المحامي محمد احمد الروسان يكتب: ويستمر العبث الأمريكي المعولم من أوكرانيا الى جيب غزة

 

 المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – الأحد 24/12/2023 م …




*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …

= = الاستثمارات الأمريكية في المكونات القوقازية لتفجير الساحات …

== الاقتصاد السياسي والمسألة الأوكرانية والعدوان على القطاع … 

ولنفكر من خارج الصندوق: انّ وراء الأحداث السياسية والعسكرية والمخابراتية والاجتماعية، وحتى الثقافية الفكرية، يقف الاقتصاد السياسي خلفها، مثلاً: قناة الهند – ممر بايدن، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، لماذا؟. 

لأنّ الاقتصاد السياسي: يقوم على انتاج وإعادة انتاج الحاجات الأساسية، وفي نفس الوقت يحدد من يحوزها بالاستغلال أو القوة أو الحرب أو الاحتلال، فبجانب هذا السبب وأسباب أخرى، هكذا نقرأ دوافع المذبحة الأمريكية الإسرائيلية البريطانية البعض عربية في غزة الان، كما قرأنا المواجهة الروسية الأطلسية من قبل وما نزال، وكيف حوّلت أمريكا والغرب أوكرانيا الى دولة معطوبة وفاشلة، فمن تونس الخضراء، الى مصر، الى ليبيا، الى سوريا، الى أوكرانيا، الى السودان ودارفور، ونيجريا وكل ساحات أفريقيا،  والى غزة، يقف الاقتصاد السياسي سبباً هاماً في أسباب الحروب.

انّ فهم الاقتصاد الأممي، غير ممكن بدون مبضع، بعبارة أخرى: أي مجس أو أداة تحليل الاقتصاد السياسي، لذا نفهم أنّ مصالح أمريكا وأوروبا وجلّ الغرب، أي استعمارهم الاقتصادي لنا ولوطننا، هو سبب تسليحه وحمايته للكيان الصهيوني اللقيط، وليس محبته لهم أو كرههم لنا.

 

الولايات المتحدة الأمريكية، جيشها المدجّج بالسلاح، هو الجيش الوحيد في العالم، الذي لا يستريح بالمطلق، فأينما وجدت المصالح الأمريكية، تجد الجيش الأزرق – جيش اليانكي هناك، بجانب مصفوفات أمنية مختلفة، وفروع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وباقي فروع مجتمع المخابرات، وبجانب غطاءات العمل العسكري والاستخباري، من خلال يو إس إيد – واجهة لوكالة الاستخبارات الأمريكية في عروق جغرافيات العالم، والشركات المتعددة الجنسيات، حيث السي أي ايه، تحمي ثروات النخب المهيمنة على وول ستريت، وثمة نازية أمريكية تتعمق في مجتمع المخابرات، وتتلاقح مع الإرهاب الأمريكي والاسرائيلي المعولم، وعلى راسه ارهاب جيش العصابة في إسرائيل، حيث جغرافية غزّة العزّة، العصية على التطويع وديمغرافيتها، صارت مقبرة للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ولكل قيم الديانات والأعراف الدولية، من خلال التوظيف والعبث في المجتمعات، المراد توليفها وجعلها، في خدمة السياسة الأمريكية وكأداة استراتيجية لها، فهناك مبدأ وأساس، في عمل وكالة المخابرات المركزية الامريكية يقول: عندما تعجز عن تغير الرقعة الجغرافية لصالحك، اعمل على تغيير اللاعبين فيها، وهذا ما تسعى له أمريكا وإسرائيل في غزة وتحت عنوان: تجديد السلطة الفلسطينية، واحضار مثلاً: حسين الشيخ ومن هم على شاكلته من الفلسطينيين، على ظهر الدبّابة الامريكية والإسرائيلية، والمصير سيكون مثل مصير حسني الزعيم في سورية والتي حكمها خمسة أشهر، والتي ندمت أشد الندم المخابرات الامريكية في الرهان عليه والاستثمار فيه، حيث أوغل في دوره أكثر مما هو مطلوب منه مخابراتياً، وفي النهاية الاغتيال وفي البرازيل.

 

وعبر هذا المبدأ الاستخباري السابق، والذي صار أساس في عمل المخابرات الأمريكية، هو تماماً ما تعمل عليه أمريكا وحلفائها، ومنذ عقدين من الزمن في روسيّا، لشطب فلادمير بوتين، ومنظومات حكمه، وتنصيب أخر موالي لها ولهم، ولكنهم فشلوا حتى اللحظة، ويفشلون وسيفشلون، فلم يستطيعوا تطويع الجغرافيا الروسية، عبر الجغرافيا الأوكرانية، ويحاولون الان على تغيير اللاعبين في موسكو، من خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، والتي أعلن بوتين رغبته بالترشح لها، خدمة لشعبه وصيانة لأمنه القومي.

