في فقه المواريث … نعم يرث غير المسلم من المسلم والمسلم من غير المسلم / الشيخ مصطفى راشد

 

الشيخ مصطفى راشد ( مصر ) الخميس 5/1/2017 م …

ورد لنا عبرموقعنا على الإنترنت سؤال من الدكتورة – مريم تادرس — تقول فيه أنها مسيحية ومتزوجة من مسلم منذ 25 عاما وكانت تضع كل دخلها من عملها بين يدى زوجها حتى أصبح لديهم عمارتين وقطعة أرض وشاليه وبعض الاموال بحساب بنكى وكل ذلك باسم زوجى الذى احبه ، لأن هذا هو الوضع الطبيعى فى عادتنا الشرقية ، لكن القدر لم يمنحنا خلفة أولاد ، رغم أننى طبيعية لكن حب زوجى لى جعلنى اتمسك به ، وأتمنى أن أموت قبل زوجى ، لأننى سمعت أنه لو مات زوجى قبل منى فلن أرث منه شىء ، وحتى لو وهب أو باع لى شىء فمن الممكن لأبناء أخوه أن يطعنوا فيه، لأنهم الورثة الشرعيين ،وأنا لا أرث فهل هذا فعلا هو العدل والشرع الإسلامى ؟ وللاجابة على هذا السؤال نقول :-

بدايةً بتوفيقً مِن اللهِ وإرشاده وسَعياً للحق ورِضوَانه وطلباً للدعم من رُسله وأحبائه ، نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام ، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد فى الأعالى ، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد ابن عبد الله –، ايضا نصلى ونسلم على سائر أنبياء الله لانفرق بين أحدً منهم ——– اما بعد

فميراث غير المسلم من المسلم قد حرمه الكثير من الفقهاء ، رغم عدم وجود نص صحيح شرعى من القرآن الكريم أو الأحاديث الصحيحة المتواترة يحرم ذلك الميراث أو يمنعه ، مما يعنى أن هؤلاء الفقهاء أتو بشرع لم يأتى به الله ، وللأسف سارت الحكومات الإسلامية على هذا الشرع البشرى المخالف لشرع الله كالقطيع دون تفكير أو احترام لعدالة السماء ، وكى يدلل أصحاب التحريم على رؤيتهم المتعصبة المخالفة لشرع الله، فقد اتو ببعض النصوص فى غير موضعها وأحاديث غير صحيحة لأثبات شرعهم ،مثل إستنادهم لقوله تعالى ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 141] وهو إستناد خاطىء وفى غير محله فالآية أولاً – لا تتكلم عن المسيحيين واليهود لأن الآية تتكلم عن الكفار وهما أهل كتاب كما أن الآية فى أولها كانت تتكلم عن المسلمين المنافقين لكن ايضا الآية لا تتكلم عن الميراث بل تتكلم عمن يتربصون بالمسلمين العداء والحروب والنفاق ويدعون الإسلام ليشاركوهم فى الغنائم وأن الله سيحكم ويفصل بينهم يوم القيامة وذلك يتضح لو قرآنا الآية 141 كاملة (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا )

كما أستدلوا ايضا بقوله تعالى فى سورة البقرة آية 120 (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) وهو ايضا استدلال غير صحيح تماما لأن الأية تتكلم عن بعض اليهود والنصارى اللذين رفضوا الإيمان برسالة محمد (ص) وحاربوه وحاربهم ولا صلة لها بالميراث مطلقا ، — ايضا استند أهل التحريم إلى احاديث غير صحيحة منقطعة السند والمصدر رغم ورود بعضها فيما يسمى بكتاب منسوب للبخارى بأن الرسول (ص) قال (لا يرث المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ ) وايضا

بحديث جابر بن عبد الله –(ض) – أن النبي –(ص) – قال: «لا يرث المسلم النصرانـي، إلا أن يكون عبده أو أمته) وهو ايضا حديث ضعيف بسند مقطوع

ايضا استندوا لحديث منسوب للرسول (ص) (لا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ) رواه الترمذي، وهو حديث غير صحيح منقطع ومنتفى المصدر لأن مخطوطة الترمذى لا يوجد لها أصل أو نسخ ومن يقول بغير ذلك عليه أن يقدم لنا المخطوطة أو نسخ منها

كما أن القرآن الكريم أعطى للمرأة الكتابية ممن أوتوالكتاب مسيحية أو يهودية حقوقها بنص صريح فى قوله تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُو الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ولا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) المائدة/ 5 مما يعنى أن أهل التحريم وضعوا شريعة ضد شرع الله لضمائرهم المريضة أو لأفقهم الضيق أو لجهلهم — سامحهم الله فقد أظهروا شرع الله بالظالم الغير عادل حاشا لله .

هذا والله من وراء القصد والابتغاء — والله المستعان

الشيخ د مصطفى راشد عالم أزهرى وأستاذ الشريعة الإسلامية

ورئيس الاتحاد العالمى لعلماء الإسلام من أجل السلام

وعضو نقابة المحامين المصرية وإتحاد الكتاب الأفريقى الأسيوى

ورئيس منظمة الضمير العالمى لحقوق الإنسان

E: [email protected]

قد يعجبك ايضا