حكام لم يتعلموا دروسهم من الربيع العربي / د. عبد الحي زلوم

 

د. عبد الحي زلوم ( الجمعة ) 2/12/2016 م …

** في تقرير للامم المتحدة وتحليل للايكونوميست: عالم عربي في حالة تقهقر وانحطاط و اليقظة العربية الجديدة تلوح في الافق

في مقالٍ بتاريخ 29/11/2016 في مجلة الايكونوميست نوهت فيه أن العالم العربي يُكون 5% من سكان العالم ولكنه يسبب حوالي نصف اعمال الارهاب ونصف أعداد اللاجئين في العالم . تَذْكر المجلة أنه قبل شهر من ثورة يناير 2011 بحثت الوزارة المصرية تقريراً عن حالة الشباب بيّن أن 16% فقط من الشباب ما بين 18-29 سنة صوتوا بالانتخابات الاخيرة وبعد اسابيع قليلة ملء هؤلاء الشوارع لينقلبوا على الرئيس مبارك.   كما تستشهد المجلة بتقرير للامم المتحدة نشر أيضاً في نفس التاريخ 29/11/2016 يبين أنه بعد 5 سنوات من ثورات الربيع العربي ما زالت الانظمة العربية أكثر طغياناً وشدةً على أصحاب الرأي الآخر وأقل اهتماماً بمعرفة اسباب ذلك الاختلاف . تقول المجلة : في 2002 كان هناك خمس دول عربية يشوبها الصراعات أما اليوم فهناك 11 بلد عربي تسوده القلاقل والصراعات . ويتوقع التقرير أن يعيش 3 من كل 4 من العرب في سنة 2020 في بلادٍ إما تسودها الاضطرابات أو هي على وشك ذلك.

أما الارقام المرعبة فكانت أن 68% من الوفيات في العالم الناشئة عن الاقتتال هي من العرب و 47% من المهجرين داخل أوطانهم في العالم هي من العرب و58% من اللاجئين خارج أوطانهم في العالم هم من العرب . أضف الى ذلك ملايين الجرحى ودمار البنية التحتية في بلاد الصراع . وما لم تقله المجلة أن هذا الدمار الفظيع كان بأيدي عربية وبترودولارات عربية يديرها عرب بالوكالة عن المستفيد الاول القابع من وراء البحار. بالنسبة للوكلاء: الحفاظ على كراسيهم ومن بعد ذلك الطوفان.

أما الشباب من الفئات العمرية بين 15-29 فهم 105 مليون. ولكنّ معدل البطالة والفقر والتهميش يتزايد بسرعة. فنسبة البطالة بين الشباب تزيد عن 30% وهي أكثر من ضعف المعدل العالمي كما أن اكثر من نصف الشابات لا يستطعن ايجاد عملٍ لهن مع أن المعدل العالمي هو 16% . ويصل تقرير الامم المتحدة الى أن اوضاع اليوم اكثر سوءاً مما كانت عليه قبل الربيع العربي .

تقوم الانظمة العربية بتشديد قبضتها لمعالجة التهديدات الامنية بل وتقوم بتحويل رأس المال المخصص للتنمية لشراء الاسلحة . وبالرغم من ادعاءات الأُخُوَة بين الدول العربية فإن التنقل بينها من الصعوبة بحيث أنه من الاسهل الحصول على تأشيرات للدول الاوروبية مما هو ممكن لكثير من الدول العربية علماً بأن السفر بين بقاع العالم العربي كانت متاحةً بلا حدود اثناء الحكم العثماني قبل 100 سنة كما تقول المجلة .

يرى التقرير أن حالات الاضطرابات تسود العالم العربي كل 5 سنوات فمثلاً في دول شمال افريقيا كانت تلك الحوادث في سنوات 2001 ، 2006 ،2011 . وكانت كل مرّة تكون أعنف من سابقتها . و يضيف التقرير في فقرته الاخيرة أن الجيل الجديد في المنطقة العربية هو الاكبر والاكثر علماً وثقافة وتحضراً من أي وقت مضى حيث وفرت وسائل التواصل الاجتماعي أن يتواصلوا مع العالم أكثر من اي وقت مضى ولكن المشكلة ان حكامهم لا يعرفون ما يفعلون أو يتصرفون معهم . هؤلاء الشباب قنابل موقوتة!!!

