دولة الانكار والاجرام لا تواجه بالمناشدة والاسترضاء / بشارة مرهج

بشارة مرهج ( لبنان ) – الأربعاء 24/1/2024 م …




بالتوازي مع الحرب الدموية العنصرية التي يشنها على غزة والضفة يتابع الكيان الصهيوني العنصري غزواته للمسجد الأقصى المبارك وإنتهاك حرمته ومنع غالبية المقدسيين من زيارته والصلاة في محرابه. واذا كان العدو يفعل ذلك إستجابة لنزواته وإرواءً لغليله فإن غرضه الأبعد هو فصل هذا الصرح الديني التاريخي عن القدس وأهلها وأكنافها تمهيداً للاستيلاء عليه واستكمال مخططاته المرسومة في بناء الهيكل المزعوم على انقاضه، وكل ذلك بناء على نظرية مُختلقة تدّعي: ” ان لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل.”
وخلال أسبوع الميلاد المنصرم توقع كثيرون أن ” تقتنع” تل أبيب بإقرار هدنة مؤقتة لإتاحة المجال أمام حجاج الأراضي المقدسة والزوار والمصلين أن يقوموا بواجباتهم الدينية . غير أن هذه التوقعات ذهبت بها رياح الحرب التي أصّرت تل أبيب على مواصلتها بكل ضراوة ضد غزة والضفة وفلسطين ولبنان والمنطقة بأسرها غير عابئة بمشاعر مئات ملايين البشر الذين يتوقون لزيارة القدس ومعاينة معالمها ودروبها وشوارعها العتيقة، متمسكين بعاداتهم وقيمهم الإنسانية التي تحتم إحترام الأديان السماوية وعدم التعرض للأماكن المقدسة أو للمؤمنين والمصلين .
وإذ تتمادى الدولة العنصرية في إجرامها كان يفترض بالمجتمع الدولي، الذي يباهي بتمسكه بمبادئ الحرية ، أن يبادر الى فرض وقف إطلاق النار احتراماً للمناسبة وإستناداً الى قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة التي عكست إرادة دولية عارمة في ارغام تل ابيب على وقف عدوانها والكف عن مجازرها التي تتركز على العائلات والأطفال والمستشفيات والمدارس فضلاً عن الصروح الدينية التي دكتها دكاً في غزة دون أن تبقي لها أثراً رغم ان العديد منها، سواء كانت إسلامية أو مسيحية ، يعتبر صروحاً دينية تاريخية أثرية رافقت نشؤ الأديان في منطقتنا العربية.

ان تخاذل ” المجتمع الدولي” عن اتخاذ أي تدابير جدية لحماية القدس والاقصى والصروح الدينية في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية لا يمكن اعتباره تقصيراً أو اهمالاً وانما هو تواطؤ فاضح مع تل ابيب، لا سيما وأن الاعتداءات الصهيونية تكررت وتمادت وألحقت أفدح الاضرار بالجوامع والكنائس والمقابر والمقامات التي يعود تاريخها الى قرون ماضية وتعتبر جزءاً من التراث الإنساني.
وهذا التغاضي “الاممي” عن هذه الجرائم الفظيعة يمكن اعتباره مشاركة في الجريمة وتشجيعاً للكيان العنصري على الاستمرار في تجاهل منظومة القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تنظم علاقات الدول والمجتمع البشري بالحد الأدنى، كما يمكن اعتباره تحريضاً على الاستمرار في قتل الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه بالنيران والحصار والتجويع ، خاصة بعد أن برهن هذا الشعب انه شعب شجاع يتمسك بالحياة تمسكه بحقوقه وأضه ومقدساته، وأنه في سبيل ذلك مستعد لتقديم أعظم التضحيات التي يقف امامها العالم بتقدير واحترام. ومما لا شك في هذا المجال ان النظام الأميركي يخشى هذا البروز الفلسطيني ويخشى أثاره الايجابية على نهضة الشعوب وتحركها في سبيل التحرر والاستقلال واستعادة الثروات مما يوجه ضربة قاسية للإمبريالية تريد واشنطن استدراكها بواسطة الحرب على غزة ومشاركتها الفعالة فيها.
ان رفض العدو الصهيوني وقف الحرب على غزة يعني انه مصمم على تحقيق اغراضه الستراتيجية في توسيع دائرة الاستيطان وإنهاء الوجود الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية مهما كانت التكاليف، ومهما تعاظمت الضغوط عليه . لذلك لا يجوز بعد اليوم التواصل معه او مناشدته القبول بوقف اطلاق النار الذي لن يستجيب له إلا اذا أرغم على ذلك ارغاماً، وإلا اذا رأى بأم العين الخسارة الستراتيجية التي يمنى بها جراء استمرار الحرب. وهذا بالنسبة له غير وارد، في هذه اللحظة ، على الأقل، التي تشهد انكاره الحقيقة وتشبثه بآمال تتهاوى ساعة بعد ساعة على يد أبطال المقاومة في غزة والضفة ولبنان واليمن والعراق، كما على يد الجماهير التي تملأ ساحات المدن الكبرى في اميركا وأوروبا استنكاراً وتنديداً بإسرائيل وقيادتها وسياستها.
ان وقف العدوان على غزة الذي أصبح مطلباً دولياً تسانده الشعوب في اقطار العالم لا يمكن تحقيقه وإنقاذ أطفال غزة وعائلاتها من الإبادة الجماعية إلا بتصعيد المواقف الواقعية والعملية ضده على صعيد السياسة والاقتصاد والملاحقات القانونية وسواها، على ان تكون البداية قطع العلاقات معه وتكريس مقاطعته لا سيما من قبل الأنظمة العربية التي ” صدقت” انه يمكن للعقرب ان يغير من عاداته. ان مهمة الأنظمة العربية ليس الوقوف في نقطة الوسط بين القدس وتل ابيب، انما مهمتها مساندة الشعب الفلسطيني حقاً وبحسب مقررات القمم العربية التي وقعّ عليها الرؤساء والملوك والامراء ، تلك المقررات التي لا يجوز نقضها أو تحريفها ، خاصة انها كانت بمثابة عهود ومواثيق يتحمل مسؤوليتها كل من وقعّ عليها وتبناها وتعهد، باسم شعبه، احترامها وتنفيذها .
ان فلسطين اليوم وقد غيرت المعادلات وتفوقت على العدوان وشع نورها في كل البلدان، من حقها أن تتطلع الى وقفة عربية جادة وفعالة بوجه عدو يطمع بكل عواصم العرب، وكل مواردها ، وكل ما تمثله من عطاء انساني وحضاري تعتز به الأجيال على مر الأيام.
ولا يغربن عن البال ان غزة عندما انتفضت في 7 أكتوبر 2023 على الكيان العنصري الصهيوني انما انتفضت رداً على العدوان المتمادي الذي يقوم به هذا الكيان على الأقصى المبارك ، معتبرة ان هذا العدوان يحمل ويلخص في طياته كل نيات العدو في الاستيطان وبناء الدولة اليهودية الخالصة على كل الأرض الفلسطينية وما يعنيه كل ذلك من تشتيت للشعب الفلسطيني وضرب مقوماته و” ازالته ” من على الخارطة ، فهل كثير على غزة وهي تحارب باللحم الحي نيابة عن العرب وكل المؤمنين والاحرار في العالم أن ننصرها بالفعل لا بالقول فقط ؟!

قد يعجبك ايضا