عن السيادة والامن والرخاء للجميع”.

الرئيس الأسبق لترامب باراك أوباما ورؤساء الولايات المتحدة الاخرين كانوا أيضا متفوقين بمهاراتهم المماثلة بنشر الاكاذيب والتضليل. وفي هذا الشأن كان سير ترامب على خطاهم بالهذيان الرائع والمثير للسخرية بالحديث عن ” الاستثنائية الامريكية”.

وإذا ما وضعنا خطاب ترامب جانبا فإن الخطورة تكمن في احتضانه السافر للحروب الاجرامية كجوهر للسياسة الخارجية للولايات المتحدة ودعوته المثيرة للاشمئزاز لحرب الإبادة على كوريا الشمالية.

المصدر : http://www.informationclearinghouse.info/47855.htm

قد يعجبك ايضا