هكذا تمخض ”الربيع العربي” فولد ”الطوز الخليجي”

 

فهد الريماوي * ( الأردن ) الإثنين 12/6/2017 م …

هكذا تمخض ”الربيع العربي” فولد ”الطوز الخليجي” …

*رئيس تحرير “المجد” الاردنية …

حين يفقد الصواب صوابيته، ويضيّع المنطق منطقيته، ويصادر اليقين يقينيته، ويغادر العقل عقلانيته.. يزهد الكاتب/الرائد في الكتابة، وتهرب الكلمة الصادقة من معناها, وتتهرب من اداء ”خدمة العلم” المتوجبة عليها.

حين يطل العبث بعبثيته، ويهل الجنون بجنونيته، ويحضر الجهل بجاهليته، وتفرد السريالية اجنحتها على وهاد السياسات العربية.. تنتحر ”زرقاء اليمامة” لانها رأت ما لم يره الآخرون، وتترك للسان الشعبي العربي ان يردد مقولته اليائسة : ”القول ضايع والحكي بطّال”.

الكثيرون من رواد الرأي والرؤية حذروا مبكراً جداً من مخاطر زلزال ”الربيع العربي” وعواقبه ومهالكه وارتداداته، ورأوا فيه فتنة فوضوية تحركها اصابع صهيونية تستتر خلف عشرات الاقنعة والواجهات العربية والاسلامية، وتستهدف تخريب الوطن العربي بكامل مكوناته من الباب الى المحراب.

ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود ؟؟ وهل يمكن للسفهاء والعملاء ان يصغوا لنصائح الحكماء ونبوءات الشرفاٌّء ؟؟

اسألوا ثوار آخر الزمان من امثال المنصف المرزوقي، ومصطفى عبدالجليل، وبندر بن سلطان، وحمد بن جاسم، ونبيل بن العربي، وبرهان آل غليون، والكذاب رياض حجاب، وبياع الفتاوي والبلاوي المدعو يوسف القرضاوي، وامام الحضرة الاخوانية الرئيس التعيس مرسي العياط الذي تمزقت اوداجه وتقطعت حباله الصوتية وهو يصرخ وسط قطيع من انصاره :”لبيك يا سوريا”.

منذ ست سنوات لم تنطفئ نيران ”الربيع العربي” في سوريا ومصر وليبيا والعراق، بل امتدت لتشمل تركيا اردوغان، وفرنسا ساركوزي، وبريطانيا بلير الذي اسهم مع حليفه بوش الابن في اطلاق الجني الداعشي الزرقاوي والبغدادي من القمقم العراقي، حين داهمت جحافلهما الجرارة ارض الرافدين، واسقطت نظامها القومي والتقدمي الذي طالما شكل سداً منيعاً في وجه الجماعات الارهابية.

الآن وصل السكين الى ذقون الخلايجة الذين تصوروا انهم في مأمن، وتوهموا ان اموالهم قادرة على حمايتهم من وباء ”الربيع العربي”.. ولكن للطبيعة احكامها ومواسمها ومناخاتها التي حذفت فصل الربيع من الرزنامة الخليجية، واستعاضت عنه ”بموسم الطوز” المثخن بالرياح اللاهبة، والمثقل بالغبار الصحراوي الخانق.

منذ نيف وعامين، هبت على جزيرة العرب رياح الطوز الساخنة المنبعثة من غارات ”عاصفة الحزم” التي شنتها دول الخليج بقيادة السعودية على شعب اليمن وشجعانه، وكان لا بد لهذه العاصفة ان ترتد على اصحابها، وان تفعل فعلها السالب والخائب، ليس فيما بين هذه الدول فقط، بل ايضاً داخل كل دولة وفي عقر بيتها المحلي، شأن الجاري في السعودية حالياً بين الاميرين محمد بن نايف، ومحمد بن سلمان.

لذا, فليس غريباً ثوران هذا ”الطوز المترب” الذي قوض اركان المنظومة الخليجية، وليس مفاجئاً اندلاع هذه ”الطوشة الحمقاء الناشبة” بين الضفدع القطري الذي تخيل انه فيل عظيم، وبين مثلث برمودا السعودي- الاماراتي- البحريني الذي اخذته العزة ”الترامبية” بالاثم، فاغتنم فرحة السيد الامريكي بالصفقات المليارية، ليستفرد بالضفدع القطري، ويضعه في حجمه الحقيقي، ويلقنه درساً قاسياً في طاعة ولي الامر السعودي.

ماذا بعد ؟؟

سؤال برسم المستقبل المحفوف بالغموض والمبني للمجهول.. غير ان ”زرقاء اليمامة” يمكن ان تتشوف بعض ملامح الغد، وتستطلع بعض جوانب الآتي فيما بعد، رغم قتامة الطوز المهيمن راهناً على خارطة الجزيرة المنكوبة والمجرورة بالكسرة من سواحل البحر الاحمر حتى شواطئ الخليج العربي.. ولكن ما فائدة رؤية زرقاء اليمامة واستطلاعاتها وتشوفاتها، ما دام سدنة القرار العربي لا يقرأون الفصحى، ولا يسمعون الا اصواتهم، ولا يبصرون أبعد من انوفهم ؟؟

عموماً، ومن قبيل الرياضة الذهنية والثقافة السياسية، يمكننا القول – وربما التأكيد – ان لعنة ”الربيع العربي” قد استوطنت الديار الخليجية، ولكنها اتخذت صيغة طوز عاصف من شأنه ان يتفاقم ويتصاعد وتتعدد حلقاته ومنزلقاته في قادمات الايام، رغم كل الوساطات القائمة والمهادنات المحتملة والتسويات المؤقتة.. ذلك لان الفأس قد وقعت في الرأس، والجني قد خرج من القمقم، وليس بعيداً ان يبسط نفوذه الشيطاني على ضفتي الخليج كليهما، بعد دخول ”داعش” الاسبوع الماضي على خط الازمة السعودية – الايرانية الآيلة للانفجار.

وعليه، ولو لم يفقد الصواب العربي صوابيته، ويفارق المنطق منطقيته، ويستقيل العقل من عقلانيته، لادرك اصحاب الرؤوس الحامية – ولكن فارغة- ان الربيع الدامي هو الاب الشرعي للطوز النفطاوي، وان المخرج الناجع والواسع من هذا البلاء المزدوج لن يتحقق فعلياً الا ضمن رزمة حلول عربية شاملة ومتكاملة لا تستثني بلداً او احداً !!

قد يعجبك ايضا