 

وبالرغم من الحرب الأمريكية الإسرائيلية البريطانية على غزّة، كعدوان ثلاثي الأبعاد، والتي فشلت حتى اللحظة وصدمت الكارتل الحاكم هناك، في عواصم العدوان وأتباعه من بعض عرب وغرب، نجد العبث الأمريكي المستمر وبعمق، مع اللعب على الحبال كلها، فهناك معلومات ومستنتجات واستنتاجات، مؤكدة وتم مقاطعتها، أنّ واشنطن تسعى الى توظيفات للمكونات القوقازية من شركس وشيشان وغيرهم، لكثير من المجتمعات المتواجدة فيها هذه المكونات من سنين، ومنها بعض المجتمعات في دول عربية مثل سوريا والأردن، وكذلك تركيا وغيرها، لتجنيدهم وزجهم في معركة الأطلسي في أوكرانيا، وتعمل على ادارتهم من الخلف، وفقاً لمفهوم الإدارة والفعل ومن الخلف في المسألة السورية، ضد الفدرالية الروسية وعمليتها العسكرية المشروعة في الداخل الأوكراني، من خلال توظيف التاريخ وأحداثه السابقة، وخلق مفهوم الانتقام لدى هذه المكونات، من الروس ورثة الإمبراطورية الروسية.

 

وانّ من شأن ذلك، أن يسيء للعلاقات العربية الروسية، والتي تتطور باستمرار، بعد المواجهة الروسية الأطلسية بشكل إيجابي، لصال الروس والعرب والمسلمين معاً، كذلك من شأنها الإساءة الى العلاقات الثنائية، لهذه الدول مع الروس، وبشكل أوضح: الإساءة الى خطوط العلاقات الروسية السورية الثنائية، وأيضاً على طول خطوط العلاقات الروسية الأردنية، والتركية الروسية.

 

هذا العالم المجنون، في حالة مخاضات مؤلمة وحادة غير مكتملة، لكن في النهاية، الولادة ستحدث، ان ولادة طبيعية، وان ولادة من الخاصرة، لعالم متعدد القوى والمراكز، والفدرالية الروسية القوّة الصلبة بالنسبة لأمريكا، لا تشكل فقط مشكلة تقليدية حادة وقادحة، بل تحدي حقيقي كقوّة عسكرية صلبة، وكذا الصين، التي تملك القوى الناعمة، الاقتصادية والنقدية – المال.

 

ومخيوط المنظومة الدولية مختلف تماماً، بعد العدوان على غزة ونتائج ذلك، بجانب نتائج وتداعيات العملية العسكرية الروسية الخاصة والمشروعة في الداخل الأوكراني والذي يعج ويزخر بالنازية الجديدة، عن العالم ومخيوطته ما قبلها، حيث العلاقات الدولية الآن تتفكّك، بفعل اليانكي الأمريكي عبر النازيين الجدد، وعبر توظيفاته لتلك الأقليات في المجتمعات العربية، وإعادة انتاج الحروب في القوقاز، عبر الشركس والشيشان وغيرهم من جديد.

 

والسياسة يا سادتي القرّاء: معادلات حسابية، وفي السياسة وعلمها، لا غنى عن الرياضيات السياسية، وأجمل ما في الرياضيات أنّها لا تكذب ولا تنافق ولا تجامل العواطف والعقول، وأساس علم الرياضيات المنطقية هي البديهيات، والأخيرة هي القضايا الفكرية، التي لا تحتاج الى براهين، واحتلال العقول أخطر من احتلال الأرض.

 

انّ حالات من الكباش السياسي والعسكري والاقتصادي والدبلوماسي والأمني الاستراتيجي تتعمّق بشكل عرضي ورأسي، وتضارب المصالح والصراعات على أوروبا والحدائق الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفها – دول أمريكا اللاتينية وعلى رأسها فنزويلا، ومثيلتها الحدائق الخلفية للفدرالية الروسية وحلفها وعلى قلب الشرق بلاد الشام، سورية المتآمر عليها، والقضية الفلسطينية المراد تصفيتها، عبر العدوان والحرب على غزة، وتداعيات وعقابيل ذلك على الأردن، المراد توسعته ديمغرافيا وجغرافياً، وربما عبر الحاق الضفة الغربية المحتلة به من جديد، تحت عناوين جاري العمل على تصنيعها، لشطب امكانية قيام أي دولة فلسطينية لاحقاً، مع هندرة لطبقة الكريما السياسية في الاردن، بعناوين انتخابية برلمانية وحزبية، وما زالت ناشئة، لمزيد من الخلط والبلط، وجعله بديلاّ بنظام بديل ورأس جديد.

 

ولبنان المراد تفكيكه، واعادة تركيبه لتفكيك المقاومة ونزع سلاحها، فلسطين المحتلة وجعلها دولة يهودية نقية، كل ذلك من أجل ادامة الصراع في المنطقة وادارته الى حد ما فيها خدمة لمصالح اليانكيز الامريكي، عبر تمكينات هنا وهناك لنموذج دولة البانكرز، كدولة عميقة في مختلف الساحات والحارات، ومنها ساحتنا الاردنية – فقد صارت دولة البانكرز الاردنية هي المسيطرة على مفاصل الدولة، والدولة العميقة التقليدية تعمل لديها(أي لدى دولة البانكرز).

 

وأعتقد وحسب المعطيات الدولية، أن تتدهور العلاقات بين روسيا والصين وايران من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جانب آخر، استناداً إلى تدفقات الأخبار والمعلومات التي تكشف كل يوم الدور المتعاظم والمتزايد الذي تقوم به موسكو والصين وايران، في مواجهة تحديات النفوذ والهيمنة الأمريكية – ها هو يتعمق تدهور العلاقات في عهد الناطق الرسمي جو بايدن، لعميق الدولة الامريكية التي تعيش حالات من مخاضات غير مكتملة في مفاصلها.

