علاقة السادات الخاصة مع أمريكا / مجدى حسين

مجدى حسين ( مصر ) – الإثنين 1/1/2024 م …




الرئيس السادات كان تحت الأنظار والتقييم لفترة طويلة من الزمن من قبل أمريكا كبديل محتمل لعبد الناصر فى حالة موته ، كما انه شخصية مهمة فى ذاته منذ أن أصبح رئيسا لمجلس الأمة ، مجلس الشعب فيما بعد ، ومن القلائل جدا من الضباط الأحرار الذين تواصلوا فى الحكم مع عبد الناصر ، وهو ما يعود لكفاءة خاصة عند السادات فى السير فى ركاب عبد الناصر وعدم تمثيل أى تهديد له أو حتى إظهار أى نوع من الاعتراض على أى قرار من القرارات .

الزوجة الانجليزية ، جيهان ، تفتح الطريق على الأقل من خلال المخابرات البريطانية لدراسة شخصيته وكيفية فتح خطوط معه . وهذا على سبيل التحليل المنطقى وليس لدى معلومات مباشرة فى هذا الصدد ، ولكن لدى معلومات موثوقة أكثر خطورة .

فى عام 1976 على ما أذكر حصلت على نص مقال بالواشنطن بوست يدور حول علاقة الولايات المتحدة بالسادات وأن العلاقة تتم من خلال كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية وأنه يحصل على مليون دولار بصورة دورية من خلال هذه القناة . كان السادات رئيسا عندما نشر هذا المقال ، وعادة مايرفع الرؤساء وكبار المسئولين فى العالم قضايا تشهير ضد الصحف التى تنشر مثل هذا الكلام أمام القضاء الأمريكى وهم يحصلون أحيانا على أحكام لصالحهم وتعويضات وصلت فى إحدى المرات ل 20 مليون دولار . والمهم هو تبرئة ساحة المسئول أو الرئيس ولكن السادات لم يحرك ساكنا .

علاقة السادات الوثيقة بكال أدهم كانت معروفة ، حتى أن موسى صبرى رئيس تحرير الأخبار كتب فيما بعد فى مقال أنه راجع السادات فى علاقته مع أشرف مروان باعتباره رجل ليس فوق مستوى الشبهات . فقال له السادات : أعمل إيه يا موسى .. أنا أحتاج لمثل هذه الشخصيات فى موقف معينة ، فأنا أرسله لبلاد الخليج ليحصل لى على أموال حتى لا أحرج نفسى بطلبها مباشرة !

كان من المعلومات المستقرة أن السادات ليس من المجموعة المقربة للاتحاد السوفيتى كمجموعة على صبرى .

وأضيف هنا هذا المقال الذى كتبته منذ سنوات .

السادات كان يتلقى مكافأة منتظمة -مليون دولار – من المخابرات الأمريكية قبل أن يكون رئيسا

كان السادات له ميول أمريكية مبكرة ، وهذه قصة طويلة ولكنها بإختصار تتمثل فى تجاوبه مع المصيدة الأمريكية التى نصبت له عن طريق كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية . وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست فى عام 1976 مقالا مخابراتيا يتحدث عن حصول الملك حسين ملك الأردن وأنور السادات على مرتب ثابت من المخابرات الأمريكية . وكان المرتب مليون دولار لكل منهما . وكان السادات يتلقى هذه المكافأة عن طريق كمال أدهم . والملفت للنظر أن الاثنين : الملك حسين وأنور السادات رئيس الجمهورية المصرية لم يصدر من أى واحد منهما بيانا ينفى هذه المعلومات أو يرفع قضية تشهير وسب وقذف على الصحيفة فى المحاكم الأمريكية كما يفعل كثير من القادة والرؤساء ، كما فعل مثلا أرئيل شارون رئيس وزراء اسرائيل مرة حين رفع قضية تشهير على مجلة نيوزويك الأمريكية .

بل الطريف بعد ذلك أن موسى صبرى رئيس تحرير الأخبار والصحفى المقرب من السادات نشر بعد ذلك بسنوات أنه قال يوما للسادات أنه غير مرتاح لاعتماده على أشرف مروان كمساعد له – ولا أدرى ما علاقة ذلك بتهمة التجسس لصالح اسرائيل – فلم يعترض السادات على ملاحظة موسى صبرى ولكنه قال له : : أعمل إيه يا موسى .. أنا مضطر أستخدمه ليجلب لى المال من بلاد الخليج بدلا من أقوم بنفسى بهذه المهمة المحرجة وأذل نفسى.!!

كذلك سافر السادات مباشرة للولايات المتحدة فى برنامج زيارة خاصة استمر قرابة الشهر . وهو نفس البرنامج الذى مر به بطرس بطرس غالى الذى أصبح وزير دولة للشئون الخارجية فى مصر ثم أمين عام .

