الصحافة الملتزمة … والصحافة المنفلتة !

 

 

م. هاشم نايل المجالي ( الأردن ) السبت 20/5/2017 م …

الصحافة الملتزمة … والصحافة المنفلتة ! …

جميع الدول المتحضرة والمتقدمة وضعت قوانين وانظمة وتشريعات تنظم حياة شعبها في المجتمعات وهذه القوانين والانظمة هي نوع من العقد الاجتماعي بين السلطة التنفيذية والشعب لضمان السلام والامان والاستقرار الاجتماعي وفي المجتمعات المتحضرة تتناسب الحرية طردياً مع ثقافة المجتمع وتطوره الحضاري ومدى شعور الافراد والجماعات بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية فكلما تطور المجتمع في السلم الحضاري كلما توسعت مساحة الحرية حيث ان الحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة فلا حرية بدون الشعور بالمسؤولية واحترام حرية وخصوصية الاخرين وعلينا ان نتأمل حرية النشر والتعبير بين الصحف المنضبطة والملتزمة ووسائل الاعلام الاخرى المنضبطة وبين وسائل الاعلام الاخرى المنفلتة والغير منضبطة والتي تروج لأخبار ومعلومات واشاعات لا يعرف مدى صحتها ودقتها خاصة الاخبار التي تجرح المشاعر والتي استغلها المتطرفون والارهابيون لترويج الاشاعات والاخبار الملفقة وافلام الفيديو المدبلجة وغيرها كذلك التنافس السياسي والاجتماعي افراد وجماعات واحزاب وغيرها وقد تلجأ هذه القوى والاحزاب المتنافسة والمتصارعة الى اساليب غير شريفة من الكذب والافتراء فمن السهولة اذن تحريك الجماهير بطريقة شرسة ويقال ان للديمقراطية اسنان من الحديد فهل من الانصاف السماح للمفترين بنشر الاكاذيب بحجة حرية التعبير والنشر فلا بد من وجود ضوابط توقف المسيء عند حد لتحفظ أمن واستقرار المجتمع وسمعة الشخصيات السياسية والمجتمعية وهي تتخذ من الانترنت والفضاء الافتراضي والتقنيات الحديثة مساحة ووسائل لصنعها ونشرها وتعتبر صحافة المواطن على انها صحافة يصنعها الناس على اختلاف شرائحهم على صفحات التواصل الاجتماعي والوسائل الاخرى من تغريدات وعلى موقع التويتر وتشمل العديد من المواقع التي انشأتها مجموعات وغيرها لتبثها عبر هذه الوسائل وهذه الوسائل التقنية الحديثة وضعت بين ايدي الناس القدرة على نشر انتاجهم وتعميمها واعطاء ارائهم بمختلف القضايا والحوار مع الاخرين دون قيد او شرط واصبحت جزءاً من الاعلام العام من دون اللجوء الى مؤسسات اعلامية تحقق ذلك الوجه التقني اي انها تكتب وتؤلف بواسطة ايدي مواطنين واصبح المواطنون يرصدون ظواهر معينة ويجمعون ويتبادلون الاخبار والصور عنها مع التحليل الشخصي لذلك وتبادل الاراء حسب القناعات ففي الولايات المتحدة عمد الكثيرون من المواطنين الامريكيين على جمع المواد التي بثت على التلفزة وعبر الهواتف المحمولة وفي الصحف والمجلات والرسائل التي تبادلها الجمهور والمكررة وجمعها بطريقة غير مبرمجة ليكتمل الخبر من كافة المصادر وابان الاجتياح الامريكي للعراق عام 2003 برز في الجيش الامريكي ما سمي ب ( المراسل المندمج ) وكان الجنود والضباط يصورون ويعبرون عن الحوادث وتوثيقها كذلك تصوير وسائل تعذيب العراقيين في السجون من قبل القوات الامريكية والكثير الكثير حيث اصبح التلفون المحمول بتقنياته عبارة عن تلفزة متنقلة تصور وتنقل الى جميع بقاع العالم عبر هذه التقنيات وكما شاهدنا تفجير باصات المترو في لندن واقتحام مسرح الباليه في روسيا والتسونامي في اليابان وثورة الياسمين في تونس والثورة في مصر والحوادث في سوريا وفي ليبيا حيث لعب الفيسبوك دوراً كبيراً في التواصل بين المحتجين ونشر معلومات عن التحركات وارشاد وحث الناس على التظاهر وطرق الوصول الى نقاط التجمع وطرق مواجهة الشرطة وآلية توفير الدواء والاطباء وطرق الهرب الآمن والعودة الى الاعتصامات وكثير من المواطنين يلجأون الى السخرية على كثير من الاحداث او القرارات الحكومية او على الفنانات والمسؤولين وغيرهم والسخرية هي احدى الطرق للتعبير عما يجول داخل النفس والخاطر حينما يعجز الانسان عن التعبير بشكل صريح وواضح وبشكل رسمي لذلك يلجأ لشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها وبالهمز واللمز بغطاء السخرية كقناع يتستر من خلفه منعاً للعقاب والمحاسبة ومنها تعبير عن الانفعال والمشاعر وفيها التشويش والاحتقار ممن لا يرغبونهم وهو تعبير عن مشاعر انفعالية غير مرغوب فيها بطريقة ساخرة وهي تعد ايضاً عملية افراغ وجداني وكثيراً ما يكون لها انعكاسات سلبية وهذا لاحظناه عندما يقوم اشخاص بمسك شخصية معينة ويبدأ الجميع في ممارسة السخرية منها والالفاظ السيئة عليها وهو نمط سلوكي عدائي كذلك تصيّد اخطاء الآخرين لاظهار النقص فهناك من يحب ان يتابع أخبار الآخرين علماً بأن الانسان يستطيع ان يعبر عن كل ذلك بطريقة ايجابية وسليمة وحكيمة تؤمن الاستقرار المجتمعي من دون ضجة او بلبلة وبأسلوب واعي مدرك لقيمته وقيمة مجتمه فكل شخص او مجتمع فيه نقاط قوة ونقاط ضعف .