 

استراتيجية واشنطن دي سي والغرب والناتو، هي مزيج من الدبلوماسية والهجوم على أطراف الدول المستقلة ذات السيادة، والعودة الى المربع الأول لاشتعال شرارات الحروب، لأشغال الجميع بالجميع، واستنزاف الكل الاقليمي بالكل الدولي، لغايات صون مصالح واشنطن وحلفائها، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الأخرى، ومصالح الفدرالية الروسية وحلفائها وشعوبها، بسبب تحول أوكرانيا دمية وأداة بيد الناتو وأمريكا لغايات احتواء روسيّا، فنتيجة الاستعصاء الأمريكي والغربي والناتوي، في المسألة الأوكرانية، عبر العبث بالجغرافيا هناك، إزاء الفدرالية الروسية، يعملون على خلق وتخليق، فوضى عميقة في الشرق الأوسط من خلال حرب الأمريكي في غزة، بعد أن شطب 7 أكتوبر، ممر بايدن البحري، والذي يجعل من ميناء حيفا المحتل عقدة مواصلات، فجاءت أمريكا وخاضت هذه الحرب، لشطب مبادرة الحزام والطريق الصينية، وجعل كل ساحات الشرق الأوسط غير مستقرة، انّه الاقتصاد السياسي يا سادة، والذي يقف كواحد من أسباب عديدة، لخوض الأمريكي معركة غزة العزة، عبر التوظيف الإسرائيلي فيها، واللعب مع وعلى بعض العرب مع كل أسف.

 

المملكة الأردنية الهاشمية بعنوانها الملك، تدرك عمق وحقيقة خطاب نواة الدولة الروسية بعنوانها الرئيس فلاديمير بوتين، في فضاءات العالم ككل، ضمن مشهديه دولية جديدة صارت واقع، وكذلك في مجالاتها الحيوية لموسكو في الشرق الأوسط حيث نوعية الخطاب، ومدايات الرؤية والأداة، للوصول الى عالم متعدد الأقطاب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وللوصول الى عالم أكثر عدالة وتنمية وازدهار.

 

 كما يتمدد هذا الأدراك الأردني للخطاب الروسي الاستراتيجي في الفضاء الأوراسي وتشابكه مع الخطاب الصيني والإيراني، في ذات نطاقات الفضاء الأوراسي، فعمّان تعلم أنّ من يسيطر على أوراسيا يسيطر على قلب العالم، ومن هنا يشكل ذلك سبب بجانب أسباب أخرى لحقيقة الصراع الروسي الأمريكي، والذي يتم تظهيره الان من خلال الحرب الأوكرانية – المواجهة الروسية الأطلسية، بفعل الطاحونة السورية والطاحونة الأوكرانية معاً، مع تعزيز موسكو للصراع البريطاني الامريكي الخفي، لتحقيق مصالحها المتعددة، بالتشارك مع الصين وايران وجلّ دول البريكس وخاصة الهند، وأدوار متقدمة ومتعددة لمنظمة شنغهاي للتعاون – المعادل العسكري للناتو في حين منظمة البريكس، المعادل الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، والأخير بدأ يتفكك وفي طور ذلك مراحل بدأت، بسبب سعي أمريكا لشطب أوروبا وابتلاعها، كونها ساحة تنافس اقتصادي عميق لها، فخلقت الأزمة الأوكرانية لتحقيق ذلك.

 

 تعقيدات الطاحونة السورية وعشرية النار، ودور روسيا الإيجابي فيها، لدعم النسق السياسي السوري، قاد الى مشهد الطاحونة الأوكرانية الحالية، وهذا ما تعيه عمّان جيداً، بجانب ادراكات ملكية أردنية، أنّه ثمة فوبيا عميقة الهدوء، ولكنها صاخبة فوق المشهد الدولي، على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية، وخطوط العلاقات الروسية ازاء الشرق الأوسط والعالم.

 

عمّان صارت أكثر ادراكاً، أنّ ما يجري في الشرق الأوسط، هو حصيلة جمع نتائج التصادم الدولي حول المصالح الاقتصادية وأوثق استثماراتها وعلاقاتها، بجانب صناعة الأزمات والإرهاب والاستثمار في العلاقات العسكرية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وعلى منابع الطاقة ومسارات عبورها ووصولها، بأقل تكلفة وبأسرع وقت الى مصانع ومجتمعات منظومات الدول المتصارعة.

 

ونتيجةً لتلك الادراكات الاردنية السابقة في عمقها، وبسبب ممارسة الكيان الصهيوني معنا ومع العالم العربي، استراتيجية الثعلب بتفاصيلها الخبيثة: على الدولة الأردنية باعتقادي وعنوانها الملك: أن تنتهج استراتيجية القنفذ الشائك بكل تفاصيلها، ان في الداخل الأردني مع التنويع، وان في الخارج الأردني مع المحيط، وفي التعامل مع عالم ما بعد المواجهة الروسية الأطلسية، والذي ينحو نحو عالم متعدد الأقطاب، ولكن لماذا؟ وأشرح وأقول:

 

بين استراتيجية الثعلب واستراتيجية القنفذ: ثمة قطب مخفيه، حيث يقوم الثعلب بكل الحيل والإستراتيجيات الممكنة من أجل محاولة اصطياد القنفذ، فقد يتسلل أو ينقض أو يسابق أو ينصب كمينًا أو يدعي الموت، فقط من أجل التمكن من القنفذ، ولكنه يفشل دائمًا في محاولاته، بسبب أن القنفد قادر على القيام بحركة واحدة، ولكن على نحو ممتاز، هي حماية نفسه، من خلال التكور، بحيث يبدو من الخارج ككرة من الأشواك.

