عَمّان بِلا بُوصَلة / فهد الطاهر

 

فهد الطاهر ( الأردن ) الخميس 8/12/2016 م …

وقفت بقول مشهود بأيلول العام 2012 محذراً بلادي من مغبة الإنخراط التكتيكي و الإستراتيجي بالمشروع الصهيو-خليجي أو إعتناق العقيدة المارنزية المتهرطقه فعلاً أو قولاً ولكن صُمّت القلوب وغُشِيت العقول، بمقالتي هذة اريد توضيح المزيد لمن يهمة الأمر.

سياسة بلادي مبنية على المصالح الاَنية واستفحلت ثَملاً بِقصَر النظر، كما قُلت سابقاً سأعيد الأن (سياسة العود الأخضر لم يعد بالإمكان تطبيقها). و المقصود هنا بأن التمايل مع رياح الضغوطات الخارجية إلى أن تخف أصبحت عملية شبه مستحيلة، لأن العود الأخضر قد جف ولم يعد يحتمل التمايل فهبوب الرياح القادمة سوف تكسر هذا العود وتقوض تارخاً بُني من عشرينيات القرن الماضي بلارجعة.

ما جفف هذا العود هو الفساد الذي أستطيع أن أجزم بكل ثقة بأنه وصل إلى حد لا يمكن التخلص منه إلا بمعاناة ألام البتر. ولكن هل يتوقف الفساد على نهب أموال الشعب و التضييق عليهم بأرزاقهم وحياتهم وتعطيل الحياة الديمقراطية بالبلاد؟ لمن يتسائل!أستطيع بكل ثقة أن أقول (بالطبع لا).

فهذة السياسات شحيحة الفكر وعديمة النظر قد ذهبت لما هو ابعد من ذالك لتخرجنا من مربع الأزمة المحلية التي تكلف الدولة عادة القليل من القهوة والكثير من العطوات بتشييخ من يستطيع حل الأزمات لحساب الدولة إلى مربع الصراع الدولي وتمركزنا بنصفه بلا حلفاء ولا أصدقاء والكثير من الغاضيبين.

المملكة السعودية التي أصبحت مديونتها أكبر من الأردن والولايات المتحدة التي ستبدأ مرحلة التقوقع للحفاظ على ما تبقي من إنجازاتها الصناعية من جهة والدخول بحرب إقتصادية ضروس مع الصين أولا وروسيا ثانياً عنوانها العملة والتجارة الدولية لن تجد وقتا أو مصادر لتدعم عَمّان بفسادها كما بالسابق، والجدير بالذكر هنا بأن كيان العدو فقد قدرتة على تحقيق مكتسبات إستراتيجية أو حتى عسكرية محلية ليكون محط الإستثمار الجيد لدى النظام الأمريكي و النظام البريطاني ، فهو ايضاً الأن مشروع مكلف بلا نتائج بالنسبة لهذة الأنظمة.

مع ترنحنا الديمقراطي المحلي الظاهر للأعمى و الذي سمع عنه الأطرش ومع شدة إنحسار الحريات الحزبية و محاربة الوطنيين الشرفاء بشكل مباشر و غير مباشر خدمة لزمرة الفساد وضعت بِلادنا على سِكة الإنهيار الحَتمي وما أكد حتمية إنهيارنا هي مخرجات المجلس التشريعي الذي بنفسة شرعن للفساد وقنن مجارية بأروقة الدولة.

مع الأسف عَمّان لم تسمع من شرفائها ولا من مواطينيها المخلصين واَثرت الإنصياع للمصالح الضيقة المبنية على شخصنة الدولة وليس شعبويتها وهي الأن بمربع لاتستطيع فيه أن تعود للوراء لتُخِلص سياستها للعروبة و الجيران ولا المضي قدماً بالإستنفاع اللحظي الزائل. فقد زالت المنفعة اللحظية ولايوجد مكان لعَمّان على فراش المتغيرات الدولية المستقبلية.