اذن صحافة المواطن اصبحت صحافة منتشرة وعلى نطاق واسع دون قيد او شرط وليس لها حدود وتلعب دوراً كبيراً في التأثير في الشارع العام والرأي العام سواء بالانتخابات او التعيينات او القرارات وغيرها الامر الآخر هو صحافة الموظف والتي بدأت تأخذ مكانة هامة عبر هذه التقنيات والتواصل الاجتماعي فكثير من الكتب الرسمية والقرارات سرية وغير سرية نجدها على صفحات التواصل الاجتماعي قبل وصولها الى الجهات المرسلة اليها خاصة بالامور التي تمس المواطن او الشارع العام مما لا يدعو للشك بالامر خاصة ما نشاهده من تعيينات ومشتريات تفوق الحد المقرر وغيرها فصحافة المواطن اصبحت تضم ايضاً صحافة الموظف لتكون صحافة شعبية تحظى باهتمام الجميع داخلياً وخارجياً بين مستغل ومستثمر ومدرك وواعي لهذه الاخبار .

ولقد تم التخلي عن سكونية اي لقطة صورية الى آلية تحريك المشهد مع تطور التقنيات الحديثة وتركيب فلم وعرضه لتحفز النقاش والجدل وتبادل الاراء تحت رعاية الديمقراطية الفتية لحرية الارسال والتلقي والانتقاد والتفاعل ومنها هو للتشويش والتشويه كل ذلك اصبح على حساب المصداقية حيث ان المال مع التقنيات باتت تصنع مشاهد ومواقف سياسية او اجتماعية لها تأثيرها على تحريف الحقائق ولتصبح بروباغندا دعائية واعلامية دون احترام للقانون   وليتحول المشهد الى افكار وابداع وصراع يجرد المطمئنين من سكينتهم فهناك اشخاص قد قاموا بترخيص ثلاث مواقع تخصصية تحت مسميات طبية او غذائية او رياضية او غيرها والمالك واحد دون الحاجة الى مدير مسؤول فهناك حاجة ماسة لاعادة رسم الضوابط القيمية والاخلاقية والمسئول عن ذلك .

المهندس هاشم نايل المجالي

[email protected]      

قد يعجبك ايضا