الأمم المتحدة وبالإضافة لهذه العلاقة الخاصة والميل نحو أمريكا فعندما تولى السادات الرئاسة كان أهم ما يشغله لتأكيد شرعيته إستعادة سيناء المحتلة. ولما كان لا يرغب فى الحرب فقد عقد الآمال على التفاوض السرى مع الولايات المتحدة ليستعيد سيناء سلما مقابل الإرتماء فى أحضان أمريكا والابتعاد التام عن الاتحاد السوفيتى . ولكن أمريكا لم تكن ملهوفة على هذه الصفقة ، فقد كانت منحازة تماما لاسرائيل ، وغير مستعدة لعقد صفقة مع السادات إلا بعد استسلامه الكامل للشروط الأمريكية وعلى رأسها القيام بتفاوض مباشر مع اسرئيل وتطبيع العلاقات معها وإنهاء العلاقات مع الاتحاد السوفيتى أولا . وقد جرت مناقشات شاقة بين عام 1970 حتى نهاية 1972 بين السادات وكيسنجر وزير خارجية أمريكا ومسئول الأمن القومى ، وهو يهودى . وكانت المفاوضات سرية وبدون لقاء مباشر لم يكن ممكنا فى ذلك الوقت ولكن عبر أحد كبار مديرى شركة الكوكاكولا الذى كان يزور مصر خصيصا لهذا الهدف ككادر فى المخابرات الأمريكية فى ثوبه كرجل أعمال . وكانت خلاصة المقابلات ترسل لواشنطن عبر السفارة الأمريكية . ويقول محمد حسنين هيكل الذى أورد هذه المعلومات فى أحد كتبه إن المخابرات المصرية كانت قد طورت أدواتها فى المراقبة وكانت تحكم التنصت على كل غرف السفارة الأمريكية فعلمت بذلك الاتصال السرى المنتظم الذى كان يجرى بدون علمها . وهذه قصة مهمة تكشف خطورة قيام النظام السياسى على حكم الفرد فيتخذ وحده أخطر القرارات بدون علم مؤسسات الدولة المعنية .

وبموازة ذلك قام حافظ اسماعيل مسئول الأمن القومى المصرى بمفاوضات رسمية مع هنرى كيسنجر فى واشنطن فى محاولة للوصول إلى تسوية سلمية تؤدى لإستعادة مصر لسيناء . ولكن كيسنجر مل من هذه المباحثات وأبلغه بمنتهى الصلافة أنه لا جدوى من هذا الحديث ” فأنتم تتحدثون كما لو أنكم انتصرتم فى الحرب – يقصد حرب 1967 – وتريدون أن تفرضوا شروطكم” !

وانقطع المساران العلنى والسرى فى التفاوض بين السادات وأمريكا ، وهنا أدرك السادات ضرورة الحرب لتحريك عملية السلام وليس لتحرير سيناء ، من خلال العبور واحتلال شريط مواز للقناة فى سيناء والقضاء على خط بارليف . وهذا ما حدث بالفعل فى النصف الأول من حرب أكتوبر . ولكن وصل الأمر إلى حد أن السادات بعث برسالة إلى كيسنجرفى الأيام الأولى من حرب أكتوبر يؤكد فيها أنه لا ينوى تطوير الهجوم فى سيناء أكثر من ذلك . وكان هذا من الخطورة بمكان ، بل اعتبره جمال الغيطانى فى مقال بأخبار اليوم عام 2014 خيانة صريحة ، لأن السادات أبلغ العدو بنوايا مصر أثناء إحتدام المعارك المبكرة ، وهذا ما نقلته أمريكا لإسرائيل وهو ما ساعد اسرائيل على تركيز جهودها على جبهة الجولان السورية وترك جبهة سيناء مؤقتا بدون تركيز ، وبالتالى عملت اسرائيل بكل طاقتها لعدة أيام حاسمة على الجبهة السورية واستعادت الجولان بعد تحريرها فى الأيام الأولى للحرب . وهذه الرسالة التى أرسلها السادات لكيسنجرمنشورة بنصها فى أخبار اليوم بعد نشرها فى وسائل الاعلام الأمريكية ولم يطعن أى طرف فى صحتها . بل تعتبر من الوثائق المفرج عنها فى الولايات المتحدة بعد مرور 30 سنة عليها .

ما يعنينا الآن أن السادات أتخذ قرارا استراتيجيا منفردا بضرورة إنهاء الحرب مع اسرائيل والإرتماء فى أحضان أمريكا حتى قبل تحرير سيناء . وكان يرى بالإضافة لذلك أن أمريكا ستحل مشكلات مصر الاقتصادية ، وهذا فهم قاصر ، فلا يحل مشكلات الوطن الاقتصادية أو غير الاقتصادية إلا أبناء الوطن أنفسهم وبسواعدهم .

ما يعنينا فى هذه الدراسة أن السادات بيت النية بشكل حاسم على الغدر بالاتحاد السوفيتى بدعوى أن هذا هو الطريق الوحيد لإستعادة سيناء . ولا ندرى كيف كيف يمكن أن تتحقق المصلحة الوطنية من خلال موقف غير أخلاقى . فى العلاقات الشخصية كما فى العلاقات بين الدول لابد من المعاملة بالمثل ، والأخذ بالظاهر ، وأن تحسن إلى من يحسن إليك ، فإذا افترقت عنه لأى سبب فلابد أن يكون بالحسنى وبدون غدر ولا بد أن تعطى كل ذى حق حقه . بل علمنا الله عز وجل أنه حتى مع المحاربين فلا يجوز الغدر بهم عندما تكون هناك هدنة , والاتحاد السوفيتى لم يكن محاربا لنا بل كان يعطينا السلام الذى نحارب به والذى انتصرنا به فى المرحلة الأولى من حرب أكتوبر . – وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين – الأنفال 58

بحث السادات عن الخير ، أى مصلحة الوطن ،عند قاطع الطريق المجرم والمسئول الأول عن قتل عشرات الآلاف من المصريين فى حربى 1967 و1973 وما بينهما فهو الذى سلح اسرائيل وظاهرها . وبدون أمريكا فإن اسرئيل تخسر الكثير من قوتها الاستراتيجية . أمريكا هى المسئول المباشر مع اليهود عن احتلال كل فلسطين والاستيلاء على المسجد الأقصى وكل القدس . أمريكا كانت ولا تزال هى المشكلة ولم يكن الاتحاد السوفيتى هو المشكلة بدليل أن السادات أخرج الخبراء السوفيت بجرة قلم . وقطع العلاقات كلية مع الاتحاد السوفيتى بمنتهى السهولة

 

قد يعجبك ايضا