 

الثعلب حيوان أنيق وذو دهاء، يسعى لتحقيق العديد من الأهداف والمصالح في ذات الوقت، ولكن بسبب هذه المجموعة الواسعة من الأهداف والإستراتيجيات، يصبح تفكيره متناثراً يفتقر إلى التركيز، لذلك لا يحقق الكثير على المدى الطويل.

 

في المقابل، القنفذ بطيء وثابت، وغالبًا ما يغفل الناس عنه أو يقلّلون من تقديره، لأنه متواضع وهادئ، ولكنه على عكس الثعلب، لديه قدرة مذهلة على تبسيط الأمور، والتركيز على رؤية واحدة شاملة، هذا هو المبدأ الذي يحكم كل ما يفعله، والذي يساعده على النجاح رغم كل الصعاب.

 

والسؤال هنا: لماذا يتفوق القنفذ؟.

والجواب هنا: قام الكاتب الأمريكي(جيمس سي كولينز)بتطوير هذه الفكرة وإبراز تطبيقاتها في عالم إدارة الشركات، في كتابه الشهير: من جيد إلى عظيم، الصادر في عام 2001 م، والذي أشار خلاله إلى أن الشركات تكون أكثر عرضة للنجاح، إذا كانت(مثل القنفذ)تركز على شيء واحد، وتقوم به على نحو جيد، موضحًا أنها من خلال القيام بذلك، يمكنها أن تتغلب على منافسيها لتصبح شركة كبرى.

 

يقول جيمس كولينز: اتضح أنّ كل القادة الجيدين والعظماء، يتبعون إستراتيجية القنفذ، فهم يعرفون كيف يقومون بتبسيط العالم المعقد ضمن رؤية موحدة، وهو ما يؤدي إلى توحيد وتنظيم جميع قراراتهم، وتوظيف مواردهم وطاقاتهم، بشكل أفضل ومرن، بينما يميل الكاتب الأمريكي إلى رؤية إستراتيجية الثعالب: على أنّها مشتتة، تفتقر إلى التركيز وغير متناسقة.

 

وفي توضيحه لكيفية تحديد الفائز والخاسر في المنافسة، أشار كولينز: إلى أن الثعلب يحاول دائمًا أكل القنفذ، في حين أن كل ما يقوم به القنفذ، هو التكور لحماية نفسه، ويظل على هذا الحال إلى أن يصيب الثعلب التعب أو الملل أو يشتته شيء آخر، ليتابع القنفذ بعد ذلك طريقه.

 

يقول المفكر مارفين بريسلر: إن الشيء المشترك بين أصحاب التأثير على مر التاريخ، هو أنهم جميعًا اتبعوا نظرية القنفذ، جميعهم أخذوا فكرة معقدة وقاموا بتبسيطها، فكرة واحدة وصلوا بها إلى أبعد ما يمكنهم، وهذا ما فعله فرويد في مفهوم اللاوعي، وماركس مع الصراع الطبقي، وآينشتاين مع النسبية، وآدم سميث مع مفهوم تقسيم العمل.

 

لذلك: أن تكون واضحًا ومحددا، هي قوة لا مثيل لها، وبالمناسبة القنفذ ليس غبيًا، بل على العكس تمامًا، هو يدرك أن جوهر البصيرة العميقة هو البساطة، ووفقاً لبريسلر: أولئك الذين ينتهجون إستراتيجية القنفذ ليسوا سُذجاً، وإنما يمتلكون نظرة ثاقبة تسمح لهم بالرؤية بشكل واضح، خلال المشهد المعقد.

 

وببساطة متناهية: القنفذ يركز على ما هو ضروري، ويتجاهل أي شيء آخر، ومن هنا علينا أن نفكر من خارج الصندوق، كدولة أردنية في علاقاتنا ومصالحنا، مع جلّ الدولة الصاعدة في ظل عالم متعدد الأقطاب، مع الفدرالية الروسية والصين، وباقي المنظومة الدولية، بعيداً عن التوريطات الأمريكية اليانكية، من خلال اتباع استراتيجية القنفذ الشائك وكفى.

 

وان كانت أوكرانيا ساحة المواجهة بين الفدرالية الروسية من جهة، والغرب وأمريكا والناتو من جهة أخرى، فانّ كل شبه الجزيرة العربية ومملكات قلقها، ستكون ساحة المواجهة بين الصين وأمريكا، في اللحظة الحرجة التي تقرر واشنطن حصار الصين غريمتها.

