بالصور وبأدقّ التفاصيل : عملية “أسدود”..جمعت بين “فتح وحماس” في غير زمن الإنقسام

 
 
 
الأردن العربي ( الأحد ) 15/3/2015 م …
 
فلسطينيان من مخيم واحد، يمتشقا سلاحاً واحداً، باتجاه عدوٍ واحد، من أجل وطنٍ واحد ثم يستنطقا شهادة واحدة في عملية استشهادية واحدة، تمتزج فيه دماؤهما بلون واحد، فنحن على موعد مع ذكرى عملية “أسدود” النوعية المشتركة، التي نفذتها كل من كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة “فتح” وكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة “حماس”.

 
 في تاريخ 14/ 3/ 2004م، قضى الاستشهاديان محمود سالم (17 عاماً) ونبيل مسعود (16عاماً) أجمل فصول الوحدة الوطنية من أجل هدفٍ أسمى، بعيداً عن شر الوسواس الخناس “الانقسام”، الذي طرق أبواب عقولٍ فرقت بين الأخ وأخيه والوالد وبنيه، من خلال تنفيذهما إحدى أكبر العمليات النوعية المشتركة بين فتح وحماس، التي انطلقت من قطاع غزة مستهدفةً الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة عام (48) في ميناء أسدود، والتي أدت إلى مقتل 13 إسرائيلي وجرح 22 آخرين، 9 منهم وصفت إصابتهم بالخطيرة. 
 
وعن حياة الاستشهاديين قبل العملية، تقول أم محمود سالم في حديث لها لـ”دنيا الوطن” إن محمود عاش طفولته محب لكرة القدم ومشاهدة الرسوم المتحركة حتى شبابه مؤدياً للصلاة والدروس الدينية والالتزام في المسجد.
 
 وتابعت ” في يوم جمعة كنا نحضر لحفل خطوبة أخته بينما هو كان سارحاً مستلقِ على الفراش بعد الغداء، وكنت أطلب منه النهوض لمساعدة أبناء عمه في حمل الكراسي وقال لي “طيب يما” وهو مبتسم ، كنت أشعر أن هناك أمراً غريباً يدور بداخله، ثم صعد إلي المنزل ليرى أخته من بعيد وهو يبتسم على عتبة الباب وكنت أقول له ” مالك يما بتضحك ليكون نفسك تتزوج؟ ” رد قائلاً وهو يبتسم ” حيجي يوم تشوفوني أحلى عريس”. 
 
في فجر الأحد ذهبت أم محمود كي تيقظ ابنها محمود للصلاة، فرأت الأغطية مكومة على السرير لتنادي عليه معتقدة أنه نائماً ملتحفا بالأغطية، وإذ أن محمود ليس نائماً على الفراش متوهمة أنه نائم، وأثناء عودة والده من الصلاة طلبت أم محمود من زوجها عدم إغلاق باب المنزل لأن محمود مازال خارج البيت، معتقدين أنه خرج للصلاة. 
 
تضيف أم محمود “في الساعة السادسة صباحاً بدأ القلق يراودني لأن محمود لم يعد كي يذهب للمدرسة حيث كان في مرحلة الثانوية العامة، فبقيت انتظر حتى الساعة العاشرة ولم يعد محمود حتى ذهبت للبحث عنه وكان قلبي يرتجف، شاعرةً أن محمود سينفذ عملية استشهادية” وتابعت “في يوم 14/3/ 2004 قمت لتأدية صلاة المغرب، وبعد انتهائي من الصلاة شعرت بشيء لم أشعر به في حياتي وفجأة أصبحت المساجد تكبر والناس يكبرون في الشوارع حتى جاءت أختي وحضنتني وأنا أقول لها ” شو فيه يختي؟” أجابت ” ابنك محمود عمل عملية استشهادية “، لم أصدق ما أخبرتني به حتى بدأت أقتنع أن محمود هو من نفذ العملية، وقلت في نفسي ” خلاص راح محمود؟! الحمد الله رب العالمين على كل شيء كان يتمناها”.
 
 أما أم نبيل مسعود قالت لدنيا الوطن “كان نبيل يطلب مني الدعوة له بالشهادة وكنت أقول له الاستمرار في التعليم والالتزام بالدين هو جهاد في سبيل الله، لكنني كنت أشعر أنه يودعني لانه في أيامه الأخيرة كان يلاحقني في كل مكان في المنزل، في المطبخ، في الصالون، وأنا أنظف، يتابعني دائماً، كنت أشعر وكأنه طفل يلاحقني لم أكن أعرف أنه كان يودعني” قبل تنفيذ العملية بيوم استأذن نبيل من والده المبيت خارج البيت لختم القرآن مع أحد الشيوخ في المسجد ولم يمنعه من ذلك، وقبل خروجه كان ينتظر عودة أهله من زيارة أحد الأقرباء، لتقول له جدته “مالك يا نبيل بدك حاجة يا ستي محتاج مصاري ؟”، أجابها ” لا بس بستنى أمي وأخوتي بدي أشوفهم قبل ما أطلع لأنه بدي أطلع من المسجد للمدرسة مباشرة”. 
 
