متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا / أحمد الحباسى

 أحمد الحباسى* – السبت 23/12/2023 م …




* كاتب و ناشط سياسي …

سيخيب بكم الظن إن فكرتم أو سبح خيالكم في الأفق البعيد على أساس أن هناك صاحب سلطة يفكر فيكم أو يهتم لمصيركم أن يريد لكم التمتع بالديمقراطية و حرية التعبير أو يعطيكم الأمل في ما يسمى بالانتخابات الشفافة و التداول على السلطة . هذه أضغاث أحلام مجنونة و آمال معلقة في المجهول و انتظارات يائسة لن تحقق و لو بعد قرون في وطننا العربي المكبوت . مع ذلك لا تيأسوا إطلاقا من رحمة الله عسى أن يعوضكم خيرا و يبعد عنكم استبداد المستبدين و جبروت المتجبرين. لا تيأسوا لان الأمرّ من الهزيمة أمام حاكم مفرط في الاستبداد و الغرور و النرجسية هو الشعور بالعجز أو القدرة على المقاومة و هي أهداف سعى إليها ذلك الحاكم باستعمال كل أدوات التنكيل و الترهيب . لعلكم تتساءلون من فرط الغباء أو الإفراط في حسن النية عن الأسباب الوجيهة التي تجعل الحاكم العربي يهجر سبل الديمقراطية و السباحة في بحر حرية التعبير و يتغاضى عن حق رعيته في العيش الكريم و لعلكم لا تواصلون طرح السؤال لأنكم تعلمون علم اليقين مصير من سبقوكم في طرحه و كيف تشرفوا بزيارة من حملوهم وراء الشمس ليطول اختفاءهم و تطال الحيرة المكلومة أهاليهم .
ربما يخصص الحكام العرب بعض فتات الأموال البترولية أو المنهوبة من جيوب الشعب باسم الضرائب بدعوى نشر التعليم و محاربة الأمية و الجهل و لكن و بالمقابل لا يتورع هؤلاء على تحصين حكمهم الفاسد بسنّ القوانين و الأوامر العليّة و المراسيم المقصود منها تحجيم كل الأصوات المثقفة المتعلمة التي تطالب بالديمقراطية و حرية التظاهر و التعبير عن الرأي المخالف زائد تمكين المؤسسة الدينية الحليفة من حق تسليط كل أدوات الضغط على كل من تسوّل له نفسه التعرض بالهمز أو اللمز أو الاستهزاء أو الاستنكار لما يأتي من الأسياد الحكام الذين يخلعون على أنفسهم ألقابا تجعل من المسّ من هالتهم ضربا من الجنون و الزندقة و يزينون صدورهم بنياشين الاستحقاق و هم لم يرفعوا يوما صوتا ضد الاستعمار و الاحتلال و لم يقدموا للمحتل إلا آيات الطاعة و التبجيل . لاحظ معي كيف انحنى أغلب حكام العرب لأوامر السلطان الأمريكي الجائر حتى تعلق الأمر بنجدة إخوانهم الفلسطينيين و كيف تباروا فرادى و جماعات و هرولوا لممارسة التطبيع مع هذا الكيان في عزّ تقتيله لأبناء غزة المنكوبة .
لعل مصيبة الشعوب العربية لم تقتصر على ما تتعرض له من استبداد و إذلال من طرف كبار مسئوليها بل تعدّى ذلك إلى ركوب بعض عمائم الشرّ موجة دموية تكفيرية عاتية اتخذت تسميات متعددة ، جبهة النصرة ، حركة النهضة ، داعش ، بوكو حرام ، جبهة الإنقاذ ، حزب العدالة و التنمية، القاعدة في بلاد المغرب العربي الإخوان المسلمين، حركة أحرار الشام ،حزب التحرير تونس ،جيش الإسلام، الجبهة الإسلامية . يقال أن الدين هو أفيون الشعوب و لذلك ركبت عمائم الشر و من وراءها دكاكين السفارات و المخابرات المتآمرة و قوة المال البترولي موجة ما يسمى بالدعوة إلى الجهاد ضد من وقع نعتهم بالحكام الطغاة الذين خططت الولايات المتحدة و إسرائيل للتخلص منهم و أنزلت قائمة أسماءهم كل واحد منهم تحت ذريعة أو حجة معينة و مختلفة و كان من الغرابة بمكان أن تترك المخابرات الأمريكية نظام الرئيس المصري الراحل محمد حسنى مبارك لتنهشه ضباع الشر من رموز الإخوان و من والاهم من المتآمرين و العملاء .
حين يصل الأمر في تونس إلى تغول مافيا الاحتكار و الفساد و بيع الضمائر و المتاجرة بقوت الشعب حدّ قطع و إخفاء و احتكار كل المواد التموينية الأساسية و تتواصل الأزمة الخانقة لأكثر من أربعة سنوات من حكم الرئيس قيس سعيد الذي استحوذ على كل السلطات دون جدوى فلا بدّ أن نقرّ حسما أن هناك منظومة باتت ـأقوى من الدولة بل لنقرّ أنها مدعومة من لوبيات فساد نافذة في الإدارة و في القضاء و في الأمن و الأحزاب و هي منظومة باتت قادرة على تجويع الشعب و دفعه للعصيان المدني أو الهروب بحرا إلى بعض البلدان الأوروبية بحثا عن لقمة العيش و ربما يتحول البعض إلى باعة متجولين للمواد المخدرة و ممارسة الدعارة و أحيانا إلى ضحايا استقطاب من أجهزة مخابرات مختلفة . يقال أن الجوع كافر و بهذا المعنى تقوم عصابات الاحتكار و بعلم الدولة أحيانا بالتلاعب بالأسعار و بعمليات التزويد و هو استعمار لذهن المواطن و جيبه حتى يبقى مجرد شخص هشّ يسهل تطويعه للقيام بمقاولات مثل ممارسة الإرهاب أو بيع المواد المخدرة أو ضرب الاستقرار. من الواضح أن الاستعمار قد اتخذ أشكالا متعددة و من الواضح أن المواطن العربي هو مجرد فأر تجارب تجرّب فيه كل أساليب الاستبداد و الاحتكار و التكفير .

قد يعجبك ايضا