 

انّ شيفرة المنظومة الدولية ومخيوط علاقاتها بدأت بالتغيير والتغير قبل وأثناء وبعد مواجهة القرن الحادي والعشرين، في ألفية ثالثة للميلاد: المواجهة الروسية الأطلسية، عبر عروق ومنحنيات الجغرافيا والديمغرافيا الأوكرانية، وتداعيات ذلك على الكوكب وسكّانه، وبفعل تفاعلات ومفاعيل حركة التاريخ، الذي يتقيأ على عتبات بيوت بعض الدول، حيث التاريخ لسان الجغرافيا، ولم تعد مشهدية المنظومة الدولية، أحادية قطبية متوحشة، ويمتد هذا الادراك الدولاتي، الى أنّ عمق وحقيقة خطاب نواة الدولة الروسية بعناوينها المختلفة، وتشاركيتها مع الصين وايران وبعض الفاعلين السياسيين في الساحات والمساحات، وحتّى الأحياء في الحارات “والزنقات”، في فضاءات الشرق الأوسط والعالم من حيث نوعية الخطاب، ومدايات الرؤية والأداة، للوصول الى عالم متعدد الأقطاب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين – خطاب الرئيس الروسي فلادمير بوتين في المؤتمر الاقتصادي الدولي في سان بطرسبورغ بنسخته 2022 م دليل صحة على جلّ ما نحلله.

 

كما يتمدد هذا الأدراك الدولاتي، للخطاب الروسي الاستراتيجي في الفضاء الأوراسي والعالم، وتشابكه مع الخطاب الصيني في ذات نطاقات الفضاء الأوراسي وساحات ومساحات العالم، حيث المؤرخون الذين يواكبون حركة التأريخ، يعلمون أنّ من يسيطر على أوراسيا يسيطر على قلب العالم، ومن هنا يشكل ذلك سبب بجانب أسباب أخرى لحقيقة الصراع الروسي الصيني الايراني من جهة،  والأمريكي البريطاني الفرنسي الغربي من جهة أخرى، بفعل الطاحونة السورية والطاحونة الأوكرانية الأن وهي نتاج الأولى، أنّها ثمة فوبيا عميقة الهدوء، ولكنها صاخبة فوق المشهد الدولي، على طول خطوط العلاقات الروسية الصينية الايرانية الأمريكية ومع الغرب، وخطوط العلاقات الروسية الصينية ازاء الشرق الأوسط الذي يتعسكر.

 

لقد بتنا وصرنا، أكثر ادراكاً ووعياً، ويتعمق ادراكنا كل لحظة وساعة ويوم، أنّ ما يجري في العالم والشرق الأوسط، هو حصيلة جمع نتائج التصادم الدولي حول المصالح الأقتصادية وأوثق استثماراتها وعلاقاتها، بجانب صناعة الأزمات والأرهاب والأستثمار في العلاقات العسكرية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وعلى منابع الطاقة ومسارات عبورها ووصولها، بأقل تكلفة وبأسرع وقت الى مصانع ومجتمعات منظومات الدول المتصارعة. وانّ الأتفاقيات الأستراتيجية بين أقوى المكونات الدولية موجودة، والخلافات صارت محصورة في الأهداف وكيفية المعالجات، ومقاربات المصالح الدولية الأقتصادية والسياسية، خاصةً مع وصول الفدرالية الروسية الى المياه الدافئة، حيث منابع النفط والغاز والصخر الزيتي واليورانيوم واستثمارت موسكو وبكين الحقيقية في ديكتاتوريات الجغرافيا، للوصول الى عالم متعدد الأقطاب وحالة من التوازنات الدولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

 

نظرية البحار الخمسة – المتابع يذكرها، التي طرحتها مفاصل الدولة الوطنية السورية ذات يوم، على لسان الرئيس السوري بشّار الأسد ونظرية الفالق الزلزالي، وأنّ العنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو الخلع الاستراتيجي من المنطقة وفي المنطقة، و المتمثل في اعادة هيكلة الوجود الأمريكي في أفغانستان وليس بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بعد اعادة(هندرة)الوجود الأمريكي في العراق المحتل، وثمة أدوار قادمة للناتو في العراق، والذي صار يعود من جديد عبر ما يحدث في الأنبار وتحت عنوان مكافحة الأرهاب، من هنا تأتي أهمية إرباك العالم والمنطقة الساخنة في الشرق الأوسطية كحاجة أميركية للخروج من متاهاتها العميقة، عبر اعادة تموضعها وحصر أولوياتها وتنازلات هنا وهناك، للوصول في النهاية الى تفاهمات مع التكتل الدولي الآخر وعنوانه: موسكو بكين طهران كوريا الشمالية – وقال الرئيس الروسي في خطاب سان بطرسبورغ الاقتصادي: على واشنطن أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح قوى ومراكز جديدة في العالم.

 

مخيوط نواةّ البلدربيرغ الأمريكي ومن تقاطع معها من أطراف في المنظومة الدولية المعادية للنسق السياسي السوري، ومن يدعمه من الحلفاء كروسيّا وايران والصين وكوريا الشمالية وجلّ دول البريكس الأخرى وباقي المقاومات في المنطقة وفي العالم، هذه النواة الولاياتية الأمريكية الأممية وأدواتها في المنطقة، تريد حرباً من زاويتها لا تنهي داعش ومشتقاته والقاعدة ومشتقاتها، بل تعمل على اضعاف هذه الفيروسات وتثبيط نشاطاتهم الأرهابية لغايات اعادة الهيكلة والتوجيه من جديد نحو الآخر(حلفاء دمشق)الداعم للنسق السياسي السوري في أكثر من ساحة وأكثر من منطقة في العالم، مع استنزاف مستمر لسورية الدولة والمؤسسات والقطاع العام والجيش وباقي المنظومة الأمنية – المواجهة الروسية الأطلسية عبر أوكرانيا نموذج ومثال.