تابعت أم نبيل ” كنت أشعر أن نبيل لم يذهب إلى المسجد وكدت أن أرسل طفلتي ليلاً إلى المسجد كي تبحث عنه لكنني توقفت عن ذلك وتأملت أن أراه في اليوم الثاني، وكأن الله سخر ذلك كي لا نقلق على نبيل ونقوم بالبحث عنه وينكشف أمره”.
 
 في اليوم الثاني لم يعد نبيل من المدرسة وبدأ القلق يراود والدته و أصبحت ترتجف من شدة القلق، حتى جاءها نبأ العملية الاستشهادية في ميناء أسدود، لم تتخيل أم نبيل أن ابنها هو من نفذها، لكنها كانت تشعر دوماً أن ابنها سينفذ عملية استشهادية يوماً ما فـ”قلب الأم دليلها”، على حد وصفها.  
 
تقول أم نبيل : “تألمت كثيراً على فقدان ابني لكن نجاح العملية وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة خفف من ألمي وجعلني أفتخر بما قام به فداءً للوطن”. 
 
من جهتها، أكدت كتائب القسام في بيان سابق لها، أن الاستشهاديان تمكنا من الوصول إلى ميناء اسدود يحمل كل واحد منهما عشرة كيلو من المتفجرات شديدة الانفجار، حيث استطاع أحد الاستشهاديين أن يفجر نفسه بصورة مباشرة أمام البوابة الرئيسية للميناء بينما نجح الثاني في التسلل وتفجير نفسه في الورشة الرئيسية التي تقع في منتصف الميناء بفاصل زمني قصير عن الاستشهادي الأول. 
 
من ناحيته، كشف الأمين العام لكتائب شهداء الأقصى “جيش العاصفة” أحد مخططي العملية، أن فكرة عملية أسدود، كانت حصيلة جهود ودراسات طويلة بهدف اختراق جدار الأمن الإسرائيلي، وخلق مواجهة نوعية لابد منها نتيجة حالة القهر والغطرسة، التي يمارسها الاحتلال بحق أبناء شعبنا .  
 
وأضاف ” بعد استكمال كل المعلومات حول العملية وتحديد الفكرة والهدف بدأ التفكير في العمل الوطني المشترك لترسيخ وحدة المقاومة والشعب أمام هذا العدو المستبد في ظل حالة العربدة الإسرائيلية وفرض وقائع جديدة على الأرض وتواصلت اجتماعاتنا في شمال غزة أنا والشهيد حسن المدهون من كتائب شهداء الأقصى والشهيد فوزي أبو القرع عن كتائب القسام لإشراكه في تفاصيل الخطة وتجهيز الكونتينر الذي سيعبر من خلاله الاستشهاديان إلى الميناء وتوزيع الأدوار ما بين الأقصى والقسام وتم الاتفاق على خطة التنفيذ ، وفي ليلة التنفيذ التقينا بالاستشهاديين الذين سينفذان العملية ومكثنا وقتا كافيا حيث تم استعراض الخطة لهم لأول مرة ، وقلنا لهم أن العملية تستهدف الميناء البحري في أسدود وكل فلسطين تشاهدكم اليوم وانتم تحولون الميناء إلى كتلة من النار ليس بهدف القتل بل لأجل كرامة وعزة الأمة وردا على كل جرائم العدو القذر”.
 
 وتابع ثابت ” اتفقنا مع الاستشهاديين على أن يكون هناك ثلاثة حركات سوف يشعران بها، الأولى عندما يتم إنزال العربة في الجانب الإسرائيلي و الثانية تعرفون بها أنكم ستكونون على الشاحنة الإسرائيلية بينما الثالثة ستكونون حينها على أرض الميناء وعليكم التريث والتنصت لسماع أصوات البواخر والبحر حينها عليكم استخدام البوابات التي صنعت على جوانب الغرفة لكم والتي سوف نغلقها نحن بعد دخولكم فيها، ونخفيها بالطلاء والتمويه وختمنا معهم بقول الله عز وجل ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة”.
 
  وقال ثابت : “استدركني النوم قليلا فسمعت حديثا للاستشهاديين يتمازحان فقال أحدهما للآخر أنت ستفجر نفسك بعدي فحاول أن تستهدف المتدينين منهم وسأتنازل لك في المقابل عن إحدى حوريات العين ورد الآخر بالموافقة وقال اتفقنا”.
 
 ويعتبر المواطنون الفلسطينيون عملية أسدود من أهم العمليات التي يستذكرونها كل عام، كونها عملية وحدت البندقية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، فهل يرحل عنهم شر الوسواس الخناس” الانقسام”؟.
 

قد يعجبك ايضا