السؤال الحائر.. والأجوبة القاصرة

 

عوني صادق ( الخميس ) 9/3/2017 م …

السؤال الحائر.. والأجوبة القاصرة

هناك إجماع بين الفلسطينيين على أن «الوضع الفلسطيني» كارثي بكل معنى الكلمة، وهو يؤكد صحة المقولات التي كثر تداولها حول القضية الفلسطينية، وأشهرها وصفها بأنها «أعدل قضية وأسوأ محام»! والمحامي السيئ المقصود هو المحامي الفلسطيني وليس غيره. والمتعاطفون مع الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته كثيرون، لكنهم لو أرادوا اليوم اتخاذ موقف تجاهها استناداً إلى ما يقوله «المحامي الفلسطيني» فسيكون مصيرهم الضياع والتيه وعدم معرفة الموقف الذي يترتب عليهم أن يتخذوه!

وإذا ما تركنا السلطة الفلسطينية ومواقفها، وما يصدر عن منظمة التحرير ومؤسساتها منتهية الصلاحية، والفصائل العديدة، ومؤتمرات الشتات، وتوقفنا فقط عند «النخبة المثقفة» التي يفترض أنها الحصن الأخير في الدفاع عن الشعب ومصالحه وحماية قضيته الوطنية، لتأكدنا من صحة ما قلناه أعلاه. ففي هذه الأيام التي أصبحت فيها عصابات صهيون، قيادات رسمية وزعامات استيطانية، تعلن عن أطماعها في كل فلسطين بوصفها جزءاً من (أرض «إسرائيل»)، وتمارس ترجمات هذا الإعلان على الأرض بكل الوسائل القهرية و«القانونية»، إضافة إلى أساليب اللصوصية المختلفة، بما يحقق أطماعها التوسعية الاستعمارية، في هذه الأيام تنضم «النخبة المثقفة» الفلسطينية إلى مواكب التائهين الرسميين وشبه الرسميين، ومثلهم لا يتفق على جواب للسؤال الحائر منذ سنوات: ما العمل؟!

وعليه يكون السؤال: كيف تواجه «النخبة» الوضع الكارثي القائم؟

يقول أحدهم، وهو «يصف حالنا»، وكان ممن رأوا في «اتفاق أوسلو» نافذة يمكن الولوج منها إلى «المشروع الوطني»، يقول: «الأمر المقلق هو أن قيادتنا جعلتنا في وضع غير جاهزين على الإطلاق للمواجهة… وهي تكتفي بالمراقبة، والتحليل، والانتظار من النقيض إلى النقيض، من التفاؤل المفرط إلى التشاؤم المبالغ فيه، وهذه إحدى علامات العجز وانعدام الإرادة على الفعل»! وبعد أن يستعرض مواقف «الفصائل» لا يجدها أفضل من مواقف «السلطة»، وتكون المحصلة أن طريق المفاوضات مسدود وكذلك طريق المقاومة! ويبقى كما يقول: «الرهان كان ومازال على الشعب الذي فجر 18 ثورة وانتفاضة منذ الغزوة الصهيونية الأولى، وهو قادر على تفجير ثورة أو انتفاضة جديدة تغير الموقف وتنقله رأساً على عقب في ظل وجود إرهاصات عديدة ومتعاظمة يحاول فيها أفراد ومجموعات طرق جدران الخزان»! كلام جميل، لكنه لا يجيب عن السؤال!

عضو آخر من «النخبة» توقف أمام «اتفاق أوسلو» وتبعاته، ورأى أن «الحل هو التعامل مع الواقع الحالي، ومع نتائج أوسلو، من دون تضييع الوقت في الخطابة بشأن الاتفاق». ويضيف: «يمكن وضع خطة للتراجع، من دون معضلات إعلان الإلغاء من طرف واحد رسمياً، أو نشر التوتر داخلياً على خلفية الاتفاق. فمثلاً يمكن وضع قائمة بأضرار أوسلو والعمل قدر الإمكان على معاكستها، ويمكن لسائر الأطراف الفلسطينية القيام بها كل من موقعه»! لكنه لم يقل لنا كيف يمكن لهذه الخطة أن تنجح والوضع الفلسطيني على حاله، وكم من الوقت تستغرق، مع الأخذ في الاعتبار أن الخصم «الإسرائيلي» سيعمل على إفشالها ! بعبارة أخرى، هذه الخطة لا تجيب عن السؤال!

عضو ثالث، يطرح السؤال مباشرة ويقول: «نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة، تطال كافة جوانب حياتنا من القمة حتى القاع، مراجعة تضع النقاط على الحروف بشكل جدي، تعترف بوجود الأزمات وتعترف بالأخطاء ولا تكتفي بالتشخيص. نحن بحاجة إلى ترجمات عملية، ترجمات تضمن المحاسبة والمساءلة الجدية، تبعد وتحاسب كل من ارتكبوا خطايا وجرائم بحق شعبنا ومشروعنا الموطني»! هذا الجواب لا يجيب عن السؤال المطروح، إذ عليه أن يخبرنا من يحاسب من، وكيف يمكن ذلك في الظروف الراهنة، لكنه لم يفعل!

ورابع يرى أنه: لم يعد ممكناً الحديث عن استراتيجية وطنية فلسطينية موحدة في مواجهة التحديات المتكاثرة التي تباعد إمكانية تحقيق أي من الاستراتيجيات المعتمدة من قبل طرفي المعادلة الفلسطينية. لا برنامج المقاومة، ولا برنامج البحث عن السلام من خلال المفاوضات أو غيرها قادر أن يفعل ذلك «إذاً ما العمل»؟ يقول: «ولكن لا مناص من مراجعة البرامج والرؤى القائمة، ولاعتماد استراتيجيات جديدة نظيفة من الشعارات، والدعوات، والمطالبات، استراتيجيات واقعية، معلنة، تأخذ في الاعتبار مجمل التحديات، والإمكانيات، وأولويات المواجهة»! مرة أخرى نحن أمام مطلب المراجعة، ولكن يبقى السؤال: من يراجع وكيف؟ وما معنى «استراتيجيات واقعية نظيفة من الشعارات»؟

في ضوء هذه الأجوبة القاصرة، وفي ضوء الاتفاق على أن الوضع الكارثي الراهن ناجم عن «اتفاق أوسلو» ونتائجه، يبدو أن الجواب الوحيد هو أولاً إلغاء الاتفاق، طالما أن الجانب «الإسرائيلي» لم يلتزم به وألغاه عملياً، وثانياً إطلاق الجماهير لمواجهة الاحتلال وسياساته.

قد يعجبك ايضا