 

فهذه النواة البلدربيرغية الأمريكية تعي وتعلم أنّ النظام في سورية أقوى من أن يسقط، وأضعف من أن يسيطر ويحتوي عقابيل ومآلات التآمر عليه، هكذا تعتقد وتظن والى أبعد الحدود وبشكل مفعم وعميق في التفاؤل في(استراتيجياتها الصامته الجديدة)العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي.

 

الغارات على مجتمعات الدواعش في الداخل السوري تتقلص نوعاً وكمّاً، وأحياناً تتصاعد وحسب الحاجة الأمريكية، والساحات في المنطقة تترابط، وادارة جو بايدن كناطق رسمي باسم الدولة العميقة ومفاصلها وتمفصلاتها، لا تبحث عن شريك حقيقي لمحاربة أبنائها البيولوجيين من الدواعش كفيروسات أنتجتها تماماً، كفيروسات الكورنا وفايروس جدري القردة وفيروس أيبولا والأيدز ضمن نطاقات وسياقات الحرب البيولوجية، حيث لم تعد تسيطر عليها وقد مسّها الكثير من النصب والأرهاق والتعب.

 

ولأنّه لا ثمة علاقة بين السياسة والتنجيم، حيث الضرورات تبيح المحظورات، فنرى أنّ منظومات المصالح الأمريكية وتوثيق العلاقات الأقتصادية، تدفع بالحكومة الأمريكية كصدى حقيقي للمجمّع الصناعي الحربي الأمريكي والبلدربيرغ، وعبر استراتيجياتها الصامته الجديدة الى الدخول في استراتيجية الضرورة وهي: البحث عن الشريك الحقيقي لها في محاربة المنتج من الفيروسات الأرهابية غير المسيطر عليها في الداخل السوري والمنطقة، ولكن جوزيف بايدن وبعض كارتلاته لا يريدون ذلك، ويعملون على اللعب بالورقة الكردية(الكرد تروتسك صهيوني عميل معولم الجميع يستثمر فيه وبه)بشكل مزدوج ازاء دمشق وازاء أنقرة، ويعتبرون الكرد بأنّهم شريك الضرورة واستراتيجيتها للولايات المتحدة الأمريكية في القضاء على الدواعش و \ أو تجميدها، واعادة هيكلتها وترويضها من الزاوية الأمريكية الصرفة – دقق من زاوية واشنطن ومصالحها؟.

 

فمن كان في أذنيه وقر وصمم من دول الدمى في المنطقة ليسمع، ومن كان منها على قلبها أكنّة، لتعمل على ازالتها والعودة الى ثقافة الحياة لا ثقافة الموت، الذي تروّج له عبر فكر ابن تيميه والوهابية الفكرية بشقيها السياسي والعسكري، وأن لا تتجاوز وترتكب الحماقات في تجاوز حقيقة الجغرافيا وترابطها، وحقيقة التاريخ المشترك وتداعياته.

 

ولسان حال الفدرالية الروسية يقول: بأنّ هناك حصار تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ضربه حولنا، من قلب أوروبا وحدودنا الحيوية في مواجهة شبكة صواريخها هناك، حتى آسيا الوسطى، فالمسألة تبدو بالنسبة إلينا كأنها استعادة أميركية كاملة للأجواء التي كانت سائدة بيننا قبل أكثر من نصف قرن، لمجرد أن واشنطن أدركت فقدانها لأحادية قطبيّتها العالمية، عادت معالم الحرب الباردة، ثم لدينا مصالحنا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المتوسط، لم يعد لدينا موطئ قدم هنا إلا في دولتين اثنتين: الجزائر وسورية، ومن الخطأ الفادح التفريط بأي منهما، خصوصاً في سورية الدولة المركزية المحاذية لكل قضايا الشرق الأوسط والمشرق العربي، فضلاً عن القضايا الملامسة لبعدنا الاستراتيجي في أوراسيا وحدودنا الجنوبية.

 

وتقول معلومات استخبارات، وبعد تفاقمات الأزمة الأوكرانية وثبات النسق السياسي السوري، ومضي الدولة الوطنية السورية في برامجها السياسية والعسكرية، وتماسك الجيش العربي وتماسك القطاع العام السوري، فأنّه وبناءً على توصية مشتركة شارك في بلورتها البنتاغون، ورئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي سوليفان، بالتعاون مع انتوني بلينكين وزير الخارجية الحالي، ومدير السي أي ايه وليام بيرنز مهندس الاتفاق النووي مع ايران، والذي ينشد ويشحد الحوار وزيارة ايران وعلناً، قام مؤخراً قائد القيادة الوسطى الأميركية، باصدار قرار لوحدات القيادة الوسطى، بضرورة استخدام وحدات القوّات الخاصة لتنفيذ المزيد من العمليات السريّة في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً، حيث تقوم القيادة الوسطى الأميركية باعدادات متزايدة للبنى التحتية، التي سوف ترتكز وتقوم عليها العمليات السريّة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية حالياً وفي المرحلة القادمة في الشرق الأوسط، وباقي مناطق العالم ذات العلاقة والصلة بالرؤية الأستراتيجية الأميركية، حيث هناك عمليات سريّة تم القيام بها وعمليات أخرى قيد التنفيذ، وأخرى ما زالت تخضع لمزيد من الدراسة، وبالتنسيق مع المخابرات الأسرائيلية وبعض الدول العربية الحليفة لواشنطن، كلّ حسب قيمته ودوره وحاجة أميركا له.

