سجل مشرف للشيوعيين الفلسطينيين

 

حمادة فراعنة ( الأردن ) الثلاثاء 11/4/2017 م …

سجل مشرف للشيوعيين الفلسطينيين …

دعانا الحزب الشيوعي الأردني الى الاستماع لمحاضرة نوعية قدمها المناضل عادل عامر أمين عام الحزب الشيوعي في مناطق 48 ، بمناسبة يوم الأرض ، وهي نوعية لسببين : أولهما لأن الضيف كان شريكاً في أحداث يوم الأرض في 30 / أذار /1976، وثانياً لأنه احد الشهود عن قرب على اوضاع أبناء مناطق 48 ، فهو من مدينة كفر قاسم المشهورة بالمجزرة التي قارفها الجيش الإسرائيلي في شهر تشرين أول 1956 عشية العدوان الثلاثي الاستعماري البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر .

قدم المحاضر الوقائع الحسية المتسلسلة لأحداث يوم الأرض، وعرض حجم معاناة المكون الأول من مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة : 1- فلسطينيو مناطق 48 أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، 2- فلسطينيو مناطق 67 أبناء الضفة والقدس والقطاع ، 3- فلسطينيو اللجوء والمنافي والتشرد من أبناء المخيمات الذين هجروا من وطنهم عام 1948 .

الفلسطينيون توزعوا بين الكيانات السياسية ، وتوحدوا في المعاناة ، ووحدهم أبناء الجليل والمثل والنقب ومدن الساحل المختلطة واجهوا ظلماً متعدد الأشكال من محاولات طمس هويتهم الوطنية ، والعمل على تمزيق تماسكهم الإجتماعي والوطني والقومي، فأطلقوا عليهم التسمية الدارجة ‘ عرب إسرائيل ‘ ، وهكذا تم بفعل قوة الواقع التجاوب مع الثقافة والهوية الإسرائيلية، لأن ما بقوا على أرض وطنهم تحولوا إلى فئتين: الأولى بلا هوية وبلا مضمون وقطاع من الفقراء والمعدمين ، والثانية شيوخ عشائر ورجال دين مسلمين ومسيحيين ودروز عملوا مع المؤسسات الإسرائيلية وتكيفوا معها ، ووحدهم الفئة الثالثة من الشيوعيين الذين تصدوا للتهجير وحرضوا شعبهم على البقاء وعدم الرحيل ، رغم المجازر المنظمة المنهجية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين على أيدي طلائع المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي لدفعهم نحو الهروب والرحيل والهجرة القسرية .

الشيوعيون في مناطق 48 رفعوا شعار الصمود لشعبهم لأنهم الحزب الوطني الوحيد الذي بقيت قياداته وقواعده على أرض وطنه ، ولم يكن ذلك امتيازاً لهم، بل تحملوا أعباء المواجهة منفردين في مواجهة المشروع الإستعماري الصهيوني وبرنامجه ، وأدوا واجبهم كما يجب ، ودفعوا أثماناً باهظة في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، وزادوا من كره وحقد أجهزة الأمن الإسرائيلية لهم ، تمسكهم الحازم بالحفاظ على هويتهم الفلسطينية .

وكانت هذه مأثرتهم الأولى والفضل الأول لشعبهم ، وكان لهذا انعكاسه على نضال شعبهم. وهذا ما يفسر وجود أدب المقاومة وولادته على أيدي توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وراشد حسين وغيرهم من أفذاذ شعراء المقاومة وفي طليعتهم ، كما كان للقيادات السياسية دورها في صياغة برنامج العمل الكفاحي لشعبهم في مواجهة الحكم العسكري البغيض، وانقطاعهم عن أمتهم وتغييب كل الأدوات الوطنية والقومية والدينية المناهضة للمشروع الإسرائيلي .

كان توفيق طوبي وجورج طوبي وإميل توما وإميل حبيبي وسالم جبران وتوجهاتهم وكتاباتهم، المرشد الوطني القومي التقدمي لمعركة صمود شعبهم والإصرار على التمسك بهويتهم الوطنية والقومية وتأدية دورهم الطليعي حتى كافأهم شعبهم بالإنحياز لهم في كل الجولات الإنتخابية، كي يكونوا طليعة شعبهم وقيادته في مواجهة سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وأجهزتها وزبانيتها من المحليين، الذين إنخرطوا في برامجها ضد شعبهم والعمل على تغييبه والإستجابة لمخططات تمزيقه وشل دوره ، حتى كانت حرب 67 التي شكلت محطة إنتقالية رفدت هؤلاء مساحة أوسع من الوعي والعمل ، فقد إلتقوا مع أبناء شعبهم في مناطق 67 ، وبرزت أكثر من ذي قبل حقيقة الصهيونية ومشروعها الإحتلالي التوسعي الإستعماري ، بإحتلال ما تبقى من فلسطين إضافة إلى الجولان السوري وسيناء المصرية .

لقد ترسخ نضال الشيوعيين وباتوا رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه أو تخطيه أو القفز عن تأثيراته وأفعاله ، فكانت ولادة جبهة الناصرة الإنتخابية التي جعلت من شاعر المقاومة توفيق زياد رئيساً لبلديتها ، ونجاح قوائم مماثلة بقيادة الشيوعيين في العديد من المدن والقرى العربية الفلسطينية التي قادت معركة الحفاظ على الأرض والدفاع عنها والدعوة للإضراب الإحتجاجي على قرارات المصادرة يوم 30 / أذار / 1976 ، وسقوط الشهداء من الشيوعيين وغيرهم من أبناء شعبهم في مواجهة الأمن الإسرائيلي .