***

ما سبب المشاكل في العالم العربي يا ترى ؟

يمتلك العرب ما يجمعهم أكثر كثيراً مما تمتلك الولايات المتحدة بل والهند والصين. ففي الولايات المتحدة هناك أقليات متعددة يتم تجاهها اقصى أنواع الظلم الاجتماعي والاقتصادي. فمثلاً يمتلك 1% من الامريكان مجموع ما يمتلكه 50% من الشعب الامريكي. وهناك حسب الاحصائيات الرسمية حوالي 50 مليون أمريكي تحت خط الفقر وعشرات الملايين ممن يملكون ثروة سلبية أي موجوداتهم تقل عن مطلوباتهم ومديوناتهم . بل وهناك ملايين من الامريكان لا يتكلمون الانجليزية مثل المكسيكان في كاليفورنيا والجالية الفرنسية في لويزيانا …الخ . كما أن الولايات المتحدة تحتوي على اثنيات متعددة تدعي الدولة أنها بوتقة لصهرهم . ولكن الاحداث وخصوصاً الانتخابات الاخيرة قد اثبتت أن البون واسع بين المؤسسة الحاكمة وبين غالبية فئات الشعب المغلوب على أمرها .

فلنأخذ الهند كمثال آخر . فالهند بها من العرقيات من أكثر عدد العرقيات في العالم. ويوجد في الهند 8 اديان كبرى و 15 لغة يتم التحدث بها بـــ844 لهجة . لكنها تجاوزت ذلك وأصبحت قوة اقتصادية عالمية ومركزاً عالمياً لتكنولوجيا المعلومات وقوة نووية ضاربة .

فلنأخذ الصين كمثال آخر : يوجد بالصين 56 من العرقيات المختلفة ويوجد بها 297 لغة حيةً مع أن الاكثر استعمالاً هي 8 . وفي كثير من الاحيان لا يفهم اصحاب اللغة الواحدة اصحاب اللغة الاخرى . ولقد تم استعمارها من اليابان والانجليز حتى فترات ليست بعيدة بل وشنت بريطانيا عليها الحروب لان الصين حَرَمَت تجارة واستعمال الافيون وكانت الحرب البريطانية لفرض إعادة تجارة الافيون واستعماله وإجبار الصين على الغاء قانون الحظر وكانت هذه الحروب تسمى بحروب الافيون . وكان تخدير الشعب الصيني هدفاً استعمارياً مما يذكرنا بإحصائية لستُ متأكداً من دقتها بان تعاطي المخدرات في بلد كالاردن قد زاد عن 20% في بلد كان لا يعرف بل ويتندر على البلدان التي كانت تنشط فيها عصابات المخدرات.

اذا كانت دولة عدد سكانها ما يزيد عن مليار من البشر كالهند او كدولة اخرى يزيد عدد سكانها عن واحد ونصف مليار وتعرضت تلك البلدان الى الاستعمار بأبشع انواعه كما تعرضنا له ويتكلمون عشرات اللغات واللهجات وتتكون مجتمعاتهم من اثنيات تزيد اضعافاً عن مجتمعاتنا العربية فما المشكلة وما السبب في نهوضهم وكبوتنا وانحطاطنا؟

إدعى احد ( فقهاء العرب ) أن المشكلة هي في الجينات العربية ونسي ان من يخرج خارج هذه المجتمعات يمكن أن يبدع وان يحصل على جائزة نوبل مثلاً . وإما أن تكون المشكلة بنوع الاستعمار الذي هيمن على بلادنا لفترات طويلة وأنظمة تعليمه وتكييفه للمجتمعات العربية خصوصاً لما تحتوي عليه هذه المنطقة من نفط هو المحرك للمدنية الاوروبية بكاملها وإختياره بل وتدريبه وتثقيفه وغسل دماغ من تمّ تسميتهم بالنخبة ليخلفوه في عهد ما يسمى بالاستقلال والذين يتم ادارتهم بالريموت كونترول في عصر المعلومات والأقمار الصناعية ووكالات الفضاء و الاستخبارات.

سيقول أحد افراد “النخبة ” يبدو أن هذا القول هو نظرية مؤامرة . ودعني اقول له بكل وضوح أن نظرية المؤامرة هي بحد ذاتها مؤامرة تهدف الى خنق بل وإغتيال البحث و التفكير الحر وهو في المهد كي لا يكشف مؤامراتهم. وسيكون لهذا البحث مقالٌ منفصل.

   * مستشار ومؤلف وباحث

قد يعجبك ايضا