 

 ويعترف قادة الجيوش الحربية الأمريكية بوضوح، أنّ العمليات السريّة الأميركية الحالية والقادمة، سوف تزيد الشرق الأوسط سخونةً على سخونة، وبالتالي سوف تؤدي الى تصعيد عسكري في مختلف مسارحه وبؤره الملتهبة، ويضيف أحدهم أنّ هذا التصعيد العسكري المتفاقم، له تاثيرات حيوية وايجابية  لناحية، تحفيز ودعم خطط المساعدات العسكرية والمخابراتية الأميركية، حيث تسعى واشنطن من خلالها الى تعزيز المصالح الأميركية القومية في المنطقة، والى دعم حلفائها الإسرائيليين والمعتدلين العرب – بل المعتلّين العرب –  دول اعتلال عربي لا اعتدال.

 

كما تؤكد قيادة الجيوش الحربية الأمريكية على أنّها ستعمل على نشر المزيد من القواعد العسكرية الأميركية، حيث تتمركز فيها أسراب الطائرات بدون طيار، كالقاعدة التي يجري اقامتها في منطقة قريبة من الحدود بين سورية والأردن في منطقة الأجفور لطائرات دارون الأمريكية، وتطويرات لقاعدة  موفق السلطي في الأزرق وقد أعلن عن ذلك سابقاً، وبناء القدرات التكنولوجيا المتطورة المربوطة بالأقمار الصناعية، لتوجيه واعادة توجيه الطائرات بدون طيار بشري، وتحقيق القدرات على الأستطلاع وجمع المعلومات ذات القيمة الأستخبارية في المنطقة، ومتابعة دقيقة لمختلف الأهداف ذات القيمة الأستخبارية الأستراتيجية والتكتيكية في المنطقة أيضاً(الاتفاقية الدفاعية الاردنية الامريكية فعّلت كل ذلك).

 

نعم المؤسسة السياسية والاستخبارية والعسكرية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وبالتماهي والتساوق والتنسيق مع جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ) و وول ستريت وشركات النفط الكبرى، يسعى الجميع لتدمير الوجود الروسي في المنطقة، وهذا هو الهدف من الأزمة التي خلقها وأحسن خلقها بخبث مجتمع المخابرات الأمريكي والبريطاني والفرنسي بالتعاون، مع استخبارات البنتاغون والأستخبارات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في أوكرانيا، كنتيجة للآستعصاء في المسألة السورية وتماسك صلابة الموقفين الروسي والصيني.

 

انّ السياسة الأمريكية مع الروس مع بدء المواجهة الروسية الأطلسية، هي كمن يطلق النار على رأسه، وفي باقي الساحات والمساحات الدولة ومنها الشرق الأوسط، كمن يطلق النار على قدميه، ولا بديل للعلاقات البراغماتية على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية، ومسألة ضخ السلاح الأمريكي والغربي في الداخل الأوكراني، من شأنها أن تقرّب مسألة المواجهة العسكرية المباشرة بين موسكو وواشنطن – ومؤخراً قام الروس بضرب القاعدة الأمريكية في التنف السوري المحتل، لضرب مجاميع إرهابية من ما يسمى بجيش المغاوير السوري، وتم ابلاغ واشنطن عبر القناة العسكرية الخاصة من قبل الروس، ومن شأن ذلك أن يقود الى مواجهات عسكرية قادمة، بين الجيش الأمريكي المحتل والجيش الروسي في الداخل السوري.

 

الجيش الأمريكي، هو الذي يكاد يكون الجيش الوحيد في العالم الذي لا يستريح، وهو محرك عروق الاقتصاد الأمريكي، حيث الأخير اقتصاد قائم على الحروب والكوارث والأزمات، التي تصنعها الدولة العميقة في واشنطن، وانتاج السلاح ومصالح المجمّع الصناعي الحربي الولاياتي الامريكي، وحرب الوكالة التي تخوضها أوكرانيا، عبر النازيون الجدد والفاشست وداعش أوكرانيا الان، بالنيابة عن أمريكا والناتو والاتحاد الاوروبي ضد روسيّا، هي تجارية اقتصادية لصالح أمريكا من جهة، وحضارية ثقافية بالعمق من جهة أخرى.

 

والمفارقة العجيبة المضحكة المبكية هي: أنّ سويسرا انضمت وبشكل سريع للعدوان الرأسمالي المعولم ضد الفدرالية الروسيّة، وأضخم الكذب والافتراء، أنّ سويسرا بلد محايد، بينما هي أخطر عدو للطبقات الشعبية العالمية، كونها مغسلة فساد العالم، وامبريالية المال المنهوب والمحمي.

 

 استراتيجية دفاعية وهجومية أمريكية، وتحديثات مستمرة لمفاصلها وتمفصلاتها الاممية وفعلها على الميدان الدولي، لثالوثها النووي البحري والجوي والصاروخي، وبالخلفية أيضاً تحديث، لمجتمعات استخباراتها وأفعالها القذرة في جلّ ساحات الخصوم والحلفاء على حد سواء – أوكرانيا الان نموذجاً، لوقف تآكل القوّة العسكرية الأحادية الشاملة، أمام الفدرالية الروسية والصين وكوريا الشمالية وايران، وهي استراتيجية تنافس من جهة، ومواجهة عسكرية ومخابراتية وسيبرانية من جهة أخرى، وحفاظاً على حيوية الأقتصاد الأمريكي وهو اقتصاد حروب.

