من كان يتوقع؟ / رشاد ابو شاور

نعم، من كان يتوقع هذا الحدث العظيم الذي بمجرد حدوثه أذهل العالم، وفي المقدمة من كان ينتظره من دون مقدرة على تحديد ملامحه. قدرته الصادمة، هزّه للكيان الصهيوني بفعل “الطوفان”، وهو حقّاً طوفان، أذهلنا حتّى نحن، من كنّا ننتظره من دون أن نحدد صفاته وقدراته، وواضح أن من أعدّ له واستعدّ هو وحده من كان يعرف ما يُعدّ، وما سيكون عصفه الصادم والمبهر، وإلى أين سيوصل.

استيقظت من النوم ذلك الفجر، وإذا بعض أفراد أسرتي بأنفاس مبهورة، وبكلمات فيه لهوجة، وبلهاث، يتصايحون..فالتقطت بعضها، ثم جمّعتها، وإذا بها: أبطال قطاع غزة يقتحمون، ووقفت جامد الجسد والنظرات متأملاً. ثم فجأة صحت، ربما بشكل مسرحي: هذا ما كنّا ننتظره. أما من هم الذين أنجزوه فلا يهمني، فهم فلسطينيون، وهم أعدّوا لعدوهم ما يطيش صوابه، ويصدمه. فهو عدو ممتلئ بالغرور والعنجهية والتشوّف، يزداد توهماً بقدرته وهو يرى زحف حكّام (عرب) عند قدميه يتوسلون منه الحماية وبعض القوّة والرضى الذي يسرّ أميركا ويطمئنها على دوام احتلالها وهيمنتها على بلاد النفط والغاز التي لا هوية لها ولا طموح ولا قدرات تميزها، سوى السائل المتدفق من أرض باتت لمكتشفي النفط والغاز ولأسياد يهبون ما يقدّرونه بكرم منهم، ويأخذون كل شيء بتدوير الأموال في شراء أسلحة لا تلزم دويلات لا سيادة لها ولا انتماء، وفي بلاد بات الخنوع سمة رئيسية ثابتة لها.

من حقق تلك المعجزة، هكذا فكّرنا، ينتمي إلى شعبنا، هو منا، ولذا نحن منه، وبدأت الأسئلة تقرع رؤوسنا: إلى متى تمتد هذه الحرب التي شنّها “جيش” العدو على قطاع غزة؟ وهل فعلاً سينتصر بكل ما يتوفر لديه من أسلحة رهيبة، أميركية، على أبطالنا، إخوتنا، أبناء شعبنا..ويمسح (الضربة) المباغتة التي أنجزها أبطال “القسّام” في فجر 7 أكتوبر، ويؤدب كل من تسوّل له نفسه أن يمسّ هيبة “جيش” اعتاد الانتصار في كل حروبه مع جيوش العرب، وما لم ينتصر به صراحة في الميدان وضع اليد عليه بالسياسة والتفاوض مع مفاوضين يوجههم ساسة أفرغوا بطولات الجيوش في الميادين، كما فعل السادات في خواتيم حرب أكتوبر بعد كل بطولات جيشي مصر وسوريا.

أسفت على كل الغضب والنفور من “القسّام” وهي تتفرّج على الحرب التي خاضتها “سرايا القدس”” وحيدة، وندمت على كل التهم التي ألصقناها بها، وهمست للقسام عن بُعد: ما فعلتموه هو الذي ساعدكم في تحقيق مفاجأة “طوفان الأقصى”. أعددتم ما استطعتم وهو كثير كثير، وها هو فعله يتواصل حتى الشهر السابع..يا الله!

في الأيام الأولى بعد ضربة “الطوفان” التي زعزعت العدو وأضاعت صوابه، كنت قلقاً طوال الوقت، كل الأيام. ثمّ بدأت مخاوفي تتلاشى، ووجدتني أمضي بثقة خلف بيانات المقاومة، مقاومة القسام والسرايا.. وأبو علي، وكتائب الأقصى، وكل فصائل المقاومة في قطاع غزّة التي بدأت تعلن حضورها في الضفّة الفلسطينية منطلقة من جنين ومخيمها وطولكرم وتمتد في أنحاء الضفة، والرهان على امتداد روح الطوفان إلى الضفّة التي أرسلت بعض أنباء عملياتها من مخيمات أريحا، وبخاصة مخيّم عقبة جبر الذي أذكره جيداً كوني من أبناء مخيم النويعمة غير البعيد عنه.

والآن، ماذا أقول وقد بلغنا الشهر السابع، رغم كل التدمير والقتل: نثق بإخوتنا المقاومين، ومعهم نعلن التمسّك بالأهداف: إيقاف الحرب على قطاع غزّة وضمناً على الضفة، والانسحاب من كل القطاع لعودة أهلنا إلى بيوتهم، أو مواقعها المدمرة  والتي حتماً سيعيدون تعميرها، وتوفير كل ما يحتاجه أهلنا من الغذاء والدواء والوقود، وبعدئذ الانتقال لتبادل الأسرى، فالذين وقعوا يوم 7 تشرين أول في قبضة أبطال الأقصى والسرايا هم أسرى وليسوا رهائن، والحرب لم تقع يوم 7  أكتوبر، ولكنها استؤنفت وأهدافها ثابتة، لنا في سجون العدو ألوف الأسرى الأبطال الذين يجب أن يغادروا السجون ليتنفسوا هواء الحريّة.

أما حقوق شعبنا فقد بدأت تتردد في هتافات حشود المتظاهرين في مدن العالم وبخاصة الغربي، وهذا بفضل تأثير بطولات أبطال الطوفان، وافتضاح جرائم الصهاينة و”جيشهم” المتوحش وما توفره له إدارة بايدن من أسلحة، وهو ما يتحقق في هتافات ملايين البشر في التظاهرات في نيويورك، ولندن، وباريس، وبرلين: فلسطين حُرّة حرّة، وأبعد من ذلك: من النهر إلى البحر فلسطين حرّة.. وهذا ما حققه فجر “طوفان الأقصى” يوم 7 تشرين أوّل 2023.

قد يعجبك ايضا