الدولة الأن تعيش أزمة وجود حقيقية مع الداخل و الخارج وما يُمسك ما يُسمى “بالأمن و الأمان” هو المواطن وليست حِنكة الدولة. فبعد ما فقد المواطن الأمن الإقتصادي والوظيفي و فقد الأمن التعليمي ولم يبقي من الأمن التشريعي شيئ مازالت الدولة تعطف مفهوم الأمن على عدم هطول صواريخ على رأس المواطن وتقنن هذا المفهوم و تستهلكه إستهلاكاً سمجاً لا يليق بعقول شعب يعيش بعصر المعلومات و الثورة الإعلامية، فأخبار الدولة لم تعد تقتصر على المخاتير ووجهاء العشائر.

من الجدير بأن نذكر ما تحدث بة نائب حاكم القدس نجيب عازوري المولود بريف فلسطين أن ذاك بقرية عازور بجنوب لبنان حالياً بكتابة “يقظة الأمة العربية(Le réveil de la nation arabe)” المطبوع سنة 1905 والذي قال فيه بصفحة 41 “(أن ظاهرتين متشابهتي الطبيعة، بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا أنتباه أحد حتى الأن،تتضحان في هذة الأونة في تركيا الاسيوية أعني يقظة الأمة العربية وجهد اليهود الخفي لأعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة – (مع تحفظنا على إستخدامة مصطلحات توراتية تفيد حق اليهود بفلسطين ولكن أقتبس كما كتب) وتابع: أن مصير هاتين الحركتين هو ان تتصارعا بإستمرار حتى تنتصر أحداهما على الأخرى)”. ومايحدث الأن ماهو إلى المرحلة الأخيرة من هذا الصراع، وبلادي مازالت لاتتعامل على أن مايحدث بسوريا هو إحدى هذة المعارك العربية القومية الشريفة والتي يخوضها الجيش العربي السوري ولاحقاً حلفاؤه نيابة عن الأمة العربية وما زالت الدولة لاتعي بأن مايحدث من نتائج بسوريا ستؤثر بشكل مباشر على عَمّان ليس فقط سياسياً وعسكرياً فحسب بل إستراتيجياً ووجودياً أيضاً.

على عَمّان أن تدرك بأن رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة الأن ليست كسابقاتها أبداً ولن تستطيع أن تنثني وتعود للوقوف مرة أخرى، و على الدولة أن تعي تماماً بأنها فشلت فشلاً ذريعاً بقراءة الموقف وإدارته ولن يتسع فراش أحد لها بسبب هذا التسيب الإستراتيجي والسياسي الذي نهجته الدولة بأسم الشعب.

لاشك عندي بالإنهيار القادم لتراكم الأخطاء والإمعان بارتكابها من جهة وعدم إتخاذ أي خطوات لحلها من جهة أخرى. أما عن لحظة الإنهيار الشامل والتام لها عدة أوقات ومواقف، والموقف الوحيد الذي أستطيع تأكيده بكل ثقة بعد بيع كل ممتلكات الدولة وتشريع “قانون التخاصية” هو اللعب بأموال مؤسسة الضمان الإجتماعي والتي سيكون الحلقه الأخيرة في مسلسل الصراع الداخلي فمحاولة مد اليد عليها بعد الفشل الإقتصادي وما صاحبه من نقمة شعبية، والفشل السياسي وما أعقبه من نكبة أستراتيجية وعدم محاربة الفساد وما عاقره من دفن الغضب شعبي سيكون هذا الوقت هو نهاية قرن جميل بكل ابعاده السياسية، الإجتماعية.

عَمّان الأن بلا بوصلة إقتصادية ولا بوصلة سياسية وعلى من يملك الأمر أن يعي ويعتقد بأنه (إن ربعك جنوا عقلك مابنفعك وللذي رمي الحجر بالبئر مئة شيخ معقل “لابس عقال” ما طلعو).

فهد الطاهر

قد يعجبك ايضا