سقوط في السفارة / فجر يعقوب

 

فجر يعقوب ( الأربعاء ) 9/11/2016 م …

الاستقصاء الصحافي هو عملية نبش في الخـــفــايا وكــشف المسكوت عنه. ربما يصبح مع انفجار الوفرة الفضائية الى حدها الأقصى من أهم البنود في تعريف الصحافة الحديثة التي يجب ألا تخلو من فن الاستقصاء. ليس بعيداً من هذا التعريف يكمن البرنامج الاستقصائي الذي قدمه أخيراً مراسل «الجزيرة» تامر المسحال في ملاحقة خفايا اغتيال الناشط الفلسطيني عمر النايف في السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية مطلع العام الجاري.

«سقوط في حرم السفارة» لم يكتف بالكشف عن تلك التفاصيل المخفية في قضية الاغتيال اذ ترتبط خيوط القضية الغامضة ارتباطاً وثيقاً بتحركات أشخاص رسموا مصير الرجل من قبل أن تحدث الفاجعة. فمنذ لحظات احتمائه الأولى بالسفارة بدا أن هناك مثلثاً يطبق من حواليه يقول عنه أحد قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ممن ظهروا في البرنامج، إنه مؤلف من عناصر الموساد الإسرائيلي، والإهمال الرسمي الفلسطيني، والتواطؤ البلغاري.

ضمن هذا المثلث يسير تامر المسحال بخطوات استقصائية مدروسة ومكلفة لجهة التنفيذ من النواحي الانتاجية. قد تبدو مطاردة هذه الخيوط وتجميعها مسألة في غاية السهولة، لكن الوقوف عندها وتركيبها يبدو أكثر صعوبة من صناعة فيلم وثائقي، اذ يبدو المسحال هنا موفقاً في إعادة تصدير تلك العلاقة المفترض نشوئها بينه كصحافي وبين المصادر التي يمضي اليها.

كثيرون من ظهروا في البرنامج ليؤكدوا فرضية اغتيال الناشط الفلسطيني، بعكس الرواية الرسمية التي تؤكد فرضية انتحاره من طريق استخدام عقار دوائي لمرض السكري.

الدكتور منذر لطفي رئيس اتحاد الأطباء الشرعيين العرب ينفي إمكان أن يكون هذا الدواء من ضمن الأدوية التي تستخدم في حالات الانتحار. الكمية التي تناولها النايف كبيرة جداً. تنفي زوجته أن يكون قد امتلكها في وقت سابق. ملفات التشريح البلغارية تؤكد وجود كسور في القدمين والجمجمة وهي تضفي بذلك مزيداً من الغموض على القضية.

النبش الاستقصائي الذي مارسه المسحال في البرنامج، مع توافر امكانات كبيرة في تنقلاته ظل ناقصاً على رغم وجود إشارة خطيرة الى رجل أعمال فلسطيني مقيم في بلغاريا اسمه هشام رشــدان سُرِبت مكالمة له يحكي فيها عن قلة خبرة الأشخاص الذين قاموا بقتله، وهذا بدا واضحاً من طريقة ترتيب الأدوية في الغرفة التي وجدت فيها كميات كبيرة من القيء والدم.

على رغم الاثارة التي نجح المسحال في عكسها فإن استقصاء هذه الجريمة لم يكن كاملاً، أي أنه لم يحصل على المعلومات التي تتيح القول إن النايف اغتيل في السفارة. عرف المشاهد أشياء كثيرة مجهولة عن الناشط الفلسطيني المغدور، لكن الاستقصاء ظل يدور في مثلث قيل عنه الكثير.

قد يعجبك ايضا