سجل الشيوعيون إضافة إلى مأثرتهم الأولى بالحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية وعلى قوميتهم العربية ، ورسوخ مبادئ حقوق الإنسان، وقيم العدالة ، ورفض الظلم الذي وقع على شعبهم، إجتراح فكرة وبرنامج الشراكة مع الإسرائيليين الرافضين للصهيونية ، والمعادين للإحتلال وللإستعمار ، والمؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة : حق المساواة في مناطق 48 ، وحق الإستقلال لمناطق 67 ، وحق العودة للاجئين ، وهكذا قدموا نموذجاً متقدماً للعمل المشترك وتوسيع أفاق وحجم التأثير لهم وإحراج أولئك الذين عملوا مع الأحزاب الصهيونية ، وكان تأثيرهم قوياً حيث كان نسبة التصويت لصالح الأحزاب الصهيونية من الوسط العربي الفلسطيني كبيراً ، ولهذا قاد الشيوعيون معركة رفض التصويت للأحزاب الصهيونية ساعدهم على ذلك ولادة الحزب الديمقراطي العربي برئاسة النائب عبد الوهاب دراوشة والحركة الإسلامية برئاسة عبد الله نمر درويش ومؤخراً حزب التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة عزمي بشارة ، هؤلاء الذين انتزعوا التصويت العربي عن الأحزاب الصهيونية .

ولادة الأحزاب العربية التي رفعت شعار ‘ الصوت العربي للنائب العربي ‘ لم يدفع الشيوعيين للتراجع عن برنامجهم المشترك في أولوية الحفاظ على الشراكة العربية العبرية ، الفلسطينية الإسرائيلية، في نضال تراكمي متواصل ضد الإحتلال وضد العنصرية، وقد نجحوا في ذلك ، حينما تشكلت القائمة المشتركة في 22/ 1/ 2015 ، وخاضوا الإنتخابات يوم 17/3/2015 على أساسها ، وحققوا نجاحاً متقدماً عبر التحالف الإنتخابي الجبهوي بين التيارات السياسية الثلاثة التيار اليساري وممثله الجبهة الديمقراطية والشيوعيين ، والتيار الإسلامي عبر الحركة الإسلامية ، والتيار القومي وتعبيره التجمع الوطني الديمقراطي ومعه الحركة العربية للتغيير ، وكان العضو الثامن الذي نجح عبر القائمة المشتركة هو الشيوعي الإسرائيلي دوف حنين من بين 13 نائباً حققوا الفوز بعضوية البرلمان ، والحقيقة أن الفضل يُسجل هنا لكل من محمد بركة رئيس الجبهة الديمقراطية الذي تمسك بترشيح دوف حنين ، وقبول الشيخ عبد الله نمر درويش مرشد الحركة الإسلامية ورئيس مجلس الشورى لديها ، وإستجابته لفكرة أن يكون يهودياً إسرائيلياً في عضوية القائمة البرلمانية المشتركة .

مأثرتان تحققتا في مناطق 48 بفعل رؤية الشيوعيين ، وواقعيتهم وبرنامجهم السياسي المتصادم مع برنامج المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، بالإحتلال والعنصرية والمصادرة والإستيطان والتوسع ، فتمسكوا بالهوية العربية الفلسطينية في مناطق 48 ضد الأسرلة والتغييب والشتيت ، الوطني القومي ، وتمسكوا بالشراكة الفلسطينية الإسرائيلية ، والقومية العربية العبرية، ونضالهم المشترك رغم ضعف الأنحياز الإسرائيلي لعدالة المطالب الفلسطينية وشرعية نضالهم ، ولكنه الطريق الصادم للعنصرية وللصهيونية وضد العزلة وإدعاء التفوق ، ويتضح من المعطيات التراكمية أن مساهمات الإسرائيليين المعادين للتجنيد والخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي تزداد ، إضافة إلى المشاركة بالفعاليات الكفاحية مع الفلسطينيين سواء في مناطق 48 ضد التمييز ومن أجل المساواة ، أو في مناطق 67 ضد الإحتلال ومن أجل الإستقلال ، غدت بارزة وإيجابية وفاقعة ستعطي أثرها الملموس مع إستمرارية التطرف الإسرائيلي العنصري الإستعماري غير المقبول ، وإستمرارية النضال الفلسطيني الذي يحظى بالدعم والتعاطف والإسناد الشعبي التقدمي العالمي .

الشيوعيون في فلسطين يختزلون عوامل الزمن في تحقيق الهزيمة للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ونيل الإنتصار للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني عبر برامجهم الواقعية العملية الملموسة في حشد الفلسطينيين وتوحيد صفوفهم ، وفي العمل على إختراق المجتمع العبري الإسرائيلي وكسب إنحيازات من بين صفوفهم لصالح عدالة المطالب الفلسطينية المشروعة ، وشرعية النضال الوطني الديمقراطي الفلسطيني ضد الإستعمار والإحتلال والعنصرية والتمييز والصهيونية .

[email protected]

قد يعجبك ايضا