ترامب والمنطقة / د.عزمي منصور

 

د.عزمي منصور ( الأردن ) السبت 4/2/2017 م …


منذ ان دخل تر امب معترك الانتخابات الرئاسية في امريكا ،فقد كان موضع جدل،سواء داخل الولايات المتحدة الامريكية،او في العالم والعالم العربي خصوصا ،حيث كان رهان ما يسمى بدول الاعتدال او الاعتلال العربي على منافسته هيلاري كلينتون ،وكان رغبة البعض الاخر نجاح ترامب نكاية في سياسة منافسته ،ونكاية بسياسات دول الاعتلال العربي،وهنا لا بد من التذكير ان الولايات المتحدة دولة مؤسسات،رغم بعض الصلاحيات للرئيس التي تمكنه من ترك بصماته،ولكنه ليس مطلق الصلاحيات،فهناك المؤسسة العسكرية،ومجلس الامن القومي ،وادارة الخارجية،والكونغرس ومجلس الشيوخ،ووراء كل ذلك لوبيات النفط والسلاح والبنوك والتجارة،بالاضافة الى اللوبي الصهيوني وجماعات ضغط اخرى ،وعليه فان الرئيس الامريكي الجديد من خارج المؤسسة التقليدية السياسية ،واستطاع كملياردير ان يمثل الحزب الجمهوري ،ويفوز بالانتخابات الرئاسية ليكون الخامس والاربعون للولايات المتحدة الامريكية،رغم الضخ الاعلامي ضده،وتكهنات مراكز البحوث والدراسات على فوز منافسته كلينتون ،ورغم انها كانت حملة غير مسبوقة من حيث التدني والانحطاط الاخلاقي ،الا انه فاز في هذه الانتخابات بنسبة جيدة غير متوقعة،مما يعكس انقلابا داخل البنية التقليدية،والدولة العميقة ،حيث انه على مدى عقد من الزمن كانت الفئة المستفيدة هي فئة مصانع السلاح وتجار النفط بالدرجة الاولى ،وقد شهد ذلك العقد ازمة الرهن العقاري وانهيار بعض المصارف ،وتململا في بعض الاوساط الاقنصادية خاصة العقارية،حيث يمثل ترامب بعضها ،فهذا التحالف الجديد من المتضررين هو من كان خلف نجاح ترامب ،ولكن هل سيكون هذا التحالف الجديد داخل الدولة العميقة متحررا من الضغوط التقليدية ،ام سيكون متاثرا بها ،واخذا مصالحها بعين الاعتبار ،رغم انها لم تكن من داعميه في حملته الانتخابية، التي تكفل بمعظم نفقاتها شخصيا؟                                                                                                    