 

فأمريكا تتهم كل من روسيّا والصين بتقويض قوّة الناتو، والأخير من مخلفات الماضي التليد وهو حلف عدواني لا دفاعي، ونلحظ في الكواليس وتحت الطاولة رغبة أمريكية في انهائه للناتو، لكنّ الأوروبي متمسك به، كونه يرى أنّ الأمريكي يسعى الى شطبه للأوروبي بالمعنى الأستراتيجي عبر افتعاله للمشكلة والمسألة الأوكرانية من جهة، ولاحتواء روسيّا وافشالها من جهة أخرى، والناتو يحمي أوروبا من روسيّا هكذا تفكر كوادر القارة العجوز، بالرغم من حديث سابق للرئيس الفرنسي ماكرون والذي صار بريد رسائل هنا وهناك على طول خطوط الحرب الروسية الأوكرانية الأطلسية الناتوية: أن الناتو في حالة موت سريري، وهنا وبشكل مؤقت تعمل أمريكا على احيائه للناتو، لتحقيق أهدافها عبر المسار الأوكراني ازاء روسيّا.

 

وجاءت موضوعة مكافحة الإرهاب المعولم كأولوية ثانية في المسار العسكري التحديثي لواشنطن، وظهرت أمريكا في مفاصل رؤيتها العسكرية، أنّها في غاية القلق من التمدد العسكري والأقتصادي لكل من الصين وروسيا وايران في أفريقيا والشمال الأفريقي، وترى أنّ القوّة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة لفرض الهيمنة والقرارات على العالم، فوجدت ملاذها وأخيراً في خلع القفّازات وقرع طبول الحرب لاستعادة ما فقدته من نفوذ في العالم، حيث الاستخباراتيون الأمريكان يعودون من جديد في الخارجية الأمريكية، ولمواجهة صراعاتها من تحت الطاولة ومع بريطانيا أيضاً لاحقا، ووصفت كل من روسيّا والصين كقوى رجعية، وصار جليّاً للجميع ومن خلال فواصل ونقاط الخطاب العسكري الأمريكي، أنّ واشنطن لم تحارب الإرهاب الدولي يوماً، لا بل عملت على رعايته وتسكينه وتوطينه واستثمرت فيه، ومع كل ما سبق لم تعد أمريكا في قاموس البوط العسكري وقاموس البوط الاقتصادي(باعتبار الأقتصاد الأمريكي اقتصاد حروب وقائم عليها)تتصدر القائمة، فجاءت استراتيجيتها الدفاعية والهجومية الجديدة كنوع من الحنين الى ماضي الأحادية في ظل عالم ينحو نحو التعددية وحفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، وهنا عرّت التعددية القطبية الهدف الأمريكي، فصار حلم ووهم.

 

أحسب وأعتقد، انّ مستقبل العالم يتقرر ضمن عقيدتين اثنتين: امّا علاقات تسودها المواجهة والهيمنة، أو بالتعاون والتنمية في ظل فرض عالم متعدد الأقطاب، بسبب الفعل الروسي والصيني وجلّ دول البريكس وعلى رأسها الهند، وعبر الحدث الأوكراني الحالي وقبله الحدث السوري وجلّ الفالقة السورية ومسارات خطوط أنابيب النفط والغاز.

 

يتجسّد وبتجذّر في شخص الرئيس الأمريكي جو بايدن، ثنائية هيلاري كلنتون وباراك أوباما، وبعبارة أوضح: تجد فيه العنصرية البيضاء في هيلاري، والحقد على لون الذات في أوباما، كون المشغّل واحد(البلدربيرغ الأمريكي رغم الانقلاب الأبيض داخل نواته، بين دولة الظل العميقة الجديدة، والتي رأت في ترامب الرئيس السابق امتداد لها، بعكس الدولة العميقة الكلاسيكية والتي ترى في بايدن ونائبته وهيلاري وأوباما امتداد لها)، وأمريكا ما زالت كما هي من الداخل لم تتغير وان تغير الرئيس، فالأخير عنوان حكومة الأوتوقراطية الأمريكية الداخلية حكومة الأغنياء طبقة الأرستقراطيين الأغنياء” وأداتهم التنفيذية المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي، فأمريكا لا يغيّرها حاكم، لأنّه افراز المناخ الداخلي وتشابكاته الخارجية في البلدربيرغ، لا بل هو صدى المصالح الطبقية الحاكمة، والأخيرة يعبر عنها الكونغرس الأمريكي بكارتلات أعضائه كممثلين للشركات والمصانع.

 

*عنوان قناتي على اليوتيوب – طالباً الاشتراك بها حيث البث المباشر اسبوعيّا عبرها لشرح اشتباكاتي السياسية، وآخر التطورات المحلية والإقليمية والدولية – ضع على محرك البحث على اليوتيوب التالي: طلقات تنويرية.

 

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

 

[email protected]

منزل – عمّان : 5674111     خلوي: 0795615721

سما الروسان في : 24 – 12 – 2023 م.

هاتف المنزل: 5674111    خلوي : 0795615721

 

 

قد يعجبك ايضا