ان المتتبع لتصريحات ترامب وتعييناته يلاحظ انه يمثل التحالف الجديد،ولديه رؤيا مختلفة عن الادارة السابقة في كثير من الموضوعات الداخلية والخارجية ،حيث منذ استلامه لمنصبه عمل على الغاء برنامج اوباما كير،على الصعيد الصحي ، وكذلك اعلانه عن برنامج لحماية الصناعات الامريكية في وجه الصناعات الصينية خاصة ،واجراءاته لمنع تدفقمزيد من المهاجرين خاصة من المسكيك المجاورة،ومن دول عربية واسلامية ،وايجاد وظائف للامريكيين ،حيث صرح ابان حملته الانتخابية بانه سيكون الرئيس الامريكي الاكثر ايجادا للوظائف وفرص العمل لدى الامريكيين ،هذا على الصعيد الداخلي ،اما على الصعيد الخارجي :فكانت تصريحاته ناعمة اتجاه روسية وتعكس رغبة بالتعاون بدلا من العداء كما كانت الادارة السابقة،وتصريحاته بالقضاء على الارهاب والتطرف الاسلامي الراديكالي في حين كانت الادارة السابقة تسنثمر بالارهاب وحاضنة لبعض الجماعات الاسلامية ،وقد اتهم ترامب ادارة اوباما وكلينتون بدعمهم لتلك التنظيمات الارهابية ،كما انتقد سياسة الادارة السابقة اتجاه ايران ،واعتبر ان مفاوضات الخمسة زائد واحد مع ايران ،وما تمخض عنه من اتفاق من اسوأ ما يمكن ،واعدا بعدم العمل به ،كما ابدى تصريحات عدائية اتجاه الصين وكوريا الشمالية ،بالاضافة الى موقفه من الامم المتحدة التي يريدها ان تكون اداة بيد ادارته وتتمشى وفق سياسته والا لن يدعمها ماليا ،وكذلك بالنسبة لحلف الاطلسي الذي اعتبره حلفا قد شاخ ،وعلى اوروبا ان تدفع بدل الحماية لكون امريكا هي العمود الفقري في هذا الحلف ،وكذلك على الدول الخليجية وغير الخليجية ان تدفع بدلا لحمايتها ،واعلن موقفا واضحا بدعم الكيان الصهيوني ورغبته في نقل السفارة الامريكية من تل الربيع الى القدس ،واعلن ايضا عدم جدوى سياسة الاطاحة بالانظمة السياسية للدول ،(وقد تفائل البعض بهذه الجزئية ،بالاضافة الى نيته محاربة والقضاء على الارهاب ).
رغم ما يبدو من تناقضات في تصريحات ترامب ،التي بعثت على التفائل لدى البعض ،والتشاؤم لدى البعض الاخر ،الا اننا يجب ان لاننسى ان هذا الرئيس هو رئيس الولايات المتحدة الامريكية ،ذات الارث الاجرامي والعدواني منذ التكوين وحتى يومنا هذا ،وان هذا الرئيس هو ابن الثقافة الامريكية البراغماتية ،وابن ثقافة العنف والتمييز المبطن ،وان هذا الرئيس يتماهى مع رموز الكيان الصهيوني ،لكونهم من نفس النبته والتكوين ،من نفس الكيانات التي قامت على النهب والسلب والاغتصاب والقتل والاجرام لاصحاب الارض والحق ،انهم يمثلون مجاميع بشرية وعصابات تحت مسمى دولة ومؤسسات .لذا لن يشذ هذا الرئيس عن السياسات السابقة خاصة على الصعيد الخارجي ،وسيكون محكوما بثقافة البراجماتية الامريكية ،خاصة وانه رجل اعمال قد يتصرف في ادارة الدولة كما يتصرف بادارة شركة كبرى عملاقة ،هدفها الربح الوفير ،ومن هنا لا يعنيه ان كان هذا البلداو ذاك ديمقراطيا ام لا ،او تضطهد مواطنيها ام لا ،المهم لديه ان من يريد دعم الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا واعلاميا ودبلوماسيا عليه ان يدفع بدل هذا الدعم او الحماية ،وبهذا الوضوح يكون قد اسقط الشعارات الزائفة للادارات السابقة التي احتلت ودمرت ونهبت العديد من البلدان باسم الديمقراطية وحقوق الانسان واكاذيب متعددة .
من الواضح ان سياسة ترامب ستقوم على الابتزاز ،حتى باتت بعض الدول الاوروبية تتوجس خيفة من سياسته الابتزازية ،وكذلك ايران التي بات يطلق التهديدات والعنتريات اتجاهها خاصة مع اطلاقها لتجربة صاروخ بالستي،عدا عن رفضه للاتفاق النووي ، واعتبارها دولة تشيع عدم الاستقرار بالمنطقة ،من الواضح ان سياسة ترامب لها مصلحة بابقاء التوتر مع ايران،وذلك لدغدغة مشاعر الدول الخليجية لاستمرار ابتزازها عبر مزيد من التسلح وشراء السلاح والدعم ،ودفعها للتحالف العلني مع الكيان الصهيوني ،عبر هذا (العدو المشترك )،وبهذا ايضا يدغدغ مشاعر الكيان الصهيوني ،ويعمل على اطمئنانه ،هذا من جهة ومن جهة اخرى محاولة ابقاء ايران في حالة من القلق والتوتر ،عسى ان يؤدي هذا القلق والتوتر الدائم الى بلبلة داخلية وتذمر في الاوساط الشعبية ،كمقدمة لثورة ملونة او اضعاف للنظام والدولة الايرانية من خلال مزيد من التسلح على حساب رفاهية ومتطلبات الشعب الضرورية .

اما بالنسبة لسورية ،فان تصريحاته باقامة منطقة عازلة او امنه بحجة ايواء اللاجئين ،او اعادة بعضهم ،فانها تصريحات تخفي ورائها الكثير ،فهي تتماهى اولا مع المطلب التركي ،الذي نادى بذلك مبكرا ولكن لقي مطلبه رفضا من الادارة السابقة وغيرها من الدول ،كما ان هذا التصريح يتماهى مع بعض الدول الخليجية التي اعلنت تأييدها له فورا ،فلماذا هذا التصريح ؟انه بلا شك يلوح لتركيا ان لا تبتعد كثيرا بتقاربها مع روسية ،ويلوح لبعض القوى السورية المعارضة ومنها الكردية الطامحة للانفصال او الفدرالية ،انه بالامكان تطوير المنطقة الامنه في الشمال السوري لتكون وفق طموح الاكراد ،على ان تكون منزوعة السلاح ،ومنطقة حظر على الطيران السوري ،لتطمين الجانب التركي وضمان موافقته ،وتطمين الجانب الكردي ،وكذلك ورقة للمعارضة السورية علها تجد في هذه المنطقة ملاذا لها لتجميع قواها او اعلان حكومة مؤقتة من هناك تناوئ الحكومة الشرعية ،وايضا ابتزازا لسورية لتخفيض سقف مطالبها ،والتشكيك بتحالفها مع روسية .حقا انها مسالة معقدة ،ومن الصعب تطبيقها دون وجود قوات امريكية على الارض وقوات حليفة لها ،ولكن هل ادارة ترامب مستعدة للتورط في المنطقة مجددا،وهي تدرك حجم الخسائر والاستنزاف الاقتصادي من تدخل الادارات السابقة ؟ام ان هناك قوى ولوبيات تريد دفع ترامب الى هذا التورط خاصة وانه حديث العهد بالسياسة ؟ومن جهة اخرى هل ستسمح روسيا وايران بمثل هذا التدخل ،خاصة بعد مؤتمر استانه ،وقرارات مجلس الامن التي تنص على الحفاظ على وحدة الاراضي السورية ؟كما ان الدولة السورية لن تسمح لمثل هذا المشروع ان يمر ،فالجيش السوري الذي دفع الغالي والنفيس على مدار ست سنوات من الحرب والمواجهة والدمار ،لن يسمح باقتطاع شبر واحد من الاراضي السورية تحت اي ذريعة او مسمى ،وان مصير مثل هذا المشروع الى فشل ذريع سواء في الشمال او الجنوب ،وان اقصى ما تستطيع ان تفعله امريكا في هذه المرحلة ،ارضاء للكيان الصهيوني ومقابل الدفع من بعض الدول الخليجية ،هو تدمير مزيدا من البنى التحتية السورية ،واطالة امد الحرب لاستنزاف الجيش السوري والدولة الوطنية السورية لزيادة كلفة الاعمار .

من كل ما تقدم يتضح ان الولايات المتحدة الامريكية ،مهما كان الرئيس المنتخب فان سياستها اتجاه بلادنا ثابته ،كما هي السياسة البريطانية والفرنسية ،حيث ان الكيان الصهيوني هو الحليف الاستراتيجي ،وان امن هذا الكيان الغاصب ،والقاعدة المتقدمة والمستودع للسلاح الامريكي ،هو من اولويات سياسة تلك الدول ،وان العالم العربي هو مجرد مناطق نفوذ،وخزان نفط وسوقا استهلاكية للقوى الاستعمارية القديمة والحديثة ،ويجب ان تبقى المنطقة في حالة تخلف دائم ،ولا مانع من ارجاعها حتى لقبل العصور الوسطى من خلال تشجيع ودعم واسناد قوى ظلامية تعيث فسادا وتدميرا بالبلاد والعباد ،وكذلك ايجاد عدو وهمي لنا لحرف الصراع عن مساره الطبيعي والتاريخي ،مما يعني تبديد ما تبقى من ثروات ومزيد من الاستنزاف للجهود والامكانات والدماء في غير مكانها الصحيح ،والعودة بنا الى حالة ما قبل المجتمع المدني،طوائف ومذاهب واثنيات وعشائر وجهويات متصارعة ،تحكمها سيطرة السياسات الخصوصية ،وفوضى العمل القومي ،والاتكالية والتبعية .  

اننا امام صراع طويل وشاق وعنيف يتطلب منا مزيدا من الوعي والمعرفة ،كما يتطلب كل ذرة من ذرات قوانا الفاعلة واطلاق طاقاتنا الكامنة ،وعلينا ان ندرك ان انتصار المصالح العليا في صراع الحياة يقرر بالقوة بعد ان يقرر بالحق ،يقرر بالقوة المؤيدة بصحة عقيدة جامعه ،تجمع ولا تفرق ،وبالايمان بعدالة قضايانا ـوبالاستعداد للتضحية وفق خطة مدروسة علميا تسير بنا نحو النصر وقتل راس التنين الذي يتربص بنا .

قد